|
(حسين الطباخ)..قصة قصيرة
|
(حسين الطباخ)..قصة قصيرة
يجمع كل سكان مدينتنا الصغيرة أن أي دعوة لوليمة فرح , إن لم يكن طباخها ومعد ما لذ وطاب من طعامها (حسين), فهي بالتأكيد دعوة فاشلة وعزومة (نية)!. هو شخص تظن لأول وهلة أنه علي أعتاب الأربعينات من عمره,إلا أنني علمت فيما بعد منه شخصيا أنه قد تجاوزها بكثير! أسمر اللون,معتدل البنية,حليق الشارب واللحية, ذو عينين واسعتين ,وكحيلتين علي الدوام. عرفته بجلبابه الأبيض, بخطوطه الزرقاء الطولية. كما كنت أراه يسير في الشارع دائما علي مهله, وكنت أظن أن إعياءا يعتريه, لكن , وبتكرار المشهد يوميا, تأكدت أنها سجيته. وأذكر أنني سألت منه صديقي قبل أكثر من عامين لأول مرة,كان ذلك قبل ايام من زواج أخت صديقي الوحيدة ,حينماأصرت والدته وبعض الجارات بالحي علي إعداد الطعام لوحدهن, فقوبلت رغبتهن بالرفض الحاد, والثورة من عم صديقي , وكانت حجته أن الناس قد تعودت علي (حسين) في المناسبات الكبيرة , ذلك لسرعته ونشاطه في إنجاز العمل الضخم , حتي أنك تكاد تجزم أن من قام بهذا العمل المتقن الكبير ليس فردا واحدا ,بل عشرات النسوة أو أكثر ..! لكن الحقيقة هي أنه (حسين).. ولوحده !.. أحيانا يعاونه شاب أو إثنين من ابناء الحي . وأيضا سبب آخر عرفته فيما بعد وهو نكهة ومذاق طعام (حسين) المختلفتين , والذي يجزم الكل بأنه أفضل وألذ طعام من يد اي إمرأة بالحي مهما كانت مهارتها, دلالة علي خبرة ومهارة حسين الفائقتين! وأذكر أنه قد حدثت مشكلة بسبب (حسين) , كادت تتحول لمعركة بالأيدي بين العم ( صالح) و(النور) وهما اصدقاء , حينما تساءل (النور) يومها بخبث وهو يلتهم قطعة كبيرة من اللحم في إحدي الولائم : هسه يا(صالح)أمونة مرتك.. أكل طاعم زي ده.. دحين بتعرف تسويهو؟ ونهض صالح يومها من الكرسي وهو يردد بأعلي صوته: قصدك شنو يالنور بكلام ده ؟؟! ..قصدك يعني أمونةمرتي ما بتعرف تسوي الأكل!! ... ... ... ولولا التدخل السريع من الجميع يومها, ولم الموضوع بسرعة لحدث ما لا يحمد عقباه . المهم سألت صديقي عنه , وكان ذلك قبل الدعوة , فأجاب وهو يضحك : حسين ده نصو راجل..ونصو التاني مرة! لكن زول (طباخ)..وكمان (وناس) شديد, ونشيط في شغلو. كنت أصادف (حسين) في الشارع, لكنني لم أجلس أو استمع له إطلاقا, إلا في يوم زواج أخت صديقي , والحق يقال , لم أكن مؤمنا بمقولة أن (حسين) أمهر من اي إمرأة في الطبخ , حيث أنني كنت أعتقد أن أمي هي أفضل من تجيد الطهي بالعالم كله.. لكن يومها تأكدت من أنني كنت مخطئا , وأنا أري حسين يتنقل كفراشة في حيقة أزهار بين قدور الطعام والأطباق وبخفة يحسد عليها! حتي أنني تساءلت في قرارة نفسي: هل هذا الشخص الذي أمامي الآن هو نفس ذلك الذي اره يسير الهوين في الشارع!! فمن اين إذن له بكل هذا النشاط ..! ثم بعدها سمعت صوته -لأول مرة- حينما طلب مني أن أحضر له (مغرفا) عميقا,معبرا عن ذلك بيده اليسري, و بطريقة أقرب للنساء وبعيدة كل البعد عن الرجال ,نهضت مسرعا من مجلسي ملبيا لطلبه. ثم مرت ساعات طوال قبل أن أحس بعدها أنه يريد الراحة قليلا , ذلك حينما أخرج منديلا أحمر من جلبابه بنفس الطريقة السابقة, مجففا عرق جبينه , فبادرت لحظتهابسؤاله قائلا: يا حسين رايك شنو في (التور)؟ أجابني بسؤال , واضعا يده اليسري علي خده: معازيمكم كتار؟ أجبته : والله ماعارف, لكن ما أقل من 900 . رد متعجبا بسرعة : لييه ! .. أنا يا (ود أمي) ما بقدر أطلع ليكم اكتر من 800 طبق, ثم أردف : دي قدرتي ! وافقت , لأني كنت حقيقة لا اعلم الرقم المتوقع للضيوف. وكان (حسين) أيضا حاضرا حينما جاءت (العروس) ورفضت النزول من السيارة إلي (كوشة الزفاف), وحاول الجميع معها , لكنها رفضت تماما, وأظن أنها كانت خائفة ومرتبكة جدا, فما كان من (حسين) إلا أن تدخل و طلب من الجميع أن يسمحوا له بالحديث معها, فوافقوا لدقة الموقف, ثم ما هي إلا لحظات حتي وخرجت بعدها (العروس) متجهة نحو (كوشتها) , بينما أطلق (حسين) زغرودة عالية في نفس اللحظة و إنطلقت علي إثر زغرودته عشرات الزغاريد من نساء الحي, وعشرات الأعيرة النارية من أهل العروسين .!
تمت
|
|
|
|
|
|