الإنفصال لن يحل مشاكل النخب الحاكمة في الشمال والجنوب..
الأصوليون والجنرالات سينقلبون على البشير
وسيلفا كير سيتعرض لتمّرد فصائل متطرفة
أبيي ( السودان ) - أليكس بيري ( مجلة تايم )
ترجمة : محمد أمين
· غياب جون غارانغ رجّح خيار الإنفصال
· النفط قد يلعب دوراً سلمياً بين الشمال والجنوب
· ألنزاع حول أبيي سيظل قنبلة موقوتة تنفجر في أية لحظة
· إذا إندلع القتال فسيمتد خارج الحدود ويتدفق اللاجئون
السؤال الذي كان يشغل بال أشاي كول وزوجها ماجيك ألاي، هو كيف تبدأ عائلتهما المؤلفة من أحد عشر فرداً، حياتها في دولة الجنوب الجديدة، فبعد أن أصبح إستقلال الجنوب شبه مؤكد، إستقل الزوجان وابنائهما التسع في أواخر نوفمبر الماضي، حافلة متهالكة من مدينة دونغل في أقصى شمال البلاد، عبر الصحراء متجهين نحو الجنوب في رحلة إستغرقت تسعة أيام. وكانت هذه الرحلة جزءً من هجرة جماعية لمئات الآلاف من الجنوبيين الذين يعيشون في الشمال. وحين وصلت الأسرة على الحدود المفترضة بين الشمال والجنوب عند مدينة أبيي، أقامت خيمة وسط الرمال والجو الحار، ولكن عائلة ألاي كانت متفائلة كثيرا بالمستقبل، حيث تقول الزوجة " ألآن، نحن في بلدنا،ولا يهمنا شيء حتى لو لم نكن نمتلك المال. المهم أنه لن يحدث لنا مكروه هنا في أرضنا ".
وبعد يومين، كرر ميجاك كول ( 47 عاماً ) مواقف مشابهة، مضيفاً " إنه موطن الآباء والأجداد وعلينا أن نقاتل من أجله ".
حربان طويلتان
وهذا يطرح السؤال : هل يشهد السودان ولادة دولة جديدة أم تجدُّد الحرب القديمة؟ بعد الاستفتاء الذي من المتوقع أن تصوّت فيه الغالبية العظمى من الجنوبيين لصالح تقسيم الدولة الأكبر مساحة في إفريقيا إلى دولتين، قد تتجه الأمور في أي من الإتجاهين. فافريقيا تلتقي مع العالم العربي في هذا البلد المترامي الأطراف، لكن شمال السودان يختلف عن جنوبه ثقافة وعرقاً وديناً. وقد ظل الشماليون يضطهدون الجنوبيين ويتخذوّن منهم الخدّام حتى وقت متأخر من القرن العشرين. وخاض السودان حربان طويلتان منذ الإستقلال عن الحكم البريطاني- المصري عام 1956 أودت بحياة أكثر من مليوني شخص. والآن، ها هي ذكريات الحرب التي لا تبعث على الإطمئنان، تثير التوترات بين أبناء الشعب السوداني الذي يناهز تعداده الـ 44 مليون نسمة. وتُلقي مخاطر تدهور الأوضاع في السودان، بظلالها – كذلك - على الأمن الإقليمي والعالمي. فالصراع في السودان سيمتد إلى خارج الحدود، وقد يتدفق اللاجئون الى الدول المجاورة. ويمتلك السودان إحتياطي هائل من النفط والثروات المعدنية الأخرى كالنحاس والذهب، ما يثير شهية المصالح الإقتصادية الخارجية.
وقد يكون الإنفصال السلمي بين الشمال والجنوب ممكناً، ففي عام 2005، توسطت الولايات المتحدة لتوقيع " إتفاق السلام الشامل " لإنهاء ما يربو على نصف قرن من النزاع، وإقامة منطقة تتمتع بالحكم الذاتي في الجنوب، مع الإبقاء على خيار الإنفصال إذا إرتأى الجنوبيون ذلك. وقد بدا هذا الإحتمال مستبعداً حينذاك لأسباب مختلفة ليس أقلها معارضة الزعيم الجنوبي البارز جون غارانغ. ولكن بمقتله في حادث تحطم طائرة في عام 2005 وإستمرار الخرطوم في التمييز ضد بعض المناطق السودانية، أصبح الجنوبيون يميلون إلى خيار الإنفصال، حيث يقول الزعيم الجنوبي الذي يفترض أن يصبح أول رئيس لدولة الجنوب سيلفا كير " إنه الفصل الأخير من رحلتنا ".
عامل سلام
وبالرغم من بعض التحليلات المتشائمة، إلا أن ثمة ما يدعو إلى التفاؤل. فالطرفان يبديان ضبط النفس، وصرح الرئيس البشير أنه سيبارك الإنفصال إذا قرر شعب الجنوب ذلك. وحين وقعت انفجارات في مناطق جنوبية في شهر ديسمبر الماضي، لم يسع الجنوبيون إلى الإنتقام بالطريقة ذاتها. ويجادل زاك فيرتين، الخبير في الشؤون السودانية في " مجموعة الأزمات الدولية أن " النفط السوداني قد يمثل دافعاً للسلام، فمعظمه يقع في الجنوب والبنية التحتية لتصديره تتركز في الشمال، إذن، الطرفان يعتمد كل منهما على الآخر ".
وإذا بدا ان الإنفصال يمثل حلاً للنزاع القديم في السودان، فإن ترسيم الحدود بين الدولتين ليس بالأمر اليسير كما يبدو للوهلة الأولى. فهناك في الشمال من ذوي البشرة الداكنة، وهناك مسلمون في الجنوب. ويتحدث سكان مدينة جوبا، عاصمة الجنوب اللغة العربية أكثر من أية مدينة أخرى. وربما تكون قبيلة الدونكا التي يتزعمها ماجيك كول، والتي يعيش معظم افرادها في مدينة أبيي وما حولها، من الأمثلة الواضحة على ذلك. وبالرغم من خلفيتها الإفريقية، إلا أنها تحالفت – تاريخيا - مع الشمال العربي الأكثر ثراء. واليوم، وبالنظر إلى شعورها بالإحباط من سياسات نظام البشير القائمة على تهميش الأقاليم السودانية، فإنها ترغب بالإنفصال مع الجنوب، لكن الشمال يرفض ذلك بشدة. أما قبيلة المسيرية من رعاة الغنم الذين يرتحلون إلى أرضي الدونكا جنوبا بحثاً عن الكلأ أثناء مواسم الجفاف في الشمال، فيرغبون في البقاء جزءاً من السودان ( الشمالي ).
لقد تفجّر النزاع مبكراً حول مدينة أبيي الغنية بالنفط، ففي عام 2008، هاجمت القوات الحكومية المدينة وقتلت أكثر من مائة شخص من سكانها. وفي عام 2010، هاجمت قبيلة المسيرية ثلاثة قرى في المنطقة. ولمحاولة منع النزاع على أبيي من تدمير عملية السلام، إقترحت " مجموعة السلام الشامل " إجراء إستفتاء عشوائي ليختار سكان المنطقة إن كانوا يريدون الإنضمام للشمال أم للجنوب، لكن نشب خلاف حول من يحق له التصويت ومن لا يحق له وأدى إلى تعطيل العملية .
قنبلة موقوتة
ومن المتوقع أن يؤدي الخلاف حول أبيي إلى تفجير المزيد من العنف، وتحظى قبيلة الدونكا بدعم جيش التحرير الشعبي، الحركة البارزة في التمرد ضد الخرطوم والتي بدأت بحشد قوات لها في المنطقة. ويقول كلير ماكفوي، المختص في شؤون السودان في مجموعة " سمول آرمز سيرفيه " التي تراقب النزاعات حول العالم أن الشمال يفعل الشيء ذاته وإن " كل الخيارات واردة ".
فكيف يمكن للعالم أن يحول دون إنزلاق السودان إلى الحرب مرة أخرى؟ الجواب، هو بالدبلوماسية، والدبلوماسية فقط. فقد أبلغت هيلاري كلينتون مجلس العلاقات الخارجية في الخريف الماضي أن السودان " قنبلة موقوتة سيكون لها – إذا إنفجرت - عواقب وخيمة ، مضيفة أن من الصعب على الخرطوم القبول بخسارة الجنوب، وعلينا ايجاد السبل لدفعهم للقبول بذلك ".
وبالفعل، فقد عرضت واشنطن رفع إسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب مقابل قبول الخرطوم بالإستفتاء السلمي، وكذلك رفع العقوبات الدولية وتخفيف ديون السودان الخارجية التي تصل إلى 35 مليار دولار، إذا ما تم إحراز تقدم على صعيد حل النزاع في دار فور.
وقد وجد الموقف الأميركي الذي إتسم بالمرونة مؤخراً، إنعكاساً له في عواصم أخرى. فعلى مدى الثمانية عشر شهراً الماضية، قاد الرئيس الجنوب إفريقي ثابو مبيكي ممثلاً للأتحاد الإفريقي، جهود الوساطة بين الشمال والجنوب. وتضطلع الصين التي تستورد الحصة الأكبر من النفط السوداني، بدور مهم في التقريب بين الجانبين.
وبالرغم من كل ذلك، يظل شبح الحرب ماثلاً بين الشمال والجنوب. فبالإضافة إلى معضلة أبيي، تظل الحدود بينهما متداخلة ومتشابكة في ستة مناطق أخرى متنازع عليها. ومن النقاط الأخرى التي يتعين الإتفاق حولها، تقاسم ديون السودان و النفط ومياه النيل الأبيض والأرضي وحقوق الرعي.
شكــــــوك
وحتى إذا ما تسنى الإتفاق حول هذه القضايا، تظل ثمة شكوك حول ما إذا كان بوسع الشمال أو الجنوب العيش والإزدهار بمفرده. فالإنقسام بالنسبة للشمال يعني فقدان غالبية الثروة النفطية التي تمثل الآن، 60% من عوائد الحكومة السودانية. وهناك أيضاً، مخاوف إزاء الإستقرار السياسي للشمال. وإنفصال الجنوب يشجّع حركات التمرد الأخرى، وفقدان الأراضي هنا وهناك قد يدفع المتطرفين من أصوليين أو جنرالات للإنقلاب على الرئيس عمر حسن البشير.
وإذا كانت للبشير مخاوفه في الشمال، فإن لحكومة الجنوب مخاوفها أيضأً.فقد إنفصلت أربعة فصائل عن الجيش الشعبي لتحرير السودان بسبب شعورها بالإحباط من أدوارها المحتملة في الدولة الجديدة. وقد وقعت صدامات مسلحة بين هذه الفصائل والجيش الشعبي مؤخراً. ويقول ماكفوي إن " هذه المجموعات لا تشكل خطراً داهما اليوم، لكنها ستكون كذلك مستقبلاً ".
وهناك أيضاً، قدرة الجنوب على الحياة من الناحية الإقتصادية، فما يزال الجنوب منطقة متخلفة صناعيا وزراعيا ولا طرق حديثة فيه ولا كهرباء.
ولكن، شهدت مدينة جوبا التي تستعد لتصبح عاصمة الجنوب، نمواً وتقدما على غير صعيد.ومع ذلك، فإن معظم أموال النفط والمساعدات الأجنبية تذهب إلى جيوب المسؤولين الجنوبيين تاركة معظم المواطنين العاديين على أمل مستقبل مزدهر. ويقول ديفيد غريسلي، المنسق الإقليمي للأمم المتحدة في جوبا أن جنوب السودان يحتاج إلى جيل كامل كي يكتمل بناؤه كدولة، والنجاح الحقيقي سيستغرق ما بين 20 – 25 عاماً ".
فالقضايا التي تواجه السودان على درجة من الكثرة والتنوع جعلت معظم المراقبين لا يجرؤون على التنبؤ بالمستقبل. فحين سئل دبلوماسي غربي في جوبا، قال " لا أعرف، ففي السودان كمٌ هائل من المشكلات "، ولكن ما يثير الدهشة أن السودان يحل مشكلاته – حتى الآن – بوسائل دبلوماسية
ترحب سودانيزاونلاين بجميع الاراء الحرة و المقالات ,الاخبار و البيانات لنشرها فى هذه الصفحة.ويمكنك لزوارنا الكرام ارسالها الى [email protected] كما نرجو ذكر الاسم الحقيقى و الكامل و مكان الاقامة مدة بقاء المقال فى هذه الصفحة 10 اعوام
أعلى الصفحة