|
|
 توتو .... كنت مديره و تلميذه
|
توتو .... كنت مديره و تلميذه
هو الأخ توتو .... من أبناء جنوبنا الحبيب الغالي.. كل من أتاحت له الظروف زيارة المجلس الثقافي البريطاني في الأبيض، لا بد أنه التقي الأخ توتو... فهو (فراش) المركز الأول و منذ تأسيسه و لسنين طويلة. إنسان نبيل و عظيم عظمة الكلمة ... محب و متفاني في عمله لدرجة الاندهاش... لا يعرف الغياب، كان عشقه المجلس البريطاني بل أصبح أهم من عنوان المجلس بل قل صار هو عنوان المجلس في المدينة. رجل قمة في الذكاء رغم عدم إلمامه بالقراءة و الكتابة في أي لغة. يحضر البريد و يمكنه من رسم الحروف فقط انجليزية كانت أو عربية ، أن يحدد لكل موظف رسائله.. (جنايني) ماهر و هو أكسير جمال حديقة المجلس البريطاني ... أحببته بصدق و حزنت على وفاته بصدق أكبر ، لم لا فإنه قد أحب أبنتي (رشا) أكثر مني ... رشا و هي طفلة في عامها الثاني كان لها... عشق كردفاني غريب للماء ... نعم الماء، أسعد لحظاتها و هي إلي جوار توتو عند سقايته حديقة المنزل و غرس شتلات الزهور . يوما وجدتهما معا و رشا قد لطخت نفسها بالطين و كل جسمها (يشر) ماء و توتو لا يولي الأمر أي اهتمام . خاطبت رشا بعنف فتصدي للدفاع عنها توتو قائلا: يا جنابو خلي البت يلعب ... أصلو هو ماشي يلعب بالمويه بتين ؟ لما يبقي مره كبير؟ (امرأة) حملها مرة على كتفه و سيراً على الأقدام حتى داره في حي (طيبة) و في المساء ذهبت لإعادتها... وجدتها و في دار توتو المتواضعة جدا .. تمرح بسعادة الأطفال و هي تطارد (السخيلات) و توتو يجلس على (بنبر) يراقبها و هو أكثر منها سعادة لسعادتها...
هذه المقدمة عن الأخ توتو قصدت أن تكون مدخلا لي للحديث عن توتو الذي كان أستاذا لي ... نعم أستاذي في علوم الحياة . رغم أني كنت مديره بمسمي الوظيفة إلا أنه كان أستاذي بحق ، فقد أعطاني من الدروس ما ظل عالقا بذهني و نبراسا لي فيما تبع من أيام و سنين.. منها: نقلت من الخرطوم مديرا للمجلس البريطاني في الأبيض و تقريبا و أنا في الاسبوع الأول طلبت من الأخ توتو أن يحضر لي (علبتين سجائر) كانت قيمتها وقتها واحد جنيه!! و أعطيته عشرة جنيهات و كانت مبلغ!! عاد توتو بالسجائر و وجد معي أحد الضيوف بالمكتب فوضع السجائر و لم يرجع لي باقي المبلغ. حقيقة ( و استغفر الله كثيرا) فقد خطر لي أن الراجل (عايز يخم المدير الجديد) و أنا في طريقي مغادرا المكتب آخر النهار وجدت توتو يسقي حديقة المكتب فسألته: يا توتو أنا قبيل أديتك جنيه ولا عشرة جنيه ؟ فأجاب عشرة جنيه و دي الباقي . أخرج المبلغ ملفوف في ورقة جريدة قديمة، فسألته ليه ما أديتني الباقي قبيل؟ قال: لا .. أنا جيت لقيت معاك ضيف. طيب ماله؟ لا يا جنابو .... أفرض الضيف ده طلب منك خمسة جنيه و انت ما عايز تديه قلت ليه ما عندي بعدين أنا أجي أديك تسعة جنيه تعمل شنو؟ أول حاجة تطلع كضاب بعدين تقوم تديه و امكن انت عايز القروش لحاجة تاني..... فعلا خجلت من نفسي و صغرت نفسي أمام هذه الشفافية و لم أجد أمامي سوي الانصراف و عاد هو بكل هدوء إلي زراعته يرويها بعد أن سقي روحي بمعرفة لم ندرسها في قاعات الدراسة.
في احدي العطلات كنت أجلس في حديقة المكتب و جاء توتو رغم أنها عطلة و قال اليوم لازم الجوافة تشرب.... (يوم سقاية أشجار الجوافة حسب برنامجه) هنا قلت له: توتو تعال شوف هناك في جوافة كبيرة ، جيب عصاية ننزلها.. نظر إلي بعطف و هدوء و قال: يا جنابو هو إذا (نجض) بطير؟؟ يا سلام ما أروع توتو ... لم أجد إلا أن أضحك على نفسي ( فعلا إذا نجض بطير يا اخوان؟)
في مرة كان معي بمكتبي يساعدني في ترتيب بعض الملفات و دخل علينا رجل شرطة و بعد التحية أخبرني بأن توتو مطلوب في مركز الشرطة. و مع دهشتي و قبل الاستفسار عن السبب خاطبه توتو قائلا: أنا ما عندي بطاقة و ما عندي رخصة سواقة و كمان ما عندي بيت ثم واصل عمله دون أي إضافة أو اهتمام برجل الشرطة الذي انفجر بالضحك و هو يغادر المكتب دون أي تعليق. أنا في دهشتي سألت توتو عن الموضوع فأجاب: أصله يا جنابو في واحد بلدياتنا يشتغل في المستشفي عنده قروش (أوفر تايم) مشي يصرفه و المحاسب قال ليه ما جاهز قام ضرب المحاسب و البوليس قبضه في الحراسة و لمن البوليس جا أنا عرفت يكون هو رسله عشان أمشي أعمل ليه ضمانه بعدين هو زول مش كويس أنا أعمل ليه ضمانه يقوم يشرد يمشي جنوب أجيبه كيف؟ و إذا زول ما عندة بطاقة و ما عنده رخصة سواقة و ما عنده بيت ، البوليس ما يقبل ضمانه بتاعه...و أنا ما داير مشاكل. عندما وصل توتو لهذا الحد من التفسير، لم يسعني إلا أن أضحك معجبا بذكائه و سرعة البديهة عنده....
حكاوي توتو أو دروسه لي لم تنقطع و كنت كل يوم أجد نفسي أنني تلميذ بليد يحتاج للمزيد من دروس أستاذي توتو .... رحم الله توتو
هؤلاء هم ناسنا الذين أعطوا لحياتنا معني
|
|
 
|
|
|
|
|
| |
hamid murahid
أبو ساندرا
awad okasha
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست