مشاركة المهندس هاشم طاهر بندوة مؤتمر البجا- نادى البجا – بورتسودان
الجمعة 21/11/2008م
حول مفهوم التنمية
[مدخل على مشروعات ولاية البحر الأحمر]
[email protected]
Mob. 0912361456
بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد وعلى آهله وصحبه أجمعين الحضور الكريم السلام عليكم . أرجو أن لا يكون حديثى مملاً فالمادة التى أتناولها جافة على نحو ما وتخلو من الهتافية التى هى سمة مميزة لغالب الخطاب السياسي . وهى من بعد لاتحتمل الإرتجال وسأقرأ ماكتبت وأسأل الله لكم الصبر . وقد كان دافعى الأول على تقديم هذه المشاركة هو مانسمع ونقرأ عن التنمية فى ولايتنا هذه من فهم مغلوط آناء الليل وأطراف النهار عبر وسائط الإعلام . فإذا رفع أحدهم حجراً يقول بأنه قام بعمل تنموى . نريد أن يعلم كل من يعنيه الأمر أننا نعرف عن التنمية الكثير والكثير جداً ولانزكى أنفسنا ولنبدأ على بركة الله وفوق كل ذى علم عليم ..
مفهوم التنمية يُعد من أهم المفاهيم العالمية فى قرننا الحالى والقرن الذى سبقه. وقد برز هذا المفهوم إبتداءاً فى الربع الأخير من القرن الثامن عشر وكان من أبرز دعاته الإقتصادى البريطانى المعروف آدم سميث (ADEM SMITH). أطلق هذا المفهوم على عملية تأسيس نظم إقتصادية وسياسية متماسكة تسمى فى مجملها عملية التنمية . وتبرز أهمية مفهوم التنمية فى تعدد أبعاده ومستوياته وتداخله مع العديد من المفاهيم الأخرى مثل التخطيط والإنتاج والتقدم . وجدير بالذكر أن الأمر بدأ بمصطلح التقدم المادى (MATERIAL PROGRESS) أو التقدم الإقتصادى (ECONOMIC PROGRESS) . وفى أوروبا الشرقية خلال القرن التاسع عشر أستخدم مصطلح التحديث (MODERNIZATION) أو التصنيع (INDUSTRIALIZATION) ، ثم بدأ مفهوم التنمية (DEVELOPMENT) كما نعرفه الآن فى البروز حيث أستخدم للدلالة على عملية إحداث مجموعة من التغيرات الجذرية فى مجتمع معين بهدف إكساب ذلك المجتمع القدرة على التطور الذاتى المستمر بمعدل يضمن التحسن المتزايد فى نوعية الحياة لكل أفراده . أى بمعنى زيادة قدرة المجتمع على الإستجابة للحاجات الأساسية والحاجات المتزايدة لأعضائه عن طريق الترشيد المستمر لإستغلال الموارد الإقتصادية المتاحة والتوزيع العادل لعائدات ذلك الإستغلال .
وهكذا تطور مفهوم التنمية وأتسع ليشمل العمل السياسى وذلك تحديداً منذ ستينيات القرن المنصرم ، إبان إنحسار المد الإستعمارى عن دول كثيرة . حيث ظهر كحقل يعنى بتطوير تلك البلدان المستهدفة وتوجيهها نحو النهج الديموقراطى ، وعليه تعرف التنمية السياسية لمزيد من الإيضاح بأنها : [عملية تغيير إجتماعى متعددة الجوانب غايتها الوصول الى إيجاد نظم تعددية تحقق النمو الإقتصادى والمشاركة الإنتخابية والمنافسة السياسية النظيفة ، ومن ثم ترسخ مفاهيم الوطنية والسيادة والولاء للدولة].
هذا وقد إرتبط مفهوم التنمية بالعديد من الحقول المعرفية فأصبحت هناك التنمية الثقافية التى تسعى لرفع مستوى ثقافة المجتمعات ومن ثم ترقيتها والنهوض بها . وكذلك هناك التنمية الإجتماعية التى تهدف الى تطوير التفاعلات المجتمعية بين أطراف المجتمع وهى الفرد والجماعة والمؤسسات الإجتماعية المختلفة ومنظمات المجتمع المدنى .
ومن هنا إنطلق وإستحدث مفهوم تنمية الموارد البشرية ويعنى بالإهتمام بالفرد وذلك بتحسين مستوى معيشته ويتم ذلك بالتأهيل والإرشاد والتدريب ورفع القدرات ويأتى من بعد توظيفه ليكون قوةً عاملةً منتجةً تساهم فى دفع عجلة الإقتصاد الوطنى الذى يقوم حين يتحقق كل ذلك على روح التنافس المشروع والمهارة والكفاءة وليس بالطبع للمحسوبية والمحاباة من سبيل هنا .
ولتنزيل مفاهيم التنمية التى ذكرنا على أرض الواقع لابد من التخطيط السليم فهو الضمان الأوحد لتحقيق تنمية متوازنة ومستدامة . ونسمع الآن عن الإستراتيجية القومية الشاملة والخطط الربع قرنية و غيرها وكنا نسمع من قبل إبان عهود غابرة عن الخطة الخمسية وتلك العشرية ولربما غيرها مما لانذكر الآن . فليست العبرة هى وضع الخطط بل العبرة فى تنفيذها والإلتزام الصارم بها ولننظر حولنا وقبل أن نفعل ذلك لنذكر المقولة الماليزية : [عندما نفشل فى التخطيط نكون قد خططنا للفشل] .. والمقولة تستحق قدراً معتبراً من التفكر والتأمل على بساطتها الظاهرة ولكنها تلج أعماق الحقيقة دون إستئذان وهى بالإنجليزية :
[ WHEN WE FAIL TO PLAN , WE PLAN TO FAIL ] إذاً التخطيط السليم له دور كبير فى إدارة و توجيه الطاقات والموارد الإقتصادية ، وكما ذكر الدكتور طه بامكار فإن التلقائية أو الإرتجالية فى إدارة شئون الإقتصاد تؤدى الى نتائج غير متوقعة قد تؤدى الى إنزلاق الدولة فى ديون ومتاهات لانهاية لها و لا قرار ، وتؤثر سلباً على الموارد المتاحة خصماً على رفاهية الأجيال القادمة ، مع إمكانية توقع عدم تفاعل المجتمع مع السياسات الكلية للدولة ، وهنا لنا وقفة بخصوص إمكانية توقع عدم تفاعل المجتمع مع السياسات الكلية للدولة .. فهاهو السيد على عثمان محمد طه نائب رئيس الجمهورية يعضد هذا الرأى بقوله : [مصممون على توفير الخدمات لكل المواطنين فلا مكان لتنزيل السلطان دون خدمات] .. والكلام واضح ومعقول جداً والعهدة على جريدة الصحافة الغراء الصادرة بتاريخ 19 نوفمر الجارى . وأذكر أن السيد/ نائب الرئيس كان قد وجه من قبل جبهة الشرق بحصر أولويات التنمية وبالتأكيد يقف على رأس تلك الأولويات العمل الجاد من أجل تخفيف حدة الفقر ولانقول إزالته كليةً فذلك شأن آخر لانطمح اليه على الأقل فى الوقت الحالى . والإمام على كرم الله وجهه ما مقت شيئاً كالفقر وهو القائل : [لوكان الفقر رجلاً لقتلته].
ونعود للدكتور طه بامكار فنجده يقول وقوله له وزنه: [رغم خطوات التنمية التى حدثت فى السنين الأخيرة نجد أغلب المجتمع السودانى وخاصة على المستوى الولائى غير راضٍ بهذه التنمية ويصفها بأنها تنمية حكومية وذلك لأن هناك خلل كبير فى إنتهاج اسلوب التخطيط والخلل الأكبر فى شفافية الممارسة ]. ويضيف قائلاً : [ الناس لاينكرون ماتم إنفاذه إنما يسألون هل ماتم إنفاذه كان بشفافية ومشاركة حقيقية من المجتمع المدنى ومن منظماته ؟ وهل هذه المشاريع تستجيب لهموم المجتمع وتلبى حاجاته الضرورية؟ هل تكلفة المشاريع حقيقية؟ ... هكذا يتساءل الدكتور بامكار ولايخفى على أحدٍ أنه يعنى تحديداً ما يتم تحت مسمى التنمية بولاية البحر الأحمر ، وأسئلته الكبيرة دون شك مشروعة تفرض نفسها وتقف كعلامة إستفهام كبيرة ترمى بظلالها القاتمة على مجمل التجربة التى نعايشها ونرصدها وهى جملة مايتم بإسم التنمية بولايتنا الحبيبة البحر الأحمر أرض الأجداد ومرتع الصبا فى زمن غير هذا ، وكل عام ترذلون. ومن أطرف ما قرأت للدكتور النابه الباحث المجتهد طه بامكار قوله : [أن السياسيين فى الولايات يفتون على المذاهب الأربعة ، هم المهندسون أحياناً وهم أهل الإقتصاد حيناً آخر ، كما إنهم لا يثقون فى قدرات الآخرين وليس لديهم أدنى إستعداد لسماع الرأى الآخر .. لذلك يقومون بكل الأعباء وحدهم حرصاً منهم على [كيان الولاية الواحد] وتأميناً له كما يدعون ، مما يقلل من نسبة الشفافية فى الممارسة ، هكذا يقول الدكتور طه بامكار . وأقول أنا معلقاً : لله درك يابامكار فقد قلت ماسكت عنه الكثيرون خوفاًَ وطمعاً.
ثم أذكر ما أغفله أخى بامكار وهو أن ولايتنا هذه تنفرد دون غيرها بتداخل الإختصاصات وهو أمر غير محمود العاقبة ويطيح بركائز علم الإدارة ، ولعلى لا ألام إن سميت ذلك التداخل [بالهرجلة السياسية] ، وإلا فماذا يعنى أن يكلف وزير الحكم المحلى بمتابعة مصادر المياه وإمداداتها وإن نجح فى ماكلف به نجاحاً مطلقاً ، وماذا يعنى أن يكلف وزير التخطيط العمرانى والمرافق العامة بمتابعة صحة البيئة ..
نعم ماذا يعنى ذلك ؟ ولن نعجب إن أصبحنا يوماً ما ووجدنا وزير المالية يكلف بأعمال تلى وزارة الصحة . والشئ بالشئ يذكر ..ونسوق مثالاً أنموذجاً للمقارنة لا أكثر .. فإخوتنا فى مصر مولعون بالتخصص . ونذكر هنا المغفور له بإذن الله المهندس الكهربائى محمد ماهر أباظة ، عمل وزيراً لكهرباء مصر للفترة من 1980 الى 1999 وهى فترة جد طويلة مقارنة بما يحدث عندنا فى السودان ، قيل فى نعيه: [إنطفأت الشمعة التى أضاءت مصر عشرين عاماً] . وأسماه الرئيس مبارك [أبو الكهرباء] .. وكان قد شارك قبل تقلده الوزارة فى التصميم والتعاقد على محطة كهرباء خزان أسوان . وبعد تقلده الوزارة أنار ريف مصر ودخلت الكهرباء الكفور والنجوع وإمتدت الى كل أنحاء الجمهورية . كان إنساناً رقيقاً ، ذات مرة سأله أحد زملائه : لماذا تتهاون مع سارقى التيار الكهربائى من المواطنين؟ فرد عليه : [أنا أرفض أن يقال عن أى مواطن مصرى انه حرامى ، هو فقط عشمان فى الكهرباء].. وهو صاحب المقولة : [لو إنطفت لمبة فى نجع من النجوع أو كفر من الكفور لأخدت عليها خبر] ، ويعنى إذا إنقطع الإمداد الكهربائى لأى سبب من الأسباب ونادراً ما يحدث ذلك عن أية قرية من قرى الصعيد لأعلم بذلك .. تصوروا !.. ولنعتبر هذه طرفة ولنهديها بدورنا لزميلنا المهندس مكاوى حياه الله الجالس على كرسى إدارة الكهرباء فى السودان ولنرى ماهو فاعل بنا بعد كهرباء سد مروى .. إن ظل فى موقعه حتى ذلك الحين. سد مروى ذلك الحلم الجميل الذى نترقب إمداده الكهربائى وننتظره على أحر من الجمر ، وليتهم لا يفسدون علينا أحلامنا .. أقول ليتهم.. فقد سئمنا وسئم منا السأم وضجرنا وضجر الضجر من حالنا والله المستعان من قبل ومن بعد .
وفى الختام إعتذر مرةً ثانيةً عن الإطالة .. ولا أريد أن أكرر نفسى فقد قرأتم .. أو قرأ أغلبكم ماكتبت من قبل عن مشروعات المبانى التى تجرى على قدم وساق بولاية البحر الأحمر تحت مسمى التنمية وكما تعلمون فالتنمية [خشم بيوت] ، نعم لقد كتبت على شبكة المعلومات وكذلك نشرت لى بعض الصحف عدة مقالاتٍ ثم أحجمت لسبب لا أدريه . والآن أريد أن أقول وأنا أختم مشاركتى هذه ، لماذا لا نعطى الصرف الصحى العمومى قدراً يستحقه من الإهتمام وهو أحد أهم عناصر البنية التحتية التى لاتتم أية تنمية بدونها .. هو وصنوه الماء الآمن [ SAFE WATER]. وهو دون شك يسبق فى الترتيب أعمال السفلتة و التبليط الجارية الآن على قدم وساق وبسرعة تسابق الزمن . وما تدهور صحة البيئة الذى نعيشه الآن إلا نتيجة حتمية لإفتقارنا لأنظمة الصرف الصحى العمومى . فقد توسعت المدينة و تطاولت فى البنيان وكبرت طموحاتنا وصرنا نضع لافتات الإعلان ونحلم بأبراج الأحلام الفارهة دون إستحياء .. وإذا قدر لنا – وذلك أمر حتمى – ان ننشئ صرفاً صحياً عمومياً ستزال حتماً أجزاء كبيرة من هذه الطرقات وماحولها من أرصفة .. إذاً لماذا لا نخطط جيداً ونعمل بالأولويات ونراعى الأسبقيات التى جعلت محافظة الحديدة بالجمهورية اليمنية تنعم بالصرف الصحى العمومى والمياه الآمنة قبل الطرق و الأرصفة ، ولجديتهم وحسن تدبيرهم تكفلت الحكومة الألمانية بالجزء الأكبر من التكلفة أى بما نسبته خمسة وثمانون بالمائة ودفعت اليمن المتبقى وهو خمسة عشر بالمائة ومعلوم أن تكلفة الصرف الصحى باهظة .
ثم .. هل لى أن أتساءل لماذا نشيد المبانى التى لانحتاج اليها آنياً ولماذا لانتركها لوقتها .. لا أريد أن أخوض فى التفاصيل وأفسد عليكم ندوتكم هذه بما لا يفيد ، فالأمر معروف متداول يعرفه ويقول به طلاب مرحلة الأساس فى أنحاء هذه الولاية . مبانى ضخمة تشيد هنا وهناك بعضها إكتمل وبعضها تعثر وبعضها شارف على الإكتمال . فعندما نقوم ببناء مايزيد عن حوجتنا الفعلية نكون قد إرتكبنا خطأً فادحاً . فما يحدث فى هذه الولاية لا سابقة له ، لا سيما وأن التقصير جلي واضح فى أوجه التنمية الأخرى ، ومالنا والعياذ بالله نفعل فعل " عاد " قوم سيدنا هود عليه السلام الذين زجرهم المولى عز وجل ولنقرأ من خبرهم الآيات 128-130 من سورة الشعراء [أتبنون بكل ريع آيةً تعبثون . وتتخذون مصانع لعلكم تخلدون . وإذا بطشتم بطشتم جبارين]. ومعلوم أن الريع هو المرتفع من الأرض وجمعها ريوع والآية هى العلامة أو الأمارة والمصانع المعنية هنا هى المبانى الشاهقة من القصور والحصون عظيمة البناء . ونحمد لعاد قوم هود أنهم كانوا يبنون قصورهم ومصانعهم تلك على الريوع أى الأماكن المرتفعة . ونحن الآن لا نفعل ذلك.. ونبنى على الخيران ومساقط السيول . وفى بعض دول الخليج بلغ بهم الترف حداً جعلهم يبنون داخل مياه البحار تارة على شكل نخلة وأخرى على شكل مروحة ، هكذا.. ونحن من عجب نستدل بكل ذلك لندارى إخفاقاتنا . ومالنا نحن وكل ذلك أفلا نتحسس جيداً موضع إقدامنا ونستعيذ بالله إن وسوس الشيطان لنا إذعاناً للأمر الإلهى : [فإما ينزغنك من الشيطان نزغ فأستعذ بالله ] والسلام عليكم وشكراً لحسن إستماعكم ..
المراجع :
1. شبكة المعلومات (INTERNET ) .
ترحب سودانيزاونلاين بجميع الاراء الحرة و المقالات ,الاخبار و البيانات لنشرها فى هذه الصفحة.ويمكنك لزوارنا الكرام ارسالها الى [email protected] كما نرجو ذكر الاسم الحقيقى و الكامل و مكان الاقامة مدة بقاء المقال فى هذه الصفحة 10 اعوام
أعلى الصفحة