صوت من لا صوت له وطن من لا وطن له
الصفحة الرئيسية  English
المنبر العام
اخر الاخبار
اخبار الجاليات
اخبار رياضية و فنية
تقارير
حـــوار
البوم صور
بيانات صحفية
اجتماعيات
مقالات و تحليلات
بريـد القــراء
ترجمات
قصة و شعر
مقال رائ
بقلم : حسن الطيب / بيرث
جنة الشوك بقلم : جمال علي حسن
بقلم :مصطفى عبد العزيز البطل
استفهامات بقلم: أحمد المصطفى إبراهيم
بقلم : آدم الهلباوى
بقلم : آدم خاطر
بقلم : أسامة مهدي عبد الله
بقلم : إبراهيم سليمان / لندن
بقلم : الطيب الزين/ السويد
بقلم : المتوكل محمد موسي
بقلم : ايليا أرومي كوكو
بقلم : د. أسامه عثمان، نيويورك
بقلم : بارود صندل رجب
بقلم : أسماء الحسينى
بقلم : تاج السر عثمان
بقلم : توفيق الحاج
بقلم : ثروت قاسم
بقلم : جبريل حسن احمد
بقلم : حسن البدرى حسن / المحامى
بقلم : خالد تارس
بقلم : د. ابومحمد ابوامنة
بقلم : د. حسن بشير محمد نور
بقلم : د. عبد الرحيم عمر محيي الدين
أمواج ناعمة بقلم : د. ياسر محجوب الحسين
بقلم : زاهر هلال زاهر
بقلم : سارة عيسي
بقلم : سالم أحمد سالم
بقلم : سعيد عبدالله سعيد شاهين
بقلم : عاطف عبد المجيد محمد
بقلم : عبد الجبار محمود دوسه
بقلم : عبد الماجد موسى
بقلم : عبدالغني بريش اللايمى
تراسيم بقلم : عبدالباقى الظافر
كلام عابر بقلم : عبدالله علقم
بقلم : علاء الدين محمود
بقلم : عمر قسم السيد
بقلم : كمال الدين بلال / لاهاي
بقلم : مجتبى عرمان
بقلم : محمد علي صالح
بقلم : محمد فضل علي
بقلم : مصعب المشرف
بقلم : هاشم بانقا الريح
بقلم : هلال زاهر الساداتي
بقلم :ب.محمد زين العابدين عثمان
بقلم :توفيق عبدا لرحيم منصور
بقلم :جبريل حسن احمد
بقلم :حاج علي
بقلم :خالد ابواحمد
بقلم :د.محمد الشريف سليمان/ برلين
بقلم :شريف آل ذهب
بقلم :شوقى بدرى
بقلم :صلاح شكوكو
بقلم :عبد العزيز حسين الصاوي
بقلم :عبد العزيز عثمان سام
بقلم :فتحي الضّـو
بقلم :الدكتور نائل اليعقوبابي
بقلم :ناصر البهدير
بقلم الدكتور عمر مصطفى شركيان
بقلم ضياء الدين بلال
بقلم منعم سليمان
من القلب بقلم: أسماء الحسينى
بقلم: أنور يوسف عربي
بقلم: إبراهيم علي إبراهيم المحامي
بقلم: إسحق احمد فضل الله
بقلم: ابوبكر القاضى
بقلم: الصادق حمدين
ضد الانكسار بقلم: امل احمد تبيدي
بقلم: بابكر عباس الأمين
بقلم: جمال عنقرة
بقلم: د. صبري محمد خليل
بقلم: د. طه بامكار
بقلم: شوقي إبراهيم عثمان
بقلم: علي يس الكنزي
بقلم: عوض مختار
بقلم: محمد عثمان ابراهيم
بقلم: نصر الدين غطاس
زفرات حرى بقلم : الطيب مصطفى
فيصل على سليمان الدابي/قطر
مناظير بقلم: د. زهير السراج
بقلم: عواطف عبد اللطيف
بقلم: أمين زكريا إسماعيل/ أمريكا
بقلم : عبد العزيز عثمان سام
بقلم : زين العابدين صالح عبدالرحمن
بقلم : سيف الدين عبد العزيز ابراهيم
بقلم : عرمان محمد احمد
بقلم :محمد الحسن محمد عثمان
بقلم :عبد الفتاح عرمان
بقلم :اسماعيل عبد الله
بقلم :خضرعطا المنان / الدوحة
بقلم :د/عبدالله علي ابراهيم
دليل الخريجين
  أغانى سودانية
صور مختارة
  منتدى الانترنت
  دليل الأصدقاء
  اجتماعيات
  نادى القلم السودانى
  الارشيف و المكتبات
  الجرائد العربية
  مواقع سودانية
  مواضيع توثيقية
  ارشيف الاخبار 2006
  ارشيف بيانات 2006
  ارشيف مقالات 2006
  ارشيف اخبار 2005
  ارشيف بيانات 2005
  ارشيف مقالات 2005
  ارشيف الاخبار 2004
  Sudanese News
  Sudanese Music
  اتصل بنا
ابحث

