مشروع السودان الجديد.. خداع رومانسي
خالد الاعيسر*
khalidi32@yahoo.com
ليس مدهشاً أن ينقضي أمر السودان بالانفصــــال، وقد نــــما في عقول النخبة من
|
خالد الاعيسر |
أبناء الجنوب أن أمر الوحدة مع الشـــمال خارج ســـياق الاستراتيجية، التي دفعتهم لتوقيع اتفاقية نيفاشا في العام 2005.
في المقابل ثمة مغالطة أن يتوقع الشماليون مفاجآت في استحقاق الاستفتاء، خاصة اذا نظرنا للتراكمات والمرارات التي صاحبت مسيرة العلاقات تاريخياً مع الجنوبيين، والتي تفاجأ بها البعض بعد فوات الأوان، من خلال الصفعة الكبرى التي تجسدت بياناً في تصويت الغالبية الساحقة من جنوبيي الشمال لصالح خيارالانفصال.
السودانيون في الشمال والجنوب على طرفي نقيض منذ العهد الاستعماري الأول، ولا تتوافر في اثنياتهم العرقية المتنافرة عناصر الانسجام التي من الممكن أن تجعل أمة بكل هذه التقاطعات والخلافات على قلب رجل واحد، وإن زعمنا غير ذلك نكون مخطئين.
العلاقات تاريخياً تتأرجح تحت تأثير التباين الطبقي والاقتصادي والعرقي، والفوارق الاجتماعية والدينية التي شكلت أساسا لحالة التنافر، التي تحدثت عنها شواهد بدأها المستعمر في ما عرف بسياسة المناطق المقفولة، وانتهى بها الانقاذيون الى محطة الانفصال التي أضمحل بعدها الأمل أو كاد في قيام دولة سودانية موحدة بعلاقات جديدة وقيم مشتركة.
ومهما يكن من أمر فان سودان ما قبل الاستفتاء، مثلت الوحدة الجاذبة فيه حالة (خداع رومانسي)، عاشها الساسة تعويضاً لنواقص اتفاق ثنائي مشلول، لم تتوافر فيه عناصر الثقة والقبول، لا سيما أنه مهد ضمن بنوده الطريق لعلاقة تضاد تُنافي الشواهد فيها الواقع الوحدوي بمفهومه الفكري.
لقد كانت العلامة الواضحة في اتفاق نيـــفاشا تشاكس الطرفين، بتلكؤ الشمال في تنفيذ التزاماته في حق الجنوب والجنوبيين بهدف ابطاء تطبيق نظرية مشروع السودان الجــــديد فكراً ومنهجاً، بينما عمد الجنوبيون في المقابل الى إخفاء نواياهم الانفصـــالية، على أمل تحقيق مكاسب اقتصادية تتيـــح للدولة الوليدة الوقــــوف على قدمين، وآخر تلك المواقف تجسد في نكوص الحركة الشــــعبية عن قبول قيام الدورة المدرسية القومــــية بالجنوب، قبيل الاستفتاء بأيام معدودة، بحجة قصف القوات المسلحة السودانية لمناطق في ولاية بحر الغزال، بعد أن تم بناء عدد كبير من المؤسسات الأمنية والعسكرية الاستراتيجية التي ارتبطت نظرياً بالمناسبة الرياضية، بينما المؤكد أن الساسة الجنوبيين لا يريدون أن تكون المناسبة مدخلاً لتزكية فرص الوحدة، بدفع المواطنين البسطاء للتعبير عن إرادة الوحدة بفضل تلك المجهودات.
الواقع يؤكد أن الجنوبيين كانوا ولايزالون في المخيلة الشمالية غير مؤتمنين على أرواح واعراض وأملاك أهل الشــمال، في وقت مثل الشماليون في الذاكرة الجنوبية عبئاً ثقيلاً، قوامه التسلط والتعالي والقهر وهضم الحقوق واستغلال الموارد الطبيعة المكنوزة في أراضي الجنوب.
هذا الواقع التنافري يؤكد ان الدعوة للوحدة الوطنية كغاية في حد ذاتها بين شمال السودان وجنوبه، حالة يلزم لها الاثبات كرغبة فعلية تحرك الطرفين، عوضاً عن كونها مجرد شعارات ووسيلة لجمع أطراف الوطن المتنافرة في خطاب وحدوي زائف، يزين به الساسة طروحاتهم السياسية في سبيل كسب عقول وقلوب البسطاء من عامة الناس، علماً بأن المشروع الوحدوي السوداني، إذا كان غاية استراتيجية حقيقة، كان من الأجدى أن يبدأ بمناهضة التباين الطبقي والعرقي وتحقيق مطالب عامة الشعب الاجتماعية في الشمال والجنوب، لاسيما أن فكرة السودان الجديد التي رفعها الراحل جون قرنق شعاراً لم تكن مطلباً معزولاً عن الظروف السياسية والاجتماعية التي صاحبت مسيرة العلاقات تاريخياً.
الشماليون والجنوبيون ليسوا ملامين في اختيار طريق التجزئة والانفصال، طالما بقيت الحال كما هي عليه قبل وبعد نيفاشا، التي مُنيت ارادة الوحدة بعدها بنكسة عظيمة الأثر ستشل حركة الفكر وستضعف التعددية الثقافية في السودان، فضلاً عن كونها ستشكل مهددا أمنيا من شأنه العودة بالبلاد لمربع الحرب والاقتتال.
* صحافي سوداني مقيم ببريطانيا
صحيفة القدس العربي اللندنية
ترحب سودانيزاونلاين بجميع الاراء الحرة و المقالات ,الاخبار و البيانات لنشرها فى هذه الصفحة.ويمكنك لزوارنا الكرام ارسالها الى [email protected] كما نرجو ذكر الاسم الحقيقى و الكامل و مكان الاقامة مدة بقاء المقال فى هذه الصفحة 10 اعوام
أعلى الصفحة