|
|
 صرصار العناية الالهية!
|
قفز بوحشية حتى لامست شعيرات رأسه سقف المرحاض المنخفض, أكبّّ على وجهه طائحا بسطلِِِِِِ الماء, واصل الصرصار اللئيم زحفه المقدس لاعلى كأنه اختار وجهته بعد تدبر,تلوى عبدالرحيم من الألم وصاح باكياً: يا ابو مروة...
تجمهر سكان المبنى المشترك خارج المرحاض, تساءلت احداهن بخبث: هو كان بيعمل ايه جوة الحمام!
تغيرت احوال عبدالرحيم مؤخرا, ازداد صمتاً وانزواء, لا يقبل على "الفول بالفول" الا بعد حلايف,عاود الصلاة بعد ان نسيها فى ميناء اسوان النهرى, وربما قبله بأميال, أكثر منها حتى همس البعض ان الرجل بدأ يفقد السيطرة على ما تبقى من نافوخ تاكلته هموم إعادة التوطين ومشقة العمل, نصحوه بمراجعة مركز التأهيل النفسى المجانى, اجابهم بإبتسامة من يعرف ما يجهلون.
سُحب كالذبيح الى الغرفة, احسوا كأن الكبرياء القومى قد خدشته يد ماجنة, خلصوه من البنطلون الملوث بالنصف الثانى من البول وبعض ماء, و...الصرصار.
"ينعل ...شيطانك!" كاد رفيقه فى الحجرة ان يفتك به. "رجالتك وديتو وين تكورك زى النسوان وتخلى مسريات يضحكو فوقنا! من الليلة دا تشوف ليك محل تانى."
كان عبدالرحيم من اوائل الفارين من الجحيم فى دارفور, لم يقبل ابدا بوصف"ضحايا الحرب", فالجحيم عنده هناك واحد, سوى أن زبانيته اصبحوا يأتونك مباشرة وتخلو عن حيائهم الزائف. كثيرا ما حدث زميله فى الفرشة يإعجاب: "بلد دة سهى ام الدنيا, ناس نشيطين يسوو كبارى فى محل موية ما فوقو!" او لاعنا ايام العمى اللذيذ" هسه فرشة دة كان وصفو ليك شنو داك, وتنقرنق فتّحتى, تلقا ياهو زاتو؟!" .
زعم عبدالرحيم بعد أن افاق من الهجمة الصرصاريةالملساء إن الصرصار ليس بصرصار عادى, بل هو صرصارالعناية الالهية نفسه, لم يعبأ بنظرات المتحلقين المشفقة وواصل" ترا انا ولا قلت ليكم انا كان داير نقدّ السلك بكرة, صلاتى دة كلو عشان الله يرحمنى ويقدر ظروف الخلانى نمشى اسرائيل, رسل لى اضعف خلقه, وترا رحمتو وصل, من بكرة ننزل شغلى".
باغته رفيقه الساخط " هو كان احترماك صحى صحى ما كان رسلا ليك رحمتو فى مرحاض يشوفيك الداخل والمارق, ياريت تكون عرفت مكانك عندو".
انسحب من فى الترتيب الثانى للتسلل مضحيا بتسعة جنيهات ثمن مبيد الزواحف, منسجما مع صوت حذائه اخذ يردد برتم راقص: الموت او اسرائيل, الموت او اسرائيل, الموت...
|
|
 
|
|
|
|
خضر حسين خليل
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست