|
|
 شقة بين الكفيل و سيد الحق واحدة من حكايات الزمن السجين من د/محمد خليل الكارب
|
شقة بين الكفيل وسيد الحق
كانت تلك ليالي رمضانية لا تنسي فقد كنت و صديقى بصدد البحث عن شقة للايجار بعد أن تقرر ضرورة إخلاء السكن التابع للمستشفى وفادتنا تلك الجولات اليومية بعد صلاة التراويح لعدد لا يحصى من مكاتب تأجير العقار في هذه المدينة وهذه المكاتب تستحق بعضا من الوصف فالداخل إلي هناك يجد نفسه إزاء مبنى أرضي في الغالب متواضع إلى متوسط التأثيث يجلس إليه في أغلب الأحوال أحد الأخوة المصريين وعلى الطاولة أمامه عدة ترامس للشاي والقهوة العربية المره كلاهما غير جيد الإعداد وربما كان هنالك طبقاً من التمر وفي أحد الأركان توجد ثلاجة مياه حار بارد معطوبةً تماماً من العمل وفي خلفية الجالس على المكتب عدد لا أول له ولا آخر من المفاتيح بمختلف الأشكال والأحجام على أن ما يميز جميع مكاتب العقار تلك كان شيئاً خلاف كل ذلك ولم يكن يخلو منه أي من تلك المكاتب إذ على جميع جدرانها علقت لوحات مكتوبة بالحبر الشيني بخط لا علاقة له بالجودة عبارات مثل:
بيع العقار أناء الليل وأطراف النهار
من اخر الايجار....ما نفعه الهظار
الجار قبل الدار ...واليجار قبل الجار
ادفع ايجارك و...فكنا من اعذارك
دخلت اذن أنا وصديقي ليلتئذِ إلى واحد من تلك المكاتب وكان فرحنا عظيماً عندما وجدنا الجالس على المكتب أحد السودانيين الأمر الذي لم نشك معه في أن مهمتنا ستكون أسهل بكثير كان ذلك الشاب بسيط الهندام وكانت لحظة دخولنا منكباً على دفتر ضخماً أمامه وعلى المكتب ترامس الشاي والقهوة المعهودين. نهض ذلك الشاب مرحباً بنا وعارضاً كوبين من الشاي بمجرد جلوسنا وبدأ صديقي على الفور بشرح قصتنا قائلاً: يا أخي دايرين لينا شقة لعائلة من أربعة أشخاص وحمامين و..و... كان صديقي قد حفظ تماماً هذه العبارة من كثرة ما رددناها في جولاتنا السابقة...ِ وواصل صديقي شرح مواصفات الشقة إلا أنه توقف فجأة عندما رأى الشاب ينهض من كرسيه ويدور حول مكتبه كـأنه سينضم إلى جلستنا أمامه لكنه لم يلبث أن عاد أدراجه لكنه لم يجلس بل ظل واقفاً واضعاً كفه الأيمن على مقدمة رأسه شأن من داهمه هم مفاجئ . كان صديقي على وشك أن يسأله عن ماذا يحدث عندما مد الشاب يده إلى أحد التلفونات أمامه وبدأ يدير رقماً ما لكنه سرعان ما وضع السماعة مكانها بدون إكمال الرقم وعاد ليضع يده الأحرى على مقدمة رأسه من جديد كمن ألم به صداع مفاجئ سأل صديقي: يا زول إن شاء الله ما في عوجه مالك؟
الشاب: شنو؟
صديقي: في حاجة غلط؟
الشاب:أبداً أبداً انتو مش قلتوا دايرين شقة ؟
صديقي: أيوه طبعاً وأنا قلت حاجة غير كده؟
الشاب: لا لا لا
صديقي: طيب مالك؟
الشاب:منو ؟
صديقي: آنت يا أخي شكلك منزعج كدا... دا مش مكتب عقار؟
الشاب: أيوه طبعاً أيوه بس كفيلنا ما موجود الحين و...
صديقي: يا أخي البركة في وجودك آنت ولو عندك شقة ورينا ليها.
الشاب: وجودك آنت؟ أنا قلت ليك كفيلنا ما في وسيد الحق كمان....
صديقي مقاطعاً: يا زول كفيل شنو وحق شنو لوعندك شقة يلا ورينا ليها
الشاب ممتقعاً: أوريك ليها أوريك ليها كيف أنا قلت ليك كفيلنا ما في وسيد الحق ابى يصلح الدور حقه والحين الباب مفتوح وآنت تقول لي وريني الشقة أوريك؟ أوريك كيف؟
تدخلت أنا في الحوار قائلاً: يا أخي طالما الباب مفتوح يلاك نشوفا وإذا طلعت مناسبة نجي بعد داك نشوف الكفيل والزول التاني دا.... لكن بينما كنت أقول الكلمات السابقة هوى الشاب من طوله منخبطاً على الكرسي وواضعاً كلتا يديه على رأسه وهو يتمتم: تمشي تشوفا ... تشوفا عديل كدا....تشوفا يعني ...تمشي تشوفاكيف.... تمشي عديل كدا؟
قمت أنا وصديقي من مكاننا لنقف الى جانب الشاب مهدئين من روعه بينما في رأسنا تتزاحم الأسئلة بلا أول ولا آخر...واصل الشاب عباراته: أنا قلت ليك كفيلنا ما في وسيد الحق ما صلح دوره... والباب مفتوح وآنت تقول نشوفا... نشوفا كيف... آنت عاوز كفيلنا يعمل لي خروج نهائي .... قلت له معتذراً: يا أخي أنا آسف جداً.... والشقة ذاتا خليناها ...وبعدين يا أخي ما تعمل في رقبتك كدا ما في زول حا يعمل ليك خروج ولا شيء و أقول ليك حاجة: الباب دا أمشي أقفله طالما عامل ليك المشاكل دي كلها وزي ما بيقول المثل: (الباب البيجيب الريح سدو وأستريح)
كان الشاب قد بدأ يهدأ قليلاً إلى أن تطرقت أنا للباب المفتوح واقترحت عليه قفله عندما نظر إلى بعينين يملآهما الذهول... قائلاً: آنت قلت شنو؟ أقفل الباب ... أنا أقفل الباب؟
تبادلت أنا وصديقي النظرات وبدا لي أن صديقي يقترح أن نغادر هذا المكان على الفور... وأكد صديقي على هذا المعنى عندما أشار إلى الشاب المذهول ثم أشار بيده إلى رأسه في حركة ذات مغزى..... طلبت من صديقي الانتظار قليلاً إذ إن المسألة بالنسبة لي لم تعد الشقة والإيجار بل أصبحت حكاية هذا الشاب وكفيله المرعب وسيد الحق والباب المفتوح...
ظللت واقفاً إلى جانب الشاب متحدثاً إليه بعبارات لا تمت بصلة إلى الشقة حتى فارقه الذهول شيئاً فشيئاً وفي لحظة خيل إلي أنها مناسبة سألته لماذا يعتقد إن كفيله سيزعل إذا اقتربنا من ذلك الباب المفتوح؟
رد الشاب بطريقة هادئة لأول مرة: أيوه أسألني... ما كان تسألني من قبيل
أجبته مبتسماً: أهو أنا أسع سألتك... الحكاية شنو بالضبط؟
الشاب: أصلوا كفيلنا ما موجود وبعدين قبل كدا جو ناس زيكم كدا وكفيلنا كان قاعد وأنا واقف هناك ماسك المفاتيح... وقام كفيلنا ضرب لي سيد الحق وقال ليهو: الجماعة معاي وآنت الحين تمشي تقفل الباب وأحسن تصلح دورك الفوق ...وأنا عارفو لا حا يقفل الباب ولا يصلح الدور الفوق والدور التحت ذاته داير تصليح... وأنا قلت لي كفيلنا وهو لا بيسمع الكلام ولا بيجيب خبر....
في تلك الأثناء كان صديقي قد تناول مفتاح العربية وأتجه إلى الخارج بعد أن نفد صبره... لكنني بقيت محاولاً الطلوع بشيء ما من كل ذلك.
قلت للشاب: طيب يا ابن العم تفتكر ليه سيد الحق ما عاوز يقفل الباب؟
الشاب: ما أنا قلت لي كفيلناالكلام ده.. قلت ليو أصلوا ما حا يقفل الباب.
