|
غلاء الأسعار "يخنق" الجنوب ويهدد بنزوح معاكس الى الشمال
|
سودان سفاري
غلاء الأسعار "يخنق" الجنوب ويهدد بنزوح معاكس الى الشمال
نقلاً عن صحيفة آخر لحظة السودانية 20/1/2008م
تقرير : يوسف عبد المنان ثلاث قضايا في الساحة الجنوبية تأخذ برقاب بعضها اتهامات طالت مسؤولين كباراً في الحركة الشعبية وحكومة الجنوب بالفساد المالي واضطرابات في كينيا قطعت عن الجنوب خطوط الامداد الغذائي ومصدر الوقود وبودار حرب طرفية مع الشمال مزقت خيوط التلاقي "الواهنة" وضربت مصالح التجار الجائلين بين بحر الغزال وكردفان وعلاقة متوترة بين حكومة الجنوب ونقابة النقل النهري أعاقت انسياب البواخر عبر رابط النيل الابيض.. أفرخت القضايا الثلاث وضعاً مأساوياً في جنوب السودان بارتفاع جنوبي في الاسعار وغلاء خنق الجنوب وزاد من حنقه وغضبه على الشمال وحكومة الجنوب معاً، التي لم تسلم هي الاخرى من سهام النقد بعد أن اصبحت (معايش) المواطنين في حالة أسوأ بكثير من سنوات الحرب التي انقشعت من سماء الجنوب.. ولكن الاستقرار ورخاء العيش لا يزال مفقوداً.. وقد اشهرت الحركة الشعبية منذ تقلدها السلطة في جنوب البلاد سيفاً صارماً لجز اعناق المفسدين، وأمرت قيادتها بتشكيل لجنة لمحاربة الفساد في الجنوب نجحت حتى اليوم في كبح جماح النفوس الشرهة للمال العام، الشئ الذي بدد الصورة الذهنية الشائهة عن فساد المسؤولين الجنوبيين من مخيلة العامة من الشماليين وبدأ الجنرال سلفاكير ميارديت حربه على الفساد المالي بإقالة وزير مالية حكومة الجنوب أرثر كوين غير مبال بصلات القربى التي تجمعه بالوزير ولا بنفوذه الواسع وسط مقاتلي جيش الحركة الشعبية وساد اعتقاد حين اقالة الحركة لوزير ماليتها بأن الرجل ضحية لصراعات مكتومة داخل جسد الحركة.. إلا إن الأيام قد كذبت الاعتقاد الخاطئ بتوالي صدور القرارات من رئاسة الحركة الشعبية بتكون لجان تحقيق ومحاسبة لقيادات أخرى في الجنوب طالت حاكم ولاية الوحدة الجنرال القوي وضابط المخابرات الذي أسقطته المؤتمر الوطن في دائرة جبل أولياء جنوب الخرطوم لصالح الوزير النافذ عبد الباسط سبدرات في انتخابات المجلس الوطني فهوى تعبان بعصاه على رأس اتفاقية السلام التي جاءت به للخرطوم وعاد للجنوب وأحضان الحركة الشعبية كما كان يشتهي الراحل د. جون قرنق الذي كان حريصاً على عودة ضابط المخابرات تعبان لصفوف الحركة أكثر من حرصه على عودة د. لام أكول ود. رياك مشار لاعتبارات عسكرية ولجنة التحقيق مع تعبان دينق تواصل التقصي حول التهم التي وجهت إليه من قبل نافذين في الحركة الشعبية ومن تنظيمات المجتمع المدن من إدارة أهلية (سلاطين وشيوخ ومجلس تشريعي) وقبل رفع تقرير لجنة التحقيق مع الحاكم تعبان أقال حاكم بحر الغزال أثنين من وزراء حكومته بتهمة الفساد الإداري وتم اخضاعهما للتحقيق والمساءلة القضائية وفي غرب الاستوائية تم إعفاء الحاكم لذات الأسباب. وجملة القرارات التي اتخذتها حكومة الجنوب مع القيادات التنفيذية للقضاء على ظاهرة الفساد المالي والإداري وضعت الحركة الشعبية في نظر المراقبين بأنها أكثر جدية من غيرها في إرساء نظام حكم يغلق الأبواب في وجه المفسدين.. بيد أن أوضاع الجنوبيين على الصعيد الاقتصادي ازدادت سوءاً وتفاقمت الأوضاع المعيشية حتى بلغ سعر جالون البنزين في جوبا ثلاثين جنيهاً، مقارنة بخمسة جنيهات في الشمال وبلغ سعر جالون الديزل خمسة عشر جنيهاً في جوبا وتوريت وذلك بعد الصراعات العرقية التي اندلعت في دولة كينيا والتي أدت لإغلاق الطرق البرية بين كينيا والسودان وكينيا واثيوبيا ويوغندا وتنزانيا، وبانسداد الشريان المغذي لجنوب السودان بالوقود وضروريات الحياة اليومية بدأت الأوضاع في التدهور ولجأت حكومة الجنوب للحلول الاسعافية باهظة التكاليف ونشطت حركة الطائرات بين الخرطوم وجوباً.. غير إن تكاليف النقل الجو ضاعفت أسعار السلع في جنوب السودان.. يقول مصطفى مجوك التاجر في الوقود لـ (آخر لحظة): إن ثلاثة أسباب جوهرية دفعت الأوضاع الاقتصادية للتردي أولها: اختيار حكومة الجنوب لدول الجوار كينيا ويوغندا كمصدر رئيسي يغذي الجنوب بالسلع وضرورات الحياة والاضطرابات في كينيا وتعثر رحلة البواخر بين كوستي وجوبا، ويضيف مصطفى مجوك : (الأوضاع في طريقها للتدهور أكثر في غضون اسبوعين إن لم تتدارك الحكومة الاتحادية الأوضاع بسرعة)، وحول أسباب تعثر انسياب الرحلات النيلية من ميناء كوستي لمدن الجنوب تقول الهيئة النقابية للعاملين بالنقل النهري: ان قبطان البواخر والعاملين فيها اصبحوا هدفاً لعسكر الحركة الشعبية وإن الجرار النهري – (تبلدية) – تم حجزه في منطقة جلهاك الشهر الماضي لمدة خمسة أيام بسبب حادث تصادم نهري بين الجرار (تبلدية) ومركب صغير يقوده عسكريون تابعون للحركة الشعبية في عرض البحر.. ويمضي رئيس نقابة العاملين بالنقل النهري قائلاً : لـ(آخر لحظة) (بطبيعة الحال كان على المركب الصغير تفاد التصادم بالجرار النهري وقوانين البحر والملاحة النهرية تحدد في مثل هذه الحالات خطأ المركب الصغير الذي كان بإمكانه تفادي الصدام مع الجرار الناقل لكن ضعف خبرة قائد المركب الصغير هي السبب في وقوع الحادث) وعن تداعياته تقول النقابة ( تم تفتيش الجرار تبلدية وأخذت امتعة الركاب وتعرض القبطان للضرب وأرغموا على دفع مبالغ مالة طائلة، بحجة إن المركب تعرض للتهشيم وإن رواتب الجنود التي كان يحملها قد فقدت ولذلك قررنا وقف الرحلات النيلية بين كوستي وملكال حفاظاً على أرواح العاملين ولكن تدخلات سياسية عليا جعلتنا نطلق سراح البواخر النيلية لكن العاملين في تلك البواخر اصبحوا زاهدين في العمل بجنوب البلاد اضافة للمضايقات التي يتعرضون لها). وكان جنوب السودان يعتمد كلياً أثناء فترة الحرب على المنقولات الغذائية والوقود والسلع عبر نافذة النقل النهري وقد سعت الحركة الشعبية في حقبة الحرب لوقف ابحار الجرارات النهرية باتجاه الجنوب للضغط بشدة على الحكومة في الخرطوم وحملها على التخفيف من قيودها على منظمات الأمم المتحدة وبرنامج الغذاء