الريس يحاصر الصحافة المحلية ويدعم الصحافة اللندنية و أسرارٌٌٌ أُخرى !!
الأمر الأول :
قال : أبو حيان التوحيدي , في كتابه الإمتاع والمؤانسة : { لا تكون الرياسة حتى تصفو من شوائب الخيلاء ومن مقابح الزهو والكبرياء } , قد يبدو الأمر مستبشعاً أن يحمل كتاباً عنوان الحذاء , أو أكثر بشاعة أن يطالع كل العالم القارئ للعربية وفي إحدى أشهر الصحف الصباحية , مقالاً تحت عنوان الحذاء , لكن يبدو أننا صرنا إلي زمن أصبح فيه المرء يبحث عما يروح عنه حتى ولو كان سخيفاً , والأمر هنا لا يبدو غريباً على لغة الصحافة والتي تُعني بشد القارئ وجذبه وتشويقه للتصفح والقراءة , للعديد من الأهداف الدعائية والتجارية , وهذا هو ما يحدث بالفعل , ففي كثير من الأحيان تجد نفسك تقدم أولوية شراء صحيفة معينة على وجبة الإفطار لأنها حملت عنواناً مثيراً , حينما كتب الأستاذ الكبير والقدير عبد الرحمن الراشد عنوانه المثير " حذاء البشير " , كنت ربما من بين ملايين علي علم بالحدث وبالمناسبة التي وقع فيها , ولا أُخفي القارئ مشاعري , فقد حزنت في تلك اللحظة , لا لأجل من هم تحت الحذاء , ولكن لأجل أن هؤلاء هم من يتحكمون بمصير شعب عملاق بحجم الشعب السوداني , ذلك الشعب الذي تشكل أخلاقه وشيمه العلامة المميزة والفارقة له من بين كل شعوب الأرض !! , لكن الشعب التزم الصمت إزاء ما صم أذناه , لا لأنه عيي , ولكن لأنه أبيٌ !!, تعرفت قبل سنوات على أحد الباحثين الأفارقة وهو من جمهورية ليبيريا , كان قد ألف كتاباً كاملاً وليس مقالاً عن الأخلاقية السودانية [ Sudanese Morality ] , والرجل لا يتكلم العربية , وهو لم يزر السودان يوماً في حياته , بل كانت مادته هي ما جمعه عن الإنسان السوداