|
أوْجَـاعٌ تَحْـتَ سَـرَابـيـلِ الخَـاصِـرَة ... !!! . ( رِوَايَـة ).
|
( رِوَايــــَــــة ) * * أوْجـاعٌ تَحْتَ سَـرابيـلِ الخَـاصِــرَة ..!!!. * مارس / 1998م. * *
- الفَـصْـلُ الأوَّلْ -
* *
. قلقٌ ينتابُ قريـةَ " أُمْ فُنْجانْ " ، فُتُورٌ يَصِيبُ ذاكِرَتَها ، وفقْـرٌ أبيضٌ وبرِيءٌ مُـوزَّعٌ بينَ بعضِ النَّاسِ فيها ، وجمالٌ يتَّكِِيءُ على وجعِ الخاصـرة مِنْها، ووداعةٌ تحمِلُ في طيَّاتِها جسيمَ معرفَـةٍ وكثيـرَ ألَـقْ ، وبَسَاطَةٌ لا يَخْتَلِفُ في تقديرِها اثنانْ،
* *
.. على عادتِها المعروفةِ تفتَحُ " بِتْ حيمُورْ " طاقةَ * بيْتِها صباحاً لتُعَـاينَ الطريقَ والمارَّة وهيَ مُنْسَدِحَةٌ على عنقريبِهَا *.. " أحمد اللِّـيم " يَتمشَّى في الطَّريقِ مُتَمخْتِرَاً يحمِلُ عُكَّازتَهُ الغليظةَ ذاتَ الطُّولِ المعروفِ بينَ أبناءِ القرية ، ويَنْثُرُ دُرراً من " الدوبيتِ " بِصَوْتِهِ المَبْحُوحِ :
- " ما تِتْمَلَّى بيْ خيراً فيها وتقولْ بتدُّومْ .. يوماً تفرِّحَكْ ويوماً تَخلِّيكْ شُومْ .. يوماً فوقْ دُبَاجْ ويوماً تَجافي النّومْ .. ويوماً سَـايَفوكْ وقالوا الفاتحة ليْ المَرْحُومْ .. " .
- تُرُدُّ بِتْ حيمور من خلالِ طاقَـةِ بيْتِها بِصَوْتِها الرُّجُوليِّ : " إنْ جادتْ عليكْ بالحَمُدْ كافيها .. وإنْ فاتتْ مِنَّكْ ما تَجْري مِتلافيها .. الدُّنيا امْ قُدُودْ مَا يعَجْبَكْ حُلُواً فيها .. باكرْ تَمُوتْ ويغَبِّرَكْ سَافِيها .. " ..
.. أحمد اللِّيمْ يزدادُ فرَحاً بِهذهِ " المُجَادَعة " * فَيُخْرِجُ كيسَ تُمْبَاكِهِ * ويضَعُ سفَّـةً * في أعلى فمِهِ مُتَهَدِّلِ الشَّفَّةِ السُّفْلَى ، ويَقِفُ بِجانبِ طاقةِ " بِتْ حيمُور " ، مُناولاً كيسَهُ لها ومُنْشِدَاً :
" بَقُولْ ليْ التَّرْزي ، بَقُولْ ليْ التَّرْزي جَمِّلَّها التَّفْصيلة .. وقِيسْ مِنْ شبهَ البناتْ مِنْطَبقة طويلة .. وقيسْ مِنْ شبَهَ البناتْ مِنْطَبقة طويلة .. مِنْ فوقْ زُرَّها ومِنْ تِحِتْ أدِّيهَا تَميلة .. " . ... يأتي العُمْدةُ عابِرَاً فتَغْلِقُ بِتْ حيمُور نافِذَتَها الصَّغيرةَ . - العُمْدَةُ مُخاطِبَاً وهازئاً بأحمدِ اللِّـيمْ * : " هَا العوير دا مَاكْ مَاشي الخلا .. ؟ " . والعُمْدةُ يعلمُ تَمامَ العلْمِ أنَّهُ وآخرينَ معه كانوا السَّببَ الأساسيَّ في إقناعِ أحمدَ اللِّيم لبيعِ أفدنتَهُ التي يَمْتَلِكُها لحاجِ التِّلِبْ..
