|
عمودي اليوم: حين يكون الموت جرحا !
|
ضد الأغلال حين يكون الموت جرحا ! خالد عويس [email protected] - كان، كأنما يلملم ثيابه العيدية على عجل، ليمضي مع زائره الوسيم: الموت ! - قهوته الأخيرة.فنجانه الأخير.مرتب، ومدوزن، كأغنية.مثل طائر منح الكون الأفراح كلها، وصفق جناحيه.وللأسى، لم تكن تمطر.لم تكن تمطر في تلك الصحراء القاحلة. - وكقصيدة شعر تليق بالمناسبة، حوّم مثل الفراشة حول الضياء، واغتسل في نبع الكون.اغتسل تماما، واستعد للرحيل ! - هذا الذي زرع الفرح والحزن معا في كلّ دروبنا، ومنحنا (الأمل)، ركب القطار الأخير. - هذا الذي احترق جناحاه، وتعب قلبه، وغارت أغنياته - تماما - في العمق.هذا الذي كتب على الماء، ومشّط شعر القصيدة، وأسرج للأغنية خيول الحب الأبدية ! - يا مصطفى، كيف يكون الموت جرحا إلى هذا الحد ؟ - كيف يكون بهيا، كصبية سمراء، وكيف يكون سماويا، وأنيقا ؟ - كيف يا مصطفى، تفتح للحزن بوابات في كلّ البيوت ؟ - وذاك الصوت يا مصطفى ! ذاك الصوت الذي ينقر إلى غاية الآن على شبابيكنا، وينقّط الضوء على أرواحنا ! - ذاك الصوت المغسول بضوء الفوانيس، وضحكات الجدات، وحقول القمح، وانثناءات النخل، وتموجات النيل، وأصالة التبلدي، وبهاء الأدغال ! - ذاك الصوت المهجّس المعذّب بأنّات الجوعى، ودموع الفقراء ! - ذاك الصوت الذي يحمل صليبه فوق ظهره، ليطرق على بيوت الأيتام، ليلا، وينام في الشارع الخلفي ! - ذاك الصوت الأبنوسي المضمخ بالتراب والندى، المعمّد بالصهيل والأذان والأجراس ! - ذاك الصوت يشبهنا يا مصطفى.يشبه أوجاعنا وأمالنا وأفراحنا.يشبه الجراح التي استعمرتنا.يشبه الضياء الذي يغسلنا.يشبه شوارعنا ومساجدنا وكنائسنا.يشبه أمهاتنا، وركوة قهوتنا.يشبه حسناواتنا، وكهولنا.يشبه جنونا وثرثرتنا وصمتنا. - يشبه أمجادنا وهزائمنا الكبرى، يشبه ثوراتنا وكرامتنا.يشبه نقوش الحناء على أكفّ جميلاتنا، والشامة على خدودهن.يشبه الحقول والجبال والصحراء والأدغال، والنهر المعتّق ! - يا مصطفى، كيف يكون الموت، موتك قاسيا إلى هذه الدرجة ؟ - كيف تكون الحياة نبيلة إلى هذا الحد، وكيف يكون الموت نبيلا، والأغنيات ؟ - يا مصطفى، يا شامة هذا الزمن الخرافي، يا ينبوعه، ومواقيت أفراحه وأوجاعه ! - يا أيها المثقل بالضوء، المضوّع بالعطر، غنّ. فالأغنية حرائق وعذاب وأوجاع وأفراح ! - مضيت كما يمضي الشهداء والفقراء، وبقيت أغنياتك (شهيدة) وطازجة وموشحة بالمعاني العميقة ! - بقيت ألحانك مغروسة في تربتنا الداخلية ! - أما صوتك، فله مدارات الكون، وارتعاشات الروح ! - ومع ذلك، فهم لا يأبهون ! تمر ذكرى (استشهادك) في كلّ عام، فيستذكرك البسطاء والمنفيون والحالمون بوطن جميل.تستذكرك البيوت الطينية، والأكواخ، والمطر والنار، وتهملك (القصور) و(التخمة) و(التلفزيون القومي) !!
|
|
 
|
|
|
|