كيف ترى الخرطوم أزمة دارفور؟ (الحلقة الأولى) ـ 4 عوامل وراء النزاعات في دارفور

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-03-2024, 09:32 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الثالث للعام 2007م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
07-28-2007, 01:25 AM

Deng
<aDeng
تاريخ التسجيل: 11-28-2002
مجموع المشاركات: 52555

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
sssss
كيف ترى الخرطوم أزمة دارفور؟ (الحلقة الأولى) ـ 4 عوامل وراء النزاعات في دارفور




    كيف ترى الخرطوم أزمة دارفور؟ (الحلقة الأولى) ـ 4 عوامل وراء النزاعات في دارفور

    مساحة الإقليم تمثل خمس مساحة السودان وتعادل مساحة فرنسا وسكانها حوالي 6 ملايين ينتمون إلى 80 قبيلة * جبل مرة يعتبر جوهرة دارفور وكان قاعدة وملجأ للسلاطين في الأزمان التاريخية

    مصطفى عثمان اسماعيل *

    بعد أن هدأت الحرب في جنوب السودان منذ توقيع اتفاق السلام الذي انهى حالة الحرب هناك قفزت أزمة دارفور والحرب المشتعلة الى صدارة الاحداث وباتت محط اهتمام اقليمي ودولي، مثلما اصبحت تمثل أزمة في علاقات السودان الدولية مع دخول الامم المتحدة والولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي والاتحاد الافريقي والجامعة العربية على خط القضية. ورغم الوساطات والاتفاقات والضغوط والعقوبات ما تزال الأزمة مستمرة والاوضاع غير هادئة بل وقد تبقى مرشحة للتصعيد.
    وفي حلقات تنشرها «الشرق الاوسط» تباعا، اعتبارا من اليوم، يكتب الدكتور مصطفى عثمان اسماعيل، مستشار الرئيس السوداني ووزير الخارجية السابق، عن خلفيات وتداعيات أزمة دارفور، من وجهة نظر الخرطوم.
    منطقة دارفور معروفة للعالم منذ أمد بعيد. وقد عمل الرومان على ربطها بمصر طمعا في ثرواتها حيث كان درب الاربعين المشهور يربط بينها وبين محافظة اسوان المصرية، كما زارها كثير من المستكشفين من مختلف انحاء العالم، حيث كانت تمثل احدى محطات التجارة المهمة في القارة الافريقية.
    ارتبط تاريخ دارفور بحكم السلطنات حيث حكمت سلطنة (الداجو) دارفور ما بين القرنين الثاني عشر والثالث عشر الميلاديين. وقد عرف الداجو باسم التاجوين الذين اقتصر نفوذهم وحكمهم على الجزء الجنوبي الشرقي من دارفور. ثم مملكة (التنجور) التي حكمت من القرن الثالث عشر الى النصف الاول من القرن الخامس عشر. ويقال إن قبيلة التنجور تنتسب الى سلالة بني هلال من شبه الجزيرة العربية، كما ان اللغة الوحيدة التي يعرفونها هي اللغة العربية، وقد اختلطوا بقبائل دارفور بقوة، واشتهروا بالتجارة وكانت لهم علاقات اقتصادية مع مصر، وكان تجار القاهرة يمدونهم بالسلاح مقابل الحصول على الذهب. تركز حكم سلطان التنجور على الجزء الشمالي من دارفور ويرجح بعض المؤرخين قيام مملكتي الداجو والتنجور جنبا الى جنب حتى القرن السادس عشر، واحدة في الشمال واخرى في الجنوب. بدأ تاريخ دارفور يتضح مع التنجور، وفي عهدهم اختلط العرب بالفور حتى ظهرت طبقة (الكُنجارا) ومنها خرجت أسرة كيرا التي انتقل اليها الحكم من التنجور في منتصف القرن السابع عشر واستمر حتى نهاية حُكم السلطان علي دينار في 1916م.
    اما الفور فهم الجزء الرئيسي من سكان البلاد، والسكان الوحيدون في سلسلة جبل مرة. وكان يطلق على قبائلهم (التورا) وهي تعني العمالقة، حيث اقاموا بجبل مرة ولم يختلطوا بغيرهم من القبائل إلا بعد دخول الاسلام، حيث اختلطوا بالتنجور وحدثت بينهم مصاهرات. كان السلطان سليمان سلونق، أي سليمان العربي، اول سلطان يقوم بتأسيس دولة دارفور الاسلامية عام 1445م. استمر الفور يحكمون دارفور ما يقارب من 430 عاما بدون انقطاع، اي من سنة 1445 وحتى سنة 1874 عندما استولى عليها الزبير باشا نيابة عن الادارة التركية ـ المصرية بالسودان وضمها الى بقية بلاد ما كان يعرف بالسودان التركي المصري آنذاك، ثم عاد السلطان الشهير علي دينار وحكمها من سنة 1898م وحتى 1916م.
    وأرض الفور تقع في الجنوب الغربي وتُعد اكثر اراضي دارفور خصوبة على طول وادي ازوم. ويزرع الفور الدخن والذرة والفول والسمسم ويمارسون انواعا من الحرف المختلفة كالغزل والنسيج واعمال الفخار. ويعتبر جبل مرة جوهرة دارفور، وكان قاعدة وملجأ للسلاطين في الازمان التاريخية. وبدأ الفور تحركهم من الجبل نحو الجنوب والجنوب الغربي وتسارع تحركهم ابان الحكم الثنائي البريطاني المصري 1916 ـ 1956م اذ انهم وجدوا ان الامان اكثر في السهول، وسكان الجبل يتحدثون لهجة مختلفة عن لغة الفور العامة. ويغلب على الفور انهم تجمعات متباعدة لسكان يتحدثون اللغة العربية كالبرقو والحمر والجوامعة ودار حامد والبديرية عبر منطقة القوز على خط عرض 14 درجة.
    وقد حدثت هجرة الى دارفور من سكان غرب افريقيا استمرت بلا عوائق، وخلال ثلاثمائة سنة انتقلت مجموعات من الحجاج والفقهاء والعلماء والتجار والفولاني رعاة الماشية الى دارفور واستقروا فيها وكانوا يقصدون الحج الى مكة، وتزايد بمدار التاريخ استخدام طريق الحج وبعضهم استقروا بعد عودتهم من الحج. وفي المنطقة دلائل حركة قديمة لمختلف المجموعات الحالية في دارفور، وفي جنوب دارفور اقام الفلاتا وجزء منهم اسفل التلال الجبلية لجبل مرة بسبب ان مواشيهم لا تتحمل مشاق الهجرة جنوبا.
    ومن القبائل العريقة الجذور في دارفور قبيلة الزغاوة التي تمتد حتى خارج ذلك الاقليم، ويؤلفون مع سكان انيدي البِديَّات وقبيلة الوانية الصغيرة التي تحتل اقليم ونيانقا الصغير على الطريق المؤدي من بنغازي بليبيا الى وداي، مجموعة اثنية متجانسة الى حد كبير. والزغاوة هم بدو رحل يعيشون في الصحراء او في اطراف الصحراء. وينقسمون الى اربعة اقسام: الزغاوة كوبي، الزغاوة دود، الزغاوة عنقا، والزغاوة كيلتيو. وكل تلك القبائل اختلطت بالقبائل العربية بل ان بعضها يعيش بين القبائل العربية مثل قبيلة الرزيقات. تنتشر قبيلة الزغاوة بين دارفور وتشاد ويعيش ثلثها في دارفور والثلثان الاخران في تشاد حيث ينتمي اليهم الرئيس التشادي ادريس دبي.