أنا: أيوه أنا عارف إنك قلت ليو لكن سؤالي آنت تعتقد هو ليه مش عاوز يعمل كدا.
الشاب: اعمل شنو؟
أنا: يقفل الباب.
الشاب: أيوه قول كدا... من قبيل ما كان تقول كدا.
اكتفيت أنا بابتسامة مشجعة بينما انفرجت أسارير الشاب للمرة الأولى منذ أن التقينا... وتدفقت منه العبارات: ما أصلوا سيد الحق عاوز المؤجر هو اليقفل الباب... بعدين كفيلنا قال ليهو: يقفلو كيف وآنت تعمل شنو طيب. وأنا قلت لي كفيلنا:والله سيد الحق دا أحسن نختاهو... و الحين كفيلنا مسافر والباب مفتوح. وسيد الحق و...و
أدركت أنا أنه لا بد لي من مقاطعته حتى لا يسيطر كفيله وسيد الحق على مجرى أفكاره...
قلت له: طيب يا أخي إذا كان سيد الحق عاوز المؤجر يقفل الباب فأنا ما عندي أي مانع أعمل الحكاية دي ...... لكنني أدركت من فوري إن تدخلي لم يكن مناسباً إذ إن الشاب انتصب واقفاً بمجرد أن سمع أنني قد اقترحت أن أقوم بإقفال ذلك الباب اللعين... هنا وجدت نفسى اقوم بامساك كتفيه كتفيه بكلتا يدي واجلاسه وأنا أردد: يا أخي أنت مش سوداني... كدي أنسى سيد الحق والكفيل ديل وبعدين أتكلم معاي بالسوداني الفصيح وجاوبني على الأسئلة دي واحد واحد وأوعى تقوم تاني من محلك دا.
وبدات اسأله: الباب المفتوح دا بيفتح على وين و مفتاحه ذاتو وين؟
الشاب مذهولا تماما: المفتاح ؟ المفتاح هداك ليهو وأشار بيده إلى حيث المفاتيح.
أنا: طيب ... والباب دا باب شنو؟ باب الشقة مش كده؟
الشاب: لا يا اخي شقة شنو ؟
أنا: طيب إذا ما بيفتح الشقة بيفتح شنو يعني؟
الشاب: ياتو البيفتح ؟
أنا: المفتاح ياخي
الشاب: المفتاح حق الباب؟
أنا: أيوا ياهو ذاتو
الشاب: مالو المفتاح؟
أنا( بصبرٍ نافذ): المفتاح ياخي البنحكي عنو من قبيل بيفتح ياتو باب؟
الشاب: بيفتح الباب السيد الحق ما عايز يقفلوا.
أنا: هو ليه ما عايز يقفلوا؟
الشاب: ما هو قال المؤجرين يقفلوه.
أنا: طيب ما تمشوا ليهو رأيو ده.
الشاب: نمشيهو كيف؟ ما هو ساكن فوق.
أنا: طيب شنو المشكلة؟
الشاب: المشكلة في الباب المفتوح.
أنا (بمزيد من الصبر) : يا ابن العم وريني الباب بيفتح وين؟
الشاب: بيفتح بين الدورين.
أنا: بين الدور الساكن فيهو سيد الحق والدور الإنتو عايزين تأجرو ؟
الشاب (مبتسماً ابتسامةً واسعة): أيوا أيوا الباب قاعد هناك.
خُيّل إليّ أنني بدأت أفهم، فالمسألة تبدو ذات علاقة بأن سيد الحق يريد الباب مقفولاً حتى لا يكون للمؤجرين سبيل للإطلاع على الدور العلوي حيث يسكن ولكنه لا يريد أن يقوم هو بالذات بإغلاق الباب ويريد أن يقوم المؤجر بذلك على حسابه ولكن كيف للمؤجر أن يفعل ذلك طالما أنه لم يؤجر الشقة بعد وللتأكد من هذا السياق كنت محتاج لتأكيد من الشاب المذهول... قررت الاستفادة من الاسترخاء الذي شعرت به أخيراً في محيا الشاب وسألته مباشرة: لو أنا دفعت لسيد الحق تكاليف قفل الباب هل سيقوم بعد ذلك بإغلاق الباب ومن ثمّ استطيع أنا أو غيري أن أدخل الشقة لمعاينتها وبعد ذلك استئجارها إذا كانت مناسبة؟
الشاب: لكن إذا ما أجرتها في الآخر، قفل الباب بيكون على منو؟
حيرتني هذه الإجابة لكنها أكدت بشكل ما أنني ربما كنت على الطريق الصحيح وقلت له ياخي أخصموها من نصيبكم اللي ح تاخدوهو كجزء من عمولة الإيجار.
الشاب: لكن العمولة دي ح نتقاسمها مع سيد الحق.
أنا: طيب أخصموها بيناتكم الاتنين.
الشاب: قصدك بين كفيلنا وسيد الحق؟
أنا: بالضبط كدة.
الشاب: طيب وإذا سيد الحق ما وافق؟
أنا: خلاص خليها من نصيبكم إنتو.
الشاب: قصدك من نصيب كفيلنا؟
أنا: مثلاً.
اختفى الاسترخاء فوراً من كلام الشاب وبدأ يردد (كفيلنا ..... يعني كفيلنايدفع وسيد الحق يطلع ساكت!!! إنت عارف كفيلنا مافي وسيد الحق ما ح يوافق وأنا كلمتو من زمان قلت ليهو سيد الحق ده سيبك منو تجي إنت تقول لي بين كفيلك وسيد الحق؟ والباب... والباب يقفلوا سيد الحق وتجي إنت الشقة ما تخارج معاك وكفيلنا يقعد (يهاوش) سيد الحق وأنا (أنحاش) واللا أمشي وين؟ إنت عارف الباب ده مفتوح ليهو كم؟ وأنا من زمان قلت لكفيلنا و و و و و و و كفيلنا و و و و سيد الحق و و و و الباب و و والحين و و و و...
تلاشت بسرعة اللهجة السودانية وعاد الكفيل وسيد الحق يسيطران على ذهن الشاب........ أفلَتُّ يديّ من على كتفيّ الشاب واتجهت إلى الخارج حيث كان صديقي قد أدار السيارة تاركاً ورائي باب المكتب مفتوحاً وكل الرياح تهب.
|
|
 
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: شقة بين الكفيل و سيد الحق واحدة من حكايات الزمن السجين من د/محمد خليل الكارب (Re: mohamed karib)
|
العزيز محمد الكارب
أنا بيقولوا وين؟
ما إنت عارف الكفيل الما متكفل بأي حاجة
ما مخلينا في حالنا
وبما أن الحال يغني عن السؤال
والإجابة على السؤال إجبارية
شكراً على تفضلكم بنشر هذا الموضوع الذي خشيت أن لا يرى النور في ظل مشاغلكم الكثيرة
وزي ما أنا عارف برضوا حكايات مع الشقق لا تنتهي وبيني وبينك في الحقيقة أنا سعيد جداً لأن مثل هذه العقبات دائماً ما تواجهك.
ومصدر سعادتي أنك تستطيع أن تلتقط رأس الخيط من بين هذه الخيوط المتشابكة وتصنع لنا منها حكاية
كنت أريد أن أسترسل لكن الكفيل مانعنا زي انت عارف برضو
| |
|
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: شقة بين الكفيل و سيد الحق واحدة من حكايات الزمن السجين من د/محمد خليل الكارب (Re: mohamed karib)
|
الاخ الطيب الشيخ
الله يرفع ايد كفيلك وتجد موفور الصحة والحرية والبلاد المافيها كفيل يقدل فيها الورل
انت مع دكتور محمد فهو يجيد السرد والحكي وفي الونسه يقعد كانه علي مشي لكنه يضيق بمن يشرم الجلسه باستئذا نه بالرحيل
اقترح ان تلم اعمال صديقك الدكتور وانا مكتول في حوش العمده لمجموعات قصصية تشرب ماتروي
كل الامنياتبان تري مجموعته القصصية النور
لك ولهم الحب الطاهر هاجت الاناموانا وحدي مساهر
النحول علي جسمي
اولاد البنا يجيدون كلضروب الابداع
| |
|
|
|
|
|
|
| |
mohamed karib
الطيب الشيخ
jini
معتصم ود الجمام
Rabab Elkarib
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست