نحو تعزيز الخطى باتجاه روسيا !!!؟
الاثنين 17/11/2008 م آدم خاطر
هنالك خلفيات كثيرة وحساسيات ومخاوف في غير مكانها ظلت خصما على العلاقات السودانية الروسية لم تأخذ بما يمكن أن تؤول إليه الأحوال في ظل التقلبات العالمية وتغير موازين القوى . المد الشيوعي بفكره ومنهجه ظل موجودا في البناء السياسي السوداني وقوانا الحزبية على كافة مستوياتها ولكنه لم يكن بالتأثير الذي ضرب بعض مناطقنا في الحزام العربي – الافريقى ، ولم تكن نتائجه في السودان على وجه الخصوص على درجة كبيرة من هذا التأثير رغم تسربه إلى أوساطنا في الجامعات ومراكز البحث العلمي و مفاصل الحكم في حقب بعينها لكنها لم تصمد طويلا لاعتبارات كثيرة لا يتسع المجال لذكرها . بل لم تيأس هذه المدرسة في امتطاء الحركات المسلحة وأجندتها كما في الحركة الشعبية ومجموعات دارفور لتستعيد بريقها وحراكها بين الأنظمة والتيارات . والشيوعية كتاريخ وواقع معاش لم تعد بالعقيدة التي تخيف تياراتنا الداعية لبناء اسلامى نهضوى استطاع أن يكتب وجوده ويحظى بالقبول والتعايش مع هذه النظريات المادية ويكسب أرضية في صياغة الإنسان والدولة في ظل ما نعايشه الآن . هذه الخلفية أوجدت شيء من القطيعة والتردد باتجاه روسيا وهى ظلت في السابق تقود التيار المناوئ للتوجه الرأسمالي الذي أطيح به هو الآخر في ظل العاصفة المالية العالمية التي ضربت أسواق المال وما أوجدت من ركود وكساد وتراجع كبير في هيبة قيادة هذا المدرسة الممثلة في الولايات المتحدة . كما ظلت تقول أمريكا سخرية عن روسيا عند انهيار الاتحاد السوفيتي وتفككه إلى دويلات جراء تطبيق سياسات البريسترويكا والقلاس نوست في العقدين الماضيين . مما أدى لانفراد أمريكا بقيادة العالم واستهدافها لدول وكيانات بعينها ، فعملت على تقوية أنظمة واستعدت أخريات ، وباتت تعبث بالقوى الدفاعية والأمنية للدول والأقاليم في سياق إستراتيجيتها الكبرى في المنطقة ، فصارت ترغم الدول على مسايرتها والمضي في ركابها أو إحداث القلاقل وبؤر التوترات والنزاعات بأسباب مختلفة على نحو ما هو ماض الآن في العراق وأفغانستان والسودان والصومال وغيرها من مناطق العالم .
النظرية الأمريكية لا تدرك أن الأيام دول ، وأن الدول في تحرر وانعتاق تتفاعل في داخلها ومع محيطها والعالم من حولها لأجل التطور والنماء والنهضة ولا تنسى الايادى البيضاء لمن ساعدها وقف إلى جانبها ولا تجهل من يعمل بالتآمر والفتن كما ظلت هي ، لكن العقلية الأمريكية المشربة بالغطرسة والهيمنة والأحادية القطبية لم تكن لتراعى هذا التحول في موازين القوى في الشرق الأوسط وأن الصراع الفلسطيني الاسرائيلى لم يحقق ما تطمح إليه إسرائيل لأمنها من إيجاد دولة وهمية بقيادة لا تأخذ بالواقع والخيار الفلسطيني بقدر ماهى أداة من صنع أمريكا وقسمتها غير العادلة التي جعلت حماس تصل عبر الانتخابات إلى سدة الحكم وانتهت إلى دولة داخل الكيان الذي انتجته هذه العقلية . ولم تكن تدرك أن قوة حزب الله في تنامي نوعى وفى المضمون مرغت أنف المغتصب الصهيوني وحملته على التودد بحثا عن استعادة الحوار حول المبادرة العربية التي لفظتها إسرائيل في 2002 م ولم تعيرها بعض اهتمامها وهى الآن تجرجر أذيال الفشل والهزيمة بعد حرب 2007 م ، بل لم تكن لتدرك أن اجتياحها للعراق وإنهاء نظام البعث لم يكن ليقابل من شعب العراق بالورود للمحتلين فانهارت أحلامهم وتكشف زيف مشروعهم وباتت قوة الشعب الأعزل هي التي ستكتب مسار التاريخ وطردهم على ما أنفقوا من أموال وقدرات . بل إن الحرب الأمريكية الإسرائيلية في كل من أفغانستان والسودان كانت متشابكة الأهداف والمصالح منذ قصفها للدولتين بصواريخ كروز في ليلة واحدة في العام 