مقالات و تحليلات : مقال رائ : بقلم :مصطفى عبد العزيز البطل English Page Last Updated: Dec 25th, 2010 - 19:47:32


الشوش- منصور خالد وبالعكس/مصطفى عبد العزيز البطل
Nov 10, 2010, 04:53

سودانيزاونلاين.كوم Sudaneseonline.com

ارسل الموضوع لصديق
 نسخة سهلة الطبع
Share
Follow sudanesewebtalk on Twitter

غرباً باتجاه الشرق

 

الشوش- منصور خالد وبالعكس

 

مصطفى عبد العزيز البطل

[email protected]

 

 

(1)

أبدت صديقتنا الكاتبة الصحافية اللامعة منى عبد الفتاح شيئاً من القلق، وأرادت أن تنهاني عن المضي قدماً في خطة مقالي الأسبوعي، عندما ذكرت لها أنني أزمع أن أتناول الحلقتين اللتين اتكأ عليهما الدكتور محمد إبراهيم الشوش، في منصته الراتبة بصحيفة "الرأي العام" شبه الحكومية، خلال الأيام القليلة الماضية،  ليباشر هجومه المباغت على مواقع الدكتور منصور خالد. جاءتني كلماتها العابرة للقارات، فوق السموات الممتدة من القصيم الى منيابوليس: "أنا أضمن انه سيقال عنك انك أصبحت محامي منصور الرسمي، الذي ينبري للدفاع عنه كلما تعرض للهجوم، وممثل الادعاء الدائم في كل القضايا المفتوحة ضد الدكتور الشوش". وصاحبتي هنا تشير الى مقالين لي سابقين وقفت فيهما بسن قلمي أمام صولة الباطل، وجهدت الى نصرة المبدأ، وموالاة الحق المخذول، من حيث هو حقٌ متجرد لا شخصٌ متفرد. ومقال ثالث لاحق سعيت فيه الى إماطة الأذى الذي أهاله أستاذنا الشوش على جبين الإسلاموي الرشيد، ذي الضمير الحر والفكر المستقل، الدكتور الطيب زين العابدين.

كانت إجابتي: انني على أكمل استعداد للإقلاع عن تسطير المقال، والتعهد بعدم كتابته، والانصراف الى غيره، لو انك أقنعتني بأن وجود أسماء لشخصيات معينة في قلب موضوعات تعرضت لها في السابق، يضع بالضرورة قيداً على مشروعية التصدي للأقضية المستجدة في حال اتصالها بذات الشخوص. على أساس أن هناك حصة محددة - مثل حصص التموين - لا يتجاوزها الكاتب في معالجة القضايا التي تتردد حولها تلك الأسماء، وإلا لحقته شبهة "المحامي" الذي يدافع، أو "المدعي" الذي يسعى للإدانة. ولكنني مع ذلك تفهمت وجهة نظر الأستاذة منى تماماً. فمما لا شك فيه أنه - وبرغم تعويلنا المستطرد، وتصويبنا لخطابنا الجدلى باتجاه القطاعات ذات الدربة الفطرية على التمحيص العقلى والنظر الموضوعى بين صفوف من يتابعون قضايا الشأن العام من خلال المنابر المفتوحة، وهى فى زعمنا قوى الأغلبية، فإن قطاعاً لا يستهان به بين هؤلاء يعانون من شح ملكات التعمق، وندرة مهارات الاستقراء، وضعف القدرة على النفاذ الى اللباب. يفتح الواحد منهم صفحة يتخطف منها فقرة أو فقرتين، ثم لا يستقر في وعيه مما قرأ إلا أقل القليل، فيمضى كما الأهطل: فلان هاجم فلان، أو فلان دافع عن فلان. أما جذور القضايا وأصول الموضوعات فليس له اليها من سبيل!