    دارفور كانت على مر التاريخ محط أطماع القوى الاجنبية، ويعتبر السلطان محمد الفضل 1802 ـ 1839م، ابن السلطان عبد الحميد الرشيد 1787 ـ 1802م حفيد السلطان سليمان صولونج سلطان الفور 1640 ـ 1670م، اعظم سلاطين الفور، وكان يلقب بقمر السلاطين كما جاء في كتاب «تشحيذ الاذهان بسيرة بلاد العرب والسودان» تاليف محمد بن عمر التونسي والذي وصف السلطان بالكرم والشهامة والشجاعة. وكان للسلطان محمد الفضل اخ يكرهه ويزاحمه على الملك يسمى «ابا مدين» هرب الى مصر واخذ يؤلب محمد علي باشا على فتح دارفور. ولما كانت سنة 1830م ـ 1245هـ ارسل محمد علي باشا كتابا الى السلطان محمد الفضل يدعوه فيه الى التسليم، فاجابه سلطان الفور محمد الفضل بخطاب هذا نصه: «من حضرة من امَّن الله به البلد، وجعل ملكه مسموعا من كل احد، وصيَّره في قلوب الاعداء نارا تستعر، وجمرا يتقد، وجعل الله على يده ضرب كل من طغى وتمرَّد، ومن ضلَّ وتعنَّد. اخينا العزيز محمد علي باشا سلمكم الله تعالى من المحذورات، واستعملكم بالباقيات الصالحات بمنه وكرمه اما بعد : فسلام الله عليكم ورحمته وبركاته لديكم. قد وصلنا جوابكم، اوصلكم الله الى رضوانه، وفهمنا خطابكم ومقتضى جوابكم، وكل كلمة من المرقوم تستحق جوابها المفهوم. ولكن يكفي من ذلك كله كلام الحي القيوم حيث قال : «له دعوة الحق والذين يدعون من دونه لا يستجيبون لهم إلا كباسط كفيه الى الماء ليبلغ فاه وما هو ببالغه وما دعاء الكافرين الا في ضلال». «فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه احدا». انكم طالبون دولتنا، وطاعتنا، وانقيادنا لكم، فهل بلغكم انا كفَّار وجب لكم قتالنا، وابيح ضرب الجزية علينا، ام غرَّكم قتالكم مع ملوك سنار والشايقية، فنحن السلاطين وهم الرعيَّة. اوَرَدَ لك الدليل من الله تجد فيه ملكك، ام وَرَدَ لك حديث من رسول الله تَجد فيه تمليكك، ام خطر لك خاطر من عقلك بان لك ربا قويا ولنا ربُ ضعيف. الحمد لله نحن مسلمون وما نحن كافرون ولا مبتدعون، ندين بكتاب الله وسنة رسوله ونؤدي الفرائض ونترك المحرمات ونأمر بالمعروف وننهى عن المنكر، والذي لا يصلي نأمره بالصلاة والذي لم يزك نأخذ منه الزكاة ونضعها في بيت المال ولا ندخرها، ونرد الامانات الى اهلها، ونعطي كل ذي حق حقه، حتى دانت لنا القبائل العظام. ومن اتى دولتنا يرجع مكرَّما باذن الله تعالى، ولو اشتدت به الريح في يوم عاصف، ألم تر الى قوله صلى الله عليه وسلم «لو بقي جبل على جبل لَدُكَّ الجبل الباغي». اما علمت ان دارفور محروسة محمية، بسيوف قطع هندية، وخيول جرد ادهميه، عليها كهول وشباب يسارعون الى الهيجاء بكرة وعشية. اما علمت ان عندنا العُبَّاد والزهَّاد والاقطاب والاولياء الصالحين، من ظهرت لهم الكرامات في وقتنا هذا وهم بيننا يدفعون شر ناركم فتصير رمادا، ويرجع الملك الى اهله، ويكفي من بعد ذلك والله يكفي شر الظالمين». وتقع ولاية دارفور في منطقة اقصى غرب السودان في مساحة تقدر بـ 196.404 ميلا مربعا وتجاورها من ناحية الشرق الولاية الشمالية وولاية شمال كردفان، ومن جهة الجنوب ولاية شمال بحر الغزال وغرب بحر الغزال، ومن جهة الشمال الغربي تحدها الجماهيرية الليبية، ومن جهة الغرب جمهورية تشاد ومن جهة الجنوب الغربي جمهورية افريقيا الوسطى. هذا الوضع الجغرافي جعل من دارفور منطقة مفتوحة على ثلاثة اقطار متجاورة ومتداخلة اثنيا وثقافيا. وتمتد دارفور في الرقعة الجغرافية التي تمتد ما بين خطي عرض 2010 شمالا وخطي طول 27.3022 شرقا. وتجدر الاشارة هنا الى ان مساحة دارفور تمثل خمس مساحة السودان، وهي تعادل مساحة فرنسا، ويبلغ تعداد سكان دارفور حوالي ستة ملايين نسمة تقريبا، حيث ينتمون الى قبائل عدة يبلغ عددها 80 قبيلة تتوزع بين قبائل تحترف الزراعة واخرى تحترف الرعي وابرز هذه القبائل: الفور، البني هلبة، التنجر، البرتي، الهبانية، الزغاوة، الزيادية، الرزيقات، المساليت، المعاليا، التعايشة، الميدوب، البرقدٍ، الداجو، البني حسين، التاما، الماهرية، المحاميد، السلامات، المسيرية، العريقات، العطيفات، الفلاتة، القمر، بني منصور، التعايشة، دردوق، الصليحاب، الميما، الترجم المراريت، الهوارة، الجوامعة وغيرهم من القبائل. هذه القبائل هي خليط من القبائل العربية والقبائل الافريقية، او العرب والزرقة او العرب والزنج. غير ان هذه القبائل امتزجت وتزاوجت واختلطت منذ اكثر من الف عام. وقد تعايشت القبائل الرحل المحترفة للرعي والقبائل المستقرة المحترفة للزراعة في سلام على مدى كل القرون الماضية قبل التصعيد الاخير الذي حدث بدارفور.
    وكل قبيلة من القبائل الكبرى تملك دارا او ما تسمى حاكورة وهي رقعة جغرافية تكون معروفة الحيازة منذ قديم الزمان تكون إما منحت لها بواسطة سلطة كانت حاكمة وسميت باسمها كما هو الحال والتسمية بدار المساليب ودار الميدوب ودار الرزيقات ودار الهبانية ودار كوبي ودار زغاوة. وكانت منطقة دارفور فيما مضى منطقة خصبة تتميز بتساقطات مطرية غزيرة. الا ان موجات من الجفاف ضربت المنطقة في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي واحدثت تراجعا كبيرا في الاراضي الصالحة للزراعة وفي الموارد المائية التي كانت تستفيد منها القبائل المترحلة والقبائل الزارعة، وتتمتع دارفور بتنوع بيئتها وظروفها المناخية ما ادى الى تنوع النشاط الاقتصادي وسبل كسب العيش، وتمثل الزراعة القطاع الرئيسي ويتداخل النشاط الزراعي بين الزراعة من اجل الاقتصاد المعيشي وبين زراعة المحاصيل النقدية من اجل السوق. ولدارفور اهمية خاصة من ناحية توفير محاصيل الصادر والمواشي. وتمثل المساحات المزروعة بالذرة نسبة 11% من المساحات الكلية المزروعة بالذرة تقليديا، ري مطري في كل السودان والدخن المحصول الرئيسي للغذاء بالمنطقة يمثل 63% من جملة المساحة المزروعة بمناطق الزراعة التقليدية بعموم السودان. وتقدر الثروة الحيوانية في دارفور بـ 27.987.610 رؤوس من الابقار والماعز والضان والابل. وتعتبر دارفور اكثر مناطق السودان تأثرا بموجات الجفاف التي ضربت المنطقة خلال سبعينات وبداية ثمانينات القرن الماضي وكان من نتاجها تدهور بيئي كبير وانخفاض في مستوى الامطار وتدهور الغطاء النباتي والشجري وزحف صحراوي هدد المنطقة فوقعت جراء ذلك هجرات للسكان بالاخص في الشمال من ديارهم الى مناطق اخرى داخل الاقليم، وقد لازم التدهور البيئي زيادة في عدد السكان وتغير في السلوك المعيشي والنزاعات الاقتصادية.
