وجـمع كمال الجزولي في رزنامته:بوش،مشرف،كتشنر،الخليل،حدباي،الزبير باشا،البصري!

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-03-2024, 01:43 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الثالث للعام 2007م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
09-05-2007, 08:37 AM

بكري الصايغ

تاريخ التسجيل: 11-16-2005
مجموع المشاركات: 19331

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
sssss
وجـمع كمال الجزولي في رزنامته:بوش،مشرف،كتشنر،الخليل،حدباي،الزبير باشا،البصري!



    رزنامة الأسبوع ( كمال الجزولي )

    [email protected]


    وَمَا أَدْرَاكَ مَا .. حَدَبَايْ!
    _____________________________


    الثلاثاء:
    _____________

    كثيراً ما تفلت مراسلات الكتاب والمبدعين من إسار طقسها (الخصوصي) لتطرق شفيفاً على خاطرات تداعب ، على نحو أو آخر ، شيئاً من اوتار (العامِّ)! وربَّما كان ذلك هو ما حدا بي ، أيام إشرافي على (عدد الثلاثاء المتميِّز) بجريدة (الصحافة) ، لتحرير بعض هذه المراسلات من محبس (خصوصيَّتها) التي لا أرضاً قطعت ولا ظهراً أبقت!

    من سِنخ ذلك ما ألحظ ، أحياناً ، في مراسلاتي ومهاتفاتي الشخصيَّة مع أحباء كثر ، كالياس وعبد الله وود المكي وعالِم وغادة ومحيسي وبولا وبشرى وفضيلي ولمياء وعمر العمر ومصطفى مدَّثر وحسن ابو زيد وعثمان حامد وكثيرين غيرهم تشتتوا في أركان الدنيا الأربعة! ولعلَّ من أقرب نماذج هذا (الترحيل) الحصيف المرغوب فيه من خانة (الخاص) إلى خانة (العام) ما نشر صديقي الحبيب ود المكي ، مؤخراً ، من أصداء أشجان كنا اقتسمناها ، على أكتاف بعضنا البعض ، ذات تواصل حميم من على البعد! وما البعد .. قل لي بربِّك؟! فلئِن كانت "السكَّة حديد قرَّبت المسافات .. وكثيراً" ، ذات زمان بعيد ، بما فجَّر إبداع عبد الله .. وكثيراً أيضاً ، فإن (الإيميل) و(الماسينجر) و(المحمول) قد ألغوا .. وكثيراً كذلك ، أسَى أيِّ شتيتين يظنان كلَّ الظنِّ ألا تلاقيا! وكان سبقهم أجمعين إلى ذلك ، وعن جدارة ، المغفور له (التلكس) الذي بات ، الآن ، في عِداد (الزينين)! بل وحتى طيِّب الذكر (الفاكس) الذي يبدو أنه لحِقَ ، هو الآخر ، بـ (أمَّات طه)! وكان عبد الله ، أخي الذي لم تلده أمِّي ، قد قال لي ، وهو يختم مهاتفة قديمة: "أرجوك .. فاكِسْنِي في الأمر"! وبدا لي الاشتقاق المُعرَّب جريئاً وطريفاً! لكن كيف ، ترانا ، نطلب ، الآن ، من أصدقائنا أن يبعثوا إلينا بـ (إيميل) في شأن بعينه؟! أيْمِلوُنا؟!

    وبعد .. خطر لي هذا كله لمَّا فرغت ، مساء اليوم ، من تسطير الإيميل التالي ، تحت وطأة إرزام نفسي (خاص) ، قاصداً أن أبعث به إلى ود المكي ، لكنني ما لبثت أن فكَّرت أنه ، في الحقيقة ، ليس (خاصَّاً) جدَّاً ، ثمَّ قدَّرت أنه ربما كان ملائماً تماماً إشراك (عموم) أصدقاء الرزنامة في الاطلاع عليه. فإن صحَّ تقديري فكان وبها ، وإن لم يصح .. فعذراً ، وها هو على أيَّة حال:

    عزيزي مكي ، من قال إن مِن نكد الدنيا على المرء أن يرى عدوَّاً له ما مِن صداقته بُدُّ؟! لو تأمَّلت قليلاً ، ولو في خبرتك الشخصيَّة وحدها ، لاكتشفت كم هو صحيح ، تماماً ، أن مِن نكد الدنيا على المرء ، يقيناً ، أن يجد منافقاً يدَّعي صداقته وما مِن عداوته بُدُّ! حسناً .. جرِّب ، أيُّها الحبيب ، أن ترفع رأسك شيئاً ، وسط مشاغلك الجمَّة ، لترى كيف أن هذا الصنف من العلاقات المنافقة المُرائية ليس نادراً ما يصادفك في المستوي الشخصي ، بل ليس نادراً ، أيضاً ، ما يتمظهر لك في المستوى المؤسَّسي! والأخير أسوأ صنوف هذه العلائق طرَّاً ، إذ لو كان شرُّه (قاصراً) عليك لهَانَ ، لكنه (متعدٍّ) ، من كلِّ بُدٍّ ، ربَّما إلى مؤسَّسات بأكملها قد تكون قيِّماً عليها! فالمنافق الوصوليُّ يضمر أن يستخدم قيُّوميَّتك هذه جسراً يبلغ عن طريقه موقعاً ما في المؤسَّسة التي يتوهَّم أنها ضيعة ورثتها عن اجدادك القدماء ، وتملك ، من ثمَّ ، أن تبوِّئه فيها الموقع الذي يشاء! وعادة ما يكون هذا الساعي إلى المواقع بنفاقه من أفقر الناس مقدرة ، وأضعفهم بذلاً ، وأبأسهم عطاءً ، في كلا الجانبين: المهني والتنظيمي! وهو ، يقيناً ، ولهذا السبب بالذات ، أقلهم ثقة في (الديموقراطيَّة) ووسائلها المستقيمة ، رغم إطنابه في الدفاع عنها ، وأكثرهم ميلاً لطرق السبل التآمريَّة الملتوية ، رغم مبالغته في ادِّعاء النفور منها! فإذا استجبت لنفاقه ، وجاريته فيه ، وساعدته ، بخسارتك لنفسك ، في بلوغ ما لا يستحق ، أخرج من أمِّ رأسه (عيون الرضا) الحولاء كليلة عن كلِّ عيب ، ينظر بها إليك كأفضل إنسان ، وإلى ما تفعل كأبدع ما كان في الامكان! أما إذا أصررت على أن تتصالح مع نفسك ، ورفضت أن تجيبه إلى رغائبه ، حتى لو أفضى ذلك لأن تخسره هو ، فإنه سرعان ما يقلب لك ظهر المِجَن ، ويخرج (عيون السخط) العوراء من محاجرها يتصيَّد بها المساوئ! ساعتها لن يكون أمامك سوى أحد خيارين: فإما أن تكرَّ عليه ، وتفضحه ، وتلقمه حجراً على رءوس الأشهاد ، وما أيسر ذلك لو أردت ، أو أن تسفهه ، ببساطة ، وتتجاهله ، نزولاً على حكمة ناصحين كثر! سوى أن مثله ، في الحالين ، كمثل الكلب في القرآن الكريم: إن حملت عليه يلهث وإن تركته يلهث! بل هو ، فوق كلِّ هذا وذاك ، (لا يدري) أنه (لا يدري) أنه أغبى من أن تجوز ألاعيبه الصغيرة على مَن هم أذكى مِن أن يَدَعُوه يرى كم هو وضيع في عيونهم ، أو يَدَعُوا نكاتهم عنه تبلغ مسامعه .. ولله في خلقه شئون!

    الأربعاء::
    _____________

    ليس مُهمَّاً ما إن كان الجنرال مُشرَّف قد انقضَّ بنفسه على الديموقراطيَّة في باكستان ، ليلة 12/10/1999م ، فأطاح بحكومة نوَّاز شريف الذي كان عيَّنه ، قبل ذلك بسنة ، رئيساً لهيئة الأركان ، أم أن جنرالين آخرين من رفقائه في لعبة التنس الارضي هما اللذان نفذا الانقلاب لصالحه! المهم أن الانقلاب أعاد الجيش إلى الحكم بعد أكثر من عشر سنوات على رحيل الجنرال ضياء الحق عام 1988م ، ليدخل مشرَّف ، كالعادة ، في نزاع مع المعارضة السياسيَّة ، ليس بسبب ذلك فحسب ، بل ولأسباب أخرى ، أبرزها أنه سعى ، في 6/6/2001م ، لاصطناع شرعيَّة لنفسه عبر استفتاء مشكوك في نزاهته. وأقام علاقة مرتبكة بالاصوليين المتطرفين ، فبدا متحالفاً معهم ، أوَّل أمره ، ثمَّ ما لبث ، عقب 11 سبتمبر 2001م ، أن سمح لأمريكا باستخدام الأراضي الباكستانية لضرب حركة طالبان التي رفضت تسليم بن لادن في أفغانستان ، مِمَّا حدا بأمريكا لغضِّ الطرف عن تقويضه للديموقراطيَّة ، واعتباره أحد أهمِّ حلفائها في حربها على ما تسميه (الإرهاب!) ، الأمر الذي أفضى لتحالف ستة أحزاب إسلاميَّة ضدَّه في (مجلس العمل الموحد). ونقض اتفاقه مع هذه الاحزاب ، في 24/12/2003م ، ليتنازل عن قيادة الجيش مع نهاية عام 2004م ، مقابل تمريرها تعديلات دستوريَّة توسِّع من صلاحياته ، لكنه لم ينفذ ما يليه ، رغم أن البرلمان أقرَّ التعديلات في 29/12/2003م. وإلى ذلك اتهامه لعبد القدير خان ، أبي القنبلة الذريَّة الباكستانيَّة الذي يحظى باحترام وطني ، بتسريب أسرار نوويَّة إلى إيران وليبيا وكوريا الشماليَّة ، ومن ثمَّ إقالته ، في نهاية يناير 2004م ، من منصبه كمستشار لرئيس الوزراء للشؤون العلميَّة ، مِمَّا فاقم من غضب الشارع على النظام. وتجرَّأ وزير خارجيَّته خورشيد قصوري على اختراق أحد (المُحرَّمات) الباكستانيَّة ، بلقائه ، في 1/9/2005م ، نظيره الإسرائيلي سيلفان شالوم باسطنبول ، فضلاً عن مصافحته هو نفسه لأرييل شارون ، على هامش القمة العالميَّة للأمم المتحدة في الرابع عشر من ذات الشهر! ضف ذلك كله إلى فشله في التصدِّي للأزمة الاقتصاديَّة الطاحنة ، ولأزمة بلاده مع الهند في كشمير ، ودخوله في مواجهة مكشوفة مع القضاء ، ومع (طالبان باكستان) ، وزجِّه الجيش في مواجهات دامية بإقليم وزيرستان ، ومعالجته لأزمة (المسجد الأحمر) بعمليَّة دمويَّة ، وتصاعد مطالبة حزب الرابطة وحزب الشعب بتنحيه بينما يسعى هو لولاية أخرى ، وتزايد محاولات اغتياله التي بلغت أربعاً ، مِمَّا اضطره للعيش تحت ظروف أمنية بالغة الصرامة ، لدرجة أن مُسدَّسه الشخصي لا يكاد يفارق جيبه! وقد وقعت آخر هذه المحاولات في 6/6/2007م ، عندما تعرَّضت طائرته للقصف قرب إسلام اباد! ثمَّ يأتي ، من فوق ذلك كله ، عجز القوى الخارجيَّة التي يعوِّل كثيراً على مساندتها له ، من باب ردِّ الجميل!

    وهكذا فإن أدقَّ تقويم لنظام الجنرال في الوقت الراهن أنه .. آيل للسقوط! ولكن ، هل أتاك حديث بيناظير بوتو ونوَّاز شريف؟!

    لقد حسم الأخير ، وسط حماس جماهيره ، أمر عودته من المنفى في العاشر من سبتمبر الجاري ، بناءً على الحكم التاريخي الذي أصدرته المحكمة العليا في 20/7/07 ، رغم تهديد النائب العام بالقبض عليه ، فور وصوله ، على ذمَّة اتهامات ضدَّه! أما بوتو ، فعلى الرغم من أنها كانت حدَّدت ، ابتداءً ، الرابع عشر من هذا الشهر موعداً لعودتها ، ثمَّ ما لبثت أن تراجعت لتعلن ، فقط ، أنها ستعود "في أقرب فرصة!" ، إلا أنها ارتكبت ، على العكس من شريف ، خطأ سياسيَّاً قاتلاً بإدراجها هذه العودة في سياق (صفقة) تلهث لإبرامها مع مشرَّف ، بحيث يتنازل الجنرال المولع بالرقص ، مِمَّا يمكن مشاهدته في التلفزيون الحكومي ، عن قيادة الجيش ، في سبيل استمراره في رئاسة البلاد ، على أن تتولى هي رئاسة الوزارة!

    لكن دروس التاريخ أثبتت أن من (يُصالح) الشموليَّة المتصدِّعة ليمنحها عُمراً جديداً .. يخسر سياسيَّاً ، طال الزمن أم قصُر!

    الخميس::
    ___________

    ضمن كلمته الشائقة عن اسماعيل عبد المعين أشار صديقي كامل ابراهيم حسن إلى أن خليل فرح استلهم المقدِّمة الموسيقيَّة لأنشودته الخالدة (عازَّة في هواك) من مارش (ود الشريفي) العسكري المعروف (السوداني ، الجمعة 20/7/07).

    أشعلت هذه الكلمة في ذاكرتي عبق مناخات كنا عشناها ، الحبيب الراحل عبد الهادي صديق وشخصي ، منتصف سبعينات القرن المنصرم ، في محاولة باكرة لتحقيق ديوان الخليل بتكليف من ابنه المرحوم فرح. لكن تلك المحاولة سرعان ما انقطعت بنقل عبد الهادي إلى السفارة ببيروت ، ثمَّ اعتقالي ، بُعَيْدَ ذلك ، لأشهر تطاولت. ولمَّا صعُب التكهُّن بميقات انقضاء تلك الظروف ، فقد زارني فرح بالسجن ، ووجَّهت بتسليمه المخطوطة من مكتبي ، حيث حوَّلها إلى الراحل المقيم علي المك الذي تولى إنجازها على أفضل ما يكون.

    حمَلَ إلينا استغراقنا في مناخات ذلك العمل ، على قِصَره ، معارف مدهشة الثراء ، ويكفي أنه أخذنا ، من حيث لم نحلم ، إلى .. حدباي احمد عبد المطلب ، وما أدراك ما حدباي ، ودنياواته الواسعة التي قد لا تبدأ من النهود ، على شغفه بها ، ولا تنتهي في الجيلي ، على ما ربط بينه وبين احمد الطريفي الزبير باشا من محبَّة نالنا منها نصيب ، والحمد لله ، عبر نهارات الأنس العبقة الدبقة التي لطالما سلخنا ساعاتها تحت ظلال (راكوبته) الفيحاء ، يجاورنا النيل ، وتحفُّ بنا الخضرة ، ويحلق بنا النسيم على مخدات الندى .. ليس أروع ولا أمتع!

    الشاهد أن كليهما كان من أخلص خلصاء الخليل. وكان الكلام لا يحلو لأيٍّ منهما إلا بسيرته وفنه. بل ان أكثر ما كان يحيِّرنا أن حدباي ما كان يطيق أن ينحرف الأنس ، قيد أنملة ، عن ذلك ، حتى ولو إلى فنه هو نفسه ، وهو هو الشاعر المجيد والمُغنِّي العذب الذي أنشد في زمانه: "الليلة كيفْ امسيتو يا مُلوك امْ دُرْ" ، والتي روى لنا قصَّتها بعد تمنُّع ، وكان كثيراً ما يُبرِّر تمنُّعه ضاحكاً:

    ـ "يا وليداتي خلونا نحكي عن خليل .. العُمُر ما فضل فوقو شي .. وانا ما قاعد ليكم"!

    وحكى كثيراً. وحكى احمد الطريفي كثيراً. أشياء جُلها ليس للنشر ، رغم أن ثمارها منشورة ومذاعة يتذوَّقها الغاشي والماشي! ولعنة الله على هذه (التابوهات) التي تعتقل أكثر التاريخ الاجتماعي لإبداعنا ، وسوف تواصل ذلك لزمن سوف يطول ، في ما يبدو ، للأسف .. وكثيراً!

    كان مِمَّا حدَّثنا عنه حدباي المقدِّمة الموسيقيَّة لـ (عازَّة) ، قال: كنا نسكن أنا وخليل في منزل بالحي الكائنة فيه كليَّة الصحَّة حالياً بالخرطوم. لكننا كنا كثيري الأسفار في أنحاء البلد ، ما نكاد نستجمُّ من سفرة ، حتى نقوم بأخرى ، دون أن نشعر بالتعب ، رغم أن الطرق والوسائل لم تكن ميسورة كما هي الآن! وفي الفاشر سمعنا بنات الجلابة يغنين أغنية فولكلوريَّة قديمة ، بذات ميلوديَّتها ، ولكن بكلمات مترجمة إلى عربيَّة هجين عن الأصل الذي كانت أنشأته ، في لغتها الأصليَّة ، صبيَّة فوراويَّة في الخامسة عشر أراد أبوها تزويجها من عجوز ثري ، فصارت تنوح مستعطفة أمَّها: "يا إيَّا/ راعي ليَّا/ فيشانْ هَوَانْ دَاكْ نَمُوتْ بَلا دُرِّيَّة/ الكَرْكَدي ما بَقوُمْ غَلة/ حِلوُنِي مِن جَقودْ يا رُجالْ الله"!

    إنفعل الخليل كثيراً بالأغنية ، حكاية ومغزىً ولحناً ، حيث بدت له حالة الوطن شبيهة بحالة تلك الصبيَّة! و(جقود) تصغير لكلمة (جقد) ، في معنى الشخص ضئيل الشأن ، وهي لهجة في لغة الفور يجري استخدامها ، أكثر شئ ، في منطقة الفاشر ، حسب صديقي (الشرتاي) الكبير صالح محمود. وحدَّثتني صديقتي سعاد ابراهيم احمد بأن هذه الكلمة موجودة ، بذات معناها ، في بعض اللغات النوبيَّة في أقاصي الشمال ، كما علمت أنها موجودة ، أيضاً ، في بعض لغات النوبا بجنوب كردفان ، فوقع عندي هذا ضمن حُجَج الصلة القويَّة بين النوبيين وبين بعض الإثنيات في غرب السودان!

    كرَّت مسبحة السنوات ، وانهزمت ثورة 1924م ، واجتاح الخليل حزن عميق أورثه داء ذات الرئة العُضال ، فسافر إلى مصر للعلاج برفقه صديقه الحميم حدباي. وهناك اتفق للصديقين أن يسمعا تلك الميلوديَّة العذبة ، ولكن في سياق آخر! فقد كان الخليل غافياً ، ذات ظهيرة ، على فراش المستشفى بالقاهرة ، حين مرَّت فرقة (الكشافة النوبيَّة) وهي تعزف بعض المارشات. إنتبه الخليل ، وأفاق متسائلاً:

    ـ "دحين يا حدباي دي ما غنية البت الفوراويَّة"؟!

    فأرهف حدباي السمع قليلاً ، ثمَّ سرعان ما أمَّن على ملاحظة الخليل الذي ما لبث أن عاد للاغفاء تحت وطأة العِلة.

    تعافى الخليل شيئاً ، وغادر المستشفى. وكان على موعد مع صاحب استديو (لتعبئة) الاسطوانات كي يسجِّل له أغنية (عازة في هواك) قبل عودته إلى السودان. وكان بالاستديو بيانو يلعب عليه خواجة. فصار الخليل يعزف الميلوديَّة الأساسيَّة للاغنية الفوراويَّة بالعود ، على إيقاع الفالس ، بينما العازف الاغريقي يتابع الميلوديَّة على البيانو ، حتى أتقن عزفها ، فطلب الخليل تسجيلها كمقدِّمة للأغنية ، ترجمة للتشابه الذي كان يجده بين الحالتين!

    وختم حدباي حكايته قائلاً: علمنا ، في ما بعد ، أن صول (المزيكة) في جيش الزبير باشا كان قد سمع الاغنية بعد دخولهم الفاشر ، إثر انتصارهم على السلطان ابراهيم قرض في معركة منواشي ، فأعجب بميلوديَّتها ، وقام بإعادة توزيعها وتنويتها كمارش عسكري صار يُعرف ، لاحقاً ، بـ (مارش ود الشريفي) ، لكن بكلمات مغايرة تقول: "وَدَّ الشَّريفِي رايُو كِمِل/ جيبوا ليْ شَايْلاتا مِن دارْ قِمِرْ"!

    وهكذا ، فإن الخليل لم يستلهم مقدِّمة (نشيد الانشاد السوداني) من (مارش ود الشريفي) ، وفق الرواية الشائعة ، وإنما استلهمه ، وفق حدباي ، من اغنية الصَّبيَّة الفوراويَّة .. شبيهة الوطن!

    الجمعة::[/B
    ________________

    لا تثريب على مَن لم يعُد يذكر إدريس البصري خارج المغرب ، فقد اختفى ، تماماً ، منذ أزاحه أسياده عن السلطة هناك قبل زهاء العقد من الزمان ، مثله مثل خشبة مسرح أظلمت بغتة! لكنَّ سيرته النتنة لم تبرح ذاكرة الملايين في ذلك البلد.

    بدأ ابن حارس السجن ذاك يتسلق سُلم المناصب الأمنيَّة ، باكراً ، ولما يربو على الثلاثين سنة تحكم خلالها في مصائر المغاربة بالمطلق. ففي 1971م عُيِّن مديراً للشؤون العامَّة والولاة بوزارة الداخلية ، ومسؤولا عن إدارة التراب الوطني ، ثمَّ ارتقى كاتب دولة بالداخليَّة ، فوزيراً للداخليَّة عام 1979م ، حيث استقوى تماماً فصار الرجل الأكثر قرباً من الحسن الثاني! ومن الألقاب التي خلعت عليه أيامها: (الشرطي الأول) ، (الصدر الأعظم) ، (خادم الأعتاب الشريفة)! وللعجب ، فقد ظلَّ يحتفظ ، إلى ذلك كله ، بكرسي الأستاذيَّة بجامعة محمد الخامس بالرباط!

    بثَّ البصري عيونه في كلِّ المواقع ، وجعل مبلغ همِّه هندسة المصائد ، ونسج المكائد ، وفبركة الدسائس ، ودسِّ التقارير للخصوم السياسيين ، خصوصاً الثوريين منهم ، والتنكيل بهم دون رحمة. وطالت (عمليَّاته) حتى زملاءه في الأجهزة الأخرى مِمَّن انتهوا إلى العزل ، أو قضوا في حوادث غامضة! بل وكبَّل بأحابيله القصر نفسه ، إلى أن أصبحت الداخليَّة المصدر الوحيد للمعلومات ، والرمز الأكبر لسطوة الملك!

    فشى في عهده الخوف من السلطة ، والرعب من الاجهزة الأمنيَّة. وجنَّد ، لأجل ذلك ، الاجناد ، والعسس ، والجواسيس ، والبصَّاصين ، والمخبرين ، والجلادين ، والزبانية الذين لا عمل لهم سوى القهر ، والتزوير ، والفبركة ، والغشِّ ، والكذب ، والتدليس ، واستعباد الناس ، وإشاعة الاذلال ، وتشجيع الفساد ، وتكريس الخنوع ، فقمعوا التجمُّعات السلميَّة ، واعتدوا على المسيرات الاحتجاجيَّة ، واعتقلوا المناضلين وراء الشمس ، وعذبوا الشرفاء في أقبية الموت ، وهجَّروا البسطاء من مواطن أجدادهم ، ونفذوا سياسات الاقصاء والتهميش ، وصادروا الاملاك بغير وجه حق ، وأكلوا أموال الشعب الجائع في ما بينهم بالباطل ، ووزَّعوا منها على غير المغضوب عليهم من الأحزاب المأجورة ، والاتحادات التابعة ، والصحف الموالية.

    ثمَّ ، كما في الكلاسيكيَّات ، مضت في البصري سُنَّة (مات الملك .. عاش الملك!) ، فتوفي الحسن الثاني ، وتولى العرش محمد السادس ، فاتحاً الطريق لتحوُّلات ديموقراطيَّة محدودة ، غير أنها كانت كافية لإصدار قراره في 9/11/1999م بعزل الرجل شرَّ عزل ، وبالأخص عندما اكتشف أنه كان يتجسَّس عليه أيام كان وليَّاً للعهد! فزال عنه الهيل والهيلمان ، ولم يتبق له سوى (كرسي الاستاذيَّة!) ، لكن حملة شنَّها الأساتذة والطلاب نجحت في طرده من الجامعة أيضاً ، فأيَّة ديموقراطيَّة هذى التي يُدرِّسُ القانون في ظلها مَن تلطخت يداه بدم الشهداء في المعتقلات السريَّة ، وتلوَّثت سمعته بالرشوة وأكل السُّحت واستغلال النفوذ؟! ولولا ترتيبات (العدالة الانتقاليَّة) التي اعتمدت في ذلك البلد لشنق الطاغية على عمود كهرباء في الطريق العام!

    فرَّ البصري بجلده إلى باريس. وهناك راح يدَّعى الفقر رغم ثبوت مراكمته لأموال طائلة كدَّسها بين فرنسا وسويسرا وأمريكا! ولمَّا حاصرته الصحافة الحُرَّة بتاريخه الأسود لم يَحر ردَّاً سوى أنه كان محض عبد مأمور ، ومنفذ للتعليمات ، وخادم للنظام ، ويا لها من .. مسخرة!

    ............................

    ............................

    بالأمس القريب أكد أحد أقاربه وفاته ، بعد صراع مع السرطان ، في مستشفى بباريس ، عن عمر يناهز التاسعة والسِّتين. ونقلت وكالة الانباء المغربيَّة الخبر باقتضاب! وأبدى ناشطون مغاربة في حقل حقوق الانسان أسفهم لكون الكثير من حقائق الانتهاكات في عهده قبرت معه! وقال أحد ضحاياه عن حق: "كلُّ بلد لا يتوفر على هيكل ديمقراطي سليم يحتاج المسئول الأول فيه إلى بصري .. وكل شعب متخلف لا بُدَّ له من رجل قوي متخلف مثله ، واقرأوا التاريخ"!

    ............................

    ............................

    وبعد ، ليس البصري سوى فأر استأسد طويلاً .. ثمَّ نفق!

    السبت:
    ___________

    الحدُّ الأدنى من الحصافة يقتضي ، عند إبرام أيِّ اتفاق سياسي مع طرف ديدنه المشهود المراوغة ونقض المواثيق ، أن يضع الطرف الآخر في حسبانه نسبة مئويَّة منطقيَّة للنكوص .. بنظريَّة الاحتمالات!

    لكنني عجبت لمبروك مبارك سليم ، وقد جلست أشاهد لقاءه ، مساء اليوم ، مع قناة الجزيرة ، يتحدث عن اتفاق أسمرا بين (جبهة الشرق) و(الحكومة) ، موحياً ، بيقين لا يتطرَّق إليه الشك ، وطمأنينة لا تتأتى إلا لمن يزعم علم الغيب ، بأن مجرَّد التوقيع على الاتفاق ، والالتحاق بالحكومة ، يعني ضمانة حاسمة لجديَّة الطرف الآخر في تنفيذ الاتفاق بحذافيره .. على علاته!

    كان الرجل يتحدَّث وكأنه يلقي بيان تهديد ووعيد في معركة ما مع جهة ما ، يتجهَّم السامعين بصلف السلطة المعهود ، وصرامتها المعلومة ، وبثقة لا تروِّي معها ، وحماس لا تحسُّب فيه ، فبدا كما لو انه لم يبرم الاتفاق من مواقع المعارضة بالأمس القريب ، بل لكأنه كان ، هو نفسه ، فجر الثلاثين من يونيو ، يحمل رشاشاً في شارع المك نمر ، أو يمتطي ظهر مجنزرة على جسر القوَّات المسلحة!

    لطالما تمنيت أن أدرك سِرَّ السِّحر الذي يتلبَّس هؤلاء الناس ساعة التوقيع على أيِّ اتفاق مع الحكومة!

    الأحد:
    __________

    وددت لو ان المرحوم القاص الزبير علي الذي ترجم كتاب أليك بوتر ، مؤسِّس قسم العمارة بكليَّة الهندسة بجامعة الخرطوم ، وزوجته التشكيليَّة مارقريت ، والموسوم بـ (Every Thing is Possible: Our Sudan Years) ، قد اختار ، لترجمة العنوان الجانبي ، عبارة (سنواتنا في السودان) ، بدلاً من عبارة (سنوات في السودان) التي لم يتح لي أن أفهم الحكمة من إيثاره إيَّاها على الأصل ، حرفاً وروحاً ، رغم أنها ، وقد أكون مخطئاً ، تفتقر إلى الحميميَّة المائزة ليس للعنوان ، فحسب ، وإنما لمجمل النص. تلك ، على كلٍّ ، ملاحظة طفيفة لا أخالها تقدح في قيمة الترجمة التي اتسمت ، كما وصفها يوسف فضل عن حق ، في تقديمه لها ، بالجودة والسلاسة.

    من أمتع فصول الكتاب ، وأكثرها ، في ذات الوقت ، إثارة للغبن ، الفصل الذي يورد فيه الكاتبان بعض الروايات عن صنع تمثالي غردون على ظهر جمل وكتشنر على ظهر حصان ، ونقلهما من انجلترا إلى السودان. فهما ليسا أصليَّين ، كما يعتقد الكثيرون ، بل تقليدان لتمثالين آخرين: أحدهما من اعمال أونصلو فورد لغردون ، البطل القومي بنظر البريطانيين ، وكان حاكماً عامَّاً للسودان ذبحه الثوَّار المهدويون على دَرَج سرايه لدى اجتياح جحافلهم المنتصرة للخرطوم ، وكان عُرض لأوَّل مرَّة عام 1889م بالمعرض الصيفي للاكاديميَّة الملكيَّة بلندن ، قبل نقله ليُنصَب في فناء مدرسة الهندسة العسكريَّة بشاثهام ، أما الآخر فمن اعمال سدني مارش لكتشنر ، قائد الجيش الاستعماري الغازي في معركة كرري صباح 2/9/1898م ، وكان منصوباً في كلكتا بالهند.

    التمثالان المُقلدان كانا قائمين ، حتى عهد عبود ، في موقعين مهمَّين بالخرطوم: الأول في الساحة الموسومة الآن بـ (ساحة الشهداء) جنوبيَّ القصر الجمهوري (سراي الحاكم العام) ، والآخر في باحة وزارة الماليَّة على شارع النيل. والواقع أن قراراً كان قد صدر من الحكومة البرلمانيَّة ، مطالع الاستقلال ، بإنزالهما وإعادتهما إلى لندن ، لكنه لم ينفذ إلا بعد انقلاب عبود عام 1958م!

    إستهجن البعض ، أوَّل عرض تمثال غردون بلندن ، أن يُصوَّر "رمزهم الأسطوري" على ظهر حيوان "متخلف" كالجمل! لكن فورد ردَّ ببساطة: "لأن الجمل كان وسيلة مواصلات غردون المفضلة"!

    نصِبَ التمثال المُقلد ، أولاً ، عند زقاق القدِّيس مارتن بلندن ، جوار الصالة الوطنيَّة للفنون التشكيليَّة ، قبل أن يُرحَّل إلى الخرطوم. ويورد المؤلفان العديد من المواقف الطريفة التي صاحبت ترحيله ، حيث استقرَّ ، ابتداءً ، في قاع التايمز ، ضمن حمولة الباخرة سيداردين ، جرَّاء اصطدامها بأخرى! وتصادف مرور الباخرة ليسبيان التي انتشلته وأقلته إلى الاسكندريَّة ، ليقطع ، من ثمَّ ، ستمائة ميل على القطار حتى الشلال ، حيث سقطت ، مرَّة أخرى ، كتلة البرونز التي تزن خمسة عشر طناً ، وابتلعها النيل ، أثناء نقلها إلى باخرة نهريَّة! لكنها انتشلت ، ووضعت على ظهر الباخرة ، لتشق طريقها ، جنوباً ، إلى حدود السودان ، ومن هناك ، بالقطار ، إلى الخرطوم بحري! وبما أن جسر النيل الأزرق لم يكن قد شيِّد ، بعد ، فقد نقل التمثال إلى باخرة نهريَّة أقلته إلى موقعه المُقرَّر ، حيث شيِّدت له قاعدة حجريَّة عالية قبالة (سراي غردون)! سوى أن القاعدة انهارت تحت ثقله ، وغاصت في التربة الرخوة تحته ، مِمَّا استوجب معالجات مُعقدة حتى أمكن نصبه!

    أما تمثال كتشنر المُقلد فحكايته حكاية! إذ كان كتشنر نفسه في رحلة إلى السودان عام 1911م لصيد الأفيال والأسود ووحيد القرن ، حين عرض عليه خلفه ريجنالد ونجت إقامة تمثال له على سبيل تكريمه. وافق كتشنر ، مقترحاً الاستفادة من القالب الذي استخدم في صبِّ تمثاله الأصلي. ورغم أن من شأن ذلك تقليل النفقات ، إلا أن الخزينة لم تكن لتتحمَّل كلفة ملء القالب بالنحاس المصهور! ومع ذلك فقد توصَّل ونجت لحلٍّ بارع! كانت ثمَّة أطنان من النحاس في هيئة ظروف طلقات فارغة جُمِعَت من ميدان كرري ، وأرسلت لإنجلترا. فما كان من ونجت إلا أن وجَّه بصهرها وصبِّها داخل القالب! هذه الفكرة استدعت إلى ذاكرة المترجم النبيه قصَّة صبِّ المثال الاغريقي الشهير فدياس درع تمثال الربَّة (أثينا بروماخوس) من برونز دروع أعداء بلاده من الفرس المهزومين!

    أخَّر نشوب الحرب الأولى عام 1914م نقل التمثال من لندن إلى الخرطوم حتى عام 1920م ، وكان كتشنر قد لقي مصرعه قبل ذلك بأربع سنوات ، عندما أصيبت باخرته خلال الحرب في بحر الشمال! ولأن وسائل المواصلات كانت تحسَّنت ، وقتئذٍ ، فقد أمكن ترحيل التمثال من انجلترا إلى قناة السويس فبورتسودان ، ومن ثمَّ بالقطار رأساً إلى الخرطوم عبر جسر النيل الأزرق الذي كان قد شيِّد آنذاك.

    هكذا تسلم مكتب السكرتير الاداري ، ذات صباح ، إخطاراً روتينياً لاستلام طرد من مخزن البضاعة بمحطة السِّكَّة حديد بالخرطوم. لكن الساعي المسكين ، عندما ذهب لإحضار الطرد بدراجته الحكوميَّة كالعادة ، فوجئ بحاوية خشبيَّة ضخمة ، وبداخلها كتشنر على صهوة جواده بحجم أكبر من الطبيعي مرَّة ونصف!

    وذكر المؤلفان أنهما ، عندما رويا للمرحوم ثابت حسن ثابت ، أوَّل مدير سوداني للآثار والمتاحف ، حكاية صبِّ التمثال من النحاس المصهور لفوارغ رصاص كرري ، "ضحك .. إحدى ضحكاته العميقة .. وأجاب بصوت يُذكِّر السامع بصوت الفنان بول روبنسون: إذن هذا هو ما قالوه! أنا لم أسمع بذلك أبداً"!

    أخطر ما في رواية (كرري بروماخوس) هذه ، لو صحَّت ، أن قرار إعادة التمثال إلى بريطانيا يُعتبر ضرباً من (الخراقة السياسيَّة) ، إن لم يكن أكثر من ذلك! فالتمثال ، في حقيقته ، مصبوب من نحاس الذخيرة التي أفضت لاستشهاد عشرة آلاف ، وجرح ستة عشر ألفاً آخرين ، من اجدادنا الاشاوس الذين تدافعوا في ساحة الوغى كما الضوارى الكواسر ، لا تعوزهم البسالة ولا الاستعداد للفداء ، فأبدوا من ضروبهما ما أذهل المراسلين الحربيين ومؤرِّخي معركة أم درمان ، لولا أن العزلة الخانقة عن وقائع عالم ما ينفكُّ يتطوَّر من حولهم ، فرضت عليهم ألا يبلغوا من عِلم السلاح ، مع مغارب القرن التاسع عشر ، أكثر من بقايا مدافع هكس ، وبنادق الريمنتون ، وأبو صرة ، وأبو روحين وما إليها ، بينما جيش كتشنر يحصدهم حصداً برشاشات المكسيم ، ودانات المنثار ، وشظايا الخراطيش ، ونيران البوارج المدرَّعة! فكيف تنازلت الارادة الوطنيَّة ، تحت رايات الاستقلال الذي تحقق بعد ما يربو على نصف قرن ، عن نحاس الذخيرة التي قضت على تلك الأرواح الزكيَّة ، لتعيدها ، طائعة مختارة ، إلى دولة المتروبول التي جثمت على صدر بلادنا من فوق كلِّ تلك التضحيات الجسام؟! ألم يخطر ببال أيٍّ من القائمين على الأمر وقتها ، مدنيين أو عسكريين ، أن الواجب كان يقتضي إذابة تلك الكتلة ليُشيَّد منها نصب تذكاري لأولئك الشهداء الأماجد ، بدلاً من الصرف البذخي على الاحتفال بإنزال التمثالين وتسليمهما إلى بريطانيا؟! إن مِمَّا يزيدك غبناً على غبنك أن تطالع تفاصيل المراسم الملوكيَّة التي أحاط بها جنرالات عبود إنزال التمثالين ، وحفظهما ، لشهرين ، في فناء خلفي بمبنى متحف الآثار القديم ، قبل ترحيلهما ، معزَّزين مكرَّمين ، إلى موطنهما! لقد حرصوا ، أيَّما حرص ، على الطقوس المبهظة لإسدال الستار عليهما ، تمهيداً لإزاحتهما من قاعدتيهما ، وترتيب طوابير الشرف الفخيمة أمام كلٍّ منهما ، وتنظيم فرق الموسيقى العسكريَّة في ستراتها البيضاء الزاهية ، وتنوراتها الزرقاء ذات الثنيات الطوليَّة ، تستقبل السفير البريطاني بالمقاطع الافتتاحيَّة من نشيد (حفظ الله الملكة!) ، وتعبِّق الاجواء بالالحان (الاسكتلنديَّة!) الصدَّاحة ، ثم تختم بـ (لحن الوداع!) التقليدي!

    وكما لو ان ذلك كله لم يكن كافياً لـ (حفنة الجنتلمانات) ، اللقب الذي أطلقته التايمز اللندنيَّة ، وقتها ، على جنرالات عبود ، فقد زادو عليه بأن واظبوا على أن يبعثوا إليهما ، كلَّ صباح ، بباقات الزهور النضرة خصماً على أموال دافعي الضرائب! وفسَّر خادم دولة يسكن في الجوار ذلك المسلك للمؤلفين بقوله ، لا فضَّ فوه: "السودانيُّون بطبعهم يحترمون البسالة والشجاعة"! ورحم الله الزبير الذي فاض به الغبن ، ولا بُدَّ ، فأضاف هامشاً إلى النصِّ المترجم ، قال فيه: ".. ولكن ، عندما يتعلق الأمر بالغزاة والمحتلين فيستحيل على سوداني أصيل أن يحترم تلك الصفات"!

    الإثنين:
    ____________

    ما زال الناس في أمريكا يؤلفون النكات عن (ذكاء) رئيسهم بوش! أحدثها ما يُروى عن الجِّنِّيِّ الذي ظهر له ، بغتة ، ليمنحه ثلاث دقائق فقط يطلب خلالها ثلاث أمنيات فيحققها له في التوِّ والحين! تلفت بوش مرتبكاً ، ثم ألقى بأمنيته الأولى: زجاجة من الجُعَة الباردة لا ينفد محتواها قط! وما بين غمضة عين وانتباهتها كانت الزجاجة على مائدة بوش الذي سارع لتجرُّعها مندهشاً من أنها ما تكاد تفرغ حتى تمتلئ! ولكي لا يضيِّع الوقت في الدهشة ، فقد نبَّهه الجِّنِّيُّ إلى أنه لم يستفد ، بعد ، من فرصة الأمنيتين الاخريين. فما كان من الرئيس (الذكي) إلا أن سارع لطلب زجاجتين أخريين .. من ذات الصنف!

                  

09-05-2007, 10:43 AM

Adil Osman
<aAdil Osman
تاريخ التسجيل: 07-27-2002
مجموع المشاركات: 10208

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: وجـمع كمال الجزولي في رزنامته:بوش،مشرف،كتشنر،الخليل،حدباي،الزبير باشا،البصري! (Re: بكري الصايغ)

    الاخ الصايغ
    تحيات زاكيات
    تتحفنا كل مرة برزنامة الاستاذ كمال الجزولى وضيوفه. كمال الجزولى رجل موسوعة. ومحقق وموثق واسع العلم وكثير الاطلاع. وإنى لاستغرب واتساءل هل هذا شغل شخص مفرد؟ أم له مساعدين وباحثين يجمعون له المعلومات؟ مثلما يفعل منصور خالد. هل يفعل الجزولى كل هذا لوحده؟
    هرشك لحم كرشك.. اللهم اعنه على كل حال. ويسّر له الوقت والطاقة للكتابة التى تغيظ الحاقدين الملس الذين لا يساوون قلامة ظفر من كمال الجزولى!
                  

09-05-2007, 02:07 PM

بكري الصايغ

تاريخ التسجيل: 11-16-2005
مجموع المشاركات: 19331

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: وجـمع كمال الجزولي في رزنامته:بوش،مشرف،كتشنر،الخليل،حدباي،الزبير باشا،البصري! (Re: Adil Osman)


    الأخ الـحـبيب الـحـبوب،
    عـادل عـثمان،

    تـحـية الود والأعـزاز ، والشكـر علي مـشاركتك الكـريـمـة الـمـقـدرة.

    بـخـصـوص اسـتفسارك حـول وان كان هـناك مـن يسـاعـد الأسـتاذ كـمال الـجـزولـي فـي "رزنامـته" الأسـبوعـية فـهـو يعيـش فـي الخـرطوم وانا اقـيـم فـي الـمانيا مـنـذ سـنوات طـوال. ولكـن وبـحـسـب مـعـرفتـي للاخ كـمال حـيـث درسـنا مـعآ بـجـامعـة "كـييف" باوكـرايينا فـي سـنوات السـتينيات بكليـة الـحـقوق اقول انه دائـمآ مـيال الـي الانـفراد بنفسـه
    عـنـد الكتابة بـغـض النظر اذا كان سـيكـتب فـي الشـعـراو الأدب الروسـي اوفـي حـل الواجبات الـجـامعيـة. كـمال الجـزولـي كان فـي سـنوات درسـتـه نابغـة بـمـعـنـي الكلمـة ومـتعـدد الثقافات، كان فـي مـجـال الشـعـر والأدب الروسـي يراسـل صـديـقة الراحـل سـمـيـر ابوذكـري فـي مـوسـكو ويكاتب زمـيله الراحـل اسـامة عـبـدالرحـمـن فـي مـجالات الأشـتـراكيـة ولـه كانت عـلاقات مـع الـمثقفيـن الأفارقـة بـ " كـييـف " ويناقشـهـم بطـلاقة بالانجـليـزية. كانت عـنده فـي ذلك الزمان مـكتبـة عـربية نادرة ومـنها ولاول مـرة قـرأت روايـة الكاتب الكبيـر الـطـيب صـالـح. كـنت اقـول له صـراحـة " انـنـي لاافـهـم نوع شـعـرك الذي تكتبـه وهـو شـعـر غـيـر مـقفـي!!"، فـكان يـرد ويـقول لـي :" باللـه خـليـل فـرح حـلفاوي وانت حـلفاوي??".

    صـراحـة عـن نفـسـي اقول اننـي قد تعـلـمـت مـن كـمال اشياء كـثيـرة خـصـوصـآ فـي مجـال مـعـرفة سـيـر بعـض الشـخـصـيات السـودانية بعـد الأسـتقلال،
    اسـتطـيع وفـي كلمات بسـيـطـة ان اقـول لك كـمال الـجـزولـي هـو:


    هـبـة مـن سـبـحـانه وتـعالـي للشـعـب السـودانـي.
                  

09-05-2007, 05:13 PM

بكري الصايغ

تاريخ التسجيل: 11-16-2005
مجموع المشاركات: 19331

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: وجـمع كمال الجزولي في رزنامته:بوش،مشرف،كتشنر،الخليل،حدباي،الزبير باشا،البصري! (Re: بكري الصايغ)

    الأسـتاذ الكاتب الكبيـر كـمال الـجـزولـي هـو ( مـجـتمعون مـع بـعـض ):

    أمرؤ القيس،طـرفة بن العبد،عـمرو بن كلثوم،عـنتربن شـداد،زهـير بن ابي سلمة،النابغة الذبياني،المهلهل،حاتم الطـائي،عمروبن معديكرب،كعب بن زهـير،الحطيئة،حـسان بن ثابت،الأخطل،جـرير،الفرذق،قيـس بن الملوح،جـميل بثينة،عمرو بن ابي ربيعة، كثيرعـزة،بشار بن برد،ابوالعتاهية،ابوتمام،البحتري،ابو الطيب المتنبي،ابوفراس الحمداني،ابو العلاء المعري،ديك الجـن،مهيار الدلمي،الأصمعي،الجاحظ،ابوفرج الأصفهاني،الجاحظ،
    ابن خلدون،المقريزي،حافظ ابراهيم، احمد شوقي، ابو القاسم الشابي، رشـيد نخلة، معروف الرصافي،علي لجارم، خليل مطران، علي محمود طه، ابراهيم ناجي، ايليا ابو ماضي، نقولا فياض، بدر شاكر السياب، عباس محمود العقاد،صلاح عبدالصبور،امل دنقل، رشـيد الخوري،معين بسيسو،ميخائيل نعيمة،رفاعةالطهطاوي،
    محمودتيمور،جبران خليل جبران،عبد الوهاب البياتي،بوشـكيـن، ليرمانتوف،اسينيـن،ميخائيل شولوخـوف،مـكسيم جوركي،جمال محمد احمد،محمد احمدمحجوب،الطيب صالح، عبداللـه الطيب،ابوالقاسم الشابي.

    اللـه يـديك الـصـحـة الـعافيـة ياكـمال.
                  

09-05-2007, 10:15 PM

Nasr
<aNasr
تاريخ التسجيل: 08-18-2003
مجموع المشاركات: 10836

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: وجـمع كمال الجزولي في رزنامته:بوش،مشرف،كتشنر،الخليل،حدباي،الزبير باشا،البصري! (Re: بكري الصايغ)

    قلم نحرير ومتابع خطير
    أمتعه الله بالصحة وطول العمر وطلاقة اليد واللسان
                  

09-05-2007, 11:12 PM

بكري الصايغ

تاريخ التسجيل: 11-16-2005
مجموع المشاركات: 19331

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: وجـمع كمال الجزولي في رزنامته:بوش،مشرف،كتشنر،الخليل،حدباي،الزبير باشا،البصري! (Re: Nasr)

    الأخ الـحـبيب الحـبوب،
    ناصـر،

    تـحـية الـود والأعـزاز والشـكـر عـلي مـرورك الـجـميـل، واسـمـح لـي ان اهـديـك احـدي قـصـائـد الأسـتاذ كـمال الـجـزولـي.

    ولك مـودتـي.



    القَصِيدَةُ الجَّبَلِيَّةْ ....

    كمال الجزولي.
    ---------------------------------

    هل قُدَّ من صخرٍ عزيفُكَ فى انتظارِ الغاشيةْ ؟
    أم أنتَ من صخرٍ .. قُدِدتْ؟
    أم أن صوَّانَ النشيدِ سياجُ صدركَ
    يا ابنَ هذا الرُّعبِ والليلِ الطويلْ ؟
    أم أن أسيافَ اليقينِ على اليقينِ ..تثلمتْ
    فإذا بصهباءِ الحنينِ ثُمالةٌ
    وكثيرُ شجْوكَ ، فى الأسىْ ، شجنٌ قليلْ ؟
    أم أن من ندَبوكَ للموتِ الزؤامِ ، وللشهادةِ
    قايضوا فيكَ القوافىْ ..بالمنافىْ
    والحدائقَ بالحرائق ِ
    والبنفسجَ بالردى ، والحُلمَ ..بالشجرِ القتيلْ
    ****
    صخرٌ لوجهِكَ فى الممرَّاتِ القديمةْ
    صخرٌ لعينيكَ
    صخرٌ لقدميكَ
    صخرٌ .. وكلُّ الموتِ مرصودٌ لأغنيةٍ يتيمةْ
    هل ضاعَ هذا الرصدُ فى وجدانِنا .. عبثاً
    وهل ذهبَتْ مراثينا .. سُدى ؟
    صخرٌ وأغنيةٌ وموتْ
    هأنتَ تخرجُ من ..جلالِ الموتِ
    متشِحاً بأغنيةِ الصخورِ الشُّمِّ
    ترجعُ ..للصدى
    قالَ الذين نحبهم
    يا ليتنا كنا ، فما كنا ، إذنْ ، فى موضِعِ
    السيفِ التجأنا ..للندى
    حتى تبدَّدَ حُلمُنا فىْ ذائبِ الذكرى
    وغرغرَ .. بالنشيجِ المُرِّ ، منْ أعراقنا
    دمُنا الموزَّعُ فى المدى
    صخرٌ وأغنيةٌ وموتْ
    إن الجراحَ تخُصُّ وجهَكَ .. وحدَهُ
    إن الجراحَ ، الآنَ ، تلفظُ ملحَها
    إن الجراحَ تضئ أبوابَ ..المتاجرْ
    ونزيفُكَ اليومىُّ يصعدُ فى بخارِ الشاحِناتِ
    نزيفكَ اليومىُّ يهبطُ فى ثغاءِ .. النائحاتِ
    نزيفك اليومىُّ يختزلُ المسافةَ بينَ صدرك والخناجِرْ
    فعلامَ صمتُكَ .. أمْحَكَتْ كلُّ الدروبِ
    استأكمَ السهلُ الفسيحُ
    وصَوَّحَتْ فيكَ الجريمةْ
    يا أيها المأسورُ فى جُلبابِ سقطتِه ..العظيمةْ
    صخرٌ لوجهِكَ فى الممرَّاتِ القديمةْ
    صخرٌ لعينيكَ .. صخرٌ لقدميكَ
    ---------------------------------------------
    الـمـصـدر: الـموقع الألكـتررونـي " ظـلال الأبنوس ".
                  

09-07-2007, 08:58 AM

Adil Osman
<aAdil Osman
تاريخ التسجيل: 07-27-2002
مجموع المشاركات: 10208

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: وجـمع كمال الجزولي في رزنامته:بوش،مشرف،كتشنر،الخليل،حدباي،الزبير باشا،البصري! (Re: بكري الصايغ)

    شكرآ يا بكرى الصايغ على اضاءاتك عن كمال الجزولى الشاب ايام دراسته القانون فى جامعة كييف فى الاتحاد السوفييتى السابق.
    Quote: كـمال الجـزولـي كان فـي سـنوات دراسـتـه نابغـة بـمـعـنـي الكلمـة ومـتعـدد الثقافات، كان فـي مـجـال الشـعـر والأدب الروسـي يراسـل صـديـقة الراحـل سـمـيـر ابوذكـري فـي مـوسـكو ويكاتب زمـيله الراحـل اسـامة عـبـدالرحـمـن فـي مـجالات الأشـتـراكيـة ولـه كانت عـلاقات مـع الـمثقفيـن الأفارقـة بـ " كـييـف " ويناقشـهـم بطـلاقة بالانجـليـزية. كانت عـنده فـي ذلك الزمان مـكتبـة عـربية نادرة

    إذن كمال الجزولى يتحدث العربية والروسية والانقليزية بطلاقة ويكتب بهذه اللغات بنفس الطلاقة.
    يقولون فى علم اللغويات إن معرفة المرء لغة اجنبية تساعده فى تجويد لغته الأم.
    لعلك تعلم ان منصور خالد يجيد العربية والانقليزية والفرنسية.
    وباقان اموم سكرتير الحركة الشعبية يجيد اللغات الشلكاوية والعربية والانقليزية والاسبانية..
                  

09-07-2007, 10:48 AM

بكري الصايغ

تاريخ التسجيل: 11-16-2005
مجموع المشاركات: 19331

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: وجـمع كمال الجزولي في رزنامته:بوش،مشرف،كتشنر،الخليل،حدباي،الزبير باشا،البصري! (Re: بكري الصايغ)

    الأخ الـحـبيب الـحـبوب،
    عـادل عـثمان،

    تـحـية طـيبة،

    اكـررلك شـكري عـلي اهـتمامك بالـمتابعـة والـمشاركة الـقيـمـةالـمـقـدرة.

    الـذين يـجـيـدون عـدة لغات عالـمـية وبـطلاقـة شـديـدة هـم والـحـمدللـه كـثـر في السـودان. فـهناك الـدكتور فرانسـيـس دينـق والـدكورمنصـور خـالـد والكاتب الطيب صـالح والفنان التشكـيلي ابراهـيـم الصـلحـي ( وكـلهـم يعـيشـون خـارج السـودان ). يقال "والعـهـدة عـلي الراوي" ان احـسـن مـن كان يتكلم الأنجـليـزية فـي سـنوات الخـمسينيات والسـتينيات هـو الـدبلوماسـي والشاعـرالكـبيـر محـمد أحـمـد مـحجـوب وهـو اول مـن كـتب الشـعـر الـحـر فـي السـودان. الـبروفسـور الراحـل عـبـداللـه الطـيب كان حـجـة فـي اللغـة العـربية وتفسـير القـرأن ودرس باللغـة الأنـجـليزية فـي جـامعات نيجـيـريا.

    الأسـتاذ كـمال الجـزولـي يشـهـد له الكثيـرون بانه نابغـة ومـتمـكن فـي اللغـات ولـه اسـهامات فـي مـجـالات ادبيـة كـثيـرة، وأهـديك ياأخ عادل احـدي مـقالات كمال وانشـرها ايـضآ بـمناسـبة الـذكري 107 عـلي واقـعـة
    " كـرري " الـتـي وقعـت فـي مـتل هـذا الشـهـر "اغـسـطـس" مـن عـام 1898،واهـديك ايـضآ نبـذة " سـيـرة ذاتيـة " عـن الأسـتاذ كـمال الـجـزولـي، واود اعـتـذر للاخ كـمال الـجـزولـي باننـي قـد قـمـت وبنشـر سـيـرته الـذاتيـة بدون اذنـه وهـناك قانـون سـودانـي اضـح " قانون حـمـاية الـمعلـومات " يـمـنع نشر اي مـعلومـات او بيانات بـدون اذن صـاحـبها، ولـكـننـي وجـدت سـيـرته الـذاتيـة فـي مـوقع الكـتـرونـي اخـر فقـمـت باعـاده نشـرهـا تـعـميـمآ للفائــدة وتـوسـيـع دائـــرة الـمـعـرفـة.


    نبذة تعريفية عن كمال الجزولى .
    ------------------------------------------
    الاسم بالكامل: كمال الدين عوض الجزولى
    إسم الشهرة: كمال الجزولى
    مكان وتاريخ الميلاد: أمدرمان فى 15/4/1947م
    الحالة الاجتماعية: متزوج وأب لولد وبنت.
    الدراسة: خريج كلية القانون الدولى والعلاقات الدولية بجامعة كييف بالاتحاد السوفيتى سابقاً 1973م).
    المؤهل الأكاديمى: ماجستير القوانين بالتخصص فى القانون الدولىودبلوم الترجمة فى اللغة الروسية.
    اللغات: العربية ـ الانجليزية ـ الروسية
    المهنة: محامى وشاعر وكاتب وصحفى.
    الاصدارات:
    (1) القصيدة الجبليَّة" ـ مجموعة شعريَّة صادرة عن (إتحاد الكتاب العرب) ـ دمشق 1974م.
    (2) عزيفُ الريح خلف بوَّابةٍ صَدِئَة" ـ مجموعة شعريَّة صادرة عن (دار الأشقاء) ـ الخرطوم 2001م.
    (3) الشيوعيون السودانيون والديموقراطية" ـ دراسة صادرة عن (دار عزة) ـ الخرطوم 2003م.
    (4) عشرات المقالات والبحوث والدراسات والأوراق العلمية المنشورة ، كما وتحت الطبع ، فى العديد من الصحف والمجلات والدوريات المتخصصة داخل وخارج السودان.
    (5) كاتب مشارك فى عدد من الصحف السودانية والعربية.
    (6) تمت ترجمة بعض إنتاجه إلى اللغات الانجليزية والروسية والأكرانية.
    النشاط العام:
    (1) عضو بالحزب الشيوعى السودانى.
    (2) الأمين العام المنتخب لاتحاد الكتاب السودانيين
    المحلول.
    (3) عضو إتحاد المحامين السودانيين ـ عضو إتحاد المحامين العرب ـ عضو مؤسس فى (المنظمة السودانية لحقوق الانسان)
    ـ عضو (الحركة من أجل حرية الضمير فى السودان) ـ عضو مجلس الأمناء والمكتب التنفيذى لمنظمة (الراصد الاجتماعى السودانى)ـ عضو مجلس الأمناء والمكتب التنفيذى (للمنظمة السودانية للعون القانونى) ـ عضو (الجمعية السودانية لحماية البيئة) ـ عضو (منبر السودان أولاً) السياسى، وعضو (ندوة إشراقة) الفكرية والأدبية بأمدرمان.
    (4) عضو فخرى بمركز لندن لمنظمة (القلم العالمية) للدفاع عن حقوق الكتاب المضطهدين ، وحائز على جائزتها الدورية لمنطقة شرق أفريقيا عام 1993م.
    (5) مشارك فى العديد من المؤتمرات والندوات وورش العمل داخل وخارج السودان.


    [email protected] : البريد الالكتروني - كمال الجزولي
    http://www.rezgar

    __________________________________

    الـمـصـدر: الموقع الألـكتروني "الحوار المتمدن".

    تاريخ الانشاء : 2003 / 7 / 30 عدد زوار موقع كمال الجزولي: 43927.