1998 م. وجلبها للقوات الإثيوبية في أراضى الصومال بعد دحرهم وسحل قواتهم في طرقات مقديشو لم ينس شعب هذه البلاد مؤامرتهم الأولى في تقطيع أوصاله وتبديد ثرواته وجعله نهبا للأهواء والمطامع الدولية إلى يومنا . وتجارب السودان في تغذية هذا اللوبي ( الصهيوني – المسيحي ) لحروبنا ونزاعاتنا مريرة لن تقف عند الجنوب و دارفور , وأن ما ابرمناه من سلام برعايتهم يظل يحمل في طياته العديد من القنابل المفخخة والموقوتة التي تحتاج لأن نصوغ خياراتنا الأمنية والدفاعية بآليات ومفاهيم تتجاوز السلة الواحدة وتراعى التنوع والتجارب على نحو ما طبق في ثورة البترول التي استهدفتها الشراك الأمريكية بالحملات الدولية والعقوبات والحصار وإرغام الدول على عدم المشاركة فيه ومعاداة وإقصاء من وقف إلى جوارنا . هذا التوجه باتجاه الصين مكن لهذا الحلم من أن يجد النور وسعد بنتاج غرسه أهل السودان شمالا وجنوبا وشرقا وغربا رغم ما دار بينهم من حروب ونزاعات من صنع هؤلاء ، وعلينا أن نتصور وضعية السودان الاقتصادية في ظل هذه التحديات كيف كانت ستكون دون تفجير هذه الثورة وما أوجدت من موارد ، وكيف سيكون أمننا واستقرارنا والبلاد على هذا الاستهداف والشد من أطرافها وداخلها !؟.
لذلك فان التوجه الآن باتجاه روسيا وبوادره لجهة تعزيز القدرات الدفاعية والأمنية للقوات المسلحة وأجهزتنا الأمنية هي خطوة في الاتجاه الصحيح وان جاءت متأخرة بعض الشى علينا أن لا نبخل عليها مهما كلف ذلك والبلاد مهددة بنزاعات جهوية تقف وراءها كبريات الدول تستوجب نظرة كلية فاحصة لتطويرها والارتقاء بها عوضا عما نصرفه في صد التمرد وحروب العصابات والمغامرين من سماسرة الحروب ، وتجربة الهجوم على أم درمان كانت كافية للتدليل على أهمية استحقاقات القوات المسلحة وتلبية احتياجاتها ورفع قدراتها . وهي خطوة تضيف إلى ما توافر من قدرات مع الصين وتتيح قدرا من التنوع والخبرة والتدريب لا ينبغي حصره على النشاط العسكري الذي أثار حفيظة أمريكا على نحو ما صدر عنها إزاء صفقة الطائرات الذي يكفله القانون الدولي والعرف كشأن كل الدول ، بل يجب عليه أن يتمدد ليشمل القطاع الاقتصادي والزراعي والصناعي لما تمتلكه روسيا من إمكانات هائلة من شأنها أن تعزز من قدراتنا وخططنا التي أقعدتها المؤامرات الأمريكية . أمريكا وقفت بالأمس ضد تحديث البواخر والبارجات النيلية التي تعمل في حركة التواصل الشعبي وفى مجال نقل الطعام والعلاج ومواد البناء حتى لا تكسر شوكة التمرد يومها في الجنوب فحبست عنها قطع الغيار ، كما حبست عن طائراتنا المدنية الاسبيرات والصيانة فعادت بسودانير القهقرى بعد أن كانت في طليعة الطيران في منطقتنا العربية والأفريقية بشبكتها المنتشرة وسمعتها التي كانت مضرب المثل في الدقة . وبفضل الخنق الامريكى لها تدهور حركة الطيران المدني واستعصت البدائل فأزهقت الأرواح بتعدد حوادث الطيران وسقوطها وتوقف التدريب وما يزال السودان محظورا من الاستفادة من أي إمكانية للتقدم في هذه المجالات بسبب القرار الامريكى لذا تؤرقه مثل هذه الخطوة مع روسيا وتضرب في خططه المستقبلية . روسيا بما شهدته في تفكك منظوتها بعد انهيار حلف وارسو وفى حربها في الشيشان ومؤخرا في الأحداث مع جورجيا تدرك أهمية الأمن القومي ووحدة الاراضى الروسية وعدم السماح بالمساس بها وهذا ما لا يتوفر بغير قوة دفاعية ضاربة تمنع أي نزوات تريد أن تنال من استقرارها ووحدتها الترابية . وكذا الحال بالنسبة للصين عندما يأتي الحديث عن تايوان أو إقليم التبت فليس هنالك من تنازل أو مجرد طرح لفكرة تقرير المصير التي سوقها الراعي الامريكى عندما كان اتفاق الجنوب ويريد أن يجعلها في دارفور ويمهد لها في شرق البلاد .