    ولمواجهة مشكلة الجفاف والتصحر وجهت الحكومة السودانية قسما كبيرا من مواردها المحدودة في ذلك الوقت لتوفير مياه الشرب للانسان والحيوان وتطوير المشروعات الزراعية. من اهم هذه المشروعات مشروعات تنمية جبل مرة في جنوب دارفور والتي خصصت لها قسمة كبيرة من نصيب السودان من اتفاقية لومي. غير ان الدول الاوروبية وبإيعاز وتأثير بسياسة الولايات المتحدة القاضية بعزل ومقاطعة الحكومة السودانية قامت بتجميد استحقاقات السودان من اتفاقية لومي، الأمر الذي انعكس وبالا ودمارا على العديد من المشروعات خاصة مشروعات المياه والزراعة في دارفور. وكان هذا واحدا من اهم اسباب الصراع على الماء والكلأ في منطقة قبلية تعتمد اساسا على الرعي والزراعة. اضافة الى ان توقف هذه المشروعات زاد من اعداد العاطلين عن العمل وبعضهم تحول الى قطاع طرق، وانتشرت عمليات النهب المسلح خاصة في المناطق الصحراوية في شمال دارفور. يتدين سكان دارفور بمختلف اصولهم ومرجعياتهم بالدين الاسلامي على مذهب اهل السنة والجماعة ومدرسة الامام مالك ابن انس الفقهية، ويهتمون بالانشطة الثقافية والروحية مثل حفظ القرآن الكريم وتعلم اللغة العربية. ويلاحظ كذلك ان التصوف يمثل نسبة عالية عند سكان دارفور إذ يبدو واضحا ان اكثر من 85% من مواطني دارفور يسلكون الطريقة التجانية التي تنحدر اصلا من المغرب العربي وتحديدا من جنوب الجزائر (عين ماضي) حيث وُلد الشيخ احمد التجاني ومنها انتقل ليستقر بفاس بالمغرب التي انطلقت منها طريقته واشتهرت. وهذا يعد مؤشرا لوجود تداخل ثقافي اقليمي. وتزخر دارفور بمختلف انواع الفنون الشعبية كالغناء والرقص وبعض الفنون اليدوية والفلكلورية. ظاهرة الحكامات ظاهرة معروفة في دارفور حيث تنشد النساء اشعار الحماسة وهو ضرب من الفن الشعبي، لكنه مؤثر جدا في تأجيج الصراع بين القبائل.
    لقد عاش في دارفور منذ القدم العديد من القبائل الافريقية، ولكن مع مرور الزمن جاءت جماعات من الساميين والحاميين في موجات متتالية عبر حقب تاريخية مختلفة من الشمال والشرق والغرب، والتي كان من اهم دوافعها الاستقرار السياسي في المنطقة وتوفر البيئة الطبيعية والظروف المناخية الملائمة لتربية الحيوان، وهما الشيئان اللذان يغريان القبائل الرعوية وبخاصة القبائل العربية الهلالية من شمال افريقيا، فكانت تلك بداية التلاقح والتمازج بين الثقافتين العربية والافريقية، ولذلك لما الف الشيخ محمد بن عمر التونسي كتابه حول وقائع رحلته الى دارفور في مطلع القرن التاسع عشر الميلادي، اختار له عنوان :«تشحيذ الاذهان بسيرة بلاد العرب والسودان». ولهذا العنوان دلالة واضحة على حقيقة التمازج العرقي والاثني الذي ظل قائما في دارفور منذ عدة قرون خلت. فالعرب هم افراد القبائل العربية، والسودان هم القبائل الافريقية او من يعرفون بـ«الزرقة» في تلك المنطقة. والسواد الاعظم من قبائل دارفور يجيد اللغة العربية، بل ان الكثيرين من قيادات دارفور التي تنتمي الى القبائل الافريقية، سواء تلك التي في التمرد او معارضة للتمرد، متزوجة من قبائل عربية الأمر الذي يدحض مقولة ان القبائل العربية تقوم بعمليات التطهير العرقي ضد القبائل ذات اصول افريقية. فالذين يمارسون عملية الخروج على القانون والاعتداء على الاخرين مهما تصفهم او تسميهم لا يمكن ان تلصقهم بقبيلة دون اخرى.
    اكدت عدة دراسات ان الرحل والمجموعات المستقرة من المزارعين عاشوا في انسجام، ونشأت بينهم علاقات مصاهرة، وقد كانت هنالك صراعات قبلية على المرعى والارض ومصادر المياه، لكن هذه الصراعات كانت محدودة، وتتم تسويتها من خلال الاطر والاعراف المحلية، إلا ان هذه الاوضاع بدأت في التغير مع تشعب النزاع وتأثير بعض العوامل الاقليمية، فالدول التي تحيط بمنطقة دارفور من الناحية الغربية ـ تشاد وافريقيا الوسطى ـ تعرضت لموجات من الاضطراب وعدم الاستقرار الامني لفترات طويلة اواخر القرن الماضي، حيث دارت هنالك حروب وسقطت انظمة وتصارعت قوى اقليمية وعالمية في المنطقة مما اثر على الاستقرار في المنطقة، حيث اصبحت دارفور مسرحا تعكس ما يدور حولها من قلاقل. هذه العوامل ساهمت في نشوء ظاهرة النهب المسلح وهذه الظاهرة لم تكن لها اهداف سياسية او ابعاد فكرية او حتى قضايا مطلبية وظلت محصورة على مجموعة من قطاع الطرق غايتهم فقط الاستيلاء على ما تقع عليه ايديهم من ممتلكات، ولذا نجد ان بداية هذا الصراع هو صراع تقليدي محلي بين القبائل على الموارد الطبيعية الشحيحة المتناقصة وعلى امتلاك الارض والحواكير وقد تم تطوير هذا الصراع بسبب عدة عوامل ساعدت في اشتعال الفتنة في المنطقة نذكر منها:
    ـ النزاعات التاريخية بين القبائل.
    ـ تناقص الموارد الطبيعية (المراعي الخصبة والارض الصالحة للزراعة).
    ـ التداخل القبلي بين دول الجوار والحدود المفتوحة.
    ـ تدني التعليم وانتشار البطالة.
    ـ الانتشار الواسع للسلاح.
    وبالمجمل يمكن القول إن اسباب النزاعات التي وقعت في دارفور تتعدد في اربعة عوامل اساسية: الاول العامل البيئي، اذ ان الجفاف نال من اقليم دارفور اعوام السبعينيات وفي الثمانينيات (منتصفها) من القرن الماضي ادى الى نقصان الموارد الطبيعية وهلاك الزرع والضرع وحدثت مجاعات مشهورة، وموجات نزوح قبلي بين الشمال والجنوب، اوقعت احتكاكات وتوترات قبلية، وفي الاونة الاخيرة بفضل توسع في الرقع الزراعية انتقل الناس من اسلوب الاقتصاد المعيشي ومحدودية الرقع الزراعية للاسر الى اقتصاد السوق. والعامل الثاني الذي تسبب في النزاع يتمثل في اجراءات سياسية اتخذتها الحكومات المتعاقبة حلت فيها الادارات الاهلية وحورت حدود القبائل وتخالطت وتداخلت الحدود القبلية مع الحدود الادارية التي كانت تصدر بين كل فينة واخرى بمراسيم سياسية مختلفة اسهمت في خلق واقع متوتر، ولم تنج حكومة الانقاذ الوطني من هذا الفعل. والعامل الثالث اقتصادي تنموي خلاصته حدوث تأخر دارفور في البنيات التحتية، وللأسف فإن ابرز مشروع تم التخطيط له تشييد طريق الانقاذ الغربي بعد ان بدأ تنفيذه توقف العمل فيه وصار متقطعا، وللأسف ايضا ان مساهمة ابناء دارفور في تنمية اقليمهم فيها تقصير كبير وكثيرون منهم يقيمون في الخارج ومنقطعون عن اقليمهم، بل العديدون منهم لعبوا ادوارا سلبية اذ نشطوا واسهموا في مفاقمه سوء الاوضاع بدارفور عبر نشر الغسيل الوسخ في حبال الانترنت والشباك العالمية. حتى اضحت دارفور حديث كل مهتبل ومستهبل.
    العامل الرابع هو السلاح وانتشاره في دارفور خارج القوات النظامية. اشير هنا تحديدا الى اربعة مصادر للسلاح كانت تتدفق على دارفور، سودانية، تشادية، ليبية واسرائيلية. وروى الاستاذ جبر الله خمسين فضيلي، وهو محام من ابناء دارفور والنائب بالجمعية التأسيسية فترة الديمقراطية الثلاثة 86 ـ 1989م عن حزب الامة، أن اول دفعة من السلاح دخلت دارفور بكميات كبيرة كانت ابان نشاط الجبهة الوطنية السودانية التي قادت المعارضة ضد حكومة المشير جعفر نميري. وكشف فضيلي في تصريحات لصحيفة «الحياة» السودانية انه تم تخزين كميات كبيرة من السلاح في عشرين حفرة بوادي هور بدارفور. وعندما بدأ الحوار بين الجبهة الوطنية وبين حكومة المشير نميري في اطار المصالحة الوطنية اعلنت الجبهة الوطنية اهداءها تلك الكميات للجيش السوداني وارشدت على مكان السلاح، وعندما ذهبت قوة من الجيش السوداني لإحضار السلاح وجدت ان عددا من تلك الحفر اخليت مما بها من سلاح وتأكد انه تسرب لايادي مواطنين من ابناء دارفور، ومثَّل ذلك انفلاتا وانتشارا للسلاح. وفي العام 1986م سلحت حكومة الديمقراطية الثالثة برئاسة السيد الصادق المهدي ميليشيات قبيلتي المسيرية والرزيقات بهدف مواجهة تمرد حركة قرنق نحو دارفور، وهو ما مضت فيه من بعد حكومة الانقاذ الوطني لذات الهدف.