(2)

جذر القضية وأصل الموضوع الذي نفرنا الى معالجته في يومنا هذا ليس هو شخصية الدكتور محمد إبراهيم الشوش، ولا شخصية الدكتور منصور خالد. بل أن الذي أهمنا وشغل منا العقل والوجدان هو ما كتبه الشوش في نقد منصور. ونحن نقرأ هذا النقد فيهولنا الكم الهائل من المغالطات التي تحير العقل. وتفزعنا الجرأة - التي لا تعرف لنفسها حدوداً - في إعادة صياغة وتشكيل الحقائق الثابتة على الأرض. وتقلقنا أشد القلق مكابدة الرجل لإحلال فرضيات عبثية محل الوقائع الفعلية، وسعيه الدؤوب - تأسيساً على ذلك كله - الى تخليق وتسويق الدعاوى واستثمارها في بورصة السياسة. يدهشنا أكثر كون ذلك كله يصدر عن مثقف رفيع واسع الذكاء، كأستاذنا الشوش، يُفترض انه يعلم جيداً أن الخلط والمزج، والتشويه والتلوين، لو جاز في أحوالٍ كثيرة فإنه لا يجوز في حالة منصور بعينها. لماذا؟ لأن منصور من أكثر السودانيين وأوفرهم - بل لعله أكثرهم وأوفرهم على الإطلاق - تدويناً وتسجيلاً وتثبيتاً وتوثيقاً للآراء والمواقف. ومن بين أكتاف طروس منصور المسطورة، ومن قلب صحائفه المبذولة، التي دأبنا على العب من مُشرعها والاغتراف من معينها بصبرٍ وأناة عبر سنى العمر المتوالية، حتى أصابنا داء الأدمان فطلبنا الطبابة، نزمع أن نعبر الى متن ما كتب الشوش، ونعالجه علاجاً يكون معه الشفاء إن شاء الله.   

بين يدي مادتين كتبهما الرجل تحمل الأولى عنوان (من المسئول عن انفصال الجنوب؟) والثانية: (منصور خالد والوهم الكبير). وتدور المادتان حول محتوى حوار صحفي أجراه الأستاذان كمال حسن بخيت ومالك طه، نشرته في حينه صحيفة "الرأى العام". كان أول رد لمنصور على أسئلة المحاورين، حول مآلات الاستفتاء، هو ضرورة أن نعمل جادين حتى لا يتحول الانفصال – إن وقع – إلى فُرقة غاضبة، بمعنى أن لا يحس المواطن في الشمال والجنوب أن تغييراً قد طرأ على حياته: تنقله، مهنته، مكان عمله، تجوله مع مواشيه (في حالة الرحّل)، استغلاله لمصادر الطاقة والمياه، وغير ذلك. في سياق ذلك الحوار استسخف منصور بعض الأسئلة التي وجهها له المحاوران مثل: ما الذي سيصنع منصور إن وقع الانفصال وأين سيقيم؟! ومثل: إن وقع الانفصال فمن يتحمل مسئوليته؟ ولكنه أجاب عليها على أية حال، فقال في معرض الإجابة على السؤال الأخير: (إن المسئولية تقع على كل الأحزاب الشمالية منذ الاستقلال)، ثم مضى قدماً فعدد الأسباب التي بنى عليها حكمه.

(3)

انبرى الشوش فكتب مقالين، وقدَّم لهما بالادعاء بأن منصور ظل صامتاً عن "الأحداث الكبار". وبحسب كلماته: "لم تفلح القيادة السياسية والصحافية المتورمة في معرفة ما يفكر فيه منصور". التورم فيما يبدو ليس هو تورم القيادة السياسية ذات السبع وسبعين وزيراً أو يزيد، بل يعني به الشوش تورم "الصحافة" التي قال عنها إنها: "ظلت غافلة عن صمت الرجل حتى بادر الصحافي الناجح كمال حسن بخيت رئيس تحرير هذه الصحيفة والأستاذ مالك طه بإجراء حوار ذكي مع الدكتور منصور في واحد من الطلعات الصحافية البارعة التي عرفت بها الرأي العام". لا تثريب على الكاتب في الثناء على كمال بخيت فهو صحافي ذو خبرات، ولا على "الرأي العام" شبه الحكومية، فهي صحيفة وراءها تاريخ حافل، ولا على كليهما، من كاتب مقال راتب مدفوع الأجر في تلك الصحيفة. المشكل هو أن "الأحداث الكبار" التي كان الدكتور الباحث المثقف يتمنى أن يتصدى لها من رماه بالصمت ليست هي مآلات الانفصال التي ينبغي أن تكون هي الشغل الشاغل لكل مواطن، وإنما قضايا أخرى تستهمه، فوقع في ثلاثة أخطاء جسام:

الأول، هو أن من رماه بالهروب عن إبداء الرأي حول "الأحداث الكبار" هو نفس الرجل الذي أجلى على القارئ مجموعات ثلاث من المقالات خلال الأعوام الخمس التي انصرمت من عمر الاتفاقية. نشرت جميعها في صحيفة "الرأي العام"، ذات الصحيفة التي يكتب فيها الشوش. المجموعة الاولى من المقالات نشرت عقب التوقيع على الاتفاقية وتتضمن شروحاً لها، وتبياناً للظروف التي أعدت فيها. والثانية، بعد عامين بعنوان "حساب الربح والخسارة": الربح يعني ما تحقق وأنجز، والخسارة هي ما لم ينجز باعتبار ما سيؤدي إليه عدم الإنجاز من عواقب وخيمة. والثالثة، في بداية هذا العام تنبأ فيها منصور بسيناريوهات ما بعد الاستفتاء، ومنها ما أسماه "سيناريو يوم القيامة". هذه المقالات تتضمن نفس الآراء التي عبر عنها منصور في رده على السؤال حول "من هو المسئول عن الانفصال؟"

لا أملك أن أقطع هنا بأن الدكتور الشوش، المثقف الناقد المحلل، قد قرأ تلك المقالات التي فصّل فيها منصور مواقفه ورؤاه تفصيلاً. ولكن جهله بها، وعدم اطلاعه عليها، لا يخوّلان له إطلاق الاتهامات المجانية، والافتراء على غيره بأنه آثر الاختفاء فلم يكتب ولم يبين رأيه وموقفه! والمقالات التي أشرنا اليها قامت إحدى دور النشر بجمعها ونشرها في كتاب بعنوان: "تكاثر الزعازع وتناقص الأوتاد". المفارقة الكبرى هي أن هذا الكتاب بالذات كان يباع في معرض الخرطوم للكتاب في نفس الوقت الذي خرج فيه الشوش بمقالاته الملتهبة واتهاماته الجزافية!

لا نريد من أستاذنا الشوش، وهو عالم وباحث، أن يقرأ كل ما كتبه منصور فيكفيه ما قرأ. ولكن في اللحظة التي يتصدى فيها الناقد - أي ناقد - بالنقد لما أنشأه كاتب آخر في مئات الصفحات، وألحق بما كتب هوامش تبين مراجع بحثه ومصادر معلوماته، فإن على ذلك الناقد أن يقنع القارئ بأن نقده هو أيضاً يقوم على حقائق مثبتة لا على انطباعات ذاتية، أو يرتكز على شذرات مقتطعة مـن متن على طريقة "القطع واللصق"!

(4)

عند مطالعة مقالي الشوش نلاحظ انه اختزل القضية التي تشغل بال أهل السودان - وينبغي أن تشغل بال مثقفيه - في موضوعين: مسئولية الجنوبيين بوجه عام، والحركة بوجه خاص عن الانفصال؛ والثاني تجاهل منصور لهذه القضية. إن كان هذا هو الحكم الذي توصل إليه الشوش والذي توحي كل مقالاته - أو على الأقل يوحي مقالاه هذان - بأن رأيه هو دوماً القول الفصل وما هو بالهزل، فما علينا نحن معشر القراء إلا أن نصدق أن القضية التي تجتمع قيادات الحزبين بشأنها وتنفض، وأن الخطب الجلل الذي يحمل وزير خارجية مصر، أبو الغيط، ورئيس جهاز مخابراتها، عمر سليمان، على التنقل بصورة دورية منتظمة بين القاهرة والخرطوم، وان المعضل الذي حمل الاتحاد الأفريقي على تكليف رئيس جنوب افريقيا السابق تابو امبيكي، ورئيس بوروندي السابق بيير بيويا ليعسكرا في السودان، وأن الهم الأكبر للولايات المتحدة في هذه اللحظة الذي يجعل الجنرال الأمريكي غريشون يحط ويطير على مطارات جوبا والخرطوم، وأن أم القضايا التي يرتحل من أجلها نائب رئيس الجمهورية علي عثمان محمد طه إلى جوبا كل أسبوع هي - على وجه الدقة -  تحديد من هو المسئول عن الانفصال، ثم إدانة الحركة الشعبية والجنوبيين كافه من لدن متمردي توريت على ذلك! 

الشوش فيما يبدو يعتمد كثيراً على جهل، بل يفترض عماء القارئ. إذ انه أسقط من ذاكرته وهو يعود بحديث الانفصال إلى أحداث توريت أن تلك الأحداث كانت محل تحقيق قام به قاضٍ عدل، هو الفلسطيني توفيق قطران، إلى جانب مسئولين سودانيين لا يرقى إليهما الشك هما: خليفة محجوب، أحد كبار ضباط الشرطة ومدير عام مشروعات الإستوائية آنذاك، والسلطان لوليك لادو. أدان ثلاثتهم في تقريرهم السياسات الاستعمارية، ولكنهم أدانوا ايضاً الكثير من قرارت الحكم الوطني، مثل السودنة وتأجيج الصراع بين السياسيين الجنوبيين لأهداف حزبية خلال الانتحابات. ثم إن الشوش أغفل أيضاً ورقة العمل التي أعدتها حكومة سر الختم الخليفة لمؤتمر المائدة المستديرة، والتي أدانت فيها سياسات الحكومات المدنية والعسكرية منذ الاستقلال نحو الجنوب، كما أغفل أخيراً إجماع أهل السودان على أن واحداً من أكبر أخطاء جعفر نميري نحو الجنوب كان هو إلغاء اتفاقية أديس أبابا، ولهذا كان من أول قرارات المجلس العسكري الانتقالي وحكومته القومية إعادة الحياة للاتفاقية.

(5)

وصف الشوش - في معرض هجومه على منصور - إلقاء التهمة على النخبة الشمالية الحاكمة منذ الاستقلال ببذرها لحبة الانفصال بالافتئات على الحقيقة والتاريخ، وهو بحسب كلمات الشوش أيضا: "ما يغذي وهماً ظل يعشعش في عقول الكثيرين من أبناء السودان". ثم أضاف: "لو حدث كل ما أرادته الحركة وأراده منصور لما تغير شيئاً". والذي يزعم الشوش أن منصوراً والحركة أراداه هو قبول الفيدرالية عند إعلان الاستقلال، الاستجابة لمقررات المائدة المستديرة، عدم الزج بالدين في منح ومنع الحقوق الدستورية وعلى رأسها رئاسة الدولة (مشروع قانون الدستور في منتصف ستينيات القرن الماضي)، مراجعة قرار الرئيس السابق نميري بإلغاء اتفاقية أديس ابابا. فمن الذي يفتئت على التاريخ؟ في جميع هذه الأحداث لم يكن للحركة أو لمنصور دور. لم يكن لهما دور عندما طالب بنجامين لوكي وصحبه بالفيدريشن في عام 1955م، ولم يكن  للحركة وجود عندما تلاقت الأحزاب في مؤتمر المائدة المستديرة، كما لم يكن لها وجود عند مفاوضات أديس أبابا وعند إلغاء اتفاقية أديس أبابا. من جانب آخر أليس صحيحاً أن الوفاق بين نميري والأنانيا قد أنهى حرباً دامت سبعة عشر عاماً وحقق سلاماً دام لعشر سنوات؟ أو لم يكن أول قرار أصدره المجلس العسكري بعد سقوط نميري هو إحياء اتفاقية أديس ابابا؟ (راجع: د. عبد الماجد بوب، "جدل الوحدة والانفصال"، 2009م).

يمضي الشوش في التلبيس فيقول: "ألا يجد الدكتور منصور خالد غرابة واستهانة بكل أبناء الشمال الذي ظل متماسكاً عبر القرون وأنتج الحضارات ان يعتبر تقسيم الجنوب إلى كيانات جريمة لا تغتفر، بينما تمر مرور الكرام قرارات أسمرا للقضايا المصيرية الموعزة من قبل الحركة الشعبية والتي تحتفظ بالجنوب كياناً واحدا، بينما تعتبر الشمال كيانات ثلاثة متعددة. وإذ كان تقسيم الجنوب إلى كيانات ثلاثة جريمة في نظر الدكتور منصور تؤدي إلى الانفصال فكيف نسمي قرارت أسمرا التي تشير إلى كيان الجنوب وكيانات الشمال، والتي وقعت عليها في خنوع ومذلة الأحزاب الشمالية في التجمع وهي أحزاب لم تعد تدري يمينها من شمالها". ونحن نصف مثل هذا القول بأنه تلبيس، لأنه كذلك بالفعل. بل هو أقرب إلى ما أسماه ابن الجوزي "تلبيس إبليس"!

أولاً، لم يتضمن حوار "الرأي العام" مع منصور أي إشارة إلى تقسيم الجنوب في عهد نميري، وإنما وردت الإشارة في بعض ما كتب. ومن واجب الباحث المحقق أن لا يخلط الأمور على القارئ.

ثانياً، عندما أشار منصور فيما كتب (أهوال الحرب مثلاً) إلى تقسيم الجنوب فإنه لم يقصر المسئولية على نميري وحده، وإنما بسطها أيضاً على من سانده من الجنوبيين.

ثالثاً، لم يصف منصور القرار بالخطأ، وإنما بما هو أكثر من الخطأ: خرق العهود والمواثيق. فالموضوع هو أن تقسيم الجنوب يمثل تعديلاً للاتفاقية، وهو أمر لا يملك نميري القرار فيه بمفرده إذ تنص الاتفاقية على أن أية تعديلات لها لا تتم إلا بعرضها على البرلمان للموافقة عليها ثم التصديق عليها شعبياً عبر استفتاء عليها في جنوب السودان.

رابعاً، قرارات أسمرا المصيرية ما ذنبها؟ هذه القرارات لم تتحدث عن الانفصال، وإنما تحدثت عن منح كل شعوب السودان الحق في تقرير مصيرها باعتبار أن ذلك الحق هو واحد من حقوق الإنسان والشعوب بموجب مواثيق دولية، منها ميثاق حقوق الإنسان والشعوب الأفريقي. أياً كانت صحة هذا التكييف القانوني لحق تقرير المصير من جانب التجمع فما معنى أن الأحزاب الشمالية وقعت على قرارها في خنوع ومذلة؟ هل ينطبق ذلك الخنوع وتلك المذلة على ما وقعه الدكتور علي الحاج (الجبهة الإسلامية القومية) مع لام أكول (الحركة الشعبية المتحدة) في فرنكفورت في يناير 1992م قبل قرارت أسمرا؟!

ثم أو لم يكن من وراء هؤلاء الأذلة الخانعين مثقفون كانوا يطلون أيضاً على شعب السودان من صحف تصدر في لندن، تمجد التجمع الوطني المنقذ وقرارته الوطنية الصائبة، ومن بين تلك الصحف صحيفة "الفجر"، التي كانت تحمل كل أسبوع مقالات الدكتور الشوش الفوارة المعارضة، تلهب ظهر العصبة المنقذة بشواظ من نار، وتمجد التجمع وقادته ومقرراته؟ فما الذي استجدّ اليوم؟!

(6)

لم يكتف الشوش بالتلبيس بل ذهب أيضاً إلى التدليس، من ذلك تزويق المقالات بإنشائيات لا تغني عن الحق شيئاً. انظر - يا رعاك الله - الى هذه الفقرة المطولة، وهي بعض ما سطر الشوش وبينا زيفه ومجافاته للحق. تأمل هذا المهرجان الهتافي الإنشائي الذي ينتزع فيه الرجل الوقائع من سياقاتها، ويخلط الحقائق بالأوهام، ثم ينسبها الى غيره دون أن يطرف له جفن: (لو قبل الشمال كما دعا له منصور والحركة: الفيدرالية، قرارات المائدة المستديرة، الإبقاء على اتفاقية أديس ابابا "لكان السودان اليوم في وحدة آمنة ينعم بالمحبة خالياً من الفساد والأطماع والتدخلات الأجنبية الضارة. ولارتفعت فيه الأبنية والأبراج العالية في مدن الشمال والجنوب، وبنيت الجسور على النيل، واخضرت الأرض، وشقشقت العصافير واصبح السودان دولة كبرى وسلة غذاء العالم"؛ كل ذلك لو أن الأزهري والمحجوب وعبد الله خليل قد عجلوا بالموافقة على الفيدرالية. ذلك لعمري وهم بالغ السذاجة لا أدري كيف يمكن أن يؤمن به رجل في ذكاء الدكتور منصور وقامته الفكرية السامقة)!!

في حديثه لصحيفة "الرأي العام" قال الدكتور منصور خالد، الذي وصفه الشوش في الفقرة المتقدمة بـ"الذكي صاحب القامة السامقة": (إن محنة السودان هي إصابة قادته بشهوة إصلاح الكون وأنه لو توفر على قيادته زعامات مثل مهاتير محمد لأدركت أن الواجب الأول والأخير لأي قائد هو الارتقاء بالإنسان..). ليته أضاف أن السودان سيكون أحسن حالاً أيضاً لو انصرف كل ذي مهنة فيه – أولاً وقبل كل شيء – إلى تجويد مهنته، فقيمة المرء ما يحسنه، واحترام التقاليد التي تحكمها، وعدم الاستهانة بعقول من يخاطبهم، وأن لا يقول في "الفجر" ما ينقضه في الظهر!

الجبهة العريضة لاسقاط النظام

ليس بيننا وبين انصار "الجبهة الوطنية العريضة لاسقاط النظام" الا كل خير. بين صفوفها نفرٌ عزيز من أكرم وأجلّ من عرفنا. قرأوا ما كتبنا الاسبوع الماضى فى نقد الجبهة ومكوناتها. وثمنوا جهدنا فى التقويم وبسط الرأى. ثم قالوا لنا انهم اذ يحترمون حقنا فى تجلية الموقف المغاير، فانهم يخالفون رؤانا ويردونها على اعقابها، ويؤمنون بأنهم على صراط الحق المستقيم وطريق الصواب المستقصد.  وبين عارض الرأى والمعروض عليه: يفتح الله. ولا تثريب على من وقف مع مبدئه وثبت عليه ووالاه: قف دون رأيك فى الحياة مجاهداً / ان الحياة عقيدةٌ وجهاد.

