زفرات حرى
الطيب مصطفى
[email protected]
وهل يفرخ الإرهاب إلا في هذا المناخ؟!
ويأبى القائم بالأعمال الأمريكي في الخرطوم روبرت وايتهيد إلا أن يحشر أنفه ويطلب المستحيل كما لو كان السودان مستعمَرة أمريكية تماماً كما ظل بنو جلدته الأمريكان من لدن ناتسيوس ووليامسون ودانفورث ثم جون كيري رئيس لجنة العلاقات الخارجية بالكونجرس الأمريكي وإسكوت غرايشون المبعوث الرئاسي الأمريكي، ففي آخر تقليعات هؤلاء المتغطرسين أطلّ علينا وايتهيد بتقليعة جديدة حيث قال إنه «من غير المنطق سحب الجنسية من الجنوبيين»!!
هذا الحقير يقول ذلك بالرغم من علمه أن التجربة العالمية خاصة في حالات تقرير المصير تحرم الشعب المستفتَى الذي اختار الانفصال عن الدولة الأم.. تحرمه من جنسية الدولة التي اختار أن يغادرها بكامل قواه العقلية، وبالرغم من علمه أن هذا أمرٌ يحسمه الدستور المتفق عليه من قِبل الطرفين اللذين وقّعا الاتفاقية!!
عجيبٌ والله أمرُنا أن نظل ساحةً لتدخل هؤلاء الأوغاد الذين نعلم أنهم لم يكونوا في يوم من الأيام محايدين بيننا وبين الحركة الشعبية وشعب جنوب السودان!! عجيبٌ أن نكرر قصة محمود عباس أبو مازن في بلادنا والذي يرضى بالوساطة الأمريكية بينه وبين إسرائيل بالرغم من علمه أن أمريكا ليست محايدة وإنما منحازة لإسرائيل!! عجيبٌ أن نمنح هؤلاء الأمريكان ونهديهم العطايا بدون أن يدفعوا ثمنها بالرغم من علمنا أنهم لا يُضمرون لنا إلا الشر!!
كنا والله نعلم أن الإدارة الأمريكية الحالية كانت تسعى ومستعدة لأن تبذل وتعطي وتتنازل في سبيل تعاوننا في شأن الاستفتاء الذي لم تُخفِ البتة تهافتها وهرولتها لإقامته حتى تحقِّق به مكسباً يُنقذ سمعتها ومكانتها لدى شعبها خاصةً بعد أن تدنت مكانة أوباما لدى الناخب الأمريكي لكن «من خلّ عادتُه قلت سعادتُه» كما يقولون وهل يملك من اتخذ التنازل والتراجع منهجاً وسياسة دائمة لا يحيد عنها أن يغير أو يبدل من تلك السياسة التي لم يجنِ منها سوى الحنظل؟!
أمريكا تعلم أن الرئيس البشير كان ولا يزال هو صاحب القرار في السودان وما كان للاستفتاء أن يتم لولا موقفه المبدئي الذي التزم به وبالرغم من ذلك تُرسل مبعوثيها إلى السودان ويتأففون عن مقابلة الرجل الذي يعلمون أنه المُمسك بمفاصل القرار في السودان بينما يقابلون من هم دونه ولا نعترض أو نشترط بل نستكين ونرحِّب!!
كان بإمكاننا أن «نمرمط» أمريكا ونضع شروطاً مكتوبة شبيهة بذلك الالتزام الذي تأبّطه جون كيري قبل أن يقفل راجعاً إلى بلاده ويصرِّح بأن الحكومة السودانية قدّمت له تعهداً مكتوباً بأن يُجرى الاستفتاء في مواعيده... كان بإمكاننا أن نجرِّب أن نفعل ما تفعله إيران أو كوريا الشمالية أو سوريا ولكن!!
