جعفر عباس : خواطر أصياف غابرة وآتية

Quote: جعفر عباس خواطر أصياف غابرة وآتية لا توجد في السودان ''ثقافة إجازات''، لأنه لا توجد ''ثقافة ترفيه''، ومعظم أهل البلاد لا يتاح لهم ترف التمتع بإجازة، فحياتهم ومنذ الطفولة الباكرة عمل متصل، بل هناك موظفون حكوميون بالكوم يفوت عليهم الاستفادة من إجازاتهم المستحقة.. على إيه، والحياة العملية نفسها إجازة.. تأتي الى موقع العمل وتغادره على كيفك.. ثم ما قيمة الإجازة طالما انك ستكون قعيد البيت؟ ثم أين وكيف الترفيه؟ بالمناسبة فإنه وفي معظم الدول العربية يقتصر الترفيه عند أهل المدن على الذهاب الى المطاعم! .. فقط المدرسون والطلاب عندنا يتمتعون بإجازات، لأنها مفروضة عليهم في مواقيت معينة، (ويتمتعون هنا غير مشتقة من المتعة بل بمعنى الاستفادة من حق).. خلال الفترة التي قضيتها مدرسا بالتجارة الثانوية (الخرطوم) وبحري الثانوية بنين، لم نكن نحن مجموعة المعلمين المقيمين في العاصمة ننقطع يوما واحدا عن المدرسة خلال الإجازة الصيفية، أي طوال اكثر من 3 أشهر،.. نلتقي تحت اشجار النيم واللبخ، في المدرسة ونأتي بالفطور من أقرب مطعم: صحن تشطيف مملوء بالفول وعليه شوية عدس وكبدة وجرجير وسردين وبواقي شوربة كوارع من الليلة الفائتة .. ثم نجلس نتسامر ونتفرق بعد انتصاف النهار.. لم يكن ذلك لأننا مقطوعين من شجرة، بل لأننا كنا نحب المدارس التي نعمل بها ولم يكن هناك ما يشغلنا عن عملنا: لا دروس خصوصية ولا هرولة لتوفير غذاء أو كساء او دواء.. كانت رواتبنا تكفينا، بل وبالزيادة، إذا أخذنا في الاعتبار ان الواحد منا كان يكسب نحو 35 جنيها في الشهر في التدريس في فصول اتحاد المعلمين (ليت نقابة المعلمين تفرغ باحثين متخصصين لإجراء دراسة إحصائية لهذه التجربة الرائدة التي فتحت آفاق ''مواصلة'' التعليم النظامي لمئات الآلاف، ورفدت في نفس الوقت خزينة اتحاد المعلمين بأموال حلال جعلته يستقل بأموره المالية ومن ثم النقابية).. حتى بعد انتهاء حصص اتحاد المعلمين في نحو التاسعة مساء، كان معظم المدرسين يتناولون العشاء سويا في المدرسة.. ذات ليلة كنا عائدين من ام درمان الى بحري في سيارة زميلنا الراحل الصادق سعد عليه رحمة الله، محملين بسمك ''صير'' من السبكي بالموردة، عندما استوقفنا رجل في منطقة الملازمين.. هذه حكاية كلاسيكية عن صفاء النفوس وافتراض كل سوداني الشهامة والنبل في كل أبناء وبنات بلده.. كان ذلك في عز سطوة نظام نميري بعد ان فشلت المحاولة الانقلابية للجبهة الوطنية (المرتزقة بلغة نظام نميري).. قال لنا الرجل: أنا حاج مضوي.. وكنت في اجتماع في الملازمين .. لا أذكر السبب الذي قاله لعدم توفر وسيلة مواصلات لديه في تلك الليلة، ولكنه أضاف إنه بحاجة الى الابتعاد عن الملازمين تجنبا لمراقبة رجال الأمن لتحركاته.. المهم أننا فرحنا لكون الرجل وثق بنا بدون سابق معرفة وأوصلناه الى وجهته. ما علينا.. تعلمنا في الغربة ثقافة الإجازة لأنها تعني بالنسبة لغالبيتنا زيارة الأهل في السودان، ولكن بعضنا تطبع بطبائع أهل الخليج، وصارت الإجازة تعني قضاء وقت في بلد أجنبي.. وأعجب لماذا لا تطالب منظمات حقوق الإنسان بمنح الخليجيين ومن يقيمون في منطقتهم إجازة سنوية 5 أشهر متواصلة من أول مايو الى نهاية سبتمبر، فالحر والرطوبة في الخليج، فوق طاقة الإنسان العادي.. ونجح عيالي اكثر من مرة في الضغط علي فاصطحبتهم في إجازات في بلاد برة.. ومع بدء موسم الإجازات الحالي جمعتهم ووقفت وسطهم وبروح ديمقراطية سمحة قلت لهم: والله يا أولاد الذين.. لو واحد منكم اقترح مجرد اقتراح ان نسافر الى جهة غير السودان هذه السنة والسنوات التالية (إذا أحيانا الله).. يعتبر نفسه محروم من الميراث ورضا الوالدين.. حتى السودان لا زيارة إليه إلا ما بين نوفمبر ويناير.. قال أصغرهم (وألدحهم): ما شاء الله يعني نقول لزملائنا ماشين نقضي الكريسماس وليلة رأس السنة في الخرطوم؟ قلت له: بالضبط .. أبوك كان يقضي الكريسماس في النادي الكاثوليكي في جزيرة بدين، ورأس السنة في شاطئ النبرو في كوستي وهو يسترق النظر الى حسناوات البلطي والقرقور. نقلا عن الراى العام الاربعاء18يوليو2007م

Quote: السهل الممتنع الممتع . .

Quote: [لا توجد في السودان ''ثقافة إجازات''، لأنه لا توجد ''ثقافة ترفيه''