انهاء عقود سودانيين بالخليج لأسباب دخيلة علينا

الأخ أبو حراز (الرفع للحكاية) ، هذا الكلام يذكرني بكرة القدم في السودان ، فحينما كان المعول الأساسي في اللعبة هو المهارة الفردية كانت الكرة السودانية متفوقة . ثم تدحرجت حينما صار لها مدارسها وأسسها ونظمها وتطبيقاتها ، التي لا نحفل لها نحن كثيراً .

التأهيل العملي في الوقت الحاضر يبنى على التأهيل الأكاديمي الصحيح المرتكز على العلم المسنود بكل مقومات النجاح ، ذلك التأهيل الذي يعد الطالب إعداداً جيداً ليصبح مفيداً في مجال العمل ، وهو الشيء الذي تفتقده العملية التعليمية الآن .. نعم نحن نتميز بأن العلاقة بين المعلم والطالب والبيت ، وطريقة التقييم والاختبار خير من مثيلاتها في بعض الدول ، إلا أننا نأتي في ذيل القائمة حينما يتعلق الأمر بالبنية الأساسية لمكان التعليم .

في برنامج غنائي في التلفزيون السوداني كانوا يتحدثون عن الحلقة المفقودة بين الاجيال ، ولماذا فقدت . وتطرقوا إلى عوامل تفوق الاجيال السابقة وتحديدا الجيل الذي دخل المدارس بعد الاستقلال مباشرة .. فوجدوا أن ذلك الجيل تحديدا كان محمولا على أكف الراحة من حيث عدد الطلاب ونوعيتهم وتوفير كل أدوات النجاح ، ثم أن الحياة كلها كانت في فورة شبابها الأولى ، الأحزاب شابة وقياداتها شابة والفنانون والمسرحيون شباب ، كل جهة مهما كان توجهها ورسالتها كانت تعرض بضاعتها بأحسن الأدوات وتستقطب لها الرواد بما لذ وطاب .

هذه المعينات الآن مفقودة تماما ونحن توقفنا بل تراجعنا في حين ركض من كانوا خلفنا بكل قوتهم إلى الأمام .. لا أعجب أبداً في هذا التصنيف .. دخلت في حوار مشابه مع صديق وزميل دراسة يعمل مديرا لشؤون الموظفين ، قال لي نفس النتيجة التي توصلت إليها ، هي الحقيقة بكل أسف .

قديما كنا نقول لو علم الباكستانيون العربية والمصريون الانجليزية فلا مكان للسودانيين . الآن كل الناس عرفوا وحذقوا كل اللغات ، بل كل أدوات الابداع والانتاج .

الاخوة الاعزاء
لن يفيدنا دس الرؤوس في الرمال، ولا الانكار والبحث عن الشماعات
اكيد هناك حالات فصل كيدي وهناك مبالغة في التعميم
ولكن كمان لا توجد نار بلا دخان
ونقص الكفاءة نشاهده داخل السودان، وليس في الخليج او غيره، فقط
بالعكس اغلب الكفاءات هاجرت للخارج وبالتالي فالذين في الخليج هم من الصفوة الافضل

الاخوة مهيرة واهل العوض اوضحوا جوانب حقيقية وواضحة للمسالة

وقد لاحظت كثيرا حتى في هذا البورد امثلة لما نتحدث عنه، وكلكم ستلاحظون اذا شئتم، بعضا من حملة الشهادات العليا الذين يكتبون حتى اللغة العربية خطا، ودعك عن اللغات الاخرى، ولا اقصد بالطبع الغلطات المطبعية ولا حتى النحوية، ومن هنا يمكن استنتاج كفاءة شخص، مفروض انه كتب بحوث التخرج بتاعته بهذه اللغة ودرسها بعمق في جميع المراحل، وهي على كل حال اداة التواصل العلمي والاجتماعي والفكري وكل شئ، وبالتالي تخيلوا مدى اجتهاد هذا الشخص في تطوير معارفه او تدقيق المعلومات التي يستعملها او ينشرها، اذا كان لا يدقق حتى في القاموس

وقد اثير هذا الامر كثيرا من قبل، فالاجيال الاولي من المتعلمين كانت على درجة عالية من الكفاءة والمسئولية والدقة رغم محدودية التعليم الذي نالوه، والآن الآلاف يحملون الشهادات الجامعية وفوق الجامعية ولكن النتيجة لا نراها في حياتنا اليومية بل نرى تدهورا في كل شئ، لقد كان الجيل السابق يتخرج من الوسطى متقنا للانقليزية مثلا بينما الاجيال الحالية تتخرج من الجامعة او ما فوقها دون اتقان حتى العربية، وهذا مجرد مثال لانه واضح لنا جميعا، فما بالك بالمستوي في العلوم والمهن الاخرى

وهناك الآن التزوير الواضح، والجامعات الوهمية وتذكرون جميعا قصة آلاف الاردنيين الذين اتضح انهم يدرسون بالانتساب في جامعات لا وجود للتخصص المذكور فيها، كأن يدرس الواحد الهندسة النووية في جامعة الدويم مثلا، وهذا مثال خيالي فقط لاني لا اعرف ان كانت هناك جامعة في الدويم فتظن انني قصدت الاساءة لها !ا وهناك المحسوبية والمجاملات السياسية كأن يعين الشخص في التلفزيون كما ذكر اعلاه دون كفاءة ثم يتم التعاقد معه للخارج بحكم سنوات الخبرة وبناء على الثقة في ان المؤسسة التي عينته اولا تاكدت من مؤهلاته، ثم يتضح ضعفه فيما بعد

وللاخوة المعترضين على هذه الحقيقة اقول لهم ان اقسام الموارد البشرية في المؤسسات والشركات تقوم بتقييم العاملين دوريا وحتى في السودان عندنا نظام التقارير الدورية ويتم وفقا لها الترقي او عدمه او الاحالة الى عمل آخر او الفصل، وهذا ليس غريبا اذ ان الكفاءة لا تثبت بالشهادات وحدها ولا سنوات الخبرة وانما بالممارسة العملية للنوعية المحددة من العمل في البيئة المحددة، لذلك لا غرابة ابدا في تعيين عدد من الناس وفق المعايير الاولية ثم اعادة التقييم من حين لآخر لمعرفة المستويات، فهناك من يتطور وتبرز مواهبه وقدراته وهناك من يتجمد في نفس المستوى، وهناك من يقبع خلف التطورات فيتم تجاوزه بالفصل او غيره

الازمة في السودان عميقة، وهي متصلة بازمة التعليم والتدريب و ازمة المجتمع ككل، والاقرار بهذا هو الخطوة الاولي نحو العلاج، وليس عيبا ان نواجه الحقائق، ذلك ان هذا الاعتراف نفسه دليل ثقة بالنفس ورغبة في التطور والاصلاح ودليل على اننا نعرف الخطا ونعرف مكمنه ونملك القدرة على اصلاحه. والتدهور هنا نسبي، فحتى اليابان واميركا مشغولتان جدا بمسالة تدهور المستويات، وحكومة السودان وحدها هي التي تخدع نفسها بتحسن مستوى التعليم لدرجة ان طلاب الشهادة الآن يحرزون الدرجات الكاملة او قريبا منها وليس مثل جيلنا البليدين الذين كان اولهم يحرز 80 في المائة بصعوبة!! هذا خداع للذات قبل خداع الآخرين. واول دليل على كفاءتنا هو اننا نلاحظ تدهور المستوي، ولا نرضى به ، ونسعى لاصلاحه وربنا يوفق

والشكر لابي حراز الذي اثار هذا الامر الحيوي

الدكتور الكبير جمع الأطباء العاملين معه في القسم للتفاكر حول أسباب وفاة مريض معين، وهو تقليد معروف في المستشفيات، اغلب الحالات المرضية المهمة، وجميع حالات الوفيات يجب مناقشتها لمعرفة سبب وظروف الوفاة وما يمكن تعلمه منها لصالح المرضى عموما في المستقبل وفي كل مكان

المشكلة ان د. اب حراز طرح السؤال، لماذا مات المريض، وأغلب الاطباء يجيبون على السؤال بالاصرار ان المريض حي يرزق، بدليل ان الممرضين حاقدين ودائما ما يزعموا ان المريض مات بينما هو ما زال حيا !ا

يا خوانا نحن قلنا جعفر زول ما كفؤ، فلا داعي لاقناعنا ان احمد كفاءته شهدت بها الاعداء وان عبد العظيم هو امهر من انجبته الخدمة المدنية في الخليج والهند والسند والملايو. الخلاف ليس على كفاءة السودانيين ذوي الكفاءة، فلا تحدثونا عنهم، اللهم الا من باب اثبات ان المرض لم يصب، بعد، 100 في المائة من اهل السودان، وهذا معلوم ولا يحتاج لكلام، ما نحتاج مناقشته هو لماذا تدنت الكفاءة من مائة الى تسعة وتسعين؟؟ وكيف نتدارك هذا الامر قبل ان يستفحل ويصبح تمانين ثم خمسين ثم تلاتين، هذا اذا لم يكن قد بلغها بالفعل. ليس لدينا احصائيات دقيقة، ولكننا جميعا نلاحظ التدني. ولان حكاية الخليج دي حساسة وبعض الناس من المقيمين في الخليج قد يعتبروها اساءة شخصية لهم، خلونا اذن نتكلم عن كفاءة السوداني الموجود داخل السودان، وهذه تدنيها نلاحظه في حياتنا اليومية، في الخدمات، في الكهرباء، في المياه، في المستشفيات، في البنوك وفي كل شئ
ولولا الخوف ن ان يساء فهم الامر، لاستدللت على تدني الكفاءة ببعض الاشياء في هذا البورد، مقارنا باي صحيفة حائطية في مدارسنا زمان، علما بان كتاب البورد من حملة الشهادات العليا، بينما جرايدنا الحائطية كنا نكتبها في اولى وتانية ثانوي، وفي تالتة كنا مشغولين بالاكاديميات اكثر

خلونا نناقش اسباب المرض وعلاجه، ولا نركز على القول ان السودانيين بخير وهاهم ماشين في الشارع بصحة تامة. نحن لا نتحدث عن الناس العاديين في الشارع، بل عن المرضى في المستشفى. المرض ثابت، فكروا معنا في السبب، لنتفاداه، وفي العلاج

ولكم التحية