التاريخ لم يبداء مع اوباما
والسودان كان قبل اليوم مبادرا وسباقا في دعم حركات التحرر العالمي والافريقي
قبل عقود طويلة من حركات الهياج والشعوبية المتامركة المعاصرة
محمد فضل علي
انشغل العالم اثناء وبعد الانتخابات الامريكية الاخيرة باصل المرشح الديمقراطي الذي اصبح اليوم رئيسا للولايات المتحدة الامريكية بطريقة تكاد تصل الي حد الهوس والدهشة بوصول رجل اسود الي البيت الابيض لاول مرة في تاريخ الدولة الامريكية تاركين اصل القضية التي دفعت الملايين من سكان ذلك البلد القارة الاطاحة بمرشح الحزب الجمهوري وجماعة اليمين الامريكي الذي كشفت طريقة تفكيرة اثناء حملته الانتخابية ونظرته الي القضايا الدولية ذات الصلة ببلاده انه يتفوق بدرجات علي جورج بوش في الغباء والجهل والمكابرة بطريقة تؤكد ان فوزه في تلك الانتخابات كان سيقود امريكا والعالم الي كارثة كبري اخري وحرب عالمية ثالثة تقضي علي ماتبقي من منجزات الحضارة الانسانية المحتضرة اصلا في عالم اصابت مؤسساته الشيخوخة والهرم مثل منظمة الامم المتحدة التي تحولت الي ادارة تابعة للرئاسة الامريكية بصلاحيات تشبه الي حد كبير صلاحيات شركة علاقات عامة مهمتها تزيين صورة مالكها او الجهة المسيطرة عليها ومن هنا كانت تنبع الحاجة القصوي للتغيير في بلد قيادي وكبير بحجم امريكا, الرئيس الامريكي الحالي علي الرغم من تركيز العالم علي لون بشرته فهو لاينتمي الي جيل او الي مجتمع الاقلية السوداء في امريكا التي ناضلت وعانت كثيرا خلال سنين طويلة من الفصل العنصري العلني والمعيب الذي كان قد وصل في المجتمع الامريكي الي الكنائس وحتي المطاعم والمقاهي والاماكن العامة المخصصة للسود والاخري المخصصة للبيض وعلي ذلك يمكن قياس ما كان عليه حال الاقلية السوداء هناك في ذلك الزمن,باراك اوباما لم يكن من هولاء لانه عاش في كنف اسرة والدته البيضاء وافاده التنقل الخارجي مع زوج والداته الي جانب صغر سنه انذاك في النجاة من معاناة الفصل العنصري وهمجية العنصريين في المجتمع الامريكي ولكن رحلة كفاحة وثقته في نفسه وذاته التي عبرت به تضاريس ذلك البلد القارة واوصلته الي ماهو عليه اليوم تصلح نموذجا ليس للافراد وانما للكثير من الامم والشعوب خاصة تلك الغارقة والمستغرقة منها في الانكسار وندب الحظ والدونية عندما يترك الناس لب الاشياء ويتفرغوا لتحليل الدماء والنبش في اصول الناس وانفسهم وقد علمتنا الكثير من الدروس الحضارية والانسانية ان ثقافة الانكسار هي المدخل الاول والاخير لكل انواع الهزائم وافول الحضارات وعلي العكس الثقة في الذات الشخصية او الجماعية تقود الي الانتصارات في الظروف العادية والصمود في زمن الشدة والمصائب, اوباما لم يكن نسخة من الرعيل المناضل من الاقلية السوداء في بلاده مثل مالكولم اكس, او مارتن لوثر كنج, او اخر الاحياء من هولاء المدافع عن الحقوق المدنية القس جيسي جاكسون, الرئيس الامريكي الجديد باراك اوباما لم يدخل الي العمل العام من هذا المدخل وكانت الثقة في الذات هي سلاحه الرئيسي لتحقيق النصر واحسن استخدامها غير متهيب ولذلك انتصر, اما محاولة اسقاط الحالة "الاوبامية" علي الواقع السوداني وتصوير الولايات المتحدة الامريكية وكانها مهد الرحمة الانسانية وعلي العكس السودان فتلك مغالطة خطيرة للتاريخ الذي لم يبداء مع اوباما فعندما كانت امريكا تمارس الفصل العنصري السافر في مجتمعها وتستميت في دعم انظمة الفصل العنصري والاستبداد في جنوب افريقيا وروديسيا كان السودان الرسمي والشعبي في ظل كل الحكومات الحزبية والعسكرية يقف موقفا مغايرا ويدعم حركات التحررالوطني دبلوماسيا وسياسيا في كل المحافل الدولية واحيانا عسكريا فقصة مشاركة وتنسيق الراحل المقيم الشريف حسين الهندي مع الثورة المصرية والزعيم عبد الناصرفي نقل السلاح الي ثوار الكنغو حقيقة ومساهمة جرئية وشجاعة لكنها لم تفلح مع التدخل الامريكي المباشر وسحق الثوار واهانة الزعيم الاديب والقائد الافريقي الفذ باتريس لومببا وتصفيته بعد تعذيبه علي يد عصابة العميل الامريكي مبوتو وهوالعمل الذي اعتذرت عنه امريكا بعد عقود من تلك الجريمة بعد اقرارها بالمشاركة في تصفية الثورة والثوار, الشعب السوداني كان ايضا يدعم سياسيا وادبيا في زمن النهضة والاستنارة فغني للثورة الافريقية والثواروحركات التحرر الوطني بطول وعرض العالم وتكفي مشاركة الشعب السوداني الوجدانية في دعم النضال الافريقي وحركات التحرر العالمي تلك الملحمة العبقرية وقصيدة "اسيا وافريقيا" التي حلق من خلالها الاديب السوداني تاج السر الحسن في مسارح النضال واماكن التضحيات النبيلة في كل قارات العالم كان ذلك في السودان الذي كان قبل ان تدهمة ثقافة المصارف والمضاربات الامريكية "المتاسلمة" التي اعادت الناس القهقري في ذروة استعجالها حسم الحرب الباردة عبر تلك التحالفات الشائهة بين اليمين الامريكي والعربي الاسلاموي, وكانت تلك الكلمات الخالدات صدي حقيقي للحراك الادبي والسياسي في الشارع السودان وترجمة لنبضه وتفاعله مع الثورة الافريقية والعربية والعالمية ثم حدث ماحدث بعد ذلك وها نحن ومعنا العالم كله نشاهد ما الت اليه الامور كنتيجة لسيادة العصرالامريكي في العقود الاخيرة وهاهو العالم يتهاوي من اركانه الاربعة اقتصاديا واخلاقيا وسياسيا وقانونيا ويتحول الي غابة كبري البقاء فيها للاكثر جراءة "وقوة عين" من المسبحين بنقاء الضمير السياسي والايديولجي الامريكي.
ترحب سودانيزاونلاين بجميع الاراء الحرة و المقالات ,الاخبار و البيانات لنشرها فى هذه الصفحة.ويمكنك لزوارنا الكرام ارسالها الى [email protected] كما نرجو ذكر الاسم الحقيقى و الكامل و مكان الاقامة مدة بقاء المقال فى هذه الصفحة 10 اعوام
أعلى الصفحة