ولكن ماذا نفعل مع النفر الآخر من الهُبل المهاويس - أدعياء النضال - ممن لم يتعد كسبهم من العمل الوطنى، الذى يتعبطون فى مطارفه تعبطاً، الا الصراخ والعويل والردح والشتم؟ قرأ بعض الأدعياء مقال الاسبوع الماضى، وما هى الا هنيهة الا  وأسرجوا  حواسيبهم، وامتطوا ظهور الكيبورد، ثم سرحوا يناضلون فى سهول الانترنت: مصطفى البطل كاتب مأجور يقبض المال من مستأجريه نقداً، باع نفسه، فقلمه معروض فى السوق لمن يدفع،  تلقى الاوامر من وزير الانقاذ كمال عبد اللطيف ليسطر ما سطر!

يكتب الواحد من هؤلاء بيقين العارف، وكأنه كان حاضراً عندما صدرت أوامر الدفع، ورصت رزم الاوراق الخضراء فى الحقائب. او كأنه كان يتنصت، فاستمع باذني رأسه الى النجوى بينى وبين كمال من جهاز وضعته تحت تصرفه وكالة الامن القومى الامريكية، التى ترصد - من مقرها فى ميريدلاند - دبيب النمل، وتملك وسائل التجسس على مكالمات الدنيا والعالمين.

تجدنى أسائل نفسى أحياناً: هل يا ترى قرأ واحد من مغاوير الكلام المرسل هؤلاء، وتأمل شعر الراحل العظيم عبد الرحمن الشرقاوى: (إن الكلمة مسئولية / إن الرجل هو الكلمة / شرف الرجل هو الكلمة). ام انهم - كما أحسب - لا يفقهون معنى الكلمة، ولامعنى الشرف؟!  وهل يا ترى سمع اى من هؤلاء قط وتدبر قول الله، جلا وعلا، فى التنزيل المجيد: (إن السمع والبصر والفؤاد كل اولئك كان عنه مسئولا).

أسمع الهرج العائب والمرج الخائب، ما يفتأ يأتينى من تلقاء تلك الطبول الجوفاء، فأضرب الكف بالكف، ثم لا اجد على شفتى ما اهتف به غير مقولة سعد باشا زغلول، يخاطب زوجته من فراش مرضه: ( مفيش فايدة .. ياصفية غطينى)!

نصوص خارج السياق

لقد أنفقنا زمنا طويلا، فى هذه الخلوة المباركة، فى تجويد العبادة، ابتغاء تحقيق القدر المقدور لنا فى العبودية.  وقد عطلنا، أو كدنا نعطل شريعتنا فى هذه الفترة، شريعة معاملة المجتمع. وإلا فإن القدر الذى تحقق من العبودية مرضىٌ عندى، وأرجو أن يكون مرضياً عند ربى.  معلوم ان السير فى مضمار العبودية سير سرمدى، يتجدد ولا ينتهى.  ونحن نريد أن نجدده فى المرحلة المقبلة بأن ندخل شريعة الجماعة فى مضمار العبادة، فتكون لنا شريعتنا وحقيقتنا، فنجود التوفيق بينهما، من غير أن نذهل بالشريعة عن الحقيقة ولا أن نفنى عن الشريعة فى الحقيقة وإنما هو الوزن بالقسط، حيث نعامل الحق بالحقيقة، والخلق بالشريعة، وهذا هو مقام عزكم الذى نسعى لبلوغه.  وهو مقامٌ عزيز المنال.

 

(من رسالة مؤرخة فى 14 فبراير 1984. كتبها، ابان فترة اعتقاله، ووجهها الى تلاميذه الاستاذ محمود محمد طه)

 

نقلاً عن صحيفة "الأحداث"

 

 


مقالات سابقة بقلم :مصطفى عبد العزيز البطل
ارشيف الاخبار ,البيانات , مقالات و تحليلات من 14 مايو 2010 الى 05 سبتمبر 2010
ارشيف الاخبار ,البيانات , مقالات و تحليلات من 14 سبتمبر 2009 الى 14 مايو 2010
ارشيف الاخبار ,البيانات , مقالات و تحليلات من 16 ابريل 2009 الى 14 سبتمبر 2009
ارشيف الاخبار ,البيانات , مقالات و تحليلات من 24 نوفمبر 2008 الى 16 ابريل 2009
ارشيف الاخبار ,البيانات , مقالات و تحليلات 2007

© Copyright by SudaneseOnline.com


ترحب سودانيزاونلاين بجميع الاراء الحرة و المقالات ,الاخبار و البيانات لنشرها فى هذه الصفحة.ويمكنك لزوارنا الكرام ارسالها الى [email protected] كما نرجو ذكر الاسم الحقيقى و الكامل و مكان الاقامة مدة بقاء المقال فى هذه الصفحة 10 اعوام

أعلى الصفحة



الأخبار و الاراء المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

Latest News
  • Sudan's Abyei region awash with arms and anger
  • Military Helicopter Crash Kills Five in Darfur, Sudan Army Says
  • SUDAN: Lack of justice "entrenching impunity" in Darfur
  • The National Agency for Securing and Financing national Exports pays due attention to Nonpetroleum Exports
  • Vice President of the Republic to witness the launching of the cultural season in Khartoum state
  • Youth creative activities to be launched under the blessing of the president, Tuesday
  • Sudan's gold rush lures thousands to remote areas
  • South Sudan faces precarious start
  • Aid workers taken hostage in Darfur freed: U.N.
  • 19 People Killed In Clashes In Sudan's South Kordofan State
  • Headlines of major daily news papers issued in Khartoum today Thursday the 14th of April 2011
  • Minister review with Indonesian delegation Sudanese Indonesian petroleum cooperation
  • Bio-fuel experimental production launched in Sudan
  • Center for Middle East and Africa's Studies organizes a symposium on intelligence activities in Sudan
  • South Sudan Activists Say : Women Need Bigger Role
  • 'One dead' as army helicopter crashes in Khartoum
  • Vice President receives new Algerian ambassador the Sudan
  • A training military plane crashes killing one of the three crew on board
  • Headlines of major daily papers issued in Khartoum today Wednesday the 13th of April 2011
  • Minister of Defense announces some precautious measures to secure Port Sudan
  • Industry Minister Meets Ambassadors of Central Africa, South African Republic
  • Sudan has 'irrefutable proof' Israel behind air strike
  • Taha Affirms Government Concern over Youth Issues
  • Headlines of major news papers issued in Khartoum today Monday the 11th of April 2011
  • NCP: statements by the US Secretary of State and the new envoy an attempt to justify the American hostility
  • Two Sudan papers stop publishing, protest censorship
  • Helicopters, tanks deployed in volatile Sudan area
  • State minister at the ministry of oil meets the delegation of the Gulf company for metal industries
  • Headlines of major daily news papers issued in Khartoum today Sunday the 10th of April 2011
  • Ministry of Foreign Affairs: Sudan possess solid proof of Israeli involvement in the aggression on the country
  • Defense Minister visits Port-Sudan
  • Somali pirates hijack German vessel
  • Family denies assassination of key Hamas figure in Sudan
  • President Al-Bashirr, First VP Kiir Agree to Implement Agreement on Security Situation in Abyei as of Friday
  • DUP Denounces Israeli air strike on Port Sudan Vehicle
  • SBA Calls for especial Economic Relations with South Sudan State
  • Sudan-Brazil Sign Animal Wealth Protocol
  • Netanyahu vague on Sudan strike
  • seven Killed In New Clashes In South Sudan
  • Sudan's government crushed protests by embracing Internet
  • Hamas official targeted in Sudan attack, Palestinians say
  • بقلم :مصطفى عبد العزيز البطل
  • عن خيبة المحصول الاسلاموى وبواره...الشرائع والذرائع: سمسم القضارف وشريعتها/مصطفى عبد العزيز البطل
  • بيني وبين جهاز الأمن والمخابرات/مصطفى عبد العزيز البطل
  • مرحباً برئيسنا الجديد جمال مبارك/مصطفى عبد العزيز البطل
  • حديث الزوجات الخطرات: زوجة سلفا كير/مصطفى عبد العزيز البطل
  • الشوش- منصور خالد وبالعكس/مصطفى عبد العزيز البطل
  • حسنين والميرغنى والجبهة العريضة لاسقاط النظام/مصطفى عبد العزيز البطل
  • أمريكا شيكا بيكا: الانفصال والهاجس الامريكى!/مصطفى عبد العزيز البطل
  • سنوات النميري: الصياغة القلندرية للتاريخ (4-4)./مصطفى عبد العزيز البطل
  • سنوات النميري: الصياغة القلندرية للتاريخ (3)/مصطفى عبد العزيز البطل
  • سنوات النميري: الصياغة القلندرية للتاريخ (2)/مصطفى عبد العزيز البطل
  • سنوات النميري: الصياغة القلندرية للتاريخ (1)/مصطفى عبد العزيز البطل
  • السقوط من النظر: محاولة للتنظير! مصطفى عبد العزيز البطل
  • عادل حمودة والسودان.. والمهلّبية!/مصطفى عبد العزيز البطل