    النزاعات التشادية شكلت مصدرا رئيسيا لانتشار السلاح في دارفور، اذ اصبحت دارفور مسرحا معبرا للسلاح بين الخصماء، ولعدم وجود موانع طبيعية فاصلة بين البلدين حيث تتداخل القبائل على الحدود. وهكذا ظلت دارفور مسرحا ومأوى للفصائل التشادية التي قاتلت الاستعمار الفرنسي (فصائل جبهة فرولينا) ثم حروب فترة ما بعد الاستقلال، ولعل اهمها المجموعة التي خرجت على الرئيس التشادي السابق حسين هبري يقودها العقيد وقتئذ ادريس دبي اثر محاولة انقلابية فشلت وتحولت المجموعة الى معارضة مسلحة ناهضت هبري الى ان اسقطته مطلع التسعينات. تشكلت تلك المجموعة التي قوامها ابناء الزغاوة وتجمعوا في معسكرات بدارفور وساعدهم ابناء عمومتهم الزغاوة في السودان.
    أما السلاح الليبي فمرده السياسة الليبية الثورية في السبعينات والثمانينيات حيث كان الرئيس التشادي حسين هبري حليفا للولايات المتحدة وخصما للجماهيرية الليبية بتوجهاتها الاشتراكية وتحالفها مع موسكو، ودخل معها في معارك عديدة بدعم من الولايات المتحدة ومصر (عهد الرئيس السادات) والسودان (عهد الرئيس نميري). وكونت ليبيا ما سمي وقتها بالفيلق الاسلامي الذي ضم عددا من ابناء دارفور لدعم المعارضة التشادية واتخذ من دارفور معبرا للدخول الى تشاد.
    السلاح الاسرائيلي لم يكن بعيدا عن دارفور حيث ان الرئيس التشادي السابق حسين هبري ما كان يخفي علاقته باسرائيل امام التهديدات الليبية وكان يقول إنه مستعد للتعامل مع الشيطان، وليس اسرائيل وحسب، في سبيل حماية بلده مما سماه الغول الليبي. ومعلوم ان اسرائيل مدت الرئيس التشادي هبري باسلحة القوات الفلسطينية واللبنانية التي استولت عليها القوات الاسرائيلية في لبنان نقلتها الى تشاد بجسر جوي، عقب زيارة اسحق شامير وزير الخارجية الاسرائيلي وابراهام ازمير احد كبار قادة الموساد (جهاز المخابرات الاسرائيلي) الى تشاد.
    عليه ادت كل تلك العوامل الى بروز الجريمة المنظمة حيث ازداد عدد عصابات النهب وازدادت حوادث النهب واصبحت الحركة بين المدن محفوفة بالمخاطر وصار السلاح والجريمة وسيلتي كسب للعيش وللمواقع الاجتماعية مما فاقم الاوضاع. وأدى ارتباط عمليات النهب بالصراعات الموجودة في مجتمع دارفور الى اضفاء طابع قبلي على تلك العمليات في بعض الاحيان وإكسابها مشروعية لدى بعض القبائل باعتبارها عملا عدوانيا ضد قبيلة اخرى وليست جريمة، لذلك تجدهم يحصلون على حماية قبائلهم حتى اخذوا يشكلون عنصرا مؤثرا في المجرى العام للاحداث لدرجة انه لا توجد قبيلة مهما صغر حجمها ليست لديها ميليشيا مكونة من خارجين على القانون. وتداخلت عوامل اخرى وزادت الوضع سوءا وابرز تلك العوامل هي طموحات بعض المتعلمين من ابناء القبائل الذين حاولوا استثمار ازمات قبائلهم وازمة دارفور لتحقيق مكاسب ذاتية وذلك بإشعال نيران الفتنة بدلا من إخمادها، ونجد ان هذا العامل هو اخطر المؤثرات على قضية دارفور. ولا ننسى موجة الجفاف التي ظلت تحكم الخناق على القارة الافريقية منذ عام 1983م، الامر الذي زاد من حدة التنافس على الموارد الطبيعية الشحيحة اصلا، خاصة مع تزايد قطعان الحيوانات والتوسع المضطرد في الزراعة. وادى النمو الزراعي مع ازدياد عدد السكان الى توسع المزارع لتشمل (المسارات) التقليدية والتي كانت تتيح تحرك الحيوانات بدون اقتحام المزارع، مما صعد الاحتكاكات بين الرعاة.
    اما إلغاء نظام الادارة الاهلية في حقبة السبعينات فقد ازال الآلية المحلية الفعالة التي كانت تعمل على معالجة الخلافات التي ظل يتكرر حدوثها دوما منذ عهد الاستعمار البريطاني بين الزراع والرعاة، بسبب دخول الحيوانات للمزارع.
    لقد أوجد المستعمر البريطاني جهاز الادارة الاهلية سنة 1921م ليكون تنظيما للقيادة العشائرية التي كانت تسود في المجتمع السوداني قبل مجيئه، واستفاد المستعمر من مؤسسات المجتمع التقليدي في بسط الامن القبلي داخل القبائل وبين بعضها البعض. وبعد ذهاب المستعمر اصبحت الادارة الاهلية متهمة لدى القيادات السياسية السودانية في معظم طوائفها وتياراتها خاصة التيار اليساري الذي كان يقوده الحزب الشيوعي السوداني، ولا يستثنى من ذلك ابناء دارفور الذين ينتمون لهذه التيارات الوطنية المختلفة. فالادارة الاهلية كان ينظر اليها باعتبارها صنيعة استعمارية لمنع المجتمع الريفي من الانضمام لحركة التحرر الوطني وللمحافظة على المصالح الاستعمارية في المناطق الريفية والقبلية. وبعد ثورة اكتوبر 1964م التي انهت حكومة الفريق ابراهيم عبود (رحمه الله) وتولى الحكومة الحزبية، صدر قرار حل الادارة الاهلية في عموم السودان. وبعد خمس سنوات، اي في العام 1970م بعد اقل من عام من قيام حكومة مايو برئاسة المشير جعفر نميري والتي سيطر عليها اليسار في سنواتها الاولى، جاءت طامة أخرى على الادارة الاهلية حينما اصدرت حكومة مايو قرارا اوقفت بموجبه النظار والسلاطين من قيادات الادارة الاهلية. احدثت تلك التراكمات آثارا سيئة في دارفور التي عرفت بسلام قبلي اجتماعي يرعاه زعماء العشائر بالصلات الحميمة التي انشأوها مع بعضهم البعض على مر السنين، فازدادت المعارك القبلية بعد قرار حل الادارة الاهلية الذي لم يأخذ في الاعتبار واقع التنافس على الموارد المتناقصة امام تزايد وتكاثر السكان خصوصا ان الغالبية من اهل دارفور يقيمون بالريف.
    وقد ادى تعاظم الشعور لدى بعض الدوائر المحلية، خاصة في بعض اوساط الشباب، بأن دارفور تعاني من قلة التنمية والتهميش السياسي، مع تدخل جهات خارجية ذات مطامع وخطط جاهزة لاستغلال الوضع بتوفير السلاح. وفاقم ذلك وجود عطالة زائدة في اوساط الشباب ممن تركوا المدارس لاسباب مختلفة. وذكر الفريق محمد زين العابدين، نائب رئيس هيئة اركان الجيش السوداني في مطلع التسعينات وسفير السودان لدى الدول الاسكندينافية منتصف التسعينات، أن اسبابا اخرى ساهمت في تفاقم الاوضاع في دارفور منها تسرب ما نسبته 60% من الاطفال في سن الدراسة من مجال التعليم للانخراط في عمليات نهب مسلح وتكوين ميليشيات محاربة وسط سلاح منتشر في الفيافي والقرى.