    ---------------------------------------------------------------------





    الحَامِضُ مِنْ رَغْوَةِ الغَمَامْ (5):
    (مَبحَثٌ فى قِيمَةِ الاعتِبَارِ التَّاريخِى) لَم يَكُن المَالُ عِندَ المَهدِى عَلاقاتٍ تَستَوْجِبُ التَّثويرَ بَل .. الاِزدِرَاء!
    ______________________________

    كمال الجزولي
    [email protected]

    "الحوار المتمدن" - العدد: 1644 -

    2006 / 8 / 16


    "الخير فيما اختار الله .. إلاَّ نصرة ما فى"!
    (ابراهيم الخليل فى مجلس الخليفة لقادة التشكيلات عشية كررى)

    (9)
    كانت (المهديَّة/الثورة) فعلاً جمعياً توفر له ، وبمستوى رفيع من التحقق ، شرطه الذاتى المتوطن فى قوة الإيمان بالفكرة ، وعدالة القضيَّة التى جاهد فى سبيلها الثوار ، و(وحدة) المجتمع/الجيش فى (تعدُّد) راياته ، فضلاً عن الدرجة العالية من الانضباط العام المستند إلى قيَم ومبادئ التجرُّد والفداء والزهد والإخاء والمساواة والعدل بين الصفوف المتراصَّة المتماسكة ، قيادة وقاعدة ، مثلما توفر له شرطه الاستثنائى المتمثل فى وجود قائد الثورة بنفسه ، عليه السلام ، فوق سنام قيادتها طوال سنواتها العاصفة ، بكل ما عُرف عنه من كاريزميَّة رفيعة ، وطهرانيَّة تتعالى على الشبهات ، وصرامة لا تقبل القسمة على اثنين فى تفعيل تلك القيَم والمبادىء بين جميع قوى المجتمع الحيَّة التى انضوت تحت لوائه ، من أقصى قبائل الغرب الرعويَّة المتنقلة إلى أدنى قبائل السودان الأوسط والشمالى الزراعيَّة والتجاريَّة المستقرَّة. لقد شكل وجود المهدى ، بخصائصه الشخصيَّة النادرة ، سحر القدوة ، وجاذبيَّة المثل الأعلى ، وصمَّام الأمان الاستثنائى للمحافظة على توازن قوى الثورة ، وعلى تماسك اصطفافها ، و(تأجيل) انفجار أىِّ صراع محتمل فيما بينها اجتماعياً أو جهوياً أو عسكرياً. وإلى ذلك جعل الإمام الثائر من تلك القيم والمبادئ ، وبخاصة (الزهد) المطلق فى (متاع الدنيا) ، خطاً ثابتاً فى برنامج التربية الروحيَّة لأنصاره بقوله ، مثلاً ، فى (راتبه) مناجياً ربه:
    ـ ".. وأزل من قلوبنا الغفلة عنك ، والالتفات إلى شىء دونك ، وامحُ عنا جميع الاغترار والضلال ، وجنبنا عدم المبالاة بوعدك ووعيدك .. ولا تجعل فى قلوبنا ركوناً لشىء من الدنيا يا أرحم الراحمين".
    ويُقرأ هذا الدعاء ضمن (الراتب) مرَّتين كلَّ يوم فى ساعتى الإجابة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها تطهيراً للنفوس (الصادق المهدى ، ص 216 ـ 217).
    كما طلب ، عليه السلام ، من أنصاره ، وهم يتهيَّأون لدخـول الخرطـوم ، أن يبايعوه ".. على زهد الدنيا واختيار الآخرة"! وقد علق الشيخ بابكر بدرى ، لاحقاً ، على تلك البيعة بقوله:
    ـ ".. لم أعقلها تماماً تلك الساعة!" (حياتى ، ص 35).

    (10)
    لم يكتف ، عليه السلام ، بتأملاته الصوفيَّة وحدها لصياغة برنامجه الثورى ، وتأهيل نفسه الزكيَّة ونفوس معاونيه الأفذاذ للقيادة ، بل دعم ذلك بسياحة شاقة فى أرجاء البلاد ، مجال دعوته الحيوى ، أتاحت له إعمال النظر فى أمورها ، وتدبُّر أحوالها ، وملاحظة حراكها وتناقضاتها الاقتصاديَّة والاجتماعيَّة ، فتيقن من ".. أن الطبقات الفقيرة فى الأمَّة تكره الحكومة أشدَّ الكره .. لكثرة الضرائب الفادحة المضروبة عليها .. وتعانى ما يوقعه بها الجباة الغلاظ السفلة من ضروب الظلم والعسف. و.. بين هؤلاء الجباة عدد من السودانيين لم تكن تفلت منهم فرصة لإثراء أنفسهم وتوظيف أقاربهم بغية تحقيق هذا الغرض" (سلاطين ؛ السيف والنار فى السودان ، ط 2 ، المطبوعات العربيَّة ، الخرطوم 1987م ، ص 40).
    وإلى ذلك وقف الامام الثائر بنفسه على تناقضات الفئات والشرائح الكبيرة فى المجتمع بسبب استشراء روح التهافت والتنافس والتحاسد حول فتات الامتيازات التى كان الأتراك يلقون بها إليها (المصدر نفسه). كما أدرك خلفيات التباغض القديم بين (أولاد العرب/الرعاة) و(أولاد البلد/الجلابة) ، والذى أزكت أواره ، فى مرحلة لاحقة ، الأحداث التى ترتبت على قرار غردون بمنع تجارة الجلابة بكل أنواعها بين كردفان وبحـر الغزال ، بسبب ما تكشف له من بيعهم الأسلحة والبارود لسليمان الزبير الذى كان قد تمرَّد هو وشريكه رابح فى بحر الغزال ، وهى التجارة التى كانت تدر عليهم أرباحاً وفيرة تجعلهم يغامرون فى سبيلها حتى بأرواحهم. وكان ذلك القرار قد قضى بتكليف مشايخ (العرب) الرزيقات والحوازمة والحمر والمسيريَّة ، فى المراكز الواقعة على طريق هذه التجارة ، بتعقب (الجلابة) ، وجُلهم من الجعليين والشايقيَّة والدناقلة ، والقبض عليهم بالقوَّة وتسليمهم للسلطات. فحَمَل (العرب) على (الجلابة) حملة عامَّة هائلة لم يكتفوا خلالها بسلب تجارتهم فحسب ، بل جرَّدوهم من كل ما يملكون بلا تمييز بين تجارة محظورة وتجارة مباحة ، مما رتب لنتائج وخيمة على العلاقات القبليَّة فى المدى البعيد (المصدر نفسه ، ص 12 ـ 13).
    لكن المهدى لم يَرَ خلف ذلك كله سوى فكرة (المال) ، لا كعلاقات اجتماعيَّة عُرضة لاحتمالى الافساد أو التثوير/الاصلاح ، وإنما كمحض (أوساخ) دنيويَّة يتوجب ازدراؤها وركلها والترفع عنها فى كلِّ الاحوال! هكذا صاغ ، عليه السلام ، من معرفته الشخصيَّة بالواقع الموضوعى معرفة أيديولوجيَّة صارمة طبعت الثورة ، فى سياق دعوته الدينيَّة ، بطابعها العام ، وفحواها أن الانتصار للفقراء والمستضعفين لا يكون بإعادة صياغة علاقات (الثروة) فى قسمتها ومصارفها ، وإنما بالتعفف عنها ، باعتبار ذلك جوهر الدين ولبَّ التديُّن ، وذمِّ التكالب عليها ، باعتبار ذلك أسَّ الكفر وأول الوهن. فكان أن وجَّه ، من ثمّ ، جُلَّ جهده التربوى ليس فقط لإعلاء شأن المساواة ، والأخوة ، والعدل ، والشـورى ، وما إلى ذلك من القيَم المعادية لنمط العلاقات الاقتصاديَّة والاجتماعيَّة الظالمة ، بل لإيلاء الظهر للدنيا بأسرها ، وهجرها تماماً كمفسدة مطلقة!
    هكذا انطلق ، عليه السلام ، من مقدِّماته الأخلاقيَّة والدينيَّة الصارمة هذه ، ليشنَّ نضالاً وطنياً تحررياً وطبقياً شاملاً انخرط فى صفوفه الرعاة والمزارعون وصغار التجار والحرفيون والرقيق ، فتقاطرت إليه جحافل الفقراء والمقهورين والكادحين المعدمين بنسائهم وأطفالهم ، بينما ناصبه العداء جُلُّ الأثرياء والموسرين وذوى المصالح والمتهافتين على فتات موائد الأتراك و(أوساخهم) الدنيويَّة. وما من شكٍّ فى أن ذلك كله ، إذا استصحبنا منطق القوانين الباطنيَّة للحركة ، قد انعكس فى الخطاب التحريضى للمهديَّة مزيداً من الغلوِّ فى تمجيد الزهد وذمِّ المال. وفى ذلك الاطار "هيَّأ المهدى نفسه .. لإصلاح السلوك الأخلاقى وتثوير عادات السودانيين بالدعوة للتخلى عن كل التفاهات الدنيويَّة .. (حيث) يجب أن تكون حياة أتباعه حياة الرجال الذين يعيشون الأيام الأخيرة!" (ج. سبنسر تريمنجهام ؛ الاسلام فى السودان ، ترجمة فؤاد أحمد عكود ، ص 154 ـ 155). وكان ، عليه السلام ، كثيراً ما يردد:
    ـ "لقد دمَّرت هذه الدنيا وبنيت العالم الآتى" (سلاطين ، ص 230).
    وجاء فى بعض منشوراته فى الزهد:
    ـ "إمتنع عن كلِّ المسرَّات ، إذ عن طريق الصلوات فقط يمكن الحفاظ على هذا العالم فى سلام" (ونجت ، ضمن تريمنجهام ، ص 155).
    وروى الخليفة لسلاطين ، وهو يؤانسه ، ذات مساء ، بذكرياته فى هذا الشأن:
    ـ "كان الناس يهرعون إلينا زرافات ، ولكن معظمهم كان فى فاقة تزيد عن فاقتنا .. أما الموسرون فكانوا يتجنبوننا .. إن المال لعنة ، ومن كان غنياً فى هذه الدنيا فإنه لن ينعم بنعيم الفردوس. ولم نكن نحصل على معونة ما من الناس الذين كنا نجوز بلادهم ، وكان المهدى مع ذلك يقسم ما يحصل عليه من القليل الذى لديه بين .. الذين يقصدونه" (سلاطين ، ص 44 ، 45).
    ولم يكن الامام الثائر يكلُّ أو يملُّ من مذاكرة الناس ، فى القيادة قبل القاعدة ، محذراً من فتنة (المال) ، بل وحتى (السلطة) نفسها:
    ـ ".. فلا تروا العيش والاقتيات والعزَّ والنفع وضدهم عند أحد ، ولا فى الأموال والوظايف ، بل إن الأموال والوظايف إذا حصلت لأحد لربما أسقطته عن الله .. إن الزهد هو حقيقة الإيمان" (أبو سليم ؛ منشورات المهدية ، ط 2 ، دار الجيل ، بيروت 1979م ، ص 28 ، 29 ، 32).

    (11)
    وبلغت به شدَّة المقت للأثرة ، وفرط الحساسية تجاه التوسُّل (بالوظايف) للاستحواز على قسط من (الثروة) أو التميُّز الاجتماعى أو السياسى ، أو مجرَّد التطلع إلى شىء من ذلك ، درجة لم يتردد معها ، عليه السلام ، لحظة واحدة فى التبرُّؤ حتى من أهله الأشراف حين رأى منهم ما عدَّه تجاوزاً لتلك القيَم والمبادىء ، وهو الذى عيَّن خليفته الأول ، سيدى ود تورشين ، من غيرهم. فلما كان يوم آخر جمعة من شعبان سنة 1302 هـ ، الموافق 12 يونيو سنة 1885م ، وبعد أن فرغ من الخطبة فى الجامع ، نادى بأعلى صوته وقال:
    ـ "أيها الناس إنى مللت النصح والمذاكرة لأقاربى الأشراف الذين .. ظنوا أن المهديَّة لهم وحدهم"!
    ثم مسك ثوبه ونفضه ثلاث مرات وقال:
    ـ "أنا برىء منهم فكونوا أنتم شهوداً علىَّ بين يدى الله تعالى" (ن. شقير ، ص 598).
    مهما يكن من ملامسة ذلك النقاء حدَّ الأسطورة فى كثير من الأحيان ، إلا أنه ، فى المحصلة النهائيَّة ، حلق بذلك النمط من القيادة إلى مستوى فريد من العدل القائم فى مغالبة النفس ، ولجم الهوى ، ووسواس الدنيا ، خاطب من فوقه ، عليه السلام ، الناس ، وبخاصَّة القادة ، أول ابتداء أمر دولته ، بُعيد انتصار ثورته الموشحة بزكىِّ النجيع ، وأواخر أيام حياته العامرة بجلائل المكرمات ، ناهياً عن التناصر بالظلم ، وحاثاً على ابتغاء وجه الله بالعدل:
    ـ ".. فالصحبة الدنيويَّة .. إن لم تكن فى رضاء الله بإقامة الحق كانت عداوة وخروجاً عن التقوى ، (و) عدم العدل لغرض النفس أو حظ القرابة والصحبة والمنفعة فسق" (أبو سليم ، ص 222).
    وقد اعتاد ، عليه السلام ، أن يقرن تلك التعاليم بتقديم نفسه فى مقام المثال والنموذج والقدوة ، جرياً على أسلوبه المتميِّز فى القيادة:
    ـ "أحبابى سألتكم بالله العظيم ، وبنبيِّه الكريم ، من كانت له علىَّ مظلمة والحال أنى ناس لذلك فليطلبنى قبل الآخرة ، فإنى قد اتهمت نفسى بذلك. ومن كانت له مظلمة على الخلفاء والأمراء والأشراف فليطلب ذلك" (ضمن: الصادق المهدى ، ص 189).
    ولعلَّ من أبرز الأمثلة على تشدُّده فى التمسُّك بتلك القيَم والمبادىء ، بالغاً ما بلغ نباح الفرص المواتية بقطاف المصالح الدنيويَّة ، أنه فضَّل مصادمة أرستقراطيَّة الكبابيش (النوراب) ، والثورة لما تزل ، بعدُ ، فى أشدِّ الاحتياج للسند والمؤازرة الماديَّتين من مضخاتهما الرئيسة فى المجتمع ، على أن يساوم قدر قيراط بقيَم الزهد أو مبادىء العدل والمساواة. فأصدر منشوراً يخاطب الكبابيش ، ضمن آخرين ، فى أول سنة 1300 هـ الموافق 3 أبريل سنة 1883م ، طالباً:
    ـ "ألا يتشاجر اثنان فى طريق الزرع ، ولا يدَّعى أحد وراثة الأرض من آبائه وأجداده ليأخذ عنها خراجاً أو يقيم بها من هو ساكن لأجل ذلك" (الأحكام والآداب للإمام محمد احمد المهدى ؛ ضمن: عبد الله على ابراهيم ؛ الصراع بين المهدى والعلماء ، ط 2 ، مركز الدراسات السودانيَّة ، القاهرة 1994م ، ص 81 ـ 83).
    كما طلب من الكبابيش ، فى نفس المنشور ، أن يردُّوا ما نهب من دفع الله ود محمد الجهنى ، وأن يكفوا عن نهب أموال المسلمين (المصدر نفسه).
    وربَّما كان من الضرورى أن نشير هنا إلى المكانة الخاصَّة التى شغلتها (الأرض) فى مفهوم (الثروة) عند (النوراب) ، وما ارتبط بها من مفاهيم (الدار) و(التـَبَع) ، علاوة على مفهوم (القيمان) ، مِمَّا توفر د. عبد الله على تقصِّيه فى مبحثه القيِّم (المهديَّة والكبابيش: نحو مشروعيَّة للمعارضة) ، وذلك من أجل تقدير أفضل لمدى التهديد الذى انطوت عليه طهرانيَّة المهديَّة الزاهدة تلك لمجمل البنى الاقتصاديَّة والاجتماعيَّة والأخلاقيَّة التى عرفها ، مثلاً ، المجتمع الكباشى منذ مطالع القرن الثامن عشر (المصدر نفسه ، ص 71 - 93).

    (12)
    إنقضت سنوات (المهديَّة/الثورة) ، ولمَّا تكن قد انقضت ، بعدُ ، رسالتها التى لم تقتصر ، أصلاً ، على تحرير السودان فحسب ، بل حملت على عاتقها أيضاً ، ومنذ البداية ، عبء تحرير البلدان الإسلاميَّة بأسرها من حكم آل عثمان وغيرهم من الأجانب ، والانطلاق بالدعوة ، من ثمَّ ، لتصديرها إلى عالم كانت رأسماليته ، وقتها ، تتهيَّأ للدخول فى مرحلتها الإمبرياليَّة ، من فوق سنام الاحتكارات الهائلة ، والتروستات الضخمة ، وتصدير الرساميل ، بعد أن أتخمت فى الغرب ، حتى أسنانها ، بمنجزات التنافس الحر ، والثورة الصناعيَّة ، والقدرات غير المحدودة الآخذة فى التعمُّق والتمدُّد ، رأسياً وأفقياً ، لرأس المال المالى ، إبن سفاح الرباط غير المقدس بين رأس المال الصناعى ورأس المال البنكى ، يحدوها الأمل فى تجاوز أزمتها ، أوان ذاك ، بتجديد مصادر الخام ، وتوسيع أسواق التصريف.
    فبأىِّ معيار يمكن وزن ذلك العبء الذى حملته (المهديَّة/الدولة) على عاتقها ، فى إطار محدِّداتها العقائديَّة الصارمة ، وفى ضوء أشراطها التاريخيَّة المعلومة ، محلياً وإقليمياً وعالمياً؟!
    ونـواصـل...
                  

09-07-2007, 01:53 PM

Adil Osman
<aAdil Osman
تاريخ التسجيل: 07-27-2002
مجموع المشاركات: 10208

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: وجـمع كمال الجزولي في رزنامته:بوش،مشرف،كتشنر،الخليل،حدباي،الزبير باشا،البصري! (Re: بكري الصايغ)

    Quote: أما تمثال كتشنر المُقلد فحكايته حكاية! إذ كان كتشنر نفسه في رحلة إلى السودان عام 1911م لصيد الأفيال والأسود ووحيد القرن ، حين عرض عليه خلفه ريجنالد ونجت إقامة تمثال له على سبيل تكريمه. وافق كتشنر ، مقترحاً الاستفادة من القالب الذي استخدم في صبِّ تمثاله الأصلي. ورغم أن من شأن ذلك تقليل النفقات ، إلا أن الخزينة لم تكن لتتحمَّل كلفة ملء القالب بالنحاس المصهور! ومع ذلك فقد توصَّل ونجت لحلٍّ بارع! كانت ثمَّة أطنان من النحاس في هيئة ظروف طلقات فارغة جُمِعَت من ميدان كرري ، وأرسلت لإنجلترا. فما كان من ونجت إلا أن وجَّه بصهرها وصبِّها داخل القالب!


    مدفع المكسيم المشهور الذى حصد ارواح 10000 سودانى فى معركة كررى. استخدمت فوارغ طلقاته فى بناء تمثال كتشنر
                  

09-07-2007, 02:13 PM

بكري الصايغ

تاريخ التسجيل: 11-16-2005
مجموع المشاركات: 19331

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: وجـمع كمال الجزولي في رزنامته:بوش،مشرف،كتشنر،الخليل،حدباي،الزبير باشا،البصري! (Re: Adil Osman)


    واللـه ياعـادل... " ياريتك تـجـيـب ليـنا صـورة الـمـدفع الـقتل 2 مـليون سـودانـي!!!!".
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de