|
موت.. (رؤية)..!! رحيل قرنق مقال استثنائى لعثمان ميرغنى
|
Quote: موت.. (رؤية)..!!
عثمان ميرغني
[email protected]
قبل عامين في مثل هذا اليوم وكان يوم (السبت) من عام 2005.. وفي حوالي الساعة الخامسة مساء.. تحطمت الطائرة الهيلوكبتر التي كانت تقل الدكتور جون قرنق في رحلة الإياب من يوغندا.. لتنهي (22) يوما من توليه الحكم الذي وصله بعد (22) عاما من الحرب.. قبل أن يخرج جون قرنق بحادث الطائرة من التاريخ المتحرك.. وينتقل إلى التاريخ الساكن.. كان الرجل الأكثر شعبية على خارطة الوطن السودان.. نجح في توحيد الجنوبيين خلفه في الحرب.. ثم نجح في جذب الشماليين إليه بعد السلام.. فكانت الصفوف تقف ممتدة أمام مقار الحركة الشعبية في الشمال لتطلب عضويتها.. حتى ظن البعض أنه اختراق شمالي لا مجرد اندفاع جماهيري خلف الدكتور جون قرنق.. وجماهيرية جون قرنق لم تأت صناعة بفعل آلة إعلامية.. على النقيض فقد كان الأكثر تعرضا لشتائم الإعلام خاصة خلال سني الحرب.. عندما كان التلفزيون يعرض صورته وعليها علامة (خطأ) كبيرة.. وألف أحدهم كتابا وضع عليه صورة جون قرنق بأنياب وحش مفترس.. ومع ذلك فوق ركام كل هذا الإعلام عبر إلى قلوب السودانيين واخترقت شعبيته القبليات والجهويات حتى صيرته نجما جماهيريا سودانيا فوق الجنوب والشمال معا.. وأكثر ما لفت نظري في الفقيد جون قرنق أنه حافظ على خطاب سياسي متماسك منذ بدأ حربه إلى أن أصبح الرجل الثاني في الدولة.. وراهن على وحدة يئس منها حتى كثير من الشماليين.. فأسسوا لها المنابر والصحف.. كان يروج لـ(وحدة) وصفها بعض الشماليين بأنها (غفلة) تتطلب الانتباهة!! من الحكمة أن نعترف – وقبل فوات الأوان – أن جون قرنق لم يمض إلى القبر وحده.. بل وبكل أسف أخذ معه (الرؤية!!).. البصيرة الممتدة طويلا إلى الأمام تنظر إلى وطن متراضٍ ومتصالح مع نفسه.. وربما لهذا لا يزال كثيرون يتوجسون ريبة أن لا يكون الطقس وحده المجرم الذي هوى بالطائرة.. بحساب عدد وحجم المستفيدين من اختفاء جون قرنق.. الوحدة التي سعى لها جون قرنق.. هي الخاسر الأول من رحيله.. فبعد سويعات من إعلان نبأ رحيله المفجع.. كانت شوارع الخرطوم تنفذ كل مطلوبات مسح كل ما حققه جون قرنق.. جرت أعنف سيناريوهات وبروفات الانفصال واغتيال الوحدة.. وسالت الدماء لتثبت أن السلام أكثر احمرارا من الحرب.. (بكل يد مضرجة يدق..!!) والآن.. على أية (رؤية) يحتفل الناس بذكرى رحيل جون قرنق.. على ذكرى التاريخ الساكن وبعض الجميل المطلوب إسداؤه.. أم على فكرة ذكية تقوم على إحياء الرؤية التي سقطت معه في الطائرة؟؟ هل صارت (اتفاقية السلام الشامل) مجرد لائحة يجري تنفيذها بأعلى قدر من التشاكس.. مبارزة بين غريمين.. أيهما يثبت أن الآخر أكثر خطأ.. وانتهت الرؤية السديدة لوطن واحد..لا تصنعه الاتفاقيات مهما أحكم صياغتها.. أو أتقن تنفيذها.. هل صارت (الوحدة ) مجرد قدر سعيد يتعشم الطيبون أن يأتي ولو في آخر دقيقة – كهدف لاعب العراق يونس محمود - قبل نهاية المباراة ولو بدقيقة..!! وماتت الرؤية.. في نفس عصر هذا اليوم.. قبل عامين..!!
|
|
|
|
|
|
|