    * مستشار الرئيس السوداني ووزير الخارجية السابق
    _____________________________________
    الشرق الاوسط


                  

07-28-2007, 02:19 AM

Mustafa Shogar
<aMustafa Shogar
تاريخ التسجيل: 02-17-2007
مجموع المشاركات: 446

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: كيف ترى الخرطوم أزمة دارفور؟ (الحلقة الأولى) ـ 4 عوامل وراء النزاعات في دارفور (Re: Deng)

    started with some history facts and the rest as usual is a bull####s as expected
    in his comming articles i need to know why thousands killed from particular tribes by goverment airplanes with their authorisation including unborn humans
    ??????

    thanks Deng
                  

07-28-2007, 04:07 AM

Deng
<aDeng
تاريخ التسجيل: 11-28-2002
مجموع المشاركات: 52555

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: كيف ترى الخرطوم أزمة دارفور؟ (الحلقة الأولى) ـ 4 عوامل وراء النزاعات في دارفور (Re: Deng)

    الاخ مصطفى شوقار.

    من أجل فضح هولاء المجرمين يجب علينا أن نتابع كل ما يكتبون حتى أن كان ذلك مجرد خزعبلات ومغالطات تاريخية مثل حديث هذا المستشار الغبي. شكرا للمرور والمتابعة.


    دينق.
                  

07-29-2007, 00:21 AM

Deng
<aDeng
تاريخ التسجيل: 11-28-2002
مجموع المشاركات: 52555

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: كيف ترى الخرطوم أزمة دارفور؟ (الحلقة الأولى) ـ 4 عوامل وراء النزاعات في دارفور (Re: Deng)

    Quote: كيف ترى الخرطوم أزمة دارفور؟ (الحلقة الثانية) مبررات استخدام القوة العسكرية في دارفور

    يرجع العالمون ببواطن الأمور مبعث أزمة دارفور إلى نزاع قبلي وقع بسبب جمل سرق ودارت بسببه معركة بين مجموعتين قبليتين (2)

    مصطفى عثمان إسماعيل
    رغم مرور أربع سنوات على اندلاع الحرب في دافور، ما تزال وجهات النظر تتضارب حول جذور وحلول الأزمة التي باتت محط اهتمام إقليمي ودولي، وأدخلت السودان في مواجهة مع المجتمع الدولي، إلى حد تسمية أشخاص لتقديمهم إلى محاكمة دولية بتهم تصنف تحت انتهاكات حقوق الإنسان وجرائم ضد الإنسانية.
    وفي حلقات تنشرها «الشرق الأوسط» تباعا، يكتب الدكتور مصطفى عثمان إسماعيل، مستشار الرئيس السوداني ووزير الخارجية السابق، عن أزمة دارفور، من وجهة نظر الخرطوم، ويتناول في حلقة اليوم جذور النزاع الحالي، والخطوات التي قامت بها الحكومة للتصدى للعنف المتصاعد.
    يرجع العالمون ببواطن الأمور وتداعيات الأزمة في دارفور مبعثها إلى نزاع قبلي وقع بسبب جمل سرق يوماً في منطقة كرنوى شمال دارفور، ودارت بسببه معركة بين مجموعتين من قبيلتين مختلفتين سقط فيها قتلى، ولم يتم الوفاء بدفع الديات اللازمة لما أريق وأهدر لأهل القتلى من الزغاوة. وقد سبقت حادثة كرنوى حادثة أخرى وقعت في منطقة تسمى بتاريك غرب دارفور، هجمت فيها مجموعة مسلحة من قبيلة المساليت على قافلة تنتمي لإحدى القبائل العربية، وقتلت المجموعة القافلة بكاملها، وفيها ستة من أعيان القبيلة العربية تلك، مما أدى إلى انفراط الأمن في المنطقة وأزف بالتفجر الشنيع، فسارعت الحكومة المركزية إلى نزع فتيل النزاع قبل أن تفلت الأمور ويراق مزيد من الدماء.
    احتقنت الأوضاع في بعض أنحاء دارفور عدة أشهر ولكنها انفقعت مع حلول عام 2003 إذ كانت الميليشيات القبلية تتسلح في كرنوى وفي مرتفعات جبل مرة، وخططت لهجوم استهدف مدينة كتم، ثاني أكبر المدن بولاية شمال دارفور في أغسطس (اب) 2003، وبعدها بشهرين في أكتوبر (تشرين الأول) استهدفت منطقة مورني بولاية غرب دارفور، وكان أُس البلاء تسلل المتمردين إلى مدينة الفاشر، وهاجموا مطارها فجر الجمعة 25 أبريل (نيسان) 2003 ودمروا فيه 6 طائرات وحطموا إنارات مهبط الطائرات واختطفوا قائد سلاح الجو بالمنطقة العسكرية الغربية اللواء الركن إبراهيم البشري، وهو من أبناء الإقليم، بعد أن قتلوا حراسه وهو يغادر منزله نحو المطار.
    تحت إشراف الرئيس التشادي إدريس دبي وقعت الحكومة السودانية في ديسمبر (كانون الأول) 2004 اتفاقا مع حركة انشقت عن الحركة المسلحة التي يتزعمها مناوي وعبد الواحد بقناعة أن الحل الشامل المتفاوض عليه سلميا هو الذي يمكن أن يحل مشاكل دارفور، وعبرت تلك الحركة عن ترحيبها للوساطة التشادية والاتحاد الأفريقي والتزامها بما تم الاتفاق عليه في أنجمينا في أبريل 2004، لوقف إطلاق النار، واتفاق أديس أبابا في 28 مايو (أيار) 2004 الخاص بتكوين لجنة وقف إطلاق النار ونشر مراقبين لذلك بدارفور، وبروتوكول أبوجا الصادر في 9 نوفمبر (تشرين الثاني) 2004 لتعزيز الأمن الإنساني في دارفور، والتزمت الحكومة بتجريد الميليشيات المسلحة من أسلحتها وتنظيم عمليات العودة الطوعية والتلقائية للاجئين والنازحين بسبب الحرب وإعادة دمجهم في الحياة الاجتماعية، وتم إطلاق السجناء والمعتقلين بأسباب مشاكل دارفور والحرب. وقد عاد بموجب ذلك الاتفاق كثيرون من الحرب وسلموا أسلحتهم خلال شهرين، بعد أن تم تحديد مواقع انتشار قواتهم.
    ومع تجاوب عدد مقدر من حاملي السلاح مع نداءات وقف إطلاق النار وإعلان الرئيس السوداني العفو العام، كانت الجماهيرية الليبية قد تحركت وانتدبت د. عبد السلام التريكي وسيطاً، حيث اجتمع بقيادة حركتي تحرير السودان بزعامة عبد الواحد ومناوي والعدل والمساواة بزعامة خليل إبراهيم، وقدم لهما مقترحاً لتفعيل الآليات المشتركة لتطبيق الاتفاقيات المبرمة بينهم والحكومة في أنجمينا وابوجا وأديس أبابا تحت رعاية الاتحاد الافريقي، إلا أن الحركتين مارستا تعنتاً وتمسكاً بشروط لم يكن بمقدور الحكومة الاستجابة لها، من واقع أن الحكومة هي المسؤولة عن أمن وسيادة وأرض السودان، ولا تستطيع أن تسحب قواتها المسلحة التي هي قوات لحماية كل الشعب السوداني في دارفور وغير دارفور، وان أي استجابة أو خضوع لما طرحته الحركات من شروط يعد تفريطاً في أمن الوطن. طلبت اللجنة المشتركة لوقف إطلاق النار في دارفور، التي انعقدت في العاصمة النيجيرية أبوجا في 17 ديسمبر (كانون الاول) 2004 من الحركات المسلحة وقف هجماتها التي قصدت بها تعطيل النشاط التجاري وتدمير الهياكل الحكومية وبتركيز على مراكز الشرطة التي تحمي المواطنين، وكان مجلس السلم والأمن الأفريقي المُنشئ لتلك اللجنة قد أعرب عن قلقه عدة مرات من تدهور الوضع الأمني جراء تلك الهجمات، ووصفها بأنها أعمال غير مقبولة وتعد خرقاً واضحاً لاتفاقيات وقف إطلاق النار.
    والحكومة من جانبها من باب حرصها على الوفاء بتعهدها للاتحاد الأفريقي، ومن قبل ذلك حرصها على استتباب الأمن وحماية مواطنها المسؤولة عنه أخلاقياً ووطنياً، التزمت بوقف عملياتها العسكرية التي كانت تشنها على مواقع التمرد وتعهدت لرئيس الاتحاد الأفريقي الرئيس النيجيري اوباسانجو باحتفاظها بالموقف الذي اتخذته تجاوباً مع الحكومة لتوفير أجواء مواتية لعقد جولة مفاوضات يشارك فيها المتمردون، كانت نيجيريا قد دعت إلى عقدها بعاصمتها أبوجا.
    وقد أحصيت مرة خلال فترة شهرين 35 خرقاً من الحركات المتمردة للاتفاقيات التي أبرمت، أي بواقع خرق كل يوم والذي يليه، وقع 15 خرقاً منها في ولاية شمال دارفور، و18 في ولاية جنوب دارفور، واثنان في ولاية غرب دارفور، بل تمادى المتمردون واستغلوا وقف القوات الحكومية للعمليات العسكرية، فحاولوا نقل التمرد إلى ولاية كردفان، الأمر الذي أغضب الحكومة إلى الحد البعيد. واستشهد جراء تلك الخروقات عدد من المواطنين وقوات الشرطة وحرس الحدود، وأبرز المناطق التي هاجمها المتمردون كانت مناطق كرنوي وجبل مون وطويلة، التي أذكر أن قوات التمرد هاجمتها وهي آمنة ذات صباح باكر وقتلت من المواطنين والشرطة 29 نفساً وسقط ثلاثون جريحاً. وأخطرنا لجنة مراقبة وقف إطلاق النار وقام رئيس الاتحاد الأفريقي بإرسال ثلاث فرق بتواريخ وأوقات مختلفة للتحقيق في تلك الأحداث، واجتمع رئيس آلية وقف إطلاق النار بحضور الفرق المسؤولة عن المراقبة وأعضاء لجنة وقف إطلاق النار وتم الإقرار بأن دخول حركتي التمرد لمنطقة طويلة خرق فاضح لاتفاقية وقف النار، وطالبت الحركتين المتآزرتين وقتها بالانسحاب الفوري من طويلة وتعهد لهما رئيس آلية وقف إطلاق النار بألا تقوم الحكومة برد فعل عنيف جراء ما وقع. وامتثلت الحكومة لرأي الآلية، الذي طرح أيضاً للحركتين بتجميع القادة الميدانيين والعمد والقيادات الأهلية بالمنطقة للتفاكر حول حل الأزمة، وما أن تحركت رئاسة الآلية إلا ووقع هجوم آخر في منطقة خور طويلة على مرأى ومشهد آلية الاتحاد الأفريقي.
    وفي ولاية جنوب دارفور أذكر أن التمرد استهدف مدينة عديلة وهجمت مجموعة منه على محطة السكك الحديدية وأحرقوها. وكان الطريق البري بين عاصمة جنوب دارفور نيالا وزالنجي هدفاً للحركات المتمردة تعترض العربات التجارية، بل لم تسلم قوات الشرطة الحارسة لمعسكرات النازحين من هجومات المتمردين، فقد هاجموا قوات الشرطة وقتلوا نقيباً ورقباء معه كانوا يقومون بالإشراف الأمني على بعض مناحي معسكر كلمة بجنوب دارفور، ومثلما درجت السلطات كل مرة أخطرت لجنة مراقبة وقف إطلاق النار، وهاجموا مدينة غبيش بقصد الولوج إلى ولاية كردفان واحرقوا في احدى المرات جزءا من حقل شارف للبترول. وكل الاعتداءات والهجومات أحصيت وقدمت بتواريخها وتفاصيلها إلى مجلس السلم والأمن الأفريقي. وأذكر أن الأخ أحمد محمد هارون وزير الدولة للداخلية آنذاك وزير الدولة للشؤون الإنسانية حالياً والمتهم الآن أمام مدعي لاهاي، كان إبان تلك الأحداث يؤكد دوماً أن الدولة تمارس أقصى درجات ضبط النفس، إلا في حالات الدفاع الشرعي، حماية لأمن الوطن والمواطن، وأن الحكومة ملتزمة بوقف إطلاق النار في أنجمينا وبروتوكولات المساعدات الإنسانية الموقعة في أبوجا، وواصفا الحركتين المتمردتين بالتنصل عن التزامات وقعتاها. ووفرت وزارة الداخلية قدرة حركة عالية لقوات من الاحتياطي المركزي دفعت بها إلى أنحاء ولايات دارفور المختلفة، ونفذت خططها التأمينية في المناطق التي بها نازحون بأعداد كبيرة ومناطق زارتها آلية وقف إطلاق النار المشتركة، وأبدت ملاحظات بشأن تأمينها. وتركزت الجهود الأمنية في شمال دارفور، حيث كانت تنشط حركتا التمرد في منطقة طويلة، ومعسكرات النازحين بمنطقة أبو شوك وزمزم على مشارف عاصمة شمال دارفور الفاشر، وفي ولاية جنوب دارفور معسكر كلمة قرب نيالا ومناطق ساني دليبة وابوعجورة، ومنطقة مورني والمناطق القريبة من عاصمة غرب دارفور الجنينة.
    وفرضت سلطات الشرطة حظراً على حمل السلاح داخل المناطق التي حددتها، إلا للقوات النظامية القومية المحترفة أو المستنفرة وفق قانون الدفاع الشعبي بإجراءات التعبئة والطوارئ التي تفرض في كل دولة في مواجهة أي تدهور للأوضاع الأمنية. وتوالى الدفع بقوات الشرطة بصورة مستمرة، وتم تعزيز دور الإدارة الأهلية الأمني والإداري والقضائي، واتسق مع تلك الخطة استغلال الحكومة نفوذها السياسي والأمني فبنت مصالحات اجتماعية بين القبائل وأطلقت نداءات للسيطرة على السلاح. وفي رأيي أن تلك الخطط أسفرت تنصلاً وقع من عدد من حاملي السلاح عن التمرد بسبب عمليات الحصار الأمنية التي فرضت، وأسهم ذلك في تفكيك العناصر المسلحة.
    من اللازم التأكيد أن سياسة الحكومة السودانية كانت تشجيع المصالحات بين القبائل واتباع «نهج الجودية»، في حل أي نزاع يقع لسبب من الأسباب، وكانت تنادي أبناء الإقليم وممثلي دارفور في كافة مواقع العمل الوطني المتحدرين من مناحي دارفور لعقد المصالحات في الخرطوم أو أي من مدن دارفور، كلما لاحت نذر احتراب أو احتكاك، وذلك حفظاً للدماء من النزف، ووقفا لأي هدر للموارد تسببه النزاعات والتربصات أو الثارات القبلية بحسبان أن المشايعة القبلية والنعرات العرقية نتائجها حرق زرع ونضوب ضرع وخسران مبين لا منجاة لأحد ولا مغتنم ولا نفع يحصل من استنفار وتربص محاط بأوهام العداوة مع الجيرة القبلية وشركاء الماء والعيش والكلأ والمرعى.
    أحداث دارفور التي راجت على أنحاء العالم بفعل فاعل تفاقمت مع مطلع فبراير (شباط) 2003 عندما نشطت مجموعات متمردة متحدرة من بعض بطون قبائل الزغاوة والفور والمساليت واستهدفت ضرب مراكز الشرطة في المقام الأول، وأي مرافق حكومية. وأبرز نشاطهم كان هجوما قامت به مجموعة مكونة من مائتي مسلح بتاريخ 11 يوليو (تموز) 2003 على قرية الطينة، التي توجد بها حامية عسكرية للقوات المسلحة السودانية، وحاولت تلك المجموعة الاستيلاء على الحامية وتصدت لها القوات الحكومية وطاردتها إلى أن دخلت الأراضي التشادية. وإزاء تعدد هجمات وقعت في كرنوي بشمال دارفور وأبو قمرة غرب دارفور والطينة الحدودية، ثم هجوم موسع على مدينة كتم ثاني اكبر مدن ولاية شمال دارفور، حيث كان ينشط التمرد، زاد الهجوم العدائي بهجوم شنه متمردون من قبيلة الزغاوة على قبيلة القمر على خلفية نزاعات واختلاف قبلي سابق.
    وكان لا بد من إجراءات خشية من تدهور الوضع الأمني بسبب الهجمات القبلية المتبادلة في المنطقة، اذ وقعت قبل ذلك صدامات دامية في منطقة عديلة في شهر مايو (ايار) 2002، وقبلها بشهر في أم حراز بغرب جبل مرة وفي كبكابية وهبيلا الواقعتين شرق مدينة الجنينة عاصمة غرب دارفور، وارتفعت في تلك الأجواء وتيرة ولهجة صبغ النزاعات بطابع تنسيب المتنازعين بصفات العروبة أو الزنوجة أو ما يعرف بالزرقة، وبرزت نذر الاستقطاب القبائلي للمؤازرة والمساندة، مما اتجه بالإقليم إلى الانقسام إلى فريقين، في حين عرف الإقليم تاريخياً بالتمازج القبلي، غير أن البعض نشط في إيقاظ النعرة القبلية وفات عليهم أنها منتنة وأنها أُس الجاهلية الأولى.
    ظلت الأحداث كما أوردت قبلاً تتواتر وتتزايد، وكاد الوضع يخرج عن السيطرة، فتطلب الأمر اضطلاع الحكومة وسلطاتها الأمنية لفرض سيطرتها وممارسة مهامها بحماية المواطنين وممتلكاتهم وتأمين الناس من العصابات المسلحة والميليشيات المارقة، فاستنفرت السلطات قواتها اللازمة وزودتها بوسائل النقل والاتصال والتسليح لمجابهة حركة التمرد.
    ويجدر بي أن أذكر أني حضرت جلسة للمجلس الوطني في يوم 1 ديسمبر 2003، كان موضوعها بيان قدمه اللواء الركن عبد الرحيم محمد حسين وزير الداخلية آنذاك والفريق أول ووزير الدفاع حاليا عن تطورات الأوضاع في دارفور، وتزايدت في تلك الآونة استفسارات نواب المجلس وطرحوا العديد من المسائل المستعجلة عن الأحداث والمستجدات في دارفور، وظلت الإشارة واردة وحمراء باستمرار فدعا المجلس الوطني الحكومة إلى احتواء الأوضاع والتحكم في إفرازات النزاعات، وكان من أبرز ما ركز عليه النواب، بمن فيهم نواب ولايات دارفور، ضرورة تحرير خطط الأجهزة الأمنية من الإجراءات الروتينية المقيدة وإعادة النظر بتسليحها وإعانتها بما يتوافق والظروف والمستجدات الأمنية في دارفور، ودعم الجهاز القضائي بالإقليم للبت الناجز والحازم في قضايا الاعتداءات وممارسة أقصى عقوبات الردع القانوني فرضا لهيبة الدولة. ونادى نواب المجلس بإشراك المجتمع المحلي في تحمل عبء العملية الأمنية باستعادة الدور الأمني للإدارة الأهلية ممثلة في حرس الإدارة الأهلية والشرطي الظاعن، مع التأكيد على التعايش السلمي بين القبائل، بعقد مؤتمرات موسعة للصلح والوفاق القبائلي. وحسب مدونتي فإن قادة العمل السياسي والتنفيذي وولاة الولايات المختلفة وزعماء الإدارات الأهلية في دارفور والمختصين والمعنيين من كافة أنحاء السودان بما جرى في دارفور شاركوا في ورشة عمل نظمت بديوان الحكم الاتحادي بغرض الوصول إلى حلول تفضي إلى إعادة الأمن والاستقرار إلى دارفور. وبحثت تلك الورشة الآثار التي نتجت عن غياب دور الإدارة الأهلية وما نتج عن ذلك من انفلاتات أمنية، وضرورة تفعيل دور تلك الإدارة في جمع السلاح من كافة المواطنين والميليشيات لأهمية ذلك في استتاب الأمن. وحددت تلك الورشة، وكان على رأسها الرئيس عمر البشير وممثله الخاص لمعالجة الأوضاع في دارفور اللواء الركن عبد الرحيم محمد حسين وزير الداخلية وعدد كبير من القانونيين والقضاة، خطة وبرنامجاً لتجريد المجموعات الخارجة عن القانون من السلاح بإدراك وجود ميليشيات مسلحة بكل قبائل دارفور ملمة باستخدام السلاح الذي انتشر في الإقليم بسبب الحروب المستعرة والمستمرة منذ عدة سنوات في دولتي الجوار تشاد وأفريقيا الوسطى.
    وقانونياً تم التأكيد على دور الإدارات الأهلية في دارفور في استتباب الأمن، واشترع على وضع قوانين ولوائح ضابطة للعمل، وتم التوافق وتنسيق الجهود بين وزارتي الداخلية والدفاع والسلطة القضائية ببرنامج زمني، تتم خلاله عودة الاستقرار، وقام ذلك البرنامج على ضرورة التسليم المتوازن من قبل كافة المجموعات والميليشيات المسلحة من القبائل المختلفة لأسلحتها لأهمية ذلك في دعم الثقة بين الأطراف الحائزة السلاح. واتخذت الإجراءات الضابطة لاستخراج الأوراق الثبوتية لضبط الهجرة والتداخل القبائلي مع الدول المحاددة والمؤثرة والمتأثرة بالسودان التي تم التعاهد معها على التعاون للقبض على المتمردين الخارجين عن القانون وسلطة الدولة، ومنع دخول وتسريب الأسلحة، علماً بأن على الحدود مع تشاد وأفريقيا الوسطى تقطن ثلاث عشرة قبيلة تتداخل هنا وهناك.
    وينبغي لي التأكيد على أن الحكومة السودانية ما توانت يوماً في عقد المصالحات بين القبائل القاطنة دارفور، وكان أولها مؤتمر الفاشر الذي تم بعد أسبوعين فقط من تسلم الرئيس عمر البشير الحكم في 30 يونيو (حزيران) 1989، إذ تم عقد مؤتمر الفاشر للصلح بين قبيلة الفور وبعض القبائل العربية وهدأت الأحوال لسنوات. ولما وقعت احتكاكات بين قبيلة الزغاوة والقبائل العربية في شمال دارفور عقدت الحكومة مؤتمراً للصلح بكتم في أكتوبر 1994. وبعد عامين عندما تصاعد الخلاف بين القبائل العربية وبين المساليت بغرب دارفور انعقد مؤتمر الجنينة في نوفمبر 1996، وأعقبه مؤتمر للصلح بين الزغاوة والرزيقات بمدينة الضعين جنوب دارفور في مارس (آذار) 1997. وحتى لا تتكرر النزاعات نظمت الحكومة مؤتمراً للأمن الشامل والتعايش السلمي بين كافة قبائل ولايات دارفور، انعقد بعاصمة جنوب دارفور نيالا في ديسمبر 1997.
    مع السعي ذاك كان تجار السلاح يعملون في الخفاء ويزعزعون الثقة بين الأطراف المتصالحة، يوقعون بين القبائل، فيظن كل طرف أن الآخر هو الذي غدر به وخرق اتفاقات التصالح المبرمة، فيبدأ مسلسل الثأر والانتقام، وتتعقد الأمور بعدم القدرة على دفع الديات. كذلك برز التمرد في مجموعات مسلحة استهدفت مقار الحكومة، فلم تجد الحكومة بداً من استعمال القوة العسكرية ضد تلك المجموعات، التي صارت تحت ضغط الهجمات وحملات التمشيط العسكرية تحتمي بالقرى والمؤسسات التعليمية والصحية، وتتجمع مرات أخرى مكونة فلولاً تمارس عمليات الكمون واغتيال وقتل سرايا القوات المسلحة وقوات الشرطة الحامية للمواطن. وهكذا استمرت هجمات المتمردين على القرى والمدن مستهدفة القيادات الدارفورية غير المتعاطفة مع التمرد وقيادات الدولة الرسمية خاصة الشرطة. ودُمرت السجون وخرج منها المجرمون والقتلة وانتشرت عصابات النهب المسلح، وعجزت الأجهزة العدلية عن القيام بدورها، وتعطلت المشروعات الزراعية والتنموية والتعليمية، وتعددت صور الميليشيات القبلية التي تنتمى للتمرد أو التي تقاتله، وكاد الأمر أن ينتهي إلى حرب أهلية لا يعلم مداها إلا الله سبحانه وتعالى.
    وفي ظل هذه الظروف والأجواء انعقد الاجتماع الامني التنسيقي لولايات دارفور الثلاث، وقد أمه إضافة إلى ولاة الولايات الثلاث، وهم والي ولاية شمال دارفور الفريق أول ركن إبراهيم سليمان حسن، والي ولاية غرب دارفور المهندس عمر هارون، والي ولاية جنوب دارفور اللواء ركن (م) الناظر صلاح علي الغالي (ثلاثتهم من أبناء دارفور)، وفد من الحكومة المركزية برئاسة وزير الداخلية آنذاك اللواء الركن مهندس عبد الرحيم محمد حسين. وأصدر الاجتماع بيان الفاشر في مايو 2003 وجاء فيه: «بالعزيز الجبار من الشيطان نستعيذ، وعلى الله المهيمن القاهر نتوكل وبه نستعين، إنه بيان من ولاة ولايات شمال وجنوب وغرب دارفور إلى مواطني ولايات دارفور الكبرى. قال تعالى: (إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فساداً أن يقتَّلوا أو يصلَّبوا أو تقطَّع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض ذلك لهم خزيٌ في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم) (سورة المائدة الآية 33).
    وجاء في البيان أيضا (لقد جئناكم بالحق ولكن بعضكم للحق كارهون)، وكلكم يعرف تماماً كيف كان حال مجتمعنا فى دارفور ملء السمع والبصر في المحمل إلى الكعبة وكسوتها، وفى الأزهر ورواقها، وفي القرآن حتى اقترن اسم دارفور بالقرآن واللوح والتقابة، دارفور التسامح والتوادد والأخلاق والنجدة. كل هذا وفي ساعة من الغفلة انقلب إلى الضد فباتت دارفور في واد والسودان في واد آخر، فصارت دارفور للنهب المسلح، دارفور للاحتراب، دارفور للقبلية العمياء، للقتل والدمار والتخلف والجهل والمرض. وبدأت مساعي الاصلاح ومحاولات المعالجة. سعيتم وسعينا وعقدتم المؤتمرات والاجتماعات والجوديات ومجالس الشورى والسمنارات وورش العمل ولجان الأمن. ولكن كلها لم تثمر ولم تعد الأمور إلى نصابها إلا لفترات قصيرة وسرعان ما تنفجر الأحوال وتتقهقر الأمور وتتردى إلى الأسوأ ظلماً وظلمة، حتى صار الأمر في دارفور لا يستوثق فيه لعظيم حق عطل، ولا لعظيم باطل فعل. ولكن لا بد من علاج، ولا بد من صباح وإشراق، ولا بد من وضع حد لهذا العبث والفساد والحمد لله أن جعل فى الكي دواء. ونعلن الآن أن هنالك حزمة من القرارات الصارمة وحزمة من أوامر الطوارئ سوف يتم اتخاذها عقب هذا البيان، وهذا بمثابة إعلان وإنذار للجميع وبحق. ولا عذر لمن أنذر. ونؤكد للجميع أن كافة التحضيرات والتجهيزات والآليات والوسائل اللازمة للحسم والحزم قد تم إعدادها من طائرات ومركبات ودواب وأسلحة ومعدات للتصدي، على أتم استعداد للتصدى والحسم. ونؤكد أن المحاكم والنيابات الخاصة ذات الإجراءات الاستثنائية في كل أنحاء الولايات الثلاث قد شكلت ونصب ميزانها ووحد منهجها ولا بد للإدارات الأهلية أن تتحمل مسؤوليتها الكاملة من دون تراخ أو تردد، وآن لأهلنا الشرفاء أن نضع السنان مكان اللسان، وأن نكف عن الكلام حتى انبلاج الصباح، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون. قال تعالى «ليحق الحق ويبطل الباطل ولو كره المجرمون».
    انتهى بيان الفاشر الذي وقع عليه ولاة الولايات الثلاث في أول مايو 2003.
    * مستشار الرئيس السوداني ووزير الخارجية السابق



    دينق.
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de