قبل عدة سنوات سألت واحداً من أبناء الشيخ الجليل محمد هاشم الهدية عن (كم عمر الشيخ الوالد)؟ أذكر انه ذكر لي الرقم (تسعين)، إما قال انه قد قارب التسعين، أو لعله قال انه قد تجاوزها. المهم ان الشيخ كان في ذلك الوقت بلغ عمراً مديداً، ولو صح ذلك فإنه يمكن القول إن الشيخ الذي ودعته البلاد بالأمس قد نال عمراً من الزمان يمكن أن ينسب الى المائة عام وهو (القرن). وإذا سلمنا، نحن الذين عرفنا هذا الشيخ الراحل عن كثب وخبرنا اخلاقه وزهده وتعاملنا مع شخصه والتصقنا بسماحته وشهدنا زهده وطهر حديثه وعفة لسانه، فإنه يمكننا أن نقول و(باطمئنان) وثقة إن الشيخ الهدية كان كذلك منذ مولده، أي أنه كان طاهراً عفيفاً وصادقاً وعابداً وداعية منذ خلقه الله صبياً وشاباً وشيخاً ثم راحلاً ليلقى ربه في ذلك النهار الرمضاني المبارك. ان موت رجل في مقام هذا الشيخ الجليل هو لعمري نفس (الابتلاء) الذي عناه الله في الآية الكريمة (ولنبلونكم بشئ من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات) فأي بلوى أكثر من فقد رجل في تلك القامة الباسقة: قامة الشيخ الهدية؟. ان المصيبة في فقد الرجل لا تقع على أهل السودان، فالرجل كما قلت في مقال لي عنه قبل عدة أسابيع (نظلمه) اذا ربطناه بالجماعة التي أنشاها أو حتى بالوطن الذي ولد على أديمه ومات ودفن في ثراه. ان المصيبة اليوم تظلل العالم العربي من خليجه الى محيطه شرقاً وغرباً، ومن بابل وجبل (قاسيون) في شماله حتى ساحل حضرموت في الجنوب.. والكارثة يتردد صداها في كل العالم الإسلامي من سومطرة في الشرق حتى خليج (الدردنيل) في الغرب، بل ان صوت المأساة (يلسع) بلهيبه كل الناس والأشياء في كل بقاع المعمورة من مشرق الشمس حتى مغربها، وما بين القطبين، ذلك لأن الراحل العزيز قد جعل همه ايصال دعوة الله الى كل الدنيا، اذ كان يؤمن ان محمداً (صلى الله عليه وسلم) انما بعث للناس كافة بشيراً ونذيراً. لقد كانت حياة هذا الشيخ (أريجاً) طيباً وبلسماً شافياً للقلوب وانقطع الآن كل ذلك. كنت اعرفه من بعيد كداعية وكزعيم اسلامي بارز، والتقيته في سجن كوبر عندما تم ادخال (شيوخ وشباب الإسلام) الى السجن مع بدايات العهد المايوي، فعشت قريباً منه وعلمت كم هو عظيم ذلك الرجل... كان يقيم درساً في الفقه تعلمنا منه الكثير ولا يزال (محياه) الحبيب يلوح لي، ولا تزال كلماته الطيبة ترن في أذني، ولا أزال وكأنني أراه جالساً عند صدر مجلس الدرس في (ظل العصر) في السراية ذلك المبنى الكئيب في قلب السجن وهو يبدد وحشة السجن بحديثه الشيق. فإذا انتهى وقت الدرس كان ذلك المحدث اللبق حلو الحديث، وكانت له نكات عن (الشايقية) كنا نطرب لها. سيقال في الأيام القادمات وابتداء من اليوم حديث كثير عن هذا الرجل وسيسال حبر غزير في نشر فضائله ومناقبه أشهد منذ الآن وأنا الذي لم أر حرفاً مما سيكتب أن كل ما قيل ويقال عن الشيخ أنه حق، بل انهم مهما كتبوا فلن يوفوه حقه. لقد ترك هذا الشيخ الجليل (ارثاً) زاخراً في الدعوة الى الله وكرس حياته في نشر الإسلام المبرأ من الشوائب والبدع وعلى أبنائه وتلاميذه، وكلنا (أبناؤه وتلاميذه)، الحفاظ على ذلك التراث، وعلى الدولة واجب خاص تجاه الرجل وهو أن تخلد ذكراه بطريقة تنسجم مع مسار حياته وهو الحفاظ عن السنة النبوية المطهرة وذلك بإنشاء (كلية الهدية لدراسات السنة النبوية المطهرة).. فمثلما كان لهذه البلاد شرف انشاء (جامعة القرآن الكريم والعلوم الإسلامية) فلن يفوتها شرف انشاء أول كلية للسنة النبوية الشريفة، ولقد جاء وقت انشاء تلك الكلية لتحمل اسم هذا الداعية العظيم ويمكن أن يتم انشاء هذه الكلية بشكل مستقل الآن على ان تتحول في المستقبل القريب، بإذن الله، الى (جامعة الهدية لدراسات السنة النبوية المطهرة). ألا رحم الله الشيخ الهدية وعوض أمة الإسلام خيراً فيه وجعل البركة في عقبه وأبنائه وأحفاده وأهل بيته.
ان المصيبة اليوم تظلل العالم العربي من خليجه الى محيطه شرقاً وغرباً، ومن بابل وجبل (قاسيون) في شماله حتى ساحل حضرموت في الجنوب.. والكارثة يتردد صداها في كل العالم الإسلامي من سومطرة في الشرق حتى خليج (الدردنيل) في الغرب، بل ان صوت المأساة (يلسع) بلهيبه كل الناس والأشياء في كل بقاع المعمورة من مشرق الشمس حتى مغربها، وما بين القطبين، ذلك لأن الراحل العزيز قد جعل همه ايصال دعوة الله الى كل الدنيا قادر الله! ماحى فى كل حاجة! رحم الله الهدية جنى
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة