|
( وجيدة لوحة تشكيلة لقريب الله محمد عبد الواحد ) / الليندي
|
امتثالاً لطلب الأخ العزيز / أيوب خليل هاأنذا أعيد نشر هذا الموضوع والذي سبق وان تم نشرة في جريدة البيان وعبر الإنترنت في الملف الثقافي لجريدة سودانايل ومعذرة لكل من قراء هذا الموضوع من قبل
( وجيدة لوحة تشكيلة لقريب الله محمد عبد الواحد )
الشعر الرمزي هو المماثل للرسم التشكيلي ، حيث تصبح الكلمة والريشة في الاثنين معاً أداتاً للتصوير وصياغة اللوحة المتعددة القراءات والجمل المستبطنة ، مساحتاً لانفتاح الذاكرة والوعي والخيال ، عندها يكون من الضروري أن نخلق لباطن هذا الحس الجمالي مفتاحاً تحليلاً يناسب قدرتنا في الوعي وفي الخيال . ولأن النص المراد تحليله حمال لعدة اوجه فمنّا من يرى إن وجيدة هي الحبيبة أخر يرى إنها الوطن كان لابد أن يتم تفكيك النص دون فرض أي نظرة ذاتية ، مع إلقاء الضوء للبعد الدرامي في الأداء للأستاذ / مصطفى سيد أحمد . النص : -
بعيد عني خطاك ما لامست وجه الطريق ومشيتي لا فوق غيمة لا ظني
يبدو واضحاً أن العلاقة بين الشاعر ومضامين وصفه هي التحسس واللمس الشفيف الذي لم يزله البعد أو يضعف ملامح الرؤية لديه ، فقد صارت المسافة عنده قوة معنية لهذه الشفافية لذلك هو يدرك تماماً أنها برغم بعده المكاني والزماني عنه تخطو على واقع الحياة بإصرار الحركة وعدم التوقف . فهي لا تلامس وجه الطريق ولا حلّقت في تخيّل غيبي في الغيمة أو في ظن الشاعر . ويتجلى البعد الدرامي للأستاذ مصطفي سيد أحمد في ترديده لكلمة ( مشيتي ) حتى تحس بالآسي في صوته وعدم الرضا من حركة وجيدة .
كأنك من وراء صفحة زجاج مبلول وراك الريح وقدامك مدى السكة ونداء المجهول أنادي إليك .. أنادي إليك أنادى إليك وجيدة .. وجيدة .. وجيدة لا إتلفتي لا لوحتي بأيديك
تأخذ هنا الملامسة وسطوة الإحساس الذاتي للشاعر صورة تشكيلية بالغة المضامين والتعدد ، فوجيدة قد صارت طشاشاً جميلاً للرؤية الحسية بفعل الزجاج والبلل لكنها واضحة الخطوة والحركة ، وكأن الريح التي خلفها فعل غيبي يزيدها قوة دفع أخرى خارج سلطة الزمان فعمت بذلك صعوبة مناداتها وكثفت البون الشاسع للخطاب والتلاقي الفكري بينها وبين الشاعر ففتحت لها طاقة المجهول وسدت منافذ الزاد التي يريدها لها الشاعر . فلا أفلحت معها محاولة النداء المستميت ولا صدرت منها التفاته أو تلويح كوداع أخير وهي تسرع تجاه نداء المجهول . ويتضح ذلك جلياً في الأداء الدرامي لأستاذنا مصطفى في المقطع (أنادي إليك .. أنادي إليك ... أنادى إليك وجيدة .. وجيدة .. وجيدة لا إتلفتي لا لوحتي بأيديك ) حتى يتسرب للمتلقي توسله ورجاؤه بتكراره للنداء الذي لم يجدي بعد هذا كله في إصغاء وجيدة له وللشاعر .
أنادي إليك .. أنادي إليك ... أنادى إليك أنادي إليك يجاوبني المدى الفاتح مدارج الهم بتبقي وجيدة طعنة سيف موسدة في شق السماء المرسوم وسادة دم وتبقى أيدينا في أيديك وفي شعرك وفي المنديل
يتضح الفعل الدرامي للأستاذ مصطفي في بداية هذا المقطع اكثر حزناً ألماً ويعمّق ذلك الفعل بتكراره لكلمة (أنادي إليك .. أنادي إليك ... أنادى إليك) بحرقة حتى يصبح الآسف والحسرة إحساساً سائداً ، فلا تكرار النداء افلح في التفات وجيدة لتغير مسار خطاها ولا افلح في انتزاع أمنية الوداع الأخير فينفتح الهم .. والجرح الغائر لمدى الموت وينكسر الاحتمال ليصبح الخيال هو الحل الممكن للازمة ( أيدينا في أيديك .. وفي شعرك ..وفي المنديل ). يقول الفيلسوف المحدث فردريك نيتشه ( في معظم الأزمات يصبح الخيال أكثر قدرة وأمضى قوة من الوعي على مداواة الألم والجراح والحزن ) .
|
|
|
|
|
|