سماسرة الحشد ومسوقيه... البشير يسد بقطنة الناسور االإنقاذي؟
من تقاليد الإستبداد تقليد مشهور هو اللجؤ إلي آلية الحشد في ساعات الضيق وفي منعطفات الأزمات السياسية بقصد إرهاب الخصوم وإرسال رسالة للخارج تشيئ بأن للنظام قاعدة شعبية كبيرة يستند عليه كما يظهر في الإستقبالات والهبة الشعبية الطوعية الضخمة التي هبت لترد علي أعداء الثورة والوطن من المتآمرين (أو مناضلي الكي بورد علي زعم كتابهم) لقطع لسان النار قبل أن تحتدم وفي الإستبداد الديني تتسلح الهبة بالنصوص من شاكلة ((وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم وءاخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم وما تنفقوا من شيء في سبيل الله يوف إليكم وأنتم لا تظلمون)) [الأنفال: 60]
وللحشد رجاله ومصاريفه ومستهدفيه إبتداء من طلاب المدارس الإبتدائية وموظفين الخدمة المدنية وقيل العساكر أي المقبوضين علي اليد البتوجع وله سماسرته العاملون علي الزكائب الخضراء والمسؤولون عن نجاح الحشد بشكل لا يحرج الريس ويؤدي الغرض ويستوي الزكيبة
من الجماعات التي كانت مستهدفة بالحشد منذ أيام الشريعة الأولي هي بعض جماعات الطرق الصوفية التي تتحرك عن بكرة أبيها بإشارة من شيخ الطريقة مما يسهل المهمة ويختصرها في إقناع الشيخ عبر مختلف المكاكنيزمات التي يتقنها سماسرة الحشد الذين تنتهي مهمتهم بإنتهاء المولد السياسي إذ ليس من مهامهم تأمين ولاء دائم من هذه الجماهير للنظام بحيث تربط وجودها بوجوده لا سيما أن هذه الجماهير تعيش في أدني السلم الإجتماعي وتعاني من الفقر والأمراض وسوء فرص العمل والتعليم ولا يلتفت النظام إلي ذلك كله لأنه من يحدد المواقع في البلد وفي تقسيمه للحظوظ لا ينال عادة هؤلاء المحشودون من رغام الناس ولا حتي الفتات من الحظوظ لأن النظام حسب بنيته الإجتماعية تستوجب بقاء هذه الفئات في موقع تخالفها كفئات إجتماعية مسحوقة لأن مسامات الطبقات الإجتماعية المحظوظة أضيق من أن تتسع لمجرد مرورها عليها
أهم ما في الأمر وما يغيب علي النظام أن الإسلام الصوفي كان تاريخياً علي طرفي نقيض مع الإسلام السياسي المتحالف دوماً مع مصالحه والفئات السيادية التي تمثلها
والإسلام الصوفي كان دوماً ينأي بنفسه عن السياسة وحتي إذا أجبر بالقمع أو الإغراء فلن يدخل إلا للبقاء علي سطحها لأنه بطبيعته منشغل بعالم آخر غير عالم الإستبداد السياسي والقمع والفساد المؤسس علي السلطة لذا كان من أهم ضحايا السلطة الدينية كبار رجالات الصوفية والفكر الصوفي مثل ابن عربي وابن الفارض والسيوطي ومحمود محمد طه
في ضوء كل ذلك فإن محاولات تزيين الراكوبة الإنقاذية في أواخر عمرها عبر آليات الحشد لن يعمي إلا أفئدة الموالين للنظام لأنهم هم وحدهم من كان علي الدوام يزين للبشير عوراته
تلك العورات هي عورات الإستبداد في كل مكان وهي التي تتعامي عن الصراعات الإجتماعية الحقيقية والحادة في الوطن والتي عندما لا تجد إستجابات ثقافية من كتبة النظام تتأزم أكثر وأكثر ولا تجد تعبيراً غير رفع السلاح في وقت يكون قد تجاوز النظام إصلاح ما خربه بأيديه وأيدي كتبتهي الذين يغضون البصر عن سخائم الإستبداد وعن إستخدامه دينه وليس دين الصوفيين في تقنين فاشيته وتأزيم الضيق الإجتماعي بالسير به في إتجاهات معاكسة لحركة التاريخ مستفيداً من أشكال القوة الكبيرة التي يتمتع بها ويعمل عبرها علي خلق حالة من التماثل يصبح عبرها معبراً عن الشعب وآمال الشعب وتصبح تصوراته هي تصورات الشعب ومصالحه هي مصالح الشعب وبرامجه هي برامج الشعب وصورته هي صورة الشعب . أي يفرض تعريفه لكل شيئ علي أنه تعريف الشعب وذلك لا يكون إلا بواسطة ما يمتلك من أسباب القهر الذي يصبح معه كل ما يختص بالاستبداد هو الشيئ الرسمي في البلد.
وكل الفئات والجماعات المختلفة آيدلوجياً أو إثنياً مع النظام يعمل علي تفكيها وإعادة تشكيلها تحت عباءته قهراً مما أدي إلي حالات تمرد عديدة سعت لممانعة التشكيل القسري عبر آلايات عنيفة منها رفع السلاح في وجه النظام كما يحدث في دارفور أو إنفجار الغيظ الهوياتي علي أشكال دعوات للإنفصال عن النظام وإن كان ذلك لا يحدث إلا بالإنفصال عن الوطن فمرحباً بالإنفصال عن الوطن كما يحدث في الجنوب ومرشح لأن يحدث في أقاليم أخري كالأنقسنا أو جبال النوبة
ينسي المتحالفون مع المؤسسة الدينية الحاكمة لو أن مليون شخص خرجوا بالأمس للهتاف للرئيس ولا أظن أن العدد يصل لنصف ذلك فإن مليونين أو أكثر قد إختاروا طوعاً أن ينفصلوا عن دولة نظام الرئيس وأن ملايين أخري تدعوا عليه ليل نهار بلسانها أو لسان حالها ..وليكن السؤال كم من السودانيين لا يخرج أبداً إلا إذا كانت الدعوة لحصب الرئيس
إن النظام السياسي في السودان يمثل أصدق تعبير عن فساد الإسلام عندما يتمأسس ويسعي للصراع حول السلطة ثم يعمل بعدها علي إلحاق كل الناس باسم النص الديني قهراً بمؤسسته ودعايته وخدمة مصالحه ومحاولة تعميم لغته ودينه عبر المؤسسات التعليمية والإعلامية والتبشيرية الإستلابية وعبر تذويب كل الهويات والأعراق المختلفة في الهوية التي يمثلها حتي لو أدي الأمر في أعنف تجلياته إلي التطهير العرقي ولكن حركة التاريخ لا تتوقف بأمر الفاشية إذ تلد سوءاتها كل يوم عدو جديد وأحياناً من داخل بيتها .. ويتحرك التاريخ مسرعاً نحو مستقبل تتحول فيه القوة المستبدة إلي قوي الماضي ومقهوري اليوم إلي قوي الحاضر عبر عمليه تقنين مستمرة لعلاقات القوي في المجتمع بطوله وعرضه
ماجد السناري
ترحب سودانيزاونلاين بجميع الاراء الحرة و المقالات ,الاخبار و البيانات لنشرها فى هذه الصفحة.ويمكنك لزوارنا الكرام ارسالها الى [email protected] كما نرجو ذكر الاسم الحقيقى و الكامل و مكان الاقامة مدة بقاء المقال فى هذه الصفحة 10 اعوام
أعلى الصفحة