وهج الشروق
حسين ولى اركاب
النيل المتصحـر
* صارت الكتابة جلسة في مقهى أو طاولة انس في نادٍ اجتماعي تتفتق عنها صلات وعلاقات وتنشأ منها خيوط من التواصل تحكم المرء بعلاقات جديدة .
* صار المرء يقابل أناسا لم يكن يعرفهم من قبل ، قرأوا ما كتبه وتناغموا معه لأنهم شاهدوا في أنفاسه بعضاً من حياتهم ومشاعرهم وآلامهم وأحلامهم وهمومهم وهذا أقصى ما يبتغيه المرء من كتابة . ومن هنا صارت الكتابة رابطاً عاطفياً يصلك بالناس ويجعلك لا تبكي وحدك وإنما تقنع الآخرين بالبكاء معك .
أما البحث عن مردود آخر للكتابة في هذا السودان العجيب فهذا عين العبث وعين الإبحار في المستحيل !
* أيها الناس ، أننا فقدنا الأمل وتشبعنا حتى النخاع بثقافة فقدان الثقة واليأس والإحباط . اننا صرنا نعتقد اننا نعيش اكذوبة كبيرة . اننا لم نعد نصدق شيئاً في هذا السودان . الجرائد تكذب والإذاعة تكذب والتلفزيون يقدم برامج معدة ومجهزة ومطبوخة وفق (الإيقاع المطلوب) والسياسيون في الحكم يكذبون ويكذبون ويكذبون !!!
* وصارت مهنة معظم الناس في السودان هي السياسة فأساتذة الجامعات تركوا جامعاتهم وتركوا معاملهم ومكامن ابداعهم واختراعاتهم وصاروا سماسرة سياسة ومدراء أجهزة أمنية والجامعات صارت منابر للاصطراع والاحتراب والخلاف والتنابذ بقضبان السيخ وتركت مسؤولياتها العلمية الهامة في صنع النهضة والمستقبل والمهندسون والأطباء والعمال والمزارعون تركوا مجالات ابداعهم الحقيقية التي تحتاجها بلادهم وانصرفوا مهرجين في المعترك السياسي وحتى نظار القبائل والشيوخ والعمد تركوا تلك المجالات الطيبة والصلح والقلد والتقاليد الجميلة التي كانوا يخدمون بها شعبهم ودخلوا معمعة التزيّد السياسي نواباً في البرلمان القومي والمجالس التشريعية ولجان الأحزاب !
* اننا ( بصراحة ) شعب يحب الكلام وإضاعة الوقت والاستسلام للخمول والأحلام السهلة .
* حتى النيل في السودان خامل ومجدب ولم يحقق إلا القليل بكل مساحته الطويلة من (نمولي الى حلفا ) ! ان هذا الكلام ليس افتراءاً أو إدانة انها حقيقية أمامك ماثلة (انظر إليها واحكم) . ان مجرى النيل في حدوده السودانية مساحة شبه جرداء مليئة بفراغات اليباس والتصحر والعقم ولكنك منذ ان تطل الى الحدود المصرية من مجرى النيل حتى تنبهر بمساحات الإبداع والإنتاج والخضرة المترامية الجميلة .
* اننا لا نرى نفعاً في كل صفحات الفخار وأساطير التاريخ وأناشيد الوطنية والبطولة وقصص الانتصارات ودحر الغزاة والروايات المتكررة عن تحقيق الاستقلال ونطالب عوضاً عن ذلك بثقافة جديدة قائمة على مقتضى حاجات العصر وخصال المنافسة والقوة وأولها الصدق والواقعية وحب الوطن من القلب ( وليس من اللسان ) وتحقيق الانتصار في المعامل والمصانع والحقول الزراعية الشاسعة والتسلح بأدوات وعلوم العصر وخصال العمل الأمين الصادق (كالخواجات ) .
* وعندما ينبثق جيلٌ جديد يختلف كل الاختلاف عن هذا الجيل والأجيال التي سبقته (والتي رضعت من ينابيع الأكاذيب القديمة وثقافات الزيف آنذاك فقط يتحقق (سودان جديد) وليس قبل ذلك أبداً أبداً !!
ترحب سودانيزاونلاين بجميع الاراء الحرة و المقالات ,الاخبار و البيانات لنشرها فى هذه الصفحة.ويمكنك لزوارنا الكرام ارسالها الى [email protected] كما نرجو ذكر الاسم الحقيقى و الكامل و مكان الاقامة مدة بقاء المقال فى هذه الصفحة 10 اعوام
أعلى الصفحة