العالمي الذي نفد اكبر برنامج في تاريخه لانقاذ المتأثرين من الحرب في الجنوب ويعتمد برنامج الغذاء العالمي على نداءات سنوية للمانحين بتقديم المعونات المالية لانفاذ برامجه الاغاثية في مناطق عديدة من بقع التوترات والنزاعات في العالم وبعد توقيع اتفاقية السلام انصرف برنامج الغذاء العالمي من الجنوب باتجاه اقليم دارفور الشئ الذي خلف من ورائه فجوة غذائية بالجنوب تقدر بنحو 10 آلاف طن متري من الغذاء لسد حاجة مواطني جنوب السودان خلال عام 2008م حسبما تقول تقديرات منظمة الزراعة العالمية (الفاو) وفي اقليم بحر الغزال انسدت نوافذ التواصل بعد الاحداث الدامية التي شهدها بحر العرب واعتداء المسيرية على جسر يربط بين الشمال والجنوب وتحطيمه في لحظة غضب على ارواح ابناء القبيلة، التي سحقتها دبابات الجيش الشعبي جنوب وشمال الجرف ونجم عن احداث بحر الغزال اغلاق الطرق البرية التي كانت تغذي اقليم بحر الغزال بحاجيات السوق وفي الانباء اقدام الحركة الشعبية على قتل سائقين لشاحنات تجارية تم حجزها من قبل عناصر الجيش الشعبي بمنطقة ملوال بشمال بحر الغزال بعد تفشي روح الانتقام هنا وهناك وورد في الانباء ان عناصر من المسيرية تستعد لجولة اخرى من العنف بعد مقتل سائقي الشاحنات التجارية الذين لا ينتمون لقبيلة المسيرية حتى يتشكل صراع جديد في المنطقة تتمدد آثاره لعمق بحر الغزال التي تعتمد على الشمال كلياً في احتياجات مواطنيها. وكشفت احداث كينيا وتداعيات النزاع في بحر العرب وتعثر الملاحة النهرية بين الشمال والجنوب ان الجنوب سيسقط في جوف هوة سحيقة في حال اختياره الانفصال بعد عامين ونصف من الآن حيث تنص وثيقة اتفاق مشاكوس الايطاري على تخيير اهل الجنوب ما بين الوحدة الطوعية أو الذهاب لسبيلهم.. وبات واضحاً للمراقبين ان انفصال الجنوب وتكوين دولة بلا نوافذ بحرية سيجعلها عرضة للابتزاز من قبل جيرانها بما في ذلك الجار الشمالي الذي كان جزءاً منها ومنحة الازمة الاقتصادية التي يعيشها جنوب السودان في الوقت الراهن ربما وقعت القيادة السياسية في الحركة الشعبية والنخب والمثقفين للاقدام على الاستفتاء المرتقب بخيار الوحدة غالباً باتجاه الوحدة وطبقاً لتقارير واردة من جنوب السودان بدأت مجموعات من النازحين الذين تم توطينهم في مناطق شمال بحر الغزال وشمال اعالي النيل في الهجرة العكسية لمدن الشمال هروباً من وطأة الاوضاع المعيشية الصعبة التي حاقت بالجنوب في الشهر الحالي وربما تضاعفت اعداد النازحين لمدن الشمال لصعب على حكومة الجنوب ووزارة الشؤون الانسانية اعادتهم مرة اخرى ومع نزوح اهل الجنوب للشمال ربما نزحت الافكار التي كانت في مخيلة المواطنين عن الجنوب الجديد بعد السلام والاستقرار الذي عاشه والحركة الشعبية بقدر ما كسبت سياسياً بحربها المعلنة على الفساد ومحاولات القضاء عليه فإن هذا الكسب معرض للتبديد في حال تدهور الأوضاع المعيشة في الجنوب لأسباب 90% منها الفاعل الرئيسي فيها الحركة الشعبية نفسها..
|
|
    
|
|
|
|