|
|
 قبلة الذئب للظبي ...
|
رووا أن عرفات رحمه الله يوم دهمه مرضه الذي قضى فيه، قال لمن حوله "لحقوني من المطبخ "، اما من هم، وكيف لحقوه من المطبخ، ولماذا لحقوه، أسئلة لا تحتاج لكثير ذكاء أو للإحاطة بما يجري حولنا لنعرف الإجابة عليها.
وجاء محمود عباس لخلافة عرفات بانتخاب غير منافس ولم يحشد له المراقبون. محمود عباس مهندس أوسلو وعرابها كما يقولون. روبرت فسك مراسل صحيفة الإندبندنت اللندنية حدث أن محمود عباس كتب كتابا عن أوسلو من 600 صفحة لم يرد فيه وصف الوجود الإسرائيلي بالضفة والقطاع بأنه احتلال، وهو حين يجيئ على ذكر الجلاء الإسرائيلي عن الأراضي المحتلة يصفه بإعادة الإنتشار. محمود عباس من فصيل فتح الفلسطيني، وفتح حتى يومئذ كانت مسيطرة على المجلس التشريعي وربما على الحياة السياسية للفلسطينيين. وحتى تتواءم حداثة تفويض محمود عباس مع حداثة مرغوب فيها لتفويض المجلس التشريعي، وحتى يكون ما قد يصدر أو يراد له أن يصدر من قرار من الرئاسة او المجلس محتميا بحداثة التفويض في الجانبين، أصرت أمريكا على إجراء انتخابات مستحقة لأكثر من عقدين للمجلس التشريعي واستجاب محمود عباس. ولم يفهم الناس إلا أخيرا من كان يهدد محمود عباس بعدم إجراء الإنتخابات إذا بقيت إسرائيل على تعنتها بشأن القدس، و لم يفهموا لماذا الإصرار على إجراء الإنتخابات بهذا القدر، إلا أن تعينهم أحداث غزة الأخيرة على الفهم. وحشد محمود عباس المراقبين ـ من نفسه أو بإيعاز ـ ليشهدوا على نزاهة الإنتخابات الفلسطينية. وشهد المراقبون على نزاهة الإنتخابات الفلسطينية، وأنها كانت أكثر نزاهة من انتخابات الرئاسة الأمريكية لسنة 2000. وجاءت الإنتخابات بغير ما كان يؤمل من تحديث المجلس التشريعي، جاءت بحماس. وسقط في يد القوم. هم لم يحـسنوا التقدير. أوسلو غيرت في خارطة المجتمع السياسي الفلسطيني، وأوسلو قد أفرزت المنتفعين وأوجدت المتعاونين وكانت وحلا أدخل بعضهم القضية الفلسطينية فيه. وبنفس القوة أفرزت أوسلو من لا يرضى عنها وعن من ظهر بعدها على ساحة العمل الفلسطيني للتحرر. الزعم بأن الإنتخابات في حد ذاتها عملية غير ديمقراطية، أو بأن الإنتخابات الفلسطينية كانت غير نزيهة، زعم ضد الواقع وضد الحقيقة. وللإلتفاف حوله جاءوا بالقول بأن في الديمقراطية ما هو فاعل وما هو غير فاعل. وأي ديمقراطية تأتي بمن يعارض أمريكا أو يعارض تخطيطها فهي غير فاعلة. أمريكا تكون قد خدمت نفسها لو تخلت عن خططها إدخال الديمقراطية في الشرق الأوسط لأنها ستجد كل ديمقراطية جاءت فيه بتخطـيطها أو رضائها ديمقراطية غير فاعلة.
حماس هذه التي هزمت توقعاتهم وأفشلت ما يبيتون تواجه بحصار خانق وتوضع العصي في دواليب حركتها حتى يصنع لها الفشل، ويتوج السعي الدؤوب ضدها بإقالة حكومتها وفرض الطوارئ. ولا يتوقف وصفها بالحركة الظلامــية وأنها جماعة من الإنقلابيين وعصابة " سنكيل لهم الصاع صاعين ". ولم يتأخر آخرون من نادي ما يعرف بالمعتدلين من الإدلاء بدلوهم. وغدا ستجرى إنتخابات جديدة للمجلس التشريعي وربما بقانون جديد يجري تفصيله بأمل تطويق حماس.
رضاؤهم عن محمود عباس أمر معلن إذ من إنجازاته أوسلو ومن صفاته الإعتدال ومن مزاياه إمكان التعامل معه، ويبلغ الرضى عن عباس ذروته بإخراج مسرحية العقبة ويحشد لها الكبار في نادي المعتدلين ليسمعوا من شارون ضمن ما سمعوه أن فلسطين دولة اليهود. وليروا تأمين الرئيس الأمريكي على ما أعلنه شارون، ومع أن تداعيات هذا الإعلان لا تحتاج لكثير لتقديرها، لم يهيئ الله لأحد منهم ولو بتصريح لاحق وبصوت خافت لأن يخالف ما كان، وإن لم تخني ملاحظتي، صفقوا لشارون حتى لا يتهموا بالعداء للسامية فما كان للمسرحية من شهود غيرهم.
ولأن محمود عباس " معتدل " تتوالى عنه الإشادات وتتابع الدعوات لأن يقصي حماسا وتنهمر المساعدات لفك حصارهم المفروض على الشعب الفلسطيني حتى يهيئوا له دليلا على النجاح. وغدا حين تجري الإنتخابات التشريعية المؤملة لن نكون في حاجة إلى مراقبين (منعا للمفاجآت) فالإنتتخابات ستجيئ بمن يكون على القضيب الذي يسير عليه قطار محمود عباس ومن والاه، القطار الذي لن يقف إلا في المحطة التي ترضاها أمريكا والمدللة إسرائيل.
هذا الإحتضان العلني لمحمود عباس وشيعته يذكرني بمسرحية مجنون ليلى لأمير الشعراء أحمد شوقي. قصة مجنون ليلى قصة ذائعة في الأدب العربي القديم. في القصة قيس هام حبا بابنة عمه ليلى حتى سمي مجنون ليلى، قصة حب قيس كانت حديث القوم في كل ناد لهم ولم يسر والد ليلى بما كان من ابن أخيه في التشبب بابنته، فلم يزوجه ليلى يوم جاء يخطبها وإنما زوجها خاطبا آخر، ويلتقي قيس بزوج ليلى، وفي جنون عشقه يسأل قيس زوج ليلى:
بربك هل ضممت إليك ليلى قبيل الصبح أو قبلت فاها
ويجيب الزوج : أجل يا قيس، قبلتها من الرأس إلى القدم
ويصرخ قيس : تلك لعمري قبلة الذئب للظبي بلاء وسقم.
صالح فرح - السوداني - 4/8/2007
|
|
 
|
|
|
|
tariq
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست