|
والله لو عثرت شاة بأرض العراق، لخفت أن يسألني الله، لمّ لمْ تسو لها الطريق يا عمر
|
صحيفة السودانى
Quote: فروا من الحج الرسمي
عبد الرحمن الأمين كُتب في: 2007-12-22 [email protected]
ماب يننا وجمهورية مصر العربية ليس الأواصر المشتركة، ولا النيل الخالد المتدفق منذ الأزل، ولا عوامل الجغرافيا والتاريخ المشترك فحسب، إنما حتى الظواهر الاجتماعية، والقضايا الحياتية وحالة الفوران السياسي، والقضايا التي تمس الوجدان الشعبي هنا وهناك، ولم يشأ السياسيون في البلدين، أن يتخلّفا عن بعضهما البعض، في ما عرف بالحج الرسمي، والذي نسميه هنا في السودان الحج الدستوري، والذي اسماه الأخوة المصريون الحج على نفقة الدولة. فقد أفتى شيخ الأزهر د. محمد سيد طنطاوي، أن الحج على نفقة الدولة غير مقبول شرعاً، مشبّهاً إياه بالحج بأموال غير مطهّرة، واعتبرت الفتوى أن لليتامى والفقراء والمساكين نصيباً معلوماً في ثروات الوطن، وأن قيام فئة بالحصول على جزء من هذا الحق من أجل أداء شعائر الحج أو العمرة، يمثل سلوكاً غير مشروع. هذه الظاهرة التي وجدت طريقها إلى الدوائر المصرية الرسمية، هي ذاتها التي اعتمدها رسميو السودان، ووجدوا فيها متكأً، ولأجل هذا هم يشدون الرحال سنوياً إلى الحج، لعلهم يتطهّرون، ولعلهم يعودون، كيوم ولدتهم امهاتهم، ولكن فتوى شيخ الأزهر قطعت الطريق عليهم، وساوت بينهم وبين من يحجون بأموال غير مطهّرة، إذاً والحالة هذه، حجهم لن ينفعهم ولن يشفع لهم، إنما به يغترفون إثماً ويرتكبون جرماً. وسبق أن قلنا، قبل أن تصدر فتوى الأزهر، أن الحج التطوعي ليس هو أولوية، وأن الوطن الذي تحاصره الأزمات، وتنزل به الجائحات، ويلف مدنه حزام الجائعين والمحرومين، وتحاصر أطرافه معسكرات النازحين واللاجئين، هؤلاء جميعاً أحوج ما يكونون إلى هذه الميزانيات، التي ترصد وتجنّب، لحج المسؤولين، بل إن بعض هؤلاء المسؤولين يتركون أعمالهم ومسؤولياتهم خلفهم، ودون أدنى وخز ضمير ودون أدنى وطأة إحساس، بأنهم إنما يعطّلون مصالح البلاد والعباد، وأكثر من ذلك فإن بعضهم غادر للحج، دون أن يكلّف نفسه عناء أن يوفر مرتبات للعاملين بولايته، لأجل مقابلة التزامات العيد واحتياجاته. إن فقه هؤلاء الديني يبدو فقهاً غريباً، أن هؤلاء يعطلّون أساسيات الدين، ويغفلون عن مصالح العباد، ويتناسون مسؤوليتهم تجاه الرعية، ولا يقتدون بابن الخطاب الذي أطلق قولته الشهيرة "والله لو عثرت شاة بأرض العراق، لخفت أن يسألني الله، لمّ لمْ تسو لها الطريق يا عمر"، يغفلون عن كل هذا، وعن المحرومين وعن الجائعين ويفرضون الجبايات على المواطنين غير القادرين، ويلزمونهم بضرائب أضعافاً مضاعفة. ثم من بعد كل هذه الغفلة، والتخلي عن كل مسؤولية تجاه الرعية، وكأني بهم لم يسمعوا بالهدى النبوى "كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته"، بعد كل هذا، يشدون الرحال بأموال الرعية، ميممين صوب أكرم قبلة، ومتوجهين لأكرم مسؤول، يرجون بعد كل هذا التقصير وسوء التدبير، أن يظفروا بثواب عميم، لأنهم من أكثروا من الحج والزيارة. حري بهؤلاء المسؤولين إن كانوا يبغون نجاة حقاً وصدقاً، أن يعدلوا في رعيتهم، وأن يسدوا احتياجات مواطنيهم، وأن يقيلو عثراتهم، وأن يحنو على ضعفاء أمتهم، حينها سيجدون حلاوة الدين، وسيدركون أنه ليس بالحج بأموال رعيتهم، يبلغون رضا ربهم، وإنما رضا ربهم من رضا رعيتهم عنهم، وسخطه من سخطهم. |
|
|

|
|
|
|