ها هو وايتهيد يشترط بعد أن ضمن الاستفتاء وبعد أن مُنحت إدارته عطاء بلا مقابل.. يشترط ويقول: «إن الولايات المتحدة ملتزمة بتطبيع العلاقات مع السودان ورفع اسمه من قائمة الإرهاب حال اكتمال تنفيذ اتفاقية السلام وحل مشكلة دارفور»!! يقول ذلك رغم علمه أنها عبارات مفخخة لا تستطيع أن تُمسك بطرفيها ولا أن تحدِّد أبعادها!!
نفس السيناريو القديم يتكرر فقد جربنا أن نصدق أمريكا وتخذلنا مرات ومرات ذلك أن أمريكا دولة تافهة مجردة من الأخلاق فهل نسينا وعودها التي قدمتها قبل نيفاشا برفع العقوبات وحل مشكلة دارفور والتي نقضتها قبل أن يجفّ حبر نيفاشا ثم وعودها قبل توقيع اتفاقية أبوجا والتي داستها بقدميها فور توقيع تلك الاتفاقية بموافقتها ثم هل نسينا كلامها الكثير ووعودها قبل الاستفتاء الذي جرى مؤخراً ونكوصها بمجرد إجراء الاستفتاء وقبل أن تُعلَن النتيجة رسمياً؟! وأخيراً يخرج علينا أوباما بمقترح تقرير المصير لدارفور!!
أمريكا تنسى أن الحكومات قد تنبطح وتتنازل لكن هل يولد الإرهاب «المحمود» إلا في مثل هذا المناخ وهل ينفجر الشعب وتفرخ القاعدة ويحيا فكر الشيخ بن لادن إلا في هذه الأجواء المترعة بالظلم والاحتقار؟!
مع من يحتفل الطيب مصطفى؟!
أحدهم كتب من خلال عمود لصحفي شاب ساذج وقليل التجربة ومحدود الثقافة يمتلك صحيفة أقام فيها سرادق عزاء ظل يلطم فيه كل يوم تقريباً الخدود ويشق الجيوب ويدعو بدعوى الجاهلية.. الكاتب الهمام تساءل: مع من يحتفل الطيب مصطفى؟! ثم قال إن أكبر المحتفلين بالانفصال هم الأمريكيون والأوربيون والإسرائيليون وهي الحجة التي ظن الرجل أنه وجّه بها لطمة قاسية وألحق هزيمة ساحقة ماحقة بالطيب مصطفى ذلك أنه ينبغي للوطنيين حسب رأيه أن يتخذوا مواقفهم بالتضاد مع الأمريكان وغيرهم من الأعداء بما يعني أن الموقف الصحيح ينبغي أن يكون رد فعل يكون دائماً على النقيض من الموقف الأمريكي ولا ينبغي بأي حال أن يكون موقفاً أصيلاً مبنياً على حيثيات تصدر عن مرجعيات عقدية أو فكرية أو مصلحية!!
أعود لسؤال هذا المسكين الذي لا يزال عاكفاً في محراب الوحدة يتعبد ويذرف الدموع السخينة مع ذلك الصحفي الساذج: مع من يحتفل الطيب مصطفى؟!
مساء أمس اتصل بي شخصٌ لا أعرفه من قبل وقال إنه كان قد نذر بأن يذبح خمسين ثوراً، أكرِّر خمسين ثوراً، على حسابه إن حدث الانفصال ثم اتصل في اليوم التالي قُبيل كتابة هذا المقال من المويلح ليقول لي إنه قد فرغ من شراء تلك الثيران وتحدث معي وآخرون كانوا معه حديث المؤمنين بالفكرة المستعدين للبذل في سبيلها وبعد أن تعرفت عليهم أحلتهم إلى الأخ ساتي سوركتي الذي واصل معهم بعد ذلك.
أقسم بالله العظيم أنه لم يمضِ على حديث الأخ أحمدون المتبرع بالثيران ساعة أو اثنتان حتى اتصل بي من شرق السودان الأخ محمد كرار ليقول إنهم جمعوا حتى الآن ثمانين خروفاً للاحتفال في ولاية كسلا!!
ما المشكلة يا أخي أن تفرح إسرائيل وتفرح أمريكا ويفرح الطيب مصطفى ويفرح الملايين غيره ممّن نشرت وكالة السودان للأنباء «سونا» بمصداقيتها العالية استطلاعاً عنهم؟! لا مشكلة البتة في أن يتقاطع موقفنا مع الموقف الأمريكي ويتطابق حول بعض القضايا فكلٌّ يغني على ليلاه فأمريكا كانت على سبيل المثال تدعم الجهاد الأفغاني نكاية في الاتحاد السوفيتي وكنا ندعم الجهاد الأفغاني انفعالاً بشعيرة الجهاد ضد المستعمِر السوفيتي وبغضاً ورفضاً للشيوعية الكافرة أن تحكم بلداً مسلماً وما كنا سنُحجم عن دعم الجهاد هرباً من تطابق موقفنا مع الموقف الأمريكي.
أمريكا وإسرائيل وأوربا لهم مصالح في جنوب السودان ونحن لنا مصلحة في أن ينزاح عنا جنوب السودان حتى ينعم وننعم بسلام دائم بعيداً عن الحرب التي أهلكت الحرث والنسل!!
هل كان الجنوب بعيداً عن إسرائيل في يوم من الأيام؟! أما اعترف جوزيف لاقو من قديم بدعم إسرائيل لحركة أنيانيا التي كان يتزعمها خلال فترة الستينات وبداية السبعينات حتى توقيع اتفاقية أديس أبابا عام 1972؟
أما اعترف عميل الموساد موشي فرجي في كتاب أصدره بعلاقة إسرائيل المتواصلة منذ إنشائها ثم خلال فترة الحركة الشعبية بجنوب السودان؟!
ألا توجد إسرائيل اليوم ومنذ أن حكمت الحركة الشعبية جنوب السودان عقب توقيع نيفاشا.. ألا توجد في جوبا سياسياً واقتصادياً؟! أيهما أفضل وأكثر أماناً للسودان أن يظل موحداً بما يتيح دخول الإسرائيليين إلى الخرطوم والشمال عبر جوبا التي يدخلها اليهود من تلقاء الجنوب أم أن ينفصل بما يمنع دخول الإسرائيليين من جوبا التي ستصبح عاصمة دولة أخرى أجنبية يحتاج القادم منها إلى تأشيرة دخول؟!
أليست بريطانيا هي من ورطنا في هذه الوحدة اللعينة مع جنوب السودان؟! ألم ينفجر التمرد قبل أن يخرج الإنجليز من السودان؟!
ألم تحتضن أمريكا جون قرنق منذ أن تبنّته أيام الدراسة الجامعية وفوق الجامعية بمنحة كاملة استعداداً لدوره المستقبلي بما يخدم الأجندة الأمريكية؟!
على كل حال لقد عرفتُ هذا الجاهل الذي تقيأ هذا الهتر السطحي «ولتعرفنّهم في لحن القول» فمن غير الشيوعيين وبني علمان يهاجم رابطة علماء الإسلام ومن سمّاهم بالمتزمتين ومن يدافع عن فتاة الفيديو ويحشرها حشراً في مقاله متجاهلاً بيت الدعارة الذي أفسدت به الحرائر من فتيات السودان ومتهكِّماً على شريعة الله العزيز غير بني علمان وغيرهم من المنافقين؟!
أؤكد لهذا المسكين وغيره من الأخسرين أعمالاً الذين ضلّ سعيُهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً.. أؤكد له أن معركتنا معهم مستمرة ولن تقتصر على الوحدة والانفصال إنما هي معركة دفاع عن هُوية هذه البلاد من أن يطأها الأقزام من بني علمان.
ترحب سودانيزاونلاين بجميع الاراء الحرة و المقالات ,الاخبار و البيانات لنشرها فى هذه الصفحة.ويمكنك لزوارنا الكرام ارسالها الى [email protected] كما نرجو ذكر الاسم الحقيقى و الكامل و مكان الاقامة مدة بقاء المقال فى هذه الصفحة 10 اعوام
أعلى الصفحة