ماذ بعد التغيير؟
تنتظم العالم العربي هذا العام العديد من المظاهرات الشبابية أدت بالفعل إلي إسقاط الرئيس التونسي، ومن السابق لأوانه أن نقول النظام التونسي، وتعصف بمصر واليمن حتي تاريخ اليوم 29/1/2011م وهنا نحاول أن نتحسب للنتائج المتوقعة لهذه المظاهرات من حيث تحقيق التغيير المنشود، والمحاولة مبكرة جداً، إذ لا تزال الأحداث أعلاه تجري علي أرض الواقع ولذا من الصعوبة إخضاعها لأي تنظير سنلجأ للإستعانة بالأحداث السابقة المشابهة هنا في السودان رغم إختلاف الوضع الدولي والتوازنات الدولية في عهد تلك الثورات عنها الأن.
تتفق كل الروايات علي أن ثورة إكتوبر إبتدأت بمقتل الشهيد أحمد القرشي بداخليات جامعة الخرطوم لتتقد الشرارة وتتتسع لتنهي حكم ونظام الفريق عبود :
· الملاحظة الأولي أن المصادفة والشرارة، بفعل غير متوقع، ليقود إلي نتائج كبيرة كثورة بكل ما تحمله الكلمة من مضامين التغيير والإقتلاع من الجذور، وليس التحسينات، وإبداع وضع ونظام جديدين، تنبئ عن حقيقة عدم التخطيط من قبل أي حزب أو مجموعة سياسية لما حدث وتشكيلها لمسار الاحداث وإن كان لا ينفي دور القوي السياسية والاحزاب والمثقفين في الإعداد والتمهيد لشكل ونوع المطالب الثورية للثوار.علي المدي الطويل السابق للثورة رغم أن المحرض الأول والممهد لحدوث ثورة هو النظام الحاكم في المقام الأول وبمقدار فشله في تحقيق العدالة والأمن من الخوف والجوع وقمعه لشعبه.
· الملاحظة الثانية والتي تلحظ في مختلف الروايات لمجريات الاحداث سرعة وتتابع الوقائع بشكل يستبق القوي السياسية المنظمة ويعطي دور كبيراً للمواقف الفردية وإن كانت غير منعزلة هنا وهناك في تشكيل التوازنات والتحركات والخ... والمهم هنا أن المحرك الرئيسي للأحداث ووقودها وهدف التغيير الذي هو مجاميع الشعب والجماهير لا تمتلك غير حسها ورغبتها التي نضجت للتغيير ولكن بدون أن يكون هناك تخطيط مسبق لشكل الحكم الذي يأتي ومراكز القوي وصلاحيات السلطة والتي عادة ما تكون إنتقالية ولا تملك ضمانات لتنفيذ مطالبها ما بعد إزالة النظام القائم.
· ترك الذي ذكر آنفاً الفرصة واسعة لبداية الأحزاب علي قاعدة الإنجاز والذي هو إنجاز الشعب بشكل أساسي لتصيغ أجسام سياسية علي ضوء توازناتها هي ومقدرات قياداتها التفاوضية والسياسية ومقدرتهم علي المناورات السياسية، وهذا هو الذي أفرز عقب إكتوبر المقدرة الهائلة لأحزاب كالأمة والإتحادي وقوي الإثارة الدينية للتراجع البطئ أولاً والمتسارع لاحقاً عن الشعارات التي رفعت في إكتوبر (ونلاحظ هنا شعارات وإتجاه عام وليس برامج) والتي توجهتها بإجهاض الديمقراطية فعلياً وإفراغها من محتواها ووجد نميري، ويمثل الردة الكاملة عن الديمقراطية لصالح الفرد العسكري، أن لا بواكي علي ديمقراطية المناورات الخالية من هموم التنمية والرفعة والحريات الحقيقية.
- هذا الذي تم في إكتوبر نجده في أبريل من حيث الملامح الأساسية فالقيادات لحركة الشارع من الأجسام النقابية وإن كانت مسيسة إلي حد ما ولكن نفس الشكل تم من حيث خلو الشعارات الإبريلية من البرامج والخطط الواضحة لتنفيذ شعاراتها وتفاجأت هذه الجماهير بإعلان الجيش في قمته الإنحياز للشعب وإن ظهر بعد ذلك وفي التطبيق العملي ومن سجل الأداء للحكم العسكري ميله وبوضوح لقوي ورؤي سياسية تختلف تماماً عن روح وتطلعات الشارع في أبريل وهو أسلم الأمر في النهاية لنفس المناورات وبصورة بشعة هذه المرة لتعيد إفراغ المضامين وتسلم للشمولية الحالية في السودان.
· ومن تشابه شكل الإنتفاضة الشعبيةالأن في تونس، بات المرء يتطلع للقوي الحزبية التونسية وكيفية إنجازها لإجهاض الإنتفاضة التونسية منذ الأن. ورغم الوعي النظري لدي الشعوب والقوي السياسية المثقفة والمتسمة بالروح الديمقراطية بمخاطر وأشكال التراجعات إلا أن عدم وجود مخطط واضح تمتلكه وتطرحه الجماهير الثائرة في لحظة الثورة يؤدي وبالتجربة إلي تراخي المتابعة وإنغماس الجماهير القوية تدريجياً في مناحي الحياة تاركة الملعب للقوي السياسية والتي ترث عادة مخاطر من النظام القانوني والسياسي والإقتصادي الموروث، وهنا نرصد عامل تغير عن الفترات السابقة في السودان وهو إنتهاء القطب الإشتراكي والحرب الباردة والتي كانت بصورة أو بأخري صمام أمان للشعوب ومساحة واسعة لمحاولة تنفيذ اليرامج الوطني وتقليل أثر تدخل الراسمالية العالمية ومصالحها في الدول باللعب علي توازنات الحرب الباردة.
· هل سيتم نفس الأمر في مصر إذا تواصل المد الثوري فيها وأطاح بالنظام القائم، هذا إذا فشل ويبدو أنه ستفشل محاولة مبارك إمتصاص الغضب المصري بواسطة إقالة الحكومة، الواضح أن القوي السياسية في مصر أكثر تنظيماً وأكبر قدرة علي المناورة وخاصة الأخوان وهولاء غير ما يمثلونه من نقد حقيقي لجوهر مطالب الشعب المصري في الديمقراطية والحريات والنمو الإقتصادي وإزالة الفساد، فهم إذا ماسيطرو سيعيدون إنتاج تجربة أخري من تجارب الحكم الإسلامي في كل من باكستان وإيران الشيعة والسودان في فترتيه النميرية والحالية وهي تجارب تخلو تماماً إن لم تكن عكس هذه التوجهات والمرامي الشعبية وأفضت جميعها إلي عكس ما ترمي إليه الجماهير وأوجدت وضعاً بعيد حتي عن روح العدالة الإسلامية السمحاء ولم تستطع بلا إستثناء ولا حتي علي المستوي النظري (في مجال الحريات والإقتصاد والقوانين ،،،،) أن تحقق النموذج الإسلامي الراشدي (وعملياً هم يقصدون بالراشدي حسب وصفهم حال فترتي الخلافة العمرية الأولي وإلي حد ما العمرية الثانية) وحقيقة هو نموذج لم يتحقق، حسب علمي، في أي مكان طيلة التاريخ الإسلامي، ولم يُِستطع في نموذجيه العمريين نفسهم، رضي الله عنهم، أن يُضمن إستمرار الحال بعدهم. شخصياً ظللت دوما منبهراً بشخصية سيدنا عمر بن الخطاب وسيرته الفذة، ولكن نؤيد جوهر العدالة والقيم الإسلامية وليس إستغلالهم للحكم بأسم الدين كما يجري الأن، ولا نري في هذا أي تعارض مع الديمقراطية والحكم المدني إن لم يكون الأخير هو وسيلة تطبيق جوهر الإسلام حتي يري من يري إسلاماً ومسلمين وليس إسلاماً بدون مسلمين.
· نشير هنا للدور الذي ستلعبه هذه المرة الدول الكبري وخاصة أمريكا والتي هي من الحنكة بحيث لن تسمح أو ترضي سواء في تونس أو مصر أو هنا في السودان بإيجاد نظام وطني يمضي حتي أخر الشوط مع مد وروح التطلعات الشعبية، وهي ستكون خياراتها الأولي ومنذ البداية في إيجاد القوي أو الشخص التي لا تتعارض ومصالحها في المنطقة في ظل التنافس الرأسمالي علي المنطقة وإفريقيا، ولمصر أرجح أنهم يدرسون الأن إن لم يكونوا قد درسوا منذ البداية رجل او قوي من وسط الجيش ودعمه للوصول للسلطة. وحسب هذه التوازنات والقوي السياسية التي سترث الحركة الجماهيرية في مصر ما بعد الثورة قد تتكرر تجربة أخري من إفراغ للشعارات والمطالب.
· أهمية المنطقة شمال أفريقيا ،المدخل لأفريقيا والمعبر لأسيا، ووجود الدولة الإسرائيلية وفي ظل نظام عالمي خالي من الحرب الباردة ولكن يتصاعد فيه التنافس بين الأمبريالية الأوروبية والأمريكية ودول آسيا الصاعدة بشدة في الصين والهند وما أصطلح عليه "بدول النمور" وتنافس الجميع علي ساحةالأسواق الإفريقة وموارد الطاقة، كل هذا يجعل من الصعوبة بمكان لدولنا أن تنتهج نهج ثوري وتوجد نظام حقيقي خالص لصالح شعوبها ويجعلها بمنجاة من التدخلات الخارجية خاصة في عالم تكاد تنتفي فيه السيادة الوطنية بآليات العولمة والترابط والتداخل الإقتصادي العالمي وليس بالعمالة والخيانة الوطنية، تجعل لزاماً علي دولنا وضع هذه العوامل في الإعتبار.
