|
فصل المظالم في السودان
|
فصل المظالم في السودان كان الراحل قرنق يحمل بين جوانحه رؤية حالمة للسودان الوطن الكبير ، فقد كان يتوق لبناء وطن واحد يضم في أطيافه جميع مكونات المجتمع السوداني بلا إستثناء ، كان يريد أن يكون حق المواطنة هو الممر الوحيد لنيل الحقوق وتسليم الواجبات ، قد كفر الراحل قرنق بالأحزاب السياسية وهو كان محق في هذا التصرف ، لذلك حاربت الحركة الشعبية كل حكومات المركز في الشمال ، لأن هذه الحكومات ربما تكون مختلفة عن بعضها البعض في عدد من القضايا ولكنها تحمل تصوراً واحداً لقضية الجنوب ، بعد وصول الجبهة الإسلامية للحكم وبعثرتها للبيوتات الحزبية الكبيرة أتُيحت للتنظيمات السياسية في الشمال فرصة الإلتقاء مع الحركة الشعبية ، هذه الوحدة كانت من أجل إسقاط النظام ، لكن الآليات لعمل ذلك كانت تختلف بين الطرفين ، التجمع الوطني كان يراهن على إنتفاضة شعبية مسنودة من الخارج تعيد الشرعية المفقودة بينما كانت الحركة الشعبية تراهن على البندقية من أجل نيل الحقوق وإرساء قيم المساواة ، فإنتفاضتي أكتوبر 64 ورجب 85 غيرتا أنظمة مستبدة ، فاسدة ، لكنهما لم تغيران النظرة التقليدية لأهل الشمال نحو أهل الجنوب ، وحرب الجنوب الأخيرة بدأت في عهد السيد/الصادق المهدي ، وبرنامج الحرب الشهير " في ساحات الفداء " بدأ بثه في العهد الديمقراطي ، لذلك ليس من الغريب أن يعلن السيد/الصادق المهدي أن نظام الإنقاذ شمولي بنسبة خمسين في المائة ، وما يقوله أو يفعله اليوم لن يختلف عن ما قاله أو فعله مع نظام النميري ، فالتاريخ يعيد نفسه ، ورؤية حزب الأمة لأزمتي دارفور والجنوب لا تختلف عن رؤية الجبهة الإسلامية القومية ، ففي عهد السيد/الصادق المهدي كانت صحف الخرطوم تنشر في صفحاتها الأولى أخبار وصول أسلحة من العراق وإيران تدعم الجيش السوداني لمحاربة الحركة الشعبية ، وجمعية نساء " رائدات النهضة " كانت تجمع المصاغ والحلي من النساء من أجل دعم الحرب ، في هذا الجو المشحون بالكراهية لم يسأل أحد : لماذا تحاربون قرنق في الجنوب ؟؟ فالسؤال المطروح في تلك الساعات هو : انتو يا جماعة قرنق دا عايز يحرر السودان من شنو ؟؟؟ الراحل قرنق كان يريد تحرير إرادة السودانيين من الخوف والتسلط ، كان يريد تحرير السودان من الظلم والإضطهاد ، كان يريد تحريره من سياسة الإستعلاء والإفقار التي كررتها كل الأنظمة التي تعاقبت على حكم السودان ، في السياسة السودانية محظور على أهل دارفور وكردفان والجنوب والشرق أن يكون منهم رئيس للسودان ، والحركة الإسلامية أنشقت في عهد الإنقاذ بسبب هذه القضية ، فقد تم إقصاء الدكتور علي الحاج محمد عن منصب نائب الرئيس بسبب كونه من دارفور وعوضاً عنه تم إختيار الأستاذ/علي عثمان محمد طه ، وتمت مطاردة علي الحاج بتهم الفساد والإختلاس وتوقف العمل في طريق الإنقاذ الغربي ، تم إهمال إقليم كامل وتفريغه من السكان ، الشمال في عهد الإنقاذ حظي بالتنمية ، ربط مدنه بالجسور والطرق البرية ، بناء المستشفيات وخزانات المياه ، هذه النهضة بدأت بعد إستخراج البترول ، وهذه النهضة تمت على حساب مدن مثل بانتيو وملكال وجوبا ، فإستخراج البترول بدأ في عام 98 ..فيا ترى ماذا قدمت الإنقاذ لأهل هذه الآبار ؟؟ فكم عدد المستشفيات في بانتيو ؟؟ وكم عدد الجامعات في جوبا ؟؟ وهل يا ترى تم بناء مطار دولي في ملكال ؟؟ كل ذلك لم يحدث ، نُهبت ثروة الجنوب في وضح النهار ، ولم ينال أهل الجنوب ودارفور وبقية مناطق السودان المُهمشة حتى خطاب تعزية ، أبناء الشمال عندما يفتتحون مشاريع التنمية لأهلهم في كريمة ومروي وشندي يرتدون الزي المدني كأنهم في ليلة عرس ، وعندما يزورون المناطق المهمشة في الجنوب ودارفور يرتدون الزي العسكري ، يحيون ظلامات الحروب وينشدون الشعر ويتعاهدون بجعل مناطقنا دار مستدامة للوغى . سارة عيسي
|
|
|
|
|
|