|
ودعتني وهي تـلـوح قـائلةً
|
شعرت بالخوف ذات يوم ، فأخذت أبحث عن أسباب الأمان هنـا وهنـاك ، حـتـى أصـرف عـني نفـسـي ما ألـمّ بهـا مـن هـواجـس الخـوف والاضـطـراب ، فـأمسكـت بمجـلة كـانت بجـواري ، وأخـذت أقلب بين صفحاتها ؛ لعل ذلك يزيل ما نزل بنـفـسي من الضيـق والاكتـئـاب ، غـير أن إحســاسي بالخوف والقلق تزايد بشكل كاد ينخلع معه قلبي فسـارعت بفتح جهـاز التلفاز ؛ لعـلي أجد بين قنواته ما يصرف عني نفسي شعـورها بهذا الجحـيم ، إلا أن هذا الشعور تعـاظم ؛ حتى أضـحى كالشـبح الـذي أخذ يتهـيأ ؛ كي ما يجـثم عـلى صـدري ، وحيينهـا نهـضت مسرعاً نحو كتاب ربي ، أفتح دفتيـه بلهـفة اللاهث ؛ أبحـث فيه عن النجـاة مما ألمّ بي ، وما كـاد لسـاني يلهـج بذكر الله تعـالى تاليـاً أولـى آيــاته ؛ حتى فاضت من عيني دمعة ! ! فسألتها : ماذا وراءك أيتها الدمعة ؟! فـأجـابتني وهي تسـيـل حـارةً عـلى مـدمـعـي : لقـد طـالـت الوحـشة بينـك وبين ربك ، ومنذ سنـوات وأنت لم تـقــرب القـرآن ؛ حتى جفّ لسـانك عن ذكـر الله ، وأصاب قلبك ما أصابه من القسوة والغلظة !! فأجبتها متأسفاً على حالي : لقد جرفتني مشاغل الحيــاة ، فماذا أفعل ؟! فقالـت : إن حيـاتك وموتك ، وسعـادتك ورزقـك ، كلها بيد الله ، فـلمـاذا تـذهـب بعـيداً أيهـا المـسـكين ، وتلهـث وراء السـراب ؟ لقد خـُدعـت بطـول الأمـل ، الذي صرفك بالفعل عن خير العمـل ، وغداً ستقدم على ربك فيحاسب على ما فات ، فماذا ستغني عنك الدنيا بأسرها ؟! إن فـوزك وسعـادتك الحـقيقية أن تغـتنم فـرصة حيـاتك في القـرب من الله ، فبقربه ستشعر بالأمان ، وسـوف تهنأ لك الحيـاة بكـل ما فيهـا ، فإذا ما أنعم الله عليك ، واستشعرت لذة الطـاعة بحـقٍ ، فـإن معـنى السعادة حينئذ قد جمع بين يديك حين تستشعـر أن الـدنيـا قـد حـيزت لك بـأسـرهـــا ، متمثلـةً في شعـورك بالأمـان على الحاضـر ، وشـوقك إلى ذروة النعـيم في ما عـند الله من النعيم في روضات الجنان ، فـلمـاذا تحـرم نفـسـك من عـظـيم هـذا الخـير يا مسـكيـن بمتاع قصير ، سريع الزوال ؟! ارجع إلى ربك . . وكن على يقين أنه أرحـم بك من الوالدة بولـدهـا ، بل إنه سبحانه يفـرح بتـوبة عبده ، ويباهي بها ملائكـته وهـو الغني عنه ! ! فاجعـل من لحظتك هذه بداية الطـريق نحـو النجـاة ، وتأكـد من أننـا ســوف نلتـقي مـرة أخـرى بـل مـرات ؛ حتى تقـر عـينيك برؤيـة وجـه ربك ذو الجلال والإكرام في أعالي الجنان . وحينها . . سوف تنحدر على مدمعك دمعةٌ . . بل دمعات ، ولـكـنهـا وقـتـئـذٍ ستـكـون دمـوع الفـرح بلقــاء مـولاك ثـم ودعتني وهي تـلـوح قـائلةً : " عينـان لا تمسهما النار . . منهما .. عين بكت من خشية الله ".
|
|
|
|
|
|