· عليه هل نستطيع أن نسمح وفي كل مرة بتقديم التضحيات من قبل الشعوب في لحظات المد الثوري لتفرغ أهدافها من قبل القوي المختلفة وفي خضم صراع المصالح القديمة والجديدة ونتركها لتوازنات الداخل وخطط الخارج، هل نستطيع في السودان إنجاز ثورة ضد الفساد وإيجاد ديمقراطية حقيقية، وليست هشة وإنجاز تنمية ونهضة زراعية وصناعية بدون أن نضبع في ميدان المناورات حزبية لا أقول للكسب الرخيص ولكن بالتأكبد لكسب لا علاقة له بروح وتطلعات الجماهير أم توجد إمكانية لفك هذه الدائرة؟ ولضمان السير في خط الشارع بدون إنتكاس؟.
· في السودان إضافة لمطالب العدالة والديمقراطية والحريات ستجد أي قوي تسقط النظام الحالي نفسها في إشكالات ضخمة في ظل إنفصال الجنوب وإفرازاته والإشكالات العالقة في الحدود والثروات الطبيعية، وستجد قبلية دعمت وسلحت وقويت وأنتجت العديد من مراكز القوي السياسية والعسكرية في دارفور والشرق والشمال، وخزينة ووضع إقتصادي سئ في ظل فساد واسع النطاق تنضح به الصحف الموالية والمناهضة للنظام الحاكم والمعارضة علي السواء وتقارير المراجع بل ووصل لحد تغيير النموذج الإخلاقي والإجتماعي للفرد السوداني حيث أفرز تردي إخلاقي ما زال يدهشنا وهو يري رأي العين في مفاهيم المقبول وغير المقبول لدي كثير من الشباب السوداني وتقبلهم ببساطة للمختلس والفاسد وما يمكن تسميته "بجيل ثقافة المواسير" الحالي فما هو السبيل والخطط وأعني الخطط التفصيلية ما أمكن والمسبقة لحدوث حركة الشارع والتي يجب أن يمتلكها ويتقبلها الشارع ويتبناها كشرط لنجاحها والتي تعد لضمان عدم تكرار تجارب إجهاض حركة الجماهير واضعين إعتباراً لما ذكر أنفاً.
· وجود منظمات المجتمع المدني والحركات الشبابية غير المأدلجة إلي حد كبير هل يمكن الإستفادة منها؟.
· تحديد العمر الأعلي والأدني لتولي المناصب القيادية هل يمكن أن يكون صمام أمان. من توالي السيناريوهات السابقة؟
· تحديد الفترات الرئاسية وإيجاد أجسام لإدارة الإنتخابات مستقلة تماماً عن الحكومات هل هو شئ قابل للتحقيق؟
· حكومة التكنوقراط "الوظيفية" هل تنجز الإعدادات الأساسية وتوصل الي إنتخابات ودستور مستقر ومقبول؟
· إمكانية تحديد شكل الحكم الإنتقالي برنامجهم وأفراده من حيث طبيعتهم وصلاحياتهم من قبل الثوار لضمان عدم التفريغ وأيلولة الوضع لأسواء من السابق؟
· و و و؟ والتسأولات كثيرة وهذه العجالة مجرد دعوة ومقترح للتفكير والتدبير المسبق لما يجب أن يعد لتجنيب الوطن والمواطنين دائرة الثورة وإجهاض الثورة والعودة لمربع الشمولية، ودعوة للتفكير في إيجاد الضمانات لأن يحكم الشعب بما يرغب في ظل الحريات الأساسية إتفقنا مع خيارات الشعب أم لا ...هي دعوة لضمان إيجاد آليات الحكم الديمقراطية والتي تسمح بحق التفكير والتعبير وتجد مساحة ومرونة للتغيير السلس في حال حدوثه وضرورته وتحترم الأخر .. هي بالتأكيد مطلب شعبي وضروري.
· أساليب التغيير التي تأتي من غير طريق الشارع إنقلابات والتأمر الفوقي ومحاولات الدخول العسكري هي مرفوضة!! هل ثمة طرق أخري تجد القبول؟
حذيفة أبوالقاسم أحمد / الخرطوم
ترحب سودانيزاونلاين بجميع الاراء الحرة و المقالات ,الاخبار و البيانات لنشرها فى هذه الصفحة.ويمكنك لزوارنا الكرام ارسالها الى [email protected] كما نرجو ذكر الاسم الحقيقى و الكامل و مكان الاقامة مدة بقاء المقال فى هذه الصفحة 10 اعوام
أعلى الصفحة