يونس شلبي.. القروي الذي لم تغيره أضواء الشهرة والنجومية
أضحك الناس وهو يبكي جحودهم يونس شلبي.. القروي الذي لم تغيره أضواء الشهرة والنجومية طبيبه المعالج صرح بأن جحود زملائه والإعلام زاد من تدهور صحته في الفترة الأخيرة صلاح السعدني رشحه لسمير خفاجي وجلال الشرقاوي للعب دور عمره في مسرحية «مدرسة المشاغبين» في عام 198 قرر رفع أجره إلي عشرة آلاف جنيه في الفيلم ومع ذلك قام ببطولة خمسة أفلام دفعة واحدة سافر إلي ليبيا والعراق والسعودية بحثا عن التقدير الفني والأدبي بعدما أهملوه في مصر وأوقفوا مسلسل الأطفال «بوجي وطمطم» أقر وأعترف أننا جميعا مقصرون في حق فناننا الجميل يونس شلبي ـ رحمه الله ـ نعم ظلمناه كثيرا وهو لم يستحق ذلك منا فأخطأ الإعلام بحقه بنفس القدر الذي أخطأ فيه الوسط الفني.. فكان جحود الزمن والناس شيئا مؤلما بالنسبة له زاد من تدهور حالته الصحية كما قال لي الدكتور المعالج له وخاصة بعد تلك الجلطة التي أصيب بها.. ومع ذلك لم يرفع سماعة هاتفه ليستجدي العطف.. ولم يخبط علي باب أحد طالبا دورا.. ولم يمد يده لأحد طالبا معونة.. شيء صعب ومؤلم.. لكوميديان رسم البسمة علي شفاهنا طيلة أكثر من ثلاثين عاما. في السطور القليلة التالية عن يونس الإنسان والفنان أكتب وقد ذرف القلم الدموع حزنا علي فراقه.أثناء جنازته سواء التي كانت في مسجد مستشفي المقاولون العرب بالقاهرة ظهرا وفي مسجد بمسقط رأسه بالمنصورة في المغرب.. تذكرت مقولة المفكر الفرنسي الشهير أندرية مالرو: «نحن نعيش عصر الكذب» فاثناء متابعتي لمشهد الوداع الأخير لم أجد فنانا واحدا من زملائه وأصدقاء عمره.. وتساءلت لماذا نسوا وتناسوا أن يودعوه؟ الم يكفنا ما فعلناه به وهو علي قيد الحياة؟في بيته القريب من النصب التذكاري بمدينة نصر.. التقيت به لأول مرة منذ عدة سنوات.. وجدت فيه نقاء وطيبة الدنيا.. والتواضع ودماثة الخلق.. لم يكن مثل آخرين كثيرين خبيثا أو لئيما.. يونس شيء آخر.. هو كما هو.. محتفظا بفطرته وعادات وتقاليد «الأرياف» فلم تغيره الأضواء ولا شهرة النجومية أبدا.. فيفتح لك قلبه ويتحدث بعفوية للدرجة التي تجعلك تضحك إذا ضحك.. وتبكي إذا بكي.. يقول: «أنا عملت بالفن واشتهرت وحققت مكاسب مالية والحمد لله لكن بداخلي البساطة والتواضع.. أعيش بشخصية واحدة.. أكره التعالي والمبالغة والافتعال».. ربما طيبته هذه استغلها البعض بشكل خاطئ.. مرة حكي لي عن أحد المنتجين الذين عرضوا عليه أحد النصوص المسرحية واتفقا علي بدء البروفات ـ قراءة وحركة ـ في مكتبه الملحق ببيته وقام بإخلاء الصالة وعلي ذلك شهور بعدها هرب المنتج ولم يدفع مليما واحدا.الفنانولد يونس علي يوسف شلبي بشارع البحر في المنصورة بمحافظة الدقهلية وذلك في 30 مايو 1946.. بدأ عشقه للفن منذ نعومة أظافره.. منذ كان طالبا في المنصورة الابتدائية ثم المنصورة الإعدادية وكان يشارك في حفلات السمر التي تقيمها المعسكرات الصيفية وكان يهوي التقليد وذات مرة كان يقدم دور «هاملت» لشكسبير.. وكان من بين الحاضرين لمشاهدته مدرس اللغة العربية الذي كان يدرس له وبعد انتهاء العرض سخر منه بقوله: مشخصاتي عليل.. بعدها وأثناء فترة تعليمه الثانوي في المنصورة أيضا أنشأ ومجموعة من زملائه فرقة هواة التمثيل وكانوا يجوبون كثيرا من الأماكن لكي يشاهدهم الناس.. وبعد حصوله علي الثانوية العامة قرر أن يحول حلمه من الهواية إلي الاحتراف.. وبالفعل جاء للقاهرة في منتصف الستينيات لتقديم أوراق التحاقه بمعهد الفنون المسرحية وبدأ أول مراحل الاحتراف في سنة أولي علي يد أساتذة الإخراج المسرحي سعد أردش وكرم مطاوع وأحمد زكي.. وفي تلك الأثناء قرأ إعلانا منشورا في الصحف يطلب ممثلين لفرقة تحية كاريوكا.. قرأ يونس الإعلان وأخذ بعضه علي العنوان المذكور وهناك كانت لجنة لاختبار المتقدمين وكانت مكونة من فايز حلاوة والخواجة بيجو وقدم المشهد المطلوب منه ونجح في الاختبار ومع ذلك هرب ولم يدخل الفرقة بعد أن علم أن هناك مشاكل.. وعلي هذا ظل يونس إلي أن جاءت السنة الثالثة من دراسته بالمعهد وبالصدفة التقي بصلاح السعدني الذي شاهده في مسرحية «الغول» للمخرج أحمد زكي.. وقتها ذهب السعدني إلي سمير خفاجي المنتج المسرحي ومدير فرقة الفنانين المتحدين وقال له: إن هناك ممثلا كوميديا جيدا.. وجاء إليه برفقة جلال الشرقاوي.. وعرضا عليه دورا في مسرحية «مدرسة المشاغبين» وكانت شخصية ابن الناظر تلك الشخصية التي علقت مع الناس وفتحت باب النجومية أمام يونس فبدأ أول أفلامه السينمائية مع «ظلال في الجانب الآخر» سنة 75 ولفت إليه الانظار أكثر في مسرحية «العيال كبرت» وبجانب عرض المسرحية قدم خلال فترة السبعينيات 1 فيلما كان أشهرها: «الكرنك» 75 و«سقطت في بحر العسل» 77 و«شفيقة ومتولي» 78 و«احنا بتوع الأتوبيس» 79.. وفي بداية الثمانينيات قدم فيلم «عشاق تحت العشرين» وحصل علي جائزة شرف عن دوره في الفيلم من قبل المركز الكاثوليكي.النجوميةجاءته البطولة المطقة من خلال فيلم «4ــ4» أو اخر سنة 81 وحقق الفيلم إيرادات عالية لدرجة أن بعض المنتجين وقتها كانوا يخشون من عرض أفلامهم.. وهو ما جعل يونس في العام التالي 8 يرفع أجره إلي عشرة آلاف جنيه للفيلم الواحد ولم يمانع المنتجون وقدم في هذه السنة خمسة أفلام دفعة واحدة بعدها عرفت السينمابما يسمي بأفلام المقاولات وهي قليلة التكلفة وتحتاج إلي كوميديانات قادرين علي صناعة الضحكات من أجل تعبئة شرائط فيديو يتم بيعها وتصديرها للسعودية بعد عرضها لأيام في دور العرض السينمائي بمصر تنفيذا لقانون الرقابة ولائحة غرفة صناعة السينما.. لدرجة أن يونس كان يوقع في بعض الأحيان عقود تسعة أفلام دفعة واحدة في السنة.. يقول: «مش معقول أن كل أفلامي سقطت فهناك ما نجح منها وهناك ما تعثر وأفلامي مع سعيد صالح تقريبا كلها نجحت لأننا كنا عاملين ثنائي ناجح».. وفي موقع آخر يقول: «كنت أعمل في أفلام تجارية وهي ما تسمي بالمقاولات.. وأعترف أنها تحد من اظهار موهبتي الحقيقية حيث لا اتعامل مع مخرج يحاول أن يخرج طاقتي».. وحاول يونس اقتحام مجال الإنتاج الفني وذلك من خلال فيلم «سفاح كرموز» الذي كتبه بهجت قمر وأخرجه حسين عمارة وذلك عام 87 لكن التجربة فشلت ولم يحقق الفيلم أي نجاح يذكر.. في أغلب أفلام يونس الـ70 كانت بطولته جماعية مع سمير غانم أو سعيد صالح يقول: «أفضل البطولة الجماعية عن الفردية».. ومع بداية التسعينيات بدأ تواجد يونس السينمائي يقل شيئا فشيئا وتوقف عند فيلمي: «مستر دولار» و«الرجالة في خطر» سنة 93 ومن وقتها لم يقدم أي عمل سينمائي.. إلي أن جاء عادل إمام واقترح عليه هو وسعيد صالح ليكونا ضيفي شرف في فيلم «أمير الظلام» سنة 00 وقدم خلاله مشهدا واحدا لأحد الحكام المكفوفين وحصل مقابل هذا المشهد علي أجر دور بطولة.. في نفس الوقت يكاد يختفي من التليفزيون الذي قدم فيه 5 مسلسلا كان أشهرها دور حيرم في «عيون» واكتفي بالتواجد في بعض السهرات التليفزيونية.. نفس الحال مع المسرح الذي قدم فيه «حاول تفهم يا زكي» و«الدبابير» و«الاخوة الأندال» و«الواد الجن».. حتي «بوجي وطمطم» لم يستكمله.. لسر أفرج لي عنه ذات مرة أنه ورحمي كانوا يجهزون لحلقات جديدة وفجأة جاءهم قرار من رئيسة التليفزيون وقتها سهير الأتربي لصالح عمل آخر فكانوا بيطعنوا في رحمي ـ حسب رأيه ـ أضف إلي ذلك ابتعاد الإذاعة عنه وهي التي قدم فيها مسلسلات مثل «عصفور في الشتاء».اغترابولم يجد يونس حلا لعدم عمله سوي بالسفر إلي الخارج لتقديم مسرحيات هناك وهو الطريق الذي سلكه أخرون مثل سعيد صالح وأحمد بدير وصبري عبدالمنعم وسيد زيان ومحمد نجم ومظهر أبوالنجا.. سافر يونس إلي ليبيا ثم العراق والسعودية وذلك من أجل أن يؤمن مستقبله ومستقبل زوجته وأولاده.. يقول: «لم أقدم أعمالا كثيرة ولم أحقق ثروة من الفن.. والحمد لله أعيش علي ستر ربنا».. فالرجل فكر صح وجد نفسه في بلده لم يقدر، مذهب لبلدان أخري يقدر فيها.. ولكن جاءت مأساته مع المرض وأخذت كل عمره بالكامل حتي بيته في المنصورة باعه من أجل الصرف علي علاجه حيث كان يتناول أكثر من دواء خاص بالمخ والأعصاب والكلي والكبد إلي جانب السكر وجلطات القلب.. ولولا إصدار الرئيس مبارك قرارا لعلاجه علي نفقة الدولة لكان الراحل في مأزق كبير مع مطالبة مستشفي المقاولون العرب له بسداد مبلغ 44 ألف جنيه.. ووقتها التقيته فقال لي: «لقد سعدت جدا لاهتمام الرئيس مبارك بي فاتصالة الهاتفي للاطمئنان علي صحتي رفع من روحي المعنوية وقرر توفير كل الرعاية اللازمة لي فأصدر تعليماته بعلاجي علي نفقة الدولة فهو أب لنا جميعا».ليونس مع المرض قصة.. انقلكها لكم بالحرف كما حكاها لي.. يقول: «كنت أقوم بعرض إحدي مسرحياتي في السعودية وهناك أصبت بجلطة في قدمي نقلت علي أثرها إلي العناية المركزة بمستشفي سلمان وتم عمل عملية قلب مفتوح ومع ذلك نتج عن الجلطة شلل في يدي وقدمي اليسري وكل ذلك ـ خد بالك من الكلمتين التاليتين ـ علي نفقة المستشفي هناك وجاءت لي زوجتي بمفردها وأخذتني وعدنا إلي مصر وأنا جالس في البيت شعرت بتعب فقام أشقائي هادي الجيار وأحمد بدير اللذان حضرا ونقلوني إلي مستشفي المقاولون العرب لأن بعد العملية تركوا عضمة «ملحمتش» وهذا نظام العملية تلحم من نفسها لكنها لم تلحم علشان عندي السكر.. بعدين عملت عملية في القفص الصدري وأيضا لم تلحم فيأتي لي كرشة نفس عندما آكل يصعد الحجاب الحاجز لأعلي فيكتم علي نفسي».وانتهت الأزمة.. وبدأ في عمل جلسات علاج طبيعي في منزله علي يد دكتور متخصص تدليك بنادي الشمس علي حسابه الخاص غير العلاج الشهري الذي يتكلف ألفي جنيه.. ورغم ذلك فكان مؤمنا بنصيبه ودائما ما كان يردد «كل اللي يجيبوا ربنا كويس».. و«لا أشكو ما بي إلا لله».. وإذا سألته عن مم يسألون عنه.. يجيب «كل إنسان لديه مشاغله وأعماله والأيام تأخذ الإنسان من نفسه».طاهر شلبي جريدةالقاهرة 20-11-2007
مطر قادم
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست