" دروب العيش" فصل من رواية كتبتها..!

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 04-25-2024, 05:03 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مكتبة محمد النور كبر(Kabar)
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
05-30-2012, 07:17 AM

Kabar
<aKabar
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 18537

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
" دروب العيش" فصل من رواية كتبتها..!

    حبابكم جميعا..
    اهديكم فصل "دروب العيش " و هو جزء من رواية " التعــاريج: واحمل اقدارهن على ظهري ولا ابالي:حكــاوي اٍنعطأفة سؤال الهوية الثالثة "..
    افكر في نشر هذه الرواية و معها خمس روايات اخرى..

    اتمنى ان تعجبكم..و لو بقت معقولة ممكن نفكر في النشر (نظام كتاب و كده)..و لو بقت مثلها مثل بقية الروايات..فمكن نحتفظ بيها لروحنا..

    كبر
                  

05-30-2012, 07:22 AM

Kabar
<aKabar
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 18537

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: " دروب العيش" فصل من رواية كتبتها..! (Re: Kabar)

    دروب العيــش

    (1)

    مسار عبد الغني..
    وجهها دقيق ، نحيل ، يملؤه الفرح الطفولي المشاغب . اٍبتسامتها تملأ الذات امانا و نقاءا . خصرها دقيق ، و ساقيها تمتلئ وجدا خرافيا ، كثيرا ما يغري الشعراء بالتسكع فيه..!
    صدرها ، يحمل جـُبيلين يتكوران بصورة تلهب أوار الداخل ..
    كان محجوب يسميها ذات الوجد الدافر ، بعد أن يتصرف بأغنية الحقيبة الشهيرة و يحورها و يترنم ..
    هجد الأنام ..و أنا وحدي مساهر
    النحول على جسمي .. يا حبايب ظاهر..
    أسبابي ( الوجد الدافر)..!

    و كثيرا ما يتوقف عند ذاك الصدر ، و كثيرا ما يشتكي من زيارات طيفه المتوارب . طبعا يغضبني ذلك و يغيظني كثيرا ، و حينما اقول له : كف يا هذا..!
    يضحك محجوب ، ضحكته الماكنة العريضة الصافية ، و يقول لي: اصلو البلد دي الواحد ما يهظر فيها ولا شنو؟.. ياخي انت مالك احمق كده؟.. انت ما بتعرف الهظار أصلا؟..
    و محجوب لا يقول الأشياء لله ، دوما ما تحمل عبارته دلالات قوية..!

    مرة قلت له : ما عارف الحاصل شنو ، لكن اليومين ديل شايف انتشار واسع لبعض العبارات الغريبة والغامضة..!
    قال ، ساهما : زي شنو يعني؟
    قلت: يا فردة ، يا نحل ، الجاز طلع ، النحل نزل ، ابو خديجة كبس ، مجازفات ، الدقس اتلحس ، و أصلو البلد دي الواحد ما يهظر فيها .. !!

    للمرة الألف ضحك محجوب ضحكته الماكنة تلك ، و نفخ أوداجه مقلدا أهل الخطب القيافة ، و ترزية الكلام ، الذين يجيدون تقعيد الجمل و تفصيل النبرات و النفخ على الفاضي ، و قال: نبدأ من اخرتها ، يقال و هذا القول لا يجد مركز يستند عليه ، أن احد مدبري الإنقلابات الفاشلة ، و انت تعلم جيدا ادبياتنا و ثقافتنا الجوانية ، يبدأ الأمر دسيسة صغيرة ، فيصير تآمرا في جنح الظلام ، أناء الليل و اطراف النهار الغضة ، فان نجح تصبح ثورة ظافرة وجب على الكافة الإمتثال لها و تأييدها تأييدا منقطع النظير ، و يصير البيان رقم واحد هو دستورها و مرجعيتها .
    و اٍن فشلتْ ، تصير مؤامرة انقلابية فاشلة ، هذه حاشية و هاك المتن..!
    في احد هذه الظواهر العجيبة ، المسماة ثورة حين نجاحها و انقلابا حين فشلها ، يحكي أن احد الأصحاب كان يمني نفسه بأن يكون عضوا فيها ، و كان يجهز نفسه و يعد العدة لذلك الأمر الجلل ، و كان يصف نفسه أمام خاصته بعضو المجلس الثوري المرتقب . و لكن شاءت الظروف أن تفشل تلك المحاولة ، و قبض على افرادها فجرا ، مثل ما يقبض على دجاج المسار في بوادي أهلك في دار صعيد ، و عند الإستجواب ، زأر فيهم ذلك الصاحب الهمام قائلا: اصلو البلد دي الواحد ما يهظر فيها !!
    فصارت مقولة شائعة تمتطيها ألسنة العامة و الخاصة .. بمن فيهم شخصك الكريم..!
    قلت ، و انا ادعي الجدية : لن أتفوه بها بعد اليوم.ز!
    قال هو ، ضاحكا : ليه؟ اصلك مطلوب وفاء لأحد..؟!!
    قلت : انها ندتْ عن شخص في لحظة ذلة و اٍنكسار ، فصارت أشبه بالعورة الواجب علينا غض الطرف عنها ، ان لم نتمكن من سترها..!
    حدّق فيّ محجوب بدهشة عظيمة..
    ثم ، قال : انت ليه ماخد الحكاية على الأخر كده ، و جادي في الموضوع ده ؟..يا اخي اٍمكن القصة كلها تلفيق في تلفيق ، و ما ليها اساس اصلا..!!
    قلت : و حتى و لو ، انك لن تستطيع أن تقنعني بأن البلد دي ما فيها مثل هذه الظواهر على حسب قولك ، و لن تقنعني بأنها حينما تفشل تصبح محاولة انقلابية فاشلة عديمة الوجود ، و لن تقنعني بأن اصحابها ، و هي فاشلة ، يتعرضون للمحو من الوجود رميا بالرصاص الحي أو اٍغراقا في النيل العظيم ، و لن تقنعني بأن لحظات الإستجواب ، و بكل ما تحتويه من عنف و اٍذلال و مهانة ،يمكن أن يصمد أمامها الرجال . فاٍن صمد التسعة لابد أن ينكسر العاشر ، و اٍن صمدوا العشرة ، لابد أن نوجد خيال خصب يؤلف لنا قصة اٍنكسار أحدهم ، اٍ ن لم يكونوا كلهم ، و كل ذلك حتى نقنع الجماهير بضلالتهم و انحرافهم عن جادة الطريق.. !!

    ران الصمت بيننا لحظة ، تشكلت بصورة عصيبة و مأزومة ..
    و زام محجوب باٍستياء ما بعده استياء ، ثم أخذ يكور سفة التمباك ، وكلما كبرتْ السفة كلما كانت تحمل دلالة أوسع للإستياء و القرف . ثم وقف ينفض الغبار عن بنطاله الجينز الأزرق الباهت ، و حذائه المركوب عنقرة التيس ، و جمع كل ما يعتمل في وجدانه من زفرة وآهة و حرقة ، و قالها في وجهي مالحة ، حارقة : أصلو البلد دي الواحد ما يهظر فيها.. ؟!!
    ثم مضى..

    و اتت مسار عبد الغني مقبلة نحوي ، بكل صدرها العالي ذاك..اٍبتسامتها كسرتْ شوكة الحيرة و الحدة في دواخلي ، ثم قالتها : سلام ،
    و اكملت أنا بقولي : قولا من رب رحيم..
    كانت هي عبارة اقولها كلما أومض البرق اللامع في صدر الأفق ، مصحوبا بدمدمة الرعد الهدار ، أمي تقول لنا : لا تخرجوا رؤوسكم في المطر ، لأن ذلك يساعد في أن تصابوا بالصاعقة..!
    حاشية : لم تدرس أمي الفيزياء ، ولا تعرف شيئا عن الكهربية بكل أنواعها ، سواءا كانت ساكنة أم متحركة ، أم متولدة عن شرارة البرق ، و لكنها كانت تحذرنا بصدق ما بعده صدق . و حينما تشتد دمدمة البرق تتمتم قائلة : سلام ، قولا من رب رحيم..!
    حكيت لمسار عبد الغني تلك القصة ، فقالت لي: أمك جميلة..!
    قلت لها : اعرف ذلك..
    قالت: و حكيمة..!
    قلت : أعرف ذلك..
    قالت : لها فلسفة وجود نحتاج كثيرا أن نعرفها و نكتبها و نوثقها للأجيال..!
    قلت : الإ دي..خليها مستورة يا مسار..!
    و منذ ذلك الحين ، صارت مسار تحييني بتلك التحية الوسيمة..


    مدتْ يدها نحو وجهي ، لكي تقطع سيل تلك الخاطرة ، و قالت : هييييي.. سارح وين ؟.ز أسميك سرحان ولا شنو؟
    اٍبتسمتُ أنا ، و قلت لها : كنت أتحدث مع محجوب قبل قليل ، و لكنه بتر الحوار و استنكر بعض من افكاري ، ثم قاطعني الحديث و مضى..!
    ضحكتْ مسار ، و قالت لي : أتظن أنها مقاطعة سياسية جادة ، أم هي كلامية املاها الزهج المؤقت ، أم هي ذات مصلحة ؟..
    قلت : مصلحة كيف يعني؟
    قالت : مثلا أن يكون محجوب عاوز يلحق الفطور أو احد صويحباته أو حتى محاضرة..!
    خبطتُ على الأرض بقبضة يدي ، قلتها صارخا شاتما..
    s.h.i.t
    دي فاتت عليّ كيف؟.. أنتي عارفة يا مسار محجوب عندو محاضرة بنوك ، يفترض أن تكون قد بدأت قبل ربع ساعة..!
    قالت : ما قلت ليك ، أنا عارفه كويس ، محجوب ده أفضل حاجة عندو في الدنيا دي أنو يفور دمك و يضحك عليك..!
    قلت ، بصورة جادة : أنا لا اسمح بمثل هذا في حق محجوب..!
    قالتها مسار ، ودون أن تدري بأنها زادتْ حدة تأزمي الداخلية : اصلو البلد دي الواحد ما يهظر فيها..!

    ران الصمت ، و كثيرا ما كانت مسار تذكرني بقولها أنها تخاف صمتي الى حد الرعب . حقيقة يزعجها صمتي و يجعلها تبدو قلقة الى حد الذعر . تخاف أن تكسو وجهي معالم بعينها ، تسميها هي ملامح الجحيم ..!
    تقول لي : حينما تلبس ملامح الجحيم قناع على وجهك ، و تعقبه بالصمت الإبر ، ستحل كارثة..!

    تجاهلتُ تلك الخواطر ، و مارستُ الصمتُ بقوة في حضرة مسار عبد الغني..!!

    ظللنا في تلك اللحظة ، لمدة 120 دقيقة ، سحب صمت تتراكم فوق بعضها طباقا . لحظة ، تعلو فيها الأنفاس بصورة خافتة ، و نحن نجلس على نجيلة ميدان المكتبة ، أمام كلية التجارة . الطلاب يعبرون من حولنا ، تبدو أجسادهم اشباحا تتماهى في المخيلة و تختفي..!
    لا أدري بالضبط ، اٍن كنت أحدق في وجهها ، أم أنني كنت متكورا في داخل ذاتي البعيدة ، باحثا عن أبعد ركن في الذات يتسع مخبأ لي..!
    ولا استطيع أن أصف ما كانت عليه مسار عبد الغني في تلك اللحظة..!
    بعدها..
    جاءني صوتها ، كان كأنما قادما من قاع محيط بعيد ملؤه الأسرار و المغامرات و قررت أمواجه الكف عن الهدير صدفة ، و قالت : تحب تشرب شنو؟
    قلت : أريد أن اغادر الجامعة .. الآن..!
    استغربتْ مسار عبد الغني ، و اجتهدتْ أن تخفي مظاهر الإستغراب..!
    ثم قالت لي ، بوضوح : انت زي الدنيا ، اصلا ما ليك أمان ، مزاجك يتقلب في الثانية الواحدة مليون مرة..!
    قلتُ ، مقاطعا : لا داعي لهذا الآن..!
    تجاهلت ْ امر مقاطعتي حديثها ، وواصلت تقول : و بعدين معاك.. انت مش عندك..
    Assignment due to tomorrow?
    شعرتُ أنا بالضيق و التبرم من تلك اللهجة المتآمرة ، و التي تجعلني أحس بالتقصير في واجباتي الدراسية ، و قلت صارخا في وجهها : تفو على هذه الواجبات اللعينة ، التي تجعلنا عرضة للتعريض من قبل...
    و أكملتها مسار بنصف ابتسامة : هب و دب ..و الناس اللميم.ز!
    حقا ، اٍحتجتُ الى لحظة صمت أخرى ..
    و همستُ لها : انت دايما متسرعة ، عاوزة تقوليني الما قلتو..!

    مسار عبد الغني ، لها قدرة عجيبة في ضبط الأمور و ريتم الأشياء في لحظات التعرج الحادة . لملمتْ بعض من بعثرة وجداني و قلقي اللعين ، و اٍبتسمتْ ابتسامتها تلك ، و قالت : كل حاجة ممكنة ، ممكن تغادر الجامعة الآن ، و ممكن تمشي كل مشاويرك ، و في المساء ، في جلسة واحدة ، تكتب واجبك الدراسي . و بعدين معاك ، هي كلها عشرة صفحات لا أكثر ، و أنا واثقة أنك ممكن تنجزها .. بس الأهم من ده كلو ، بس خليك مبسوط و اٍبتسم يا خي . هي الدنيا فيها شنو ، غير لحظة فرح صغيرة حقيقية ، نجتهد العمر كلو لإقتناصها ..!
    ضحكتُ غصبا عني ، و قلتُ لها : خلاص يا سقراطة ، بدينا مشوار الحكم و المواعظ الفلسفية ..!!
    كانت هي تكتم غيظها بدبلوماسية شفافة و تقول : أنا عارفاك كويس ، تلقاك الليلة مفلس و ما عندك تعريفة أم قد ، و ما عاوز تشرب أو تاكل من مال اٍمرأة !!
    أحسستُ بأنني أريد أن اضحك بصوت عالي مثل ضحكة محجوب الماكنة ..!!
    قلتُ لها : أبيت ، ما ح تقنعيني أمشي معاك و اشرب بارد..!
    قالت : بدوي جلف ، لايرد دعوة الأوانس الإ قح فظ مثلك ، لا يفهم في اصول اللباقة و قواعد الإتكيت..!
    قلتُ : اٍتكيت يطلع عينك.ز!
    بترتْ مسار عبد الغني هذه العبارة ، و هي تحاول أن تكسو وجهها بطبقة من الجدية المصطنعة و تحور العبارة كيفما شاءت ، و قالت : كمان تسب لي الدين.. يا كافر يا فاجر يا سلالة ابليس و حطب النيران كلها..!!
    كدتُ أن اقولها لها ، و لكني عضضتُ على اسنان لكي احبسها ، حتى لا تخرج . لأنها لو خرجت بتلك الهيئة ، ستعقبها صفعة من يدي اليسرى ، و هذا ما كنت اخشاه تماما..!!
    و مضيتُ.. مضيتُ..


    كبر

    (عدل بواسطة Kabar on 05-30-2012, 07:24 AM)

                  

05-30-2012, 07:27 AM

Kabar
<aKabar
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 18537

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: " دروب العيش" فصل من رواية كتبتها..! (Re: Kabar)

    (2)



    خرجتُ من الجامعة ، تنفيذا لنداء في دواخلي ، ثم تنفيسا عن احساس الإختناق الذي يداهمني بلا مبرر . كنتُ ، كمن كان يركض يومه كله في مظاهرة صاخبة و تعرض لكمية من دخان الغاز السام الخانق ، المسمى تهذبا ( المسيل للدموع )..!

    توقع خطاي ، على الشوارع المجدورة الوجوه ، ايقاعا ت الحزن المكدود و التعب..!
    فكرتُ أن اعرّج على جامعة القاهرة فرع الخرطوم ، عساي أن ألتقي أحمد أبوهم أو يسرية أو منى كلتكس أو ادم الحوار ، و لكني عدلتُ عن تلك الفكرة ، مواصلا خطوي نحو السوق العربي ، و عند شارع على عبد اللطيف ، كادتْ أن تدهسني سيارة فارهة ، منطلقة بجنون نحو عمارة الفيحاء ، لا أدري ما حدث بالضبط ، سوى اصوات متطفلة المشورة المجانية ، و هي تمارس الفتوى في تشخيص أحوال الناس ، فقال أحدهم : البلد دي كلها اصبحت مليانة بالسهاة السرحانين..!
    قلت : سرحانين في عينيك.ز!
    و ألتفتُ أبحث عن مسار عبد الغني ، لتشرح له قصدي بالضبط ، و لكني لم أجدها ..!
    شيئا من الغبار ، و خدوش خفيفة ، و دعوات عديدة ، سلامة يا اخينا.. حمدا لله .. بسيطة يا اخي.. معليش ، المسامح كريم .. يا اخي خليك أحسن منو.. ربنا ياخد ليك بحقك و يلزمك الصبر الجميل..!!
    عبارات و عبارات..
    تجاهلتُ كل ذلك و مضيتُ..
    أحاسيس مضطربة عمرّتْ دواخلي بالضجيج الجواني ، ثانية ..و كنت أنمحي من هذا الوجود ، ينصب صيوان عزاء في منزل عمي أبكر المنديل في لقاوة ، و اخر في منزل والدي بمدينة الدلنج ، و اخر في سنار ، و اخر في الأبيض ، و اخر في الدمازين ، و اخر في الخرطوم ..! مؤكد ستبكيني العذارى ، و سيبكيني الأصدقاء ، و ستجتهد مسار عبد الغني لكي تصل الى الدلنج ، محجوب سيفقد أحد صناديق القمامة التي يفرغ فيها كل ترهاته ، ستبكي أمي ، التي يحزنها ألأ تفرح بجديد وليدها ، و تمتلئ صدور البوردات و الصحف بنعي أليم ، و ستخرج بيانات الإدانة السرية ، تلك التي تحلف بأغلظ ايمانها ، بأن ما حدث لي ليس حادث حركة ، و اٍنما هي محاولة دنيئة للنيل من الشرفاء ، و سيعلق اسمى في قائمة الشرف التجارية ، هذا ، اٍن لم يخرج أحدهم بسناريو اخر ، موثق بأدق أدوات التلفيق ، و يحدث الناس بأنني كنت ذاهبا لطلب اللجوء السياسي في داخل السفارة الأمريكية ، و أنني كنت أحمل وثائق و مستندات تدين النظام الحاكم ، الماضي و الحاضر و الآتي من رحم المستقبل .ز!!
    أو ربما يقول أحدهم ، بأنني كنت أنوي القيام بعمل جليل ، و كانت السي آي اٍيه تراقبني و ترصد خطواتي ، و ربما يكون هذا بمثابة اشارة للأخرين ..!
    أو ربما يقال ، أنني كنت اعمل كحلقة ربط بين حركة الطلاب الجماهيرية ، و أنني كنت أحمل رسالة هامة الى طلاب و طالبات جامعة الخرطوم ، تفيد بضرورة الخروج الى الشارع ، فصار ما صار اليه الأمر..!!
    مؤكد ، ستحزن مسار عبد الغني ، حزنا ما بعده حزن..!
    و بعدها بيومين أو ثلاثة ، سيغني شرحبيل أحمد ، و ستغني سميرة دنيا ، و محمود عبد العزيز ، و زيدان ابراهيم ، و شنان ، و ينتصر الهلال على المريخ ، فتخرج الجماهير ليلا ، و تسير مسيرات الفرح الهدار و هم يهتفون : فوق..فوق ..فوق .. هلالنا فوق ..و سيمرون بهذا الشارع ، لتدوس اقدامهم الندية بالفرح على بقايا دمي المسفوح على الشارع المجدور الوجه ، نفسه شارع البطل على عبد اللطيف..!
    مسألة منظر دمي المسفوح تلك ، أثارتْ حفيظتي ، و انتبهتُ لنفسي . كنتُ عند مدخل عمارة الضرائب ، بعد أن اجتزتُ حلاويات سلا ، دون أملأ خياشيمي بروائح حلاوياتها الشهية ، و عبرتُ شارع الحرية ، دون أن أحي الحرية تحيتي المعهودة ، و ذلك كلما عبرتُ ذلك الشارع بمفردي أو بصحبة مسار عبد الغني..!

    قلتُ لنفسي ، هي مناسبة أن ازور قريبي عبد الرحمن بخات ، قد أجد معه لفيف من اهلي البدو ، و تكون مناسبة أنفض فيها الغبار عن لهجة فرقان البدو التي صابتها عجمة كلام أهل البندر في لساني..!
    في مدخل عمارة الضرائب اياه ، لمحتُ صفية ، بائعة التسالي و الفول المدمس ، تشد تنورتها على ساقيها ، تغطيها من العيون الفضولية ، و تشد قطعة قماش أخرى على حجرها ، لكي تحجب قشر الفول المدمس عن تلك التنورة المزركشة ، و تهدل طرحتها ، البنفسجية العريضة ، على أكتفاها لغاية المسافة ما بين الخصر و الصدر النابت . تجلس صفية هكذا منذ الخامسة فجرا و حتى السادسة مساءا ، في أطول وردية عمل في الخرطوم ، هي خارج القوانين و اللوائح بحسب ساعات العمل الرسمية في الخرطوم و العالم اجمع..!
    قلت لها : سلام يا صفية..
    ردتْ هي بحرارة ، قائلة : حباب السلام ، أهلا و سهلا ، وين انت يا حماد ياخي؟ شهرين ما شفناك.. اٍن شاء الله المانع خير؟
    قلتُ لها، و أنا ابتسم بصدق حقيقي : خير يقدر يمنعني من شوفة صفية؟.. أكيد يكون ده الشر ..!
    اٍبتسمتْ هي ، ابتسامتها اللطيفة الأصيلة ، و قالت : خلاص قمنا.. يا ولد بطل غزل..و كلام جرائد بايتة ، بلاش كلام في الحب.. الدنيا نهار يا ود أمي..!
    قلتُ : و صفية ، ما ليها قلب تب ، فاتح جوانحو للحب..!
    كست وجهها ملامح غضب طفولي مشاغب ، و قالت : هيييي يا حماد اخوي ، أرعى بقيدك ، الدنيا شارع و الشارع كوشة .. !!
    قلتُ ، مكملا حكمتها البليغة : و الكوشة مالياها الوساخة من كل جنس و لون..!
    قالتْ ، و هي تحاول أن تعدل مجرى الحديث : اتفضل اشرب شاي..
    و دون تلفت أو تردد ، جلستُ على الأرض بالقرب منها ، و هجس هاجس لئيم في قاع الحنايا و اطراف الرؤى ، تلك التي تستطيب حلم اليقظة و الشرود ، و اخذ الهاجس يوبخني : قبل قليل رفضت دعوة مسار عبد الغني ، اللدنة ، لتشرب الليمون المثلج في الكافتيريا الفاخرة ، و على أنغام الموسيقى الحالمة ، و الآن تقبلها كباية شاي سادة في الشوارع ، امام الغبار الذي تثيره اقدام المارة و عبارات السباب الخليع ؟!!.. حقا ، المقروزة في الأرض ، أبد الدهر ، لن تطول السماء..!
    قلتُ لنفسي ، بصوت جهور : السما ، اٍن شاء الله تنقد..!

    ملأتْ صفية كفيها بالفول المدمس ، ووضعت تلك الكمية في صحن مفلطح ، و أخذت تنظفها بدقة ، ثم ناولتني الفول المقشور ، قلت لها : ده شنو يا صفية ؟ أنتي نسيتي انك تاجرة ولا شنو؟
    قالتْ ، بصفاء : التجارة اٍن شاء الله تطير ، الخوة الجد أكبر مكسب يا ود أمي ..!

    بلعتُ ريقي ، و حدقتُ في العبور ، حاولتُ الأ أنتحي ناحية الصمت مع صفية .
    ثم قالت ، و هي تكسر تلك البادرة للصمت : يوم التلاتاء الفات ، شفناك في السوق الشعبي..
    قلت : امدرمان ولا الخرطوم؟
    قالت : امدرمان ، نزلت من الحافلة قدام مستشفى التجاني هلال..
    قلتُ ، متذكرا : آهـ ، اتذكرت ، كنت عاوز أحصل مواصلات زقلونا..
    قالت صفية ، باستغراب : زقلونا ؟..عندك شنو في زقلونا؟.. يا ولد انت جنيت ولا شنو؟
    قلت : عندي فيها اقارب و مصاريف..!
    قالت ، ضاحكة : حماد أنت بتكضب علي ولا شنو يا ود امي؟..أنت ما قلت قاعد تقرأ في جامعة الخرطوم..!
    قلتُ : و قالوك البيقرا في جامعة الخرطوم ، ما عندو اهل في زقلونا .. ولا شنو يعني العبارة؟
    قالت ، بلهجة المندهش العاجز : من جامعة الخرطوم للعشوائي؟..و مال ناس صفية يمشوا وين ؟ راس الشيطان مثلا؟
    قلتُ : أها رايك شنو يا صفية ، عندي معارف في رأس الشيطان ..!
    قالت: يبقى ، تطلع ، ما عندك علاقة بالجامعة ولا حاجة ، تلقاك هسع شغال مساعد في حافلة ولا دفار ، و طالع بينا العالي ساكت..!

    شعرتُ برغبة في السكوت المؤقت ، فمهما قلت لها ، لن أستطيع أن اقنعها بأي شئ في هذه اللحظة ..
    قلتُ ، متهربا : أنتي ح تفضلي بايرة كده لمتين ؟
    قالت : أها ، بدينا خلاص ؟.. انت لو عايز تشحد تعال بالدرب عديل ، و بلا ش لف و دوران..!

    شعرتُ بأمعائي وصلتْ مشارف حلقي ، و كادت أن تطفو . لن أستطيع أن اقنع صفية بأنني ارغب فقط في الونسة ، و هي من حقها الأ تقتنع ..!
    ألم تقل هي ، بعضمة لسانها ، في يوم مضى : الأولاد ما عندهم فايدة تب.. يستطيعون شيئين : يا الطمع في جسد الأنثى أو الإساءة اليها ..!
    بلعتُ ريقي ، و قلت لها : العفو..!
    ضحكتْ صفية بقوة ، و قالت : حيلك ، انتا مالك جادي كده ؟يا اخي ، البلد دي أصلو الواحد ما يهظر فيها ؟!!
    قلتُ لها : دينك و دين الهظار ياخ..!
    ضحكتْ هي ، و قالت : اخر الحجة الإفلاس ، أشرب كباية الشاي دي ، و عندي ليك رأي..!

    صمتُ ، و كنتُ استمتع بمشاهدة خناقة دبتْ بين شخصين ، بدون سبب واضح ، و لكنها احتدمتْ ، و زادتها حر الخرطوم سخونة و اثارة ، احدهم يقبض بتلابيب الآخر ، و ينتظر برهة ليدخل حجاز بينهما ، و كلما تدخل حجاز زادت الإثارة و اللمة..!
    قالت صفية : و الله الجو ده جو شكل بالصح..!
    قلتُ : الخلق ارواحها ضاقت بالمعيشة ..!
    قالت ضاحكة : أبواب الرزق تلاوين ..!

    و صمتت صفية ، ولا زالت أنا اراقب الشكلة الممتدة ، المزحومة . و لكن في لحظة معينة من عمر الزمن ، لا ادري كيف يمكن تحديدها ، هدأت الحال ، و انسحب المتشاجران ، احدهما ناحية ميدان الأمم المتحدة ، تجاه موقف بصات امدرمان ، و الآخر ، نحو جامعة القاهرة فرع الخرطوم ، و تبقت لمة الحجازين .
    قالت صفية عبارة غامضة : الفارات دقسوا..!
    و لكني كنتُ مشغول بمراقبة وجوه المارة ، خصوصا في موقع المعركة التي هدأ اوراها . فجأة سرتْ حمى غريبة ، أصبح كل شخص يتحسس جيوبه و يعلن أن جزلانه أو محفظته قد سرقتْ. و بدأ البعض يتهم البعض ، كادتْ أن تنفجر معركة للمرة الثانية ، و لكن ربنا ستر..!
    صرتُ أجد شيئا اخر لكي امارس ذلك التلهي و الإنشغال بالمراقبة ، احصيتُ عدد الذين تم نشل مافي جيوبهم اثناء تلك المشاجرة ، وصل عددهم الى ثلاثين شخص ، ثلاثين ضحية في أقل من ساعة..!

    شارفتْ كباية الشاي السادة على الإنتهاء ، و كذا الفول المدمس الذي اعطتني له صفية ..!
    قلتُ لها ، و انا في حالة السهو تلك ، المشحونة بتفاصيل المراقبة : سوقك ماشي كيف؟
    قالت : ماشي كويس ، و الحمد لله..!
    و كأني لم اسمع افادتها الأخيرة تلك ، قلت لها: حاجة غريبة ، الناس الفي الشكلة دي كلها اتنشلتْ..!
    قالت صفية ، و هي تزجرني باٍبتسماتها الرحيبة : و انتا مالك..!
    قلتُ : يعني القصة دي علاقتها شنو ببعض؟
    قالت : ياتو بعض؟
    قلتُ : شكلة ، حجازين ، و نشالين؟
    قالت ، و هي تشرح لي ما غمض عن فهمي : الولد الكان لابس جزمة بوت كبيرة ، و شاقي راسو راستا ، هو الكابتن..!
    و التاني المشى على جهة بصات امدرمان ، اسمو كـُمشة القواني ، الكابتن عليهو الهجوم و تسجيل الأقوان ، و القواني عليهو يحرسها من ورا..!!
    قلتُ : ما فاهم حاجة ..!
    قالت : القصة ، أساسا ما فيها شكلة ولا يحزنون ، كل الحاصل اٍنو الشباب ديل تفتيحة..!

    شعرتُ بالذهول ، و بدأتْ طبول السؤال تدق في دواخلي ، و قلتُ : يعني كل الأمر مكيدة مدبرة باتقان..!
    أحسستُ بالإبتسامة غصبا عني ، ابلغ الأمر بالناس هذا الحد؟..
    قالت صفية : مستغرب يعني؟
    قلتُ مستدركا : لا ، بس الناس ديل أذكياء للغاية..!
    قالت : و مال أنا من الصباح كنت برطن هوسا ولا شنو يعني؟.. ما قلت ليك قبل شوية ديل أولاد تفتيحة..!
    قلتُ : تفاتيح معناها أذكياء؟
    قالت: أذكياء ، ده كلام أولاد و بنات المدارس يا اخوي ، لكن ناس السوق بيقولوا عليهم تفاتيح..!

    تذكرتُ حواري مع محجوب في الجامعة و انتشار المفردات التي بدتْ لي غريبة بعض الشئ..
    قلتُ ، و السهو ينتاب خواطري كالمجذوب : قلتي لي يا صفية ، عندك لي موضوع ، أها و موضوعك شنو؟
    قالت صفية بلا مبالاة : معليش ، خليهو مرة تانية..!
    سرحتُ في خواطري ، أتكون صفية محتاجة لمساعدة أو مشورة في أمر ما ؟.. أم ماذا يا ترى؟..
    تلهيتُ بالضرب على ركبتي و احكام ظهري المسنود على الجدار الأحرش .
    قلتُ : أنتي مش قلتي ، الخوة الجد أكبر مكسب..؟..ما نحن اخوان ولازم تقولي لي الحاصل بالضبط شنو ؟.. عاوزة حاجة؟
    اٍبتسمت صفية و قالت : حاجة زي شنو يعني؟..اصلك من سياد الشئ ذاتا..؟
    قلتُ : بلاش استهبال معاك ، و قولي لي الحاصل شنو..
    قالت : خلاص يا باشا ، اصلك قاعد تبرى فيني من قبيل ، و قربت توقف لي السوق ، أنا ح اقول ليك ، لكن تقطع مني وشك على طول..
    قلتُ : حاضر يا ستي ، اسمع منك و امشي على طول..
    صمتتْ صفية ، و أحسست ُ بها ، و لأول مرة ، متلعثمة في القول و التعبير عن مكنون الذات و هي الفصيحة البليغة..
    قلت لها ، مشجعا : يا صفية ، الخوة واحدة و الصحبة واحدة ، و المن السما الأرض بتحملها ، و المن صفية ، حماد بيقبلها ، قولي ما تخافي ..!
    قالت ، بعد صمت قصير مسكون بالتردد : عاوزة أعزمك يوم الجمعة في بيتنا ..!
    قلت ضاحكا : يخرب بيت امك يا خي ، و دي دايرة ده كلو؟..ياخي أنا لاقي عشان صفية تعزمني ؟
    قالت : اسمع مني الباقي ، عندنا كرامة سنوية بمناسبة مرور اربع سنوات على وفاة الوالد.!

    لم استطع قول اي شئ ، سوى بلع الريق الحارق الجاف ، و الإنصياع لإبر الحسرة و الوجع ..
    قلت ُ ، بعد صمت عميق : حاضر ، بس انا ما بعرف بيتكم وين ..!
    قالت ، بلا تردد : نحن ساكنين في دار السلام ، مربع تلاتة ..
    قلتُ : دار السلام الخرطوم ولا أمدرمان؟
    قالت : أمدرمان ، أنا ممكن أنتظرك في موقف مواصلتنا في سوق ليبيا ..
    قلتُ : ما فيش مشكلة تب ، أنتي بس وصفي لي موقف المواصلات بتاعتكم و محطتكم و أنا ح اوصل براي ، و مافي داعي تتعبي روحك ساكت..!
    قالت : لكن ، انتا بتعرف سوق ليبيا كويس؟
    قلتُ ، قاطعا عليها الحجة : أنا عندي أخوي عندو دكان في سوق ليبيا مربع خمسة..!
    قالت ، بارتياح عميق : خلاص يا سيدي ، شفت الفسحة القدام البنك الأهلي ، فيها مواصلات دار السلام ، و مواصلات مربع تلاتة بالتحديد جنب النيابة طوالي ..
    قلتُ ، مداعبا : كل شي ولا ناس البوليس و القانون ..!
    قالت ، ضاحكة : ده الراجيك..

    ودعتُ صفية و صعدتُ سلالم عمارة الضرائب .
    كانت الساعة تشير الى الثالثة ظهرا، حينما ودعت عبد الرحمن ، الطيب ، حسن ، و حمدان . مارست معهم التسكع اللغوي ، و تحدثنا لهجة البدو ، اهل الفريق ، و تعرجتْ بنا مسارب الحكي ، ودعتهم ، و يممتُ شطر جامعة الخرطوم .


    كبر
                  

05-30-2012, 07:31 AM

Kabar
<aKabar
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 18537

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: " دروب العيش" فصل من رواية كتبتها..! (Re: Kabar)

    (3)


    كنتُ اقلب الخيارات في رأسي ، هل سامتطي حافلات المزاد ، الشعبية ، كوبر ، أم بحري ، الخيارات كانت عديدة . قلت لنفسي : يا سلام لو كانت خيارات المصير متعددة هكذا ، على الأقل الواحد كان ضمن راحة البال .

    بالقرب من الجامع الكبير العتيق ، بالتحديد في مواجهة منصفون ، الذي يقبع في حافة فندق أراك ، لمحتُ حامد جاجا يترجرج في جلابية لامعة و قفطان حريري لا يشبهه قط ، و امعانا في غيظه ، حركتُ باب الجامع مشيرا له بالدخول ، و قلت: مولانا اٍتفضل ، المحراب جاهز ، و الخطبة جاهزة..!
    تحاشا حامد جاجا هذا التعريض الخفي ، و قال لي ، بلهجة بدو الحوازمة : عيال الديم ، كلو كلو ما فيهم فايدة ، تعيسين ، مماسيخ..!
    سلمتُ عليه بشوق ، و قلتُ : الشوق حاصل يا ولد ابا..
    قال لي : الحكامات ، قفاهن عماك ، بقيت ، يا حماد ، ما بتشيف كلو كلو ..
    قلتُ : بلاش سفاهة معاك ، و افتكر حقو تحترم هذا القفطان الأزهري الفخيم ، شنو قفا و ساق و عيوينات.. !
    قال : تبا للذي يلجم ألسنتنا عن شكر السماح في وجوه البنات اللطاف..!

    تبادلنا الأخبار عن الدلنج ، كادقلي ، الأبيض ، و الأصدقاء ، بليا ، معتز قمر ، سيد منوفل ، نزار جلاب ، عيشة ابراهيم ، و طفنا مدينة الدلنج شارعا شارعا بالذاكرة ، و لم يفت عليّ أن أسأله عن الفرشاية ، مسقط راسه .
    عند ذكر الفرشاية ، خبطني حامد جاجا على ظهري خبطة قوية ، و هو يقول : التعيس المكنوس ، توا ده أغرّز ديد أمك ..!
    قلتُ ، متألما من ضربته : لا أقصد شئ ، و لو كنت أقصد أسألك من أحد حسان العدلانيات ، لسألتك مباشرة ..!
    قال : حماد ، أنت بتلعب عليّ ولا شنو يا ولد ابا ، أنا عرفتك البارح ولا أول البارح ؟!!
    قلتُ ، بعد أن اغلظت القسم : و الله قصدي بريئ ، و بعدين الفرشاية دي انتا عندك فيها شنو ؟..انتا ذاتك دار بخوتا نكروك و سووك جلابي مدينة ساكت..!

    ضحك حامد جاجا بصفاء مدهش ، لا يشبه آخر تلك الظهيرة قط..!
    ثم قال ، يذكرني : عملت لي شنو في موضوع الدعوى المدنية بتاعتي؟
    حاشية : حامد جاجا ، ولد جاجا الضاي ، و من بدو الحوازمة دار بخوتا ، أهالي مدينة الدلنج ، يدعي بقوة و اصرار ، أن شارع الظلط الوحيد القاسم صدر مدينة الدلنج لنصفين : انه هو مرحال جده الأكبر الضاي ولد غبوش تور النحلة ، و بهذا فانه ، أي حامد جاجا ، يدعي اقرار و ثبوت ملكية هذا الشارع له بالإرث الشرعي ، ان لم يكن بوضع اليد ، و في حال ثبوت تلك الملكية بواسطة المحكمة ، فانه يطالب بتعويضه التعويض المناسب ، لأن ازالة ذاك المرحال ، كانت لأجل مصلحة عامة ، و في مثل تلك الأحوال وجب التعويض قانونا..!
    و لأن الأقدار شاءت أن أكون ، أنا ، طالب بكلية القانون بجامعة الخرطوم أولا ، و صديق حامد جاجا هذا ، ثانيا ، فانه كلفني باقامة الدعوى و سن الحجة لمصلحته في ذاك الشارع ..!
    و كنتُ ، حينما أقول له ، أني لازلت طالب في بداية الطريق ، كان يقول لي ، أنا ما عندي مشكلة ، صبرنا على على الهم الكبير ما نقدر نصبر على الهم الصغير..!
    و كنتُ ، حينما اريد مقاطعته و تعكير صفوه ، أسأله : و ما هو الهم الكبير؟.. فيصرُ هو خلقته ، متقمصا دور الكدر و الزهج ، و يصيح : الهم الكبير ديك بهانا الفجغ الكجانة ، و قعد فوق رؤوسنا ستطاشر سنة ، عمر الجوع عمر الشنا ..!.. كفاك و لا أزيدك ؟
    فألتفتُ حولي ، متصنعا الجزع و الخوف ، و اقول له : كفاك ..!
    انتهت الحاشية..!

    كان حامد جاجا ، يقصد زيارة بعض اهله في امدرمان ، ناحية الفيتحاب . عزمته أن يذهب معي الى البركس في جامعة الخرطوم ، و لكنه اعتذر ، ودعته و افترقنا . أمتطى هو أول بص بيقاسو تعارض أمامنا ، وواصلتُ أنا مسيري تجاه محطة أبو جنزير..!
    في محطة أبو جنزير ، لمحتُ مدثر ، عبد الباقي ، حنان ، امتثال الشيخ ، و اٍنتصار ، و قررتُ في قرارة نفسي ، أن أتحاشاهم . و ركبني جن العناد الداخلي و المكابرة المنصوبة على أعمدة الهواء ، و قلتُ لنفسي : أحسن أمشي كداري ..!
    مشيت في شارع القصر قليلا ، الى أن عبرت شارع الجمهورية ، و عند شارع البرلمان ، انعطفت ناحية الجامعة وواصلت المسير . كنتُ أحتاج هذا التمشي و ذلك لشيئين : راحة البال ، و تأمل ما قالته لي صفية .

    كبر
                  

05-30-2012, 07:33 AM

Kabar
<aKabar
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 18537

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: " دروب العيش" فصل من رواية كتبتها..! (Re: Kabar)

    (4)

    اٍسمها الكامل ، صفية عبد الكريم ادريس ، ملامحها أشبه بملامح بنات الهوسا ، و لكنها من بنات تاما ، تكسو وجهها لمحة جمال نبيل ، نادر التفاصيل و الحدوث ، وتبلغ من العمر ثلاثة عشر سنة ، جسدها يخضر بالمواسم ، موسم تجده نضرا ممتلئا ، و موسم اخر ، تجده اصفرا ذابلا . أحيانا تطلي وجهها بــ
    Full make up
    ولا أدري من أين تجئ به ، تحفظ اسماء المراهم و الطلاءات ، كيناكوب ، لوكسيد ، فير اند لفلي ، ديانا ، روز ، آمبي ، كيلرتون ، فينوس ، و كركار..!
    أحيانا ، تملأ زنودها و معاصمها بأساور ذهبية ، ذات رنين و كشكشة مليحة ، و أحيانا أخرى ، تكتفي بسوار بلاستيك اسود رقيق ، تسميه : صابرين..!
    أول مرة ، تعرفتُ عليها قبل عام تقريبا . كنا نركض في احدى المظاهرات اياها ، كان خط المسيرة من جامعة الخرطوم ، شارع البلدية ، ثم شارع القصر ، الى القصر الجمهوري . و لكن بقدرة قادر ، انحرفتْ تلك المسيرة نحو أبو جنزير ، و بطريقة أو بأخرى ، التحمت بمسيرة أخرى قادمة من ناحية جامعة القاهرة فرع الخرطوم ، و كان الإلتحام في شارع عبد المنعم محمد ، أمام البنك الإسلامي لغرب السودان ، في مواجهة البنك الصناعي و بنك النيلين و ميدان الأمم المتحدة . أشتعل البمبان ، و انفجرت الأرض عن نمل الإحتياطي المركزي ، الذي تشبه لسعاته لسعة النملة أم ريش في الأرض الرطبة . تفرقنا ركضا ، و اختلط الحابل بالنابل ، أمتزجتْ أصوات الطلاب بالجماهير ، كان اٍلتحام جماهيري نادر الحدوث على أرض الواقع ، أو كما كنا نظن . سدت كتائب الإحتياطي المركزي الدرب بيننا و بين جامعة الخرطوم ، و ظلت تطاردنا ، نحن قوام السبعة اشخاص . وقعت قنبلة بمبان بالقرب مني ، و شعرتُ بالإختناق ، سالت دموعي ، و كل فتحة في وجهي نضحتْ بما فيها ، و كان العرق يبلل جسدي ، و كلما أنكشف جزء منه ، كلما شعرتُ بالغاز الحارق يتسلل في مسامي ، مسببا اكلان أقوى من طعم الشطة الدنقابة . وقعتُ على الأرض ،دختُ و غمرتُ ، دخلتُ في غيبوبة ، و لم أشعر بعدها الإ و انا داخل عمارة الضرائب بالقرب من المدخل الشمالي ، كان المكان هادئ و شبه مظلم ، و كان وجهها ، وجه صفية عبد الكريم ، يتراءى لي كحلم بعيد في ليلة شتوية باردة ، كانت تحرك طرف طرحتها البهية المزركشة ، لتخلق تيار صغير من الهواء ، يلفح وجهي و يبدد حالة الإختناق ..!
    تملمتُ ، قالت لي : كيف؟
    قلتُ : كويس ، أنا وين؟
    قالت : في عمارة الدرايب..
    قلتُ : و انتي منو؟
    قالت : صفية ، ست التسالي ..!
    سلمتُ عليها ، و قلت لها : الحاصل شنو بالضبط؟
    قالت : علبة البمبان وقعت تحت رجليك ، و انتا غمرتا..!
    قلتُ : شكرا ليك يا صفية ..!
    قالت : لا شكر على واجب ، أهلك وين عشان أوصلك..!
    قلتُ ، باسما بشحوب : شكرا ، انا ح أصل براي ..
    كان الشك يخطو في قسمات وجهها و شفتيها الغليظة برفق .
    قلتُ : أنا طالب في الجامعة ، و ح أرجع براي للداخلية..
    قالت ، بريبة : لكن جامعة الفرع دي ما فيها داخلية..!
    قلتُ ، باسما : أنا طالب في جامعة الخرطوم ..

    صمتتْ صفية لحظة ، و حاولتُ أنا النهوض ، لكن قدماي خذلتني و ترنحتُ ..
    أستندتُ على الجدار كي لا أقع ، خطفتْ صفية زندي الأيسر لتحميني من السقوط . جلستُ مسندا ظهري على الجدار ، و قلتُ لها : بتعرفي العمارة دي كويس..؟
    قالت : دور.. دور..
    قلتُ : اطلعي الدور الرابع ، مكتب نمرة 61..
    قالت ، تقاطعني : ناس بخات..؟
    قلتُ : بالضبط ، عبد الرحمن بخات ده ، عمي طوالي أمشي خليهو يجي ..

    ذهبتْ صفية ، و عادتْ و معها عبد الرحمن بخات ، خير السيد ، و سليمان الفحيل . في البدء انتابتهم حمية البدو الشرسة و ظنوا أني مضروب ، بدأوا يتحسسون مداخل العمارة ، و اتجهوا نحو صفية بلا تردد ، و صرخ خير السيد في وجهها مهددا : الخادم الغلــفة ، بت الكلـــب أم شلاليف ، الليلة الإ تورينا الزول ده الدقاهو منو ، و هوى بيده ، كاد أن يصفعها في وجهها ، و لكني استجمعتُ قواي و امسكتُ به , و انا اصيح : لأ.. قبلك ، قبلك ، خير السيد امسك ايدك عليك ، البنية دي مسكينة ساكت ..!
    و حكيت لهم ما حدث بالتفصيل..
    اقبلوا هم على صفية ، و رفضوا أن يعتذروا لها بصورة واضحة ، ذلك أن حس البدو الماكر في دواخلهم ، يرفض الإعتذار لأي انثى كانت ..!
    أخرج لها عبد الرحمن بخات قليلا من المال ، مكافأة على موقفها ، و رفضتْ صفية باٍباء أن تأخذ تلك النقود ، و جرتْ . أحسستُ بدمعها و هي تغطي وجهها بطرحتها . سألتُ عنها عبد الرحمن بخات ، و ذكر لي أنها تبيع الفول و التسالي امام مدخل العمارة ، و لكنه لا يعرف اسمها بالضبط..!
    من مكتب عبد الرحمن بخات ، خرجنا و امتطينا سيارة سليمان الفحيل ، و اتجهنا نحو منزله في دار السلام المغاربة بالحاج يوسف ، مكثتُ معهم مدة يومين ، و عدتُ بعدها الى الجامعة..!

    بعد شهر من حادثة المظاهرة تلك ، كنتُ اتجول تحت عمارة الضرائب ، الى أن وجدتُ صفية ، سلمتُ عليها ، لكنها كانت متوجسة ، قلت لها : اسمي حماد حميدان ، خلينا نبقى أخوان ..
    حدقتْ صفية في وجهي بريبة ، و اشاحتْ عني..
    ذهبتُ في ذاك اليوم ، و عدتُ بعد أسبوع ، و زادت الأسابيع ، و لم تأمن صفية جانبي الإ بعد مرور الشهر الرابع . و بعدها ، كنتُ أمرُ عليها من وقت لآخر ، تقشر لي الفول المدمس و تعزمني على كباية الشاي السادة ، و أحس بأنها ، كباية الشاي السادة ، هي أروع ما وُهبتُ في هذه الدنيا الفانية..!

    ذات مرة ، تجاسرت و عزمتها أن تدخل معي سنما قصر الشباب و الأطفال ، و في أي يوم تختاره . ابتسمتْ هي بلباقة و قالت : ما حصلتْ الدرجة دي ..!
    قلتُ : عارف ، لكن مش نحن اتفقنا أننا أخوان ، و الخوه دربها واحد ؟
    لم تستجب صفية لتلك الدعوة الإ بعد مرور خمسة واربعين يوما بالتمام . كان ذلك يوم جمعة ، التقينا عند الساعة الثالثة ظهرا في بانت ، امام كافتيريا حسن ، شربنا عصير قمر الدين المثلج ، و ركبنا مواصلات السوق العربي ، نزلنا في محطة السلاح الطبي .
    كانت صفية ، تلبس حذاء أبيض لامع ، و ترتدي أسكرت بني داكن وبلوزة وردية و طرحة خضراء اللون ، و تربط راسها باشارب أسود به خط ذهبي لامع . في ذلك اليوم ، كان وجهها خاليا من المساحيق تماما ، و بدأ ناعما نضرا . خفتُ أن أعلق على مظهرها ، ذلك مغبة أن تسئ بي الظن ..!
    دخلنا السنما ، كان الفيلم كالعادة هنديا . أندهشتُ ، اندهاشة عظيمة ، حينما وجدتُ صفية تردد اغنيات الفيلم السبع ، سبعة ألحان و كانت صفية تدندن بها ، تحفظ التواقيع ، الكسرات ، و مواقع الرقص..!
    انتهى العرض عند السادسة مساءا ، و خرجنا . أصرّتْ هي ، هذه المرة ، أن نذهب عن طريق بصات الموردة . وقفنا أمام البرلمان ، و ركبنا أول بص قدم من ناحية الخرطوم ، و بعد برهة اكتشفنا أنه من بصات الثورة بالوادي ..!
    قلتُ لها : نركب البص الثاني ..
    قالت بحزم : ننزل في الشهداء ، و نتم الباقي كدراوية..!
    قلتُ : ماشي ، و مافي مشكلة تب..!
    كنا نقف شماعة ، وقفتُ امامها ، و هي في ظهري ، أحيانا أحس بصدرها النافر يضغط على أكتافي غصبا عنها ، و ذلك حينما يرتج البص في الحفر و المطبات ، تحاول هي أن تعتذر ، و لكني أشيح عنها البصر ..!
    نزلنا في ميدان الشهداء ، و شارفت الساعة السابعة مساءا ، و توجهنا نحو ميدان البوستة في قلب سوق امدرمان . في شارع الدكاترة ، كانت اكــ########ــا ، احيانا ، تلامس زندي ، و اقول هي حركة المرور و زحام الناس ، و أتحاشى أن اطلق العنان لخيالي .
    في ميدان البوستة سألتها : أنا ح أركب مواصلات السبيل ، انتي ماشة بي وين؟
    قالت : بالردمية ..!
    وقفنا في ميدان البوستة ، و انتابني شئ من القلق عليها ، و ظل الزمن يزحف و يزحف . عند التاسعة ، وجدنا لها مكان في احد الدفارات ، ودعتها و مضيت. صعدتُ أول حافلة متجهة نحو السبيل . أغمضتُ عيني ، و ظلتْ صورتها تسد عليّ مناكب الرؤى ، وجهها يستدير ، يكبر و يملأ الذاكرة ، و احيانا أراها تركض في حدائق خضراء على مد البصر ، تطارد ضفائرها ، و احيانا اراها ، تهز يديها ، فتحدث أساورها كشكشة لذيذة..!

    كبر

    (عدل بواسطة Kabar on 05-30-2012, 07:35 AM)

                  

05-30-2012, 07:38 AM

Kabar
<aKabar
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 18537

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: " دروب العيش" فصل من رواية كتبتها..! (Re: Kabar)

    (5)

    بعــد أسبوعين ، عزمتني صفية أن نذهب الى منتزه المقرن العائلي . التقينا عند الساعة الثانية عشر منتصف النهار ، و دفعتْ هي قيمة التذاكر ، و دخلنا المنتزه .
    قالت ، تسألني : تركب قطر الموت ، ولا تدخل بيت البعاتي ؟
    ضحكتُ ، و قلتُ لها : انتي عاوزة شنو؟
    قالت : انتا الضيف ، و انت تأمر يا جميل ..!
    طفنا كل الملاهي ، ركبنا قطر الموت ، دخلنا بيت البعاتي ، و طوطاحانية الدوران ، و عربا ت الكهربا..!
    عند الرابعة مساءا ، قلت لها : أنا تعبت يا صفية ، خلينا نستريح شوية..
    قالت : خلاص أنا اجيب لينا حلاوة قطن ..
    قلتُ : أنا عاوز عصير ، و ما داير حلاوة..
    لم تنتظر هي هذه الإفادة الأخيرة ، و ذهبت ، أحضرت حلاوة قطن و عصير عرديب و ساندوتشات شاورما.
    جلسنا قبالة النيل ، بالضبط عند نقطة مقرن النيلين . كنتُ أتأمل الموج عند لحظة العناق و الإلتقاء . تولدتْ في دواخلي خواطر حميمة عن التوحد و الإندماج ، و صيرورة الكينونة الواحدة ، لحظة الصمت تلك ، ولدت الرغبة في مزاج صفية بأن تحكي..
    قلتُ ، استدرجها : ما حكيتي لي عن ناس بيتكم ؟
    صمتتْ صفية ، و كان صمتها بالجد مملوح و حارق ، طفرتْ دمعة على خدها ، حاولتُ أن امسحها ، و لكنها اشاحتْ عني وجهها بقوة ، مسحتها هي بطرف طرحتها ، و رمتْ بالسنادوتش على الأرض ..!
    شعرتُ أنا بالحزن ، و قلتُ لها : معليش ، أنا ما كان قصدي أنك تحس بكل هذا الألم..!
    سألتني بغتة : انتا ، عندك أخوات؟
    قلتُ: نعم..
    قالت: كم؟
    قلتُ : ثلاثة ..
    قالت: أكبر منك و لا أصغر؟
    قلتُ : اخواتي ، حنان و فاطنة و سماح ، و كلهن أكبر مني و متزوجات..!
    قالت بدعابة : ديل أخوات ولا نسوان يا شيخ ؟
    قلتُ : نسوان ، طبعا ..
    صمتتْ هي برهة ، ثم واصلت استجوابي : و عندك حبيبات؟
    قلتُ : لأ..
    قالت: بالجد؟
    قلتُ : عندي حبيبة واحدة اسمها سبأ ، و عرست خلتني ..!
    قالت ، بتشفي : الحربوية الخاينة ..!
    قلتُ مدافعا : لأ.. ما كده ..لكن الظروف كانت ضدنا و ضد حبنا و أملنا ..!
    قالت : ما تبقى زي البطل بتاع الفيلم الهندي ، تخطفها و تجري بيها ..!
    قلتُ : لكن ما عندي حصان أبيض..!
    قالت ، ضاحكة : الناس في زمن المواتر يا باشا ، جازف ليك سوزكي من أي حتة ، و فحـّط بيها..!
    قلتُ : خلاص المرة الجاية ..!
    قالت : ناوي تحب تاني ، ولا شنو يعني؟
    قلتُ : مشكلتي ، البنات هم القاعدين يحبوني ..!
    مدتْ يدها ، كادتْ أن تضربني على كتفي ، و لكنها تراجعت قائلة : أنت مغرور خلاص ..!
    شعرتُ بأن صفية اٍرتاحتْ قليلا ، و انبسطتْ أساريرها للونسة .
    قلت لها : أنتي ما عندك جكسي ولا شنو؟
    قالت : أنا لسع صغيرة ..!
    قلتُ : كيف يعني ؟
    قالت : عمري ، دوبك اطناشر سنة ..!
    قلتُ : و ناوية تجكسي بعد ما تصلي السن القانونية يعني ؟
    قالت : مافي جكسي ولا قيامة رابطة ، عرس طوالي ، الما عاجبو يقع الخور ..!
    قلتُ : لازم يعجبو..!
    كانت هي تحصب النيل بحجارة الحصى الصغيرة ، صمتنا برهة ..
    قلت لها ، مداعبا : يا بت ما تفلقي النيل ، اقعدي ساكت..!
    قالت : بالعكس ، أنا قاعدة أجدع في همومي..!!
    غاصتْ عبارتها كالنصل في قلبي ، و بلعتُ ريقي الجاف ، و تحجرتْ الكلمات في حلقي ..!
    هذه المرة أنفجرتْ هي بالحكي ..
    قالت : نحن اصلنا ، كنا ساكنين في دار السلام بتاعة الحزام الأخضر ، أبوي عبد الكريم ادريس ، كان شاويش في سلاح المظلات . أمي قالت ، هي ولدتني في البيت ده ، و كانوا ساكنين قبل ما تلديني لمدة سبع سنوات ، ولدت بعدي ثلاثة ، بتين وولد ، عمري كان تسع سنين ، و كنت بقرا في مدرسة جبرة الإبتدائية للبنات ، كنت في سنة رابعة ، جيت التانية مرتين . التخطيط دخل حلتنا ، جات الكراكات و القريدرات ، و قعدوا يكسروا البيوت ، نسوان الكراكة هدمت البيوت فوق دولايب عدتهن ، نسوان فقدن السراير و الهدوم . اليوم الوصلوا مربوعنا ، رفض أبوي ، الله يرحمو ، يمشي الشغل . لبس هدومو بتاعة الجيش ، و كان قاعد في خشم الباب . أول ما الكراكة جات علينا ، صاح في وشهم ، و قال ليهم اولاد ال###### ، ده بيتي و ما بمرق منو الإ و انا ميت ..!
    حصل هرج و جوطة ، سمعنا صوت الرصاص ، بعد شوية جابوا ابوي ميت جنازة و دخلوهو جوه البيت ، أمي زغردتْ ، ضربوها بالدبشك على ظهرها ، وقعتْ ، كانت حامل بي جناها الخامس ، و عندها ستة شهور ، دافقتْ ..!
    ناس الحكومة ، قالوا لينا أبوكم كان شايل بندقية جيم تلاتة ، و معاها قرنيت ، و أعترض أمر الحكومة ، و ضرب العساكر و كتل فيهم ستة..!
    أنا بكيت ، بكيت ، مش حرقة على أبوي ، لأنو الموت جايز كن لينا و كن ليهو ، لكن بكيت على كضب الحكومة ، هل تصدق أبوي ، اخر مرة كان شايل فيها سلاح ، كان في أيام الإنتفاضة سنة 1985 ، بعده السلاح تب ما دخل بيتنا ..!
    كان عندو سكين بس ، و زي ما براك عارف ، الغرابة ديل السكين عند الراجل فيهم زي القلم في جيب الطالب..!
    بعد أسبوع جوا أخوالي من الغرب ، ساقونا لي مدينة الجنينة ، قعدنا فيها زي ست شهور ، عملوا الكرامة لأبوي ، و رجعنا تاني العاصمة ..أمي تابعت حقوق أبوي ، لغاية ما طلعت و طلع معها المعاش . عندنا جيرانا رحلوا الحاج يوسف و قالوا نرحل معاهم ، لكن امي ابت . أشترت لينا ، من حق المعاش ، قطعة أرض في مربع تلاتة دار السلام أمدرمان ، و بنيناها و رحلنا فيها..!
    أمي ، بقت تسوي شاي في سوق الناقة ، و شوية شوية ، أنا بقيت أفرش فول و تسالي . كنت شغالة في السوق الشعبي امدرمان ، السوق هناك ما نفع معاي ، شوية شوية ، جيت الخرطوم ، لميت في بنات من امدرمان ، واحدة اسمها سيدة بت النوبة و التانية مودة بت الفور . سيدة بت النوبة ، ابوها كان نجار ، و برضك مات في الخدير لمن الحكومة مشت تخطط العشوائي هناك . مودة بت الفور ، ابوها جياشي ، مشى الجنوب ، و قال ناس جون قرنق ساقوهو لمن هجموا على كايا .
    أمي ، كانت شغالة شاي كويس ، و بعد سنة ولدت اخوي الصغير عماد ، ولدتو ملح ساكت ..!
    أنا اتشاكلت معاها ، و قلت ليها ، انتي كان تعرسي عديل كده بدل ما تقعدي تعملي كده ..!
    طلعتا من البيت ، مشيت لواحدة حبوبتنا ، خالة أمي باللفة ، ساكنة في الحتانة ، و قعدت معاها لمدة اسبوع . رجعوني البيت . و بقينا أنا و امي زي الضرات ، شكل و نبذ. بعد شوية ، و كانت الدنيا عيد ، بكينا أنا و امي بي حرقة ، و طلبت منها العفو ، و هي طلبت مني العفو ، و اتعافينا . أمي ضمتني شديد في حضنها ، و قالت لي بي دموعها ، صفية يا بتي ، أنا ما عندي في الدنيا دي الإ الله و انتي ، راجياك عشان تشيلي معاي الحمل و تساعدني في ترباة اخوانك الصغار ديل ..!
    عفيت منها ، و قلت ليها ، انت لسع شباب ، و الأقدار ما معروفة ، و انا معاك ، كسرة بي ملاح ، بي موية ، بي مافي ، تب ماني فايتاك ..!
    قعدنا نلقط ، نجازف شوية شوية ، عملنا حساب في البنك . أمي قدرت تأجر ليها دكان في سوق أبوزيد ، و أنا قالبه كويس في سوق الخرطوم .. !
    سوينا الدهب ، جبنا التلفزيون ، اشترينا الدولاب الحافلة ، و مليناهو بالعدة من كل شكل و لون . جات حبوبتي من البلد ، و قعدت معانا ، و حلت لينا مشكلة حراسة أخوانا الصغار في البيت ..!
    شوية كده ، و تاني ألقى ليك أمي حامل..!
    بكيت بمرارة ، و قعدت في البيت . فكرت أشرب صبغة شعر عشان أموت ، تاني اتذكرتا و قلتا لي نفسي ، هوي يا صفية أحسن تفتحي عيونك كويس ، انتي امك دي قالت ليك بالواضح ما عندها زول في الدنيا دي غيرك ..!
    قشيت دموعي ، و تاني رجعت للشغل . اتقفلت علينا كل الأبواب. واحدة عندها ضد مع أمي ، مشت كلمت ناس المجلس و قالت ليهم المره دي حملت بالحرام ساكت ، و انتو مؤجرين ليها الدكان كمان؟ ما قلتو الدنيا شريعة ، وينها الشريعة دي؟
    بعد يومين ، جانا البوليس بأمر قبض ، مشت أمي و دخلت حراسة سوق ليبيا لمدة اسبوع ، لغاية ما جا خالي من كوستي و عمل ليها ضمانة . خالي ، من مكتب النيابة في سوق ليبيا ، و طوالي الى السوق الشعبي الخرطوم ، عشان يلحق البصات الراجعة لي كوستي ، رفض حتى كوز موية ما يشربوا في بيتنا ..!
    جات امي للبيت ، حالها تحنن الكافر ، بقت غبشا و مبهدلة و تعبانة للآخر..!
    عشيت أخواني الصغار ، و نومتهم . سخنت ليها موية دافية و غسلت ليها يديها و كرعيها ، و مسحتها بالدهن الكركار ، و بكينا ، بكينا مع بعض .
    سألتني امي : عاملين كيف يا صفية ؟
    قلت ليها كويسين ، عايشين مجازفات ، يوم نجازف حق الفطور ، مرة نلقى و مرة ما نلقى ..!
    باتت امي ليلها داك ، سهرانة للصباح ، تبكي و تعزي و تلعن حظها الكافر الما بيعرف الرحمة ..!
    ولدت امي ، اختي سلوى ، بعد فطمتها ، قعدت شهرين و تاني رجعت لناس النيابة في سوق ليبيا ، قالو ليها البلاغ اتحول لمحكمة جنايات امبدة وسط . مشت المحكمة الفي شارع الردمية ، حركوا البلاغ ، و حكموا عليها بالجلد ، جلدوها مية سوط . يوم الجلد ، أنا ما كنت جايبة خبر ، الصباح ، امي قامت بدري ، سوت لينا زلابية و شاي الصباح باللبن ، قامت قشت الحوش ، و رتبت البيت كويس ، و لبّست اخواني هدوم نضيفة. ضحكت أنا و قلت ليها ، اصلو الدنيا عيدية يا زهرا ..!
    ابتسمت و قالت لي : انتي عارفة يا صفية ، في اليوم ده قبل سنتين ، ابوك مات ، عشان كده ، كل ما يجي اليوم ده ، انا بحاول أخليهو مختلف شوية ، على ألأقل ، اقول لي روح ابوكي انو نحن لسع حافظين الأمانة ..!
    ثم أجشهت بالبكا ، بكت أمي بحرقة ، قشيت ليها دموعها ، و قلت ليها ، خلاص الليلة أنا ح اشتغل دبل ، عشان يوم الجمعة نمشي المنتزه نتفسح . مرقت من البيت ، و امي تدعي لي بالبركة و تسأل ربنا يحفظني و ينجيني من شر العوارض..!
    اشتغلت بي مزاج و عملت قروش تمام ، ربنا فتحها علي ، الفول و التسالي بتاعني ، كملوا الساعة تلاتة ضهر بدري بدري . قعدت اساعد سيدة بت النوبة لغاية الساعة اربعة بالمسا .. ودعتها و ركبت المواصلات . وصلت ، البيت كان هادي ، الناس التقول جايبين ليها خبر موت..!
    سألت اختى مشاعر ، قالت لي أمي دقوها ، و هسع ياها ديك راقدة جوه الأوضة . دخلت الأوضة ، لقيت جاراتنا زينب ام سعيد و التومة بت حسب الرسول و حبوبتي ، قاعدات فوق راس أمي . أمي كانت غمرانة . في أول الأمر ما عرفتني ، بعد شوية قلت ليها أنا صفية يا امي..!
    الدنيا بقت مغربية ، قالت لي ، خلي النسوان ديل يطلعن بره ..طلعت النسوان ، و جيت راجعة ليها ، قعدت توصي فيني وصاية المفارق ، حسيت بالدنيا بقت في وشي ضلام في ضلام ..!
    قلت ليها : وريني الدقاك منو عشان نفتح فيهو بلاغ ..!
    قالت لي : جلدتني المحكمة عشان ولدت بالحرام..!
    و بدون ما اشعر ، قلت ليها ك خلاص نعمل عريضة و نفتح بلاغ في المحكمة ..!
    ضمتني امي عليها ، و سكتنا .. بعد شوية قلت لنفسي : يا صفية يا مجنونة ، ياتو محكمة بتقبل منك عريضة شكوي ضد محكمة تانية..!!
    جرت الدموع في وشي ، خرت خرير المويه في البحر ، تماما حسيت أني مره و بت مره و مغلوبة كمان ..!
    طلعت بره الحوش ، الدنيا كان فيها قمر اربعطاشر ، عاينت لوش القمرة زي دقيقتين و مرقت . مشيت لي جارنا يوسف سيد البوكسي . و طلبتو في مشوار ، جا هو معاي ، و سقت امي لمستشفى امدرمان . ناس الحوادث في مستشفى امدرمان ، ابوا يدخلوا امي ، اتلويقوا معانا و عصلجوا . حلفوا بي تربة المهدي الإمام ، ما يعالجوا أمي الإ بعد ما نجيب أورنيك جنائي ..!
    قصة الأورنيك الجنائي دي ، ما كانت واقعة لي ولا فاهماها خالص ، سألت يوسف سواق البوكسي ، اداني ضهرو و مشى عدل على البوابة ، و ساق البوكسي و رجع الحلة .
    قرّبت أجن ، أمي مجدوعة ، و الدكاترة و الممرضين و الممرضات و العيانين و العينات ، خلق ماشة و خلق و جاية ، و زول عبرني مافي . قعدت أبكي و أمي مرمية جنبي في الممر ، لا ورا لا قدام . بعد شوية ، جاتني واحدة خضرا ، سمينة و مشلخة ، قالت لي : مالك يا بت بتبكي ؟.. قلت ليها : مافي حاجة ..
    نهرتني وقالت لي : و انتي قايلة دي دار عزاء ، يللا قومي شوفي درب بيتكم وين ..!
    أمي حركت راسها و عاينت للمره بطرف عينه التعبانة ، المرا قلبها حن و جات على أمي ، حاولت تتكلم معاها و امي ما قدرت ترد عليها ، وصفت بايدها عليّ. رجعت المرا و سألتني ، المرا دي بتبقى ليك شنو؟
    قلت ليها : دي أمي ..
    قالت : مالها ، شاكية بي شنو؟
    قلت ليها : دقوها فوق ضهرها .. !!
    قالت لي : و الدقاها منو؟
    قلت ليها : دقوها ناس محكمة أمبدة وسط..!
    سكتت المرا الخضرا السمينة ، شلوخها اتملت بالدموع و مشت. بعد شوية ، دخلوا ناس المستشفى و مرقوا ، الزحمة حصلت ، شالوا امي ، قلت ليهم مودينها وين ، قالوا لي غرفة العناية..!
    دخلونا مكتب كبير , و جانا كبير الدكاترة ، كان راجل شيبة .. أصلع من قدام ..و سألني ، قال لي : أنتي متأكده أنو امك دي دقتها المحكمة ؟
    شعرت بالضيق ، و صرخت فيهو و قلت ليهو : دقتها محكمة جنايات محكمة امبدة وسط عشان ولدت بالحرام ..!
    بدون ما اشعر مسكني الراجل و ضماني على صدروا قدام الممرضين و الممرضات و الدكاترة ، و بكى .. بكى زي الشافع الصغير ، و قال لي بي شهيق : يا بتي أنا ما سألتك دقوها لي شنو ، لكن دي الإجراءات عاوزه كده ..!
    ران الصمت لمدة عشرة دقايق ، و قاموا مشوا لأمي . قعدوا معاها لمدة ساعتين . و لمن دخلت عليها ، كانت ملفوفة في شاش أبيض ، بس عيونها و نخرينها بره . ركبوا ليها دربات كتيرة ، و زي الساعة اتنين صباحا ، جاني الدكتور سألني : أهلك وين ؟
    وصفت على أمي ، و قلت ليهو ما عندي أهل غيرها ..!
    هزا راسو و مرق بي سرعة ، جاتني المرا المشلخة السمينة ، و كان اسمها ست الدار ، قالت لي : يا بتي أنا ذاتي من الغرب ، و عديني زي خالتك واحد ، و احكي لي الحاصل عشان أساعدك ..
    كلمتها أننا ساكنين في دار السلام امدرمان ، و حكيت ليها عن اخواني الصغار ..
    قالت لي : خلاص ، ألحقي مواصلات الصباح خفيفة ، امشي لأخوانك و العصر تعالي راجعة سلمي على أمك ..!
    رجعت البيت ، النوم اتكسر في عيوني ، سويت الشاي لأخواني ، و سويت ليهم الفطور ، قليت الفول المدمس و التسالي بي سرعة . زي الساعة اطناشر خلصت و شلت الحاجات و مشيت الشغل ..!
    لقيت سيدة بت النوبة و مودة بت الفور ، سألوني بي لهفة ، مالك انشاء الله خير يا صفية ؟
    و قبال ما ارد عليهم ، قالت سيدة بت النوبة بالهظار : أمبارح كنتي مرفوعة و لا شنو؟
    بكيت بي حرقة ، و لمن شافوا دموعي صدقوا الحكاية ، و بكوا معاي ، و حكيت ليهم كل الحاصل. قامن زحن مني شوية ووسوسن . جوني راجعات ، صرن لي قروش في طرف طرحتي ، و حلفن على ما أشتغل ..!
    شالن مني الفول و التسالي ، و قالن لي ، ارجعي البيت يا صفية . بعد شوية القصة جرت ، أولاد الورنيش جابوا لي حقهم ، و ناس العمارة القريب قريب ، كل زول طلع شوية قروش . سيدة بت النوبة مشت معاي لغاية مواصلات امدرمان في الجامع الكبير ، و قالت لي : عليك الرسول يا صفية ما تجي للشغل لغاية ما الحاجة تبقى كويسة ، و نحن كل يوم بالمسا ح نجيك في البيت ..!
    رجعت البيت مبسوطة ، معاي أبو الدُندُر يقلب الككو.. !

    أشتريت لأخواني خضار و موز و رجعت ..
    أمي رقدت في المستشفى زي تسع أيام ، و خرجوها . كل يوم سيدة و مودة قا عدين يجوني في البيت ، و بعد اليوم التالت رحلوا معاي في البيت في دار السلام .


    ***
    لا أدري بالضبط ما حدث ، و لكني كنت أهتز من حرقة البكاء ، و انا جالس في كافتيريا القانون قبالة شارع الجامعة ، و كانت اٍمتثال تحدقُ في وجهي برعب ، و الدمع يتحدر فوق خديها هي الأخرى ، و بالقرب منها ابراهيم باخت و جلال شايب .. سألني جلال : في شنو يا حماد ، جاك خبر ولا شنو؟
    قلتُ : أنا كويس يا جماعة ..!!
    و قمتُ أجرجر اقدامي نحو البركس..
    في داخيلة عطبرة (أ) ، دخلت الغرفة (2) التي كنا نقيم فيها أنا و جلال و سليمان و عبد السلام ، كتب عليها عبد السلام (فرجينيا ) تيمنا بحلم عصي ، تتكلله لهفة الخروج و السفر نحو البر ، اي بر كان ..!
    رقدتُ على سريري ، و هربتْ صفية و حكاياها عن ذاكرتي . رجوتها أن تعود لأني قد تفرغتُ لها تماما ، و لكنها أبت أن تعود..!
    اقبلتُ ، أتصفح ُ كتاب فلسفة القنون لصاحبه اللورد لويد اوف هامستيد ، بشراهة و نهم..!

    ريجاينا ستي - ابريل/نيسان 2006

    دمتم..

    كبر
                  

05-31-2012, 06:44 AM

Kabar
<aKabar
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 18537

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: " دروب العيش" فصل من رواية كتبتها..! (Re: Kabar)

    up
                  

06-02-2012, 07:48 AM

بله محمد الفاضل
<aبله محمد الفاضل
تاريخ التسجيل: 11-27-2007
مجموع المشاركات: 8617

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: " دروب العيش" فصل من رواية كتبتها..! (Re: Kabar)

    شكراً يا كبر

    شكراً جدا
    على استضافة رغبتي الملحة
    في الخوض ببراحاتٍ ثرة
    من الدقة
    سرداً
    وإنسانية
    وإضافات حقيقية لقارئ
    .
    .
    .
    .



    محبتي واحترامي
                  

06-02-2012, 09:01 AM

حبيب نورة
<aحبيب نورة
تاريخ التسجيل: 03-02-2004
مجموع المشاركات: 18581

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: " دروب العيش" فصل من رواية كتبتها..! (Re: بله محمد الفاضل)

    أتوكل علي الله


    أبا كبر كيفنك
                  

06-02-2012, 09:13 AM

Kabar
<aKabar
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 18537

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: " دروب العيش" فصل من رواية كتبتها..! (Re: حبيب نورة)

    بله..حبابك يا صديقي
    كدت ان اقول (طـــوبى للغرباء)..
    كل اليوم ابحث عن هذا الخيط لسحبه و سحب محتواه..!!!
    و لكن..!

    كتر خيرك على المرور يا بله..و امنياتي ان تخرج هذه الكلمة..ان شاء الله تتلف بيها حبة تسالي ولا مدمس..ولا حبة طاعمية..فقط..تحوم في ارض الكتاحة العظيمة..

    كبر
                  

06-02-2012, 09:16 AM

Kabar
<aKabar
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 18537

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: " دروب العيش" فصل من رواية كتبتها..! (Re: Kabar)

    حبيب نورة..حبابك يا صديقي

    كتر خيرك على المرور من هنا..
    بالجد يا صديقي الواحد حس بالحرج..يقعد يسأل في الناس..

    المهم..

    كبر
                  

06-02-2012, 09:37 AM

بريمة محمد
<aبريمة محمد
تاريخ التسجيل: 04-30-2009
مجموع المشاركات: 13471

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: " دروب العيش" فصل من رواية كتبتها..! (Re: Kabar)


    ول أبا كبر

    حضور ومتابعة .. قريت المقطع رقم واحد .. وشدانى جداً أن أعرف الحصل شنو ..

    بالتوفيق بإذن الله حتى يرى العالم باكورتك الأدبية.

    بريمة
                  

06-03-2012, 00:44 AM

Kabar
<aKabar
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 18537

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: " دروب العيش" فصل من رواية كتبتها..! (Re: بريمة محمد)

    ول ابا بريمة..حبابك
    لينا طولة..كيفك و كيف العيال..

    الرواية فيها شخصيات كثيرة للغاية..و تبدأ بنفس نهجنا الذي نكتب به هنا..يعني في كل عمل بنقوم نكتب اسطورة (عباس يختار زمن السكوت ، اختفاء ، تخطيط جانبي لوجهها).. و باقي العمل يقوم على تلك الأسطور,,

    و الأسطورة في رواية التعاريج..فيها افصاح الواحد ما مستعد يختو هنا في منبر اليومين ديل..و لكن نديك راس الخيط ..الأسطورة اسمها (القدح)..و فيها رصد لتجربة بطل الرواية (حماد حميدان)..و هو طفل و شاهد تجربة قعاد القدح في احد الأعراس.. فصارت تجربة و خبرة ملازمة له طيلة العمر وساعدته في تفسير كثير من الأشياء التي تحدث من حوله..

    المقطع (1) هو المدخل لتعريف بشخصية مسار عبد الغني..و حياتها موازية لشخصية صفية عبد الكريم..و التي هي ايضا يتم تعريفها لأول مرة في عالم الرواية عبر المقطع المذكور هنا..و الرابط بين كل الشخصيات هو بطل الرواية حماد..و التناقضات التي تجابهه من مختلف اشخاص الرواية و احداثها..
    في داخل الرواية استصحاب لأحداث حقيقية وقعت في يوم ما في جامعة الخرطوم (اغتيال بشير ، التاية ، سليم ، طارق)..و ظل البطل حماد قريبا منها..و تمت اعادة انتاجها دراميا..حتى تتوافق مع ريتم الحكي في الرواية..

    ليس في الرواية أي تعقيدات فكرية أو اخلاقية أو فلسفية.. يعني مافي غموض نوهائي..و انما السرد يعتمد المباشرة و لغة المحكي اليومية..و كل ادعاءها انها ذاكرة واقع تلتقط تفاصيل معينة و تحاول ان تضعها في مشهد الإهتمام العام..و بعد داك ناس النقد ممكن يجوا و يعملوا التخريجات و التأويلات الممكنة.. و ممكن يكتشفوا فيها تعقيدات اخلاقية و فلسفية و فكرية و اجتماعية..!
    عموما هي عن الجنون ، الحرية ، القدرة على احتمال اكتشاف الآخر..الخ
    بدأت كتابة الرواية في سنة 2000 و شطبتها في 2011 ..و كنت اتردد في نشر أي جزء منها لأني كنت مصر أن تكون أول رواية منشورة في شكل كتاب..و كنت ادخرها كمدخل تعريفي لمحاولاتي في الكتابة..!

    كتر خيرك يا بريمة..
    كبر
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de