الكثير من الكتاب والمحللين سبقوا لمباركة هذه التوجهات الجديدة باتجاه روسيا وتشجيعها ، وأنا هنا لا أؤكد على أهميتها من حيث المبدأ فحسب ولكن مثل هذه الشراكات عليها أن تنسحب لتغطى كل جوانب العلاقة الثنائية وفق برنامج طموح ومدروس يبدأ بزيارة السيد نائب رئيس الجمهورية لتحديد مقاصده ويعزز بزيارة رئاسية عالية المستوى تضع ما يتوافق عليه في إطاره الصحيح للانطلاق والتقدم الروسي مشهود ولنا معه تاريخ طويل . وروسيا دولة تقف على رجليها اليوم بأفكار جديدة وانفتاح كبير ونظرة متقدمة بقيادة شابة ومقتدرة باتت تعي مصالحها وتعرف حدودها ومطلوبات السلم العالمي الذي لم يتأتى لأمريكا وربيبتها إسرائيل وهما يسعيان لتأصيل نشر الأزمات واستمرار الحروب والنزاعات بدعمهما المتصل للتمرد ومخططاته الرامية لتفكيك البلاد وتفتيتها . هذه الخطوة علينا أن لا نحبسها عند الصفقات التي نبرمها وبلادنا في مفترق طرق تحتاج لأطر ومشاركات دفاعية لست في مقام الخبير لتحديد كنهها ومعالمها ولكنها برأي بإمكانها أن تحيط باتفاقيات دفاعية مشتركة وتحالفات تضمن مصالحنا والآخرين دون إهدار أو افتئات وتجاوز ، تنطلق من مواقف السودان المبدئية إزاء وحدة هذه الدول وسلامة أراضيها . أي توجه يثير حفيظة أمريكا التي تجسم على أنفاسنا فهو توجه محمود وله ما بعده على صعيد أمننا القومي واستقرار الوطن وتقوية المؤسسة العسكرية لتقوم بواجبها في حماية الوطن والسهر على أمنه بالقدرات التي تؤهلها ، وأن مثل هذه الصفقة إحدى أهم حلقات الدعم اللوجستى الذي تكمله مهام أخرى يجب أن تأخذ حقها من الرعاية والاهتمام . علينا ألا نعير الأصوات التي تقلل من جدوى هذه الخطوة أو تضغط لأجل التراجع فيها أو تحجيمها من البلوغ لمرافئ أوسع تضع علاقتنا بروسيا في مقدمة الدول مع منح تمثيلنا الدبلوماسي فيها من القدرات والرعاية ما يجعلهم في موضع أفضل لتحقيق هذه الأهداف وتعبيد الطريق أمامها وإزالة العقبات من طريقها ،،،،،
ترحب سودانيزاونلاين بجميع الاراء الحرة و المقالات ,الاخبار و البيانات لنشرها فى هذه الصفحة.ويمكنك لزوارنا الكرام ارسالها الى [email protected] كما نرجو ذكر الاسم الحقيقى و الكامل و مكان الاقامة مدة بقاء المقال فى هذه الصفحة 10 اعوام
أعلى الصفحة