الاستفتاء .. بدايات غير مبشرة
جمال عنقرة
لقد بات احتمال انفصال جنوب السودان عن شماله أقرب من استمرار الوحدة التي ظلت قائمة بين أجزاء السودان الجنوبية والشمالية منذ نشأة هذا البلد. وبرغم أنا كنا نطمح لأن يقود استفتاء تقرير مصير جنوب السودان المزمع إجراؤه في التاسع من يناير العام القادم 2011م إلي تأكيد الوحدة وتعزيز السلام الذي أفرزته اتفاقية السلام الشامل التي وقعتها الحكومة السودانية مع الحركة الشعبية في العاصمة الكينية نيروبي في التاسع من يناير عام 2005م، إلا أن ضياع هذه الوحدة، أو ضعف أملها لم يعد هو الشاغل الأكبر بالنسبة لي، وبالنسبة لكثيرين غيري من أهل السودان، الذين رضي أكثرهم بإحدى الحسنيين ـــ السلام دون الوحدة ــــ ولقد وصل السودانيون لهذه القناعة باعتبارها (خيار أم خير) ولكن الأزمة الحالية تكمن في احتمال ضياع الحسن الآخر أيضاً ــ السلام ـــ
فلقد بدأت عملية التسجيل للاستفتاء بدايات غير مبشرة وغير سعيدة. ففي يوم الوقوف بعرفة دعانا الأخ الدكتور عبد الرحمن الخضر والي ولاية الخرطوم للإفطار معه في منزله مع مجموعة من رؤساء التحرير والكتاب، وبعض أركان حكومته، مع ضيف شرف الإفطار الدكتور عوض الجاز وزير الصناعة، وهو رجل من أهل القرار والنفاذ في الحكومة والمؤتمر الوطني. وبرغم أن الحوار العفوي الذي دار عقب الإفطار بين الزملاء الصحافيين وبين الوالي ورجاله وضيف الشرف قد حوي جوانب مهمة عديدة، لكننا نقف في هذا المقال عند التقرير الذي قدمه مستشار الوالي السيد بول ليلي عن سير عملية التسجيل للاستفتاء وسط الجنوبيين في العاصمة القومية. والسيد بول ليلي هو من أبناء الجنوب الوحدويين الوطنيين، ولقد اختاره الدكتور الخضر ليكون مسئولا عن ملف الاستفتاء في ولاية الخرطوم. ولقد كشف السيد ليلي عن ضعف في عملية التسجيل عزا بعضه لظروف العيد، ولكنه أعاد أكثره إلي حملة تخويف وترهيب تقوم بها الحركة الشعبية علي أبناء الجنوب المقيمين في العاصمة ولم يعودوا إلي الجنوب في الحملة التي نظمتها الحركة لإعادة الجنوبيين إلي الجنوب قبل الاستفتاء، في عملية أسماها البعض (العودة القسرية) وكل ذلك يعتبر تجاوزاً صريحاً لقانون الاستفتاء، وتعدياً سافراً علي الحقوق والحريات التي تعتبر من أهم لوازم قيام استفتاء مقبول تقبل نتائجه كل الأطراف، ويعزز سلام السودان، حتى وإن لم يحافظ علي وحدته.
ثم نقلت الأخبار بعد ذلك ممارسات غريبة يقوم بها بعض منسوبي الجيش الشعبي والحركة الشعبية في جنوب البلاد. فلقد تقدم كثيرون من الوحدويين الجنوبيين والشماليين في الجنوب بطعون وشكاوي تطعن في نزاهة إجراءات التسجيل للاستفتاء. ولقد اتهم بعضهم بعض الموالين للحركة الشعبية وجيشها بالقيام بالتسجيل نيابة عن الناخبين، وهذا إجراء غير مقبول دستوراً وقانوناً. وجاءت الطامة الكبرى باعتقال أمن الحركة الشعبية لأحد القيادات الشبابية البارزة في المؤتمر الوطني هو زهير حامد سليمان نائب أمين أمانة الشباب بالمؤتمر الوطني، ورئيس قطاع الشباب في الهيئة القومية لدعم الوحدة التي شكلها الرئيس عمر البشير مؤخراً برئاسته، واختار رؤساء مناوبين له هم نائباه، الأول سلفاكير ميارديت رئيس الحركة الشعبية، والثاني علي عثمان محمد طه، ورئيس الحزب الاتحادي الديمقراطي الأصل السيد محمد عثمان الميرغني، ولقد تم الاعتقال في مطار جوبا التي ذهب إليها لدفع حملة التسجيل في إطار دعم الوحدة، وذهب به إلي مكان غير معلوم، وحتى كتابة هذا المقال عصر الأحد الماضي لم يعلم أحد عن مصيره شيئاً.
وإزاء هذه الخروق غير الموضوعية، وهذه التعديات السافرة من قبل الحركة الشعبية، أعلن المؤتمر الوطني عن تحلله عن أي التزام بالاعتراف بنتيجة الاستفتاء إذا ما سارت الأمور علي هذا النحو، ولم تلتزم الحركة الشعبية الحياد، ولم تدع مراحل خطوات الاستفتاء تسير بصورة طبيعية. ورغم أن مثل هذا القول يمكن اعتباره تحذيراً شديد اللهجة من قبل المؤتمر الوطني للحركة الشعبية، حتى لا تتمادي في تجاوزاتها وخروقها، فإنه لا يوجد ما يحول دون اعتباره تحذيراً مقصوداً لذاته، ومعنية كل كلماته وعباراته بما تشير إليه صراحة دون تحوير أو تزوير. أي أن المؤتمر الوطني يمكن أن يرفض نتيجة الاستفتاء ولا يعترف بها، ويتحلل من كل التزام بما توجبه الاتفاقية إذا ما اختار الجنوبيون الانفصال. وإذا ما صار الأمر علي هذا الحال، بين تمادي الحركة الشعبية في خروقها وتجاوزاتها، وتمسك المؤتمر الوطني بالحق العام للشعب والوطن قبل الحكومة والحزب، في أن يجري الاستفتاء في أجواء تتسم بالحرية والنزاهة والشفافية، فإن النهاية الحتمية المتوقعة من ذلك، هي ضياع كل شيء بما في ذلك السلام، الذي يعتبر أضعف مكتسبات الاتفاقية إذا ما ضاعت الوحدة.
ترحب سودانيزاونلاين بجميع الاراء الحرة و المقالات ,الاخبار و البيانات لنشرها فى هذه الصفحة.ويمكنك لزوارنا الكرام ارسالها الى [email protected] كما نرجو ذكر الاسم الحقيقى و الكامل و مكان الاقامة مدة بقاء المقال فى هذه الصفحة 10 اعوام
أعلى الصفحة