- " مَا مَاشِّي ، الله ينْعَلَكْ إتَّ وحاجَ التِّلِبْ بِتَاعَكْ ، البيَّعْتُوني حَوَّاشْتِي * " .. ويُلْحِقُ قَوْلَهُ شاديَاً :
" يا عَطِيَّة أخويْ دَرْدَرْني الفَقُرْ وخلَّانِي ليهو أجالِسْ .. إنْ مُتْ وإنْ حييتْ مانِي مفْقُودْ في المَجَالِسْ .. " .. ويُواصِلُ في شَدْوِهِ خالِطَاً بينَ هَمِّهِ وحُبِّهْ : - " أوَّلْ اسْمِكْ مِيمْ في مِيمْ في الدُّنيا مَا بِتْمسَّلْ ..* وحَرْفَ الميمْ نَزَلْ مِنْ المِهَنْدِسْ بَطَّلْ .. بالباء : بَرَايْ سَلَكْتَ طريقا .. وبالتَّاء : تَشْفِي المريضْ بيْ رِيقَـا .. وبالواوْ : وَلْوَلَتْ في جوفي حَرِيقَـا .. وباللام : لَيْلَى وتضَوِّي فَريقَـا .. " .
* * * *
تُبُوعَـاً ..
____________________________ * الطَّاقة : فتحةٌ دائريَّة في حائطِ الغرفةِ تكونُ أسفلَ منتصفِ الحائطِ وعادةً تكونُ مُقابلةً للشَّارعِ بحيثُ تُجَدِّدُ الهواءَ للغرفة وتُمَكِّنُ صاحبَ الدَّارِ مِنْ رؤيةِ المَارَّةِ وهُوَ مُسْتَلْقٍ على عَنْقَريبِهِ إنْ أرادَ هُو ذلكْ ، وهيَ تُمَثِّلُ النَّافِذَةَ اليوْم أوِ الشّبَّاك .. * العنقريبْ : سريرٌ من حَطَبِ الأشْجارِ ويُقَالُ إنَّ أصلَ المُفْرَدةِ هُو " عَنْ قريبٍ " وذلكَ لِقُرْبِهِ مِنْ الأرضِ واللَّحْدْ . * المُجادَعةُ : بعضُمْ يَرى أنَّها المُخاصمة والمُشاتمة ، وبحسبِ تقديري أنَّ المجادَعةَ في الأريافِ تعني أنْ تأتي بأبياتِ الدّوبيتْ وتعطي الفرْصَةَ لِمَنْ هُوَ في رِهَانٍ مَعَكَ إلى أنْ يَفُوزَ أحدُكم على الآخرْ . * التُّمْبَاك : " الصَّعوتْ " ، خليطٌ مِنْ ورَقِ نَوْعٍ من النَّباتِ المُجَفَّف ، تُضافُ إليْها حجارة بيضاء تُسَمَّى " العطرون " بعدَ سَحْنِها تَعْدِلُ مِزَاجَ أحمدَ وبِتْ حيمور. السَّفَّة : كميَّةٌ من التُّمْباك بمقدارِ قبضَةِ ثلاثةٍ مِنْ الأصابعِ السَّبابةِ والإبهامِ والوسطى ، توضَعُ تحتَ الشَّفَّةِ السُفلى أوِ العُليا وذلكَ بِحَسْبِ عادةِ المُسْتَخْدِمِ لَهَا وَمِزَاجِـهْ . * اللِّيم : الذي يَلُمُّ النَّاسَ ويُصْلِحَ بيْنَهم ، يُقالُ إنَّ أحمدَ كانَ يُصْلِحُ بيْنَ النَّاسِ ويُلِمَّ شَمْلَهُمْ قبلَ أنْ تَعْطِيَهُ الدُّنيا ظَهْرَها. * الحَوَّاشة : أربعةٌ أوْ خمسةٌ مِنْ الأفْدِنة ، يَزْرَعَها صاحبَها سنويَّاً إمَّا ذرةً أوْ قَمْحاً وما إلى ذلكَ ، فيُخْرِجُ منها قوتَ عامِهِ ويبيعُ مَا زادَ عَنْ حاجتِه. * مَا بتمَّسَّل = مَا بتمَثَّل = لا شبيهَ لهْ .
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: أوْجَـاعٌ تَحْـتَ سَـرَابـيـلِ الخَـاصِـرَة ... !!! . ( رِوَايَـة ). (Re: محمَّد زين الشفيع أحمد)
|
- الفصْـــلُ الـثـَّــاني -
* * *
- بِتْ حيمُورْ تُنادي ابْنَها الطَّيِّبْ : " هَا جَنَا الطَّيِّبْ " وتسألُ نفسَها مُسْتَفْسِرَةً : " الجَنَا ابْ كِليواتْ دا يا رَبِّي مَشَى وينْ في هَوايْدَ الليلْ دا ؟ "
.. الطَّيِّبُ في السَّـابعةِ والعشرينَ مِنْ عُمْرِهِ ، يَبْدُو وَسِيمَاً لوْ لا تجاعيدُ الزَّمَنِ التي جعـلَتْهُ وكأنَّهُ ابْنُ الخمسينَ مِنْ العُمْرْ ، تَخَرَّجَ في كليَّةِ الآدابَ ولمْ يجدْ عَمَلاً يَسْنُدُ بهِ ظَهْرَ والدتِهِ ، لكنَّهُ فضَّلَ أنْ يَعْمَلَ إسْكَافاً للأحذيةِ والتي تَدُرُّ لهُ مَبْلَغَاً يجعلُ والدتَهُ تَفرحُ حيناً وتغضبُ أحيانَـا ..
.. بِتْ حيمور امرأةٌ رائعةُ الدَّواخلِ وشاهِقَةُ البساطةِ ، كُلُّ هَمِّها أنْ يعيشَ أبناؤُها الثَّلاثةُ في سِترِ مِنْ الحَـالْ ، وأنْ تكونَ بعيدةً عنْ شَغَبِ الحياةِ وضوْضائِها ، لمْ تلْقَ نصيباً مِنْ التَّعليمِ ، ولشدَّةِ بساطَتِها وطيبتِها كانَ شرقُ الكلامِ عندَها غَرْبُ ، لا يستطيع أحدُ الجالسينَ ثنيَها عنْ جادَّةِ حديثِها عندمَا تلتَقِطُ أطرافَ مَوْضُوعٍ مَا دونَ أنْ تتبيَّنَ معالمَهُ جيِّداً ،
- " يُمَّة أنا هِنَا دايرة حاجَة " - " الحاجَة التَّحِيجَكْ ، مَعَـاكْ مِنُوا آجَنَا " - " معايْ أُسامة صاحبي " ..
.. جلسَ الطَّيِّبُ وصديقُهْ على عناقريبِ البيْتِ ، مُتَهَتِّكةِ الوِثَارْ ، وقد قاربتْ مؤخِّرتَاهُمَا ملامَسَةَ الأرْضِ ، لكنَّهما تعوَّدا على ذلك ، وبدءَا يتناقشانِ عنْ حافظَ إبراهيم شاعرِ النِّيلْ ، ومَا إنْ سَمِعتْ بتْ حيمور باسم حافظ فَبدأتْ تتحدَّثُ :
- " حافظْ ود عَجَبَتْ واللهِ مافي أحسَنْ مِِنُّو ، أكَّان شُفْتو كيفْ بِسَاعِدْ أمُّو ، وبِجيبْ لَيها المِلاياتْ واللهِ النِّسْوانْ إعَقْرَنْ عليهُو ... " ،
واسترسلتْ تُعَدِّدُ محاسنَهُ التي تعلمها عنهْ غيرَ آبِهةٍ للطَّيِّبِ الذي أرادَ أنْ يُصَحِّحَ لها فهمَها بأنَّهم يتحدَّثُونَ عَنْ حافِظَ آخَرَ ..
هَكَذا هيَ بِتْ حيمُور شَرْقُ الكلامِ عندَها غربُ ، امرأةٌ نادرةُ الوُجودِ ذاتَ صوتٍ جَهُورٍ وضخمٍ ، لكنَّها امرأةٌ غَيْمَة ، مُتراميةُ الأطرافِ طِيبَةً ، وبسيطةٌ كسريانِ الماءِ ، تَسْحَرُكَ عفويَّتُها ، تُرَمِّمُ في النَّاسِ حائطَ البراءةِ المُتَهَدِّمَ ، وتتزَيَّ النَّقَاءَ ثَوْبَاً ، تَحْفَظُ أجزاءً من الدّوبيتْ ، تَقُولُهُ على طريقتِها ، تَرَكَتِ الحديثَ عنْ " حافظَ ودْ عَجَبَتْ " وابتدأتْ تُنْشِدُ :
بِعَجِبْني الحُرْ المَا بِنْسَى عَرْضُو .. وبِعَجِبْني العِتابْ الأهلو بِرْضُو .. وبوجِعْني الدُّونْ إنْ طَنْطَنْ بَرْضُو .. مَالُنْ القُصَارْ أكَّانْ طالو وعِرْضُوا .. مَا تَرا الصَّقَّارْ فوقْ الرَّمَّامْ بِعَرْضُو ..
...
وبَدَأَ النُّعاسُ يَدِبُّ في جِسْمِهَا دَبيباً وبدأَ شَخِِيرُها يتَعَالَى شيئاً فشيئاً حتَّى صَارَ مُدَويَّـاً ودَخَلَتْ في سُباتٍ عَميقٍ جدَّا وشَفَتَـاها بِصُحْبَةِ سَفَّـةِ تُمْبَاكٍ عَجيبة ..
...
تُـبُـوعَـــاً ...
* * *
| |
|
|
|
|
|
|
|