قصة قصيرة " سفر في الغربة " بقلم: بقادي الحاج أحمد
سفر في الغربة
في مطلع التسعينيات من القرن العشرين، في مطار دنقلا. صالة الإنتظار الصغيرة، حداثة التشييد بادية علي المبني من الخارج والداخل. السفرية متوجه إلي الخرطوم. الركاب جميعهم سودانيون، معدا اثنين صينيين.
كان الحضور إلى المطار في تمام الساعة العاشرة صباحاً. بعد إنتظار قصير وصلت الطائر. إنتظار آخر مماثل أعلن الميكرفون الداخلي للصالة على الركاب صعود الطائرة. كانت تقف في الخارج في إنتظار الركاب، لم تكن فاردة جناحيها تنظر القادمين في شموخ، كانت أشبه بالفروج المبلول بماء المطر، إذا وضعت طائرة "الفوكرز" بالقرب من "البوينج" أو "الأير بص"، لبدت مثل الفروج الصغير بالقرب من الدجاجة أو الديك. تغامز وضحك الصينيان من صغر طائره "الفوكرز"، كان ملحوظاً وملفتاً للنظر.
ركب الجميع الطائرة، كانت من الداخل جديدة الأثاث وحسنه الهيئة على عكس ما أوحى به صغر حجمها وقدم مويلها من الخارج.
إبراهيم شاب في أعتاب العقد الرابع من العمر، عرف الخدمة المدنية باكراً، في السودان وفي بلاد الخليج، كانت نضارة – رقشة - المغترب بادية عليه، رغم أنه عاد من الغربة له أكثر من خمسة سنوات.
أحمد طبيب عمومي، جار إبراهيم، في المقعد المطل على النافذة، تعار ف الجارين، وبدأ يدور بينهما كاس الحديث، والطائرة تستعد للإقلاع، عندما أصبح الضحى ضحاً كبير، قبل الظهر أقلعت الطائرة من مطار دنقلا متجه نحو الجنوب، نحو الخرطوم. فوق النيل ومحاذيه له باشرت طيرانها في سهوله ويسر، أكثر مما كان يظن الركاب. خيبت توقعاتهم في أنها سوف تريهم الويل - نجوم القاليه- عند الإقلاع والطيران.
- أحمد: لإبرهيم مغترب مش كدة.
- إبراهيم: كنت مغترب حالياً شغال في بنك التنمية.
- أحمد: كيف الغربة؟
- إبراهيم: والله الغربة سفر؛ والسفر كما تعلم له عدة فوائد أهممها العلم والمعرفة والعمل.
- إبراهيم: وأنت وين شغال.
- أحمد: طبيب عمومى.
- أحمد: كيف وجدت الغربة؟
- إبراهيم: بصراحة الغربة كما قلت سفر؛ والسفر لا يخلو من المغامرة، لذلك الغربة هي مغامرة تختلف حظوظ الناس فيها بغض النظر عن تأهليهم وخلفياتهم الأكاديمة والعملية.
- أحمد: قاعد أفكر فى الغربة كثير بعد التخرج.
- أبراهيم: شوف الغربة لو عاوزين نكون محددين ونتحدث عنها كغربة سودانيين، الحظوظ التي ذكرتها قبل شويه تتوفر في الغربة للسودانيين بقدر كبير لما لهم من مؤهلات أخلاقية، أكاديمية وعملية، ولكنهم لايحسنوا إستغلالها، بل يهدرونها في أغلب الأحيان، حالهم كحال هذا الوطن الممتد، كثير الموارد قليل العائد.
- ثم ضحك وواصل: كما حدث لأبن هذه المنطقة، عندما عالج " بَيضات " التيس وقال قولته المشهورة: " لبن كتير لكن درب ما في" وسارت عليه بأنه " حلاب التيس ". هذه الطرفة التي يراها إنسان أم درمان؛ في عدم التفريق بين محتويات ضرع الماعِزة وبَيضتا التيس، وجدت لها رؤية أخرى هنا، وهي أن الدنقلاوى حضر الي أم درمان في زيارة، وفي جولة في السوق الماشية وجد سعر الغنم أرخص كثير من ما هو عليه في الشمالية، فأشترى التيس بدون مساومة معتقداً أن السعر جيد جداً، ذهب بالتيس لمنزل مستضيفيه، عندها علم أن السعر غالي جداً، وأنه تم خداعه من قبل الباعة، وعليه إعادة التيس واسترداد نقودة، فكر في حيلة يعيد بها التيس، أدعي أنه يريد ماعِزة ليس تيساً دلل علي ذلك ب " لبن كتير لكن درب ما في"، بهذا أعيدت إليه نقوده وأعتبر " حلاب تيس " لايفرق بين الماعِزة و التيس.
- وحال الغربة كذلك " إلا ما رحم ربي ".
بقادي الحاج أحمد
مدينة الخُبر مايو2010م
[email protected]
ترحب سودانيزاونلاين بجميع الاراء الحرة و المقالات ,الاخبار و البيانات لنشرها فى هذه الصفحة.ويمكنك لزوارنا الكرام ارسالها الى [email protected] كما نرجو ذكر الاسم الحقيقى و الكامل و مكان الاقامة مدة بقاء المقال فى هذه الصفحة 10 اعوام
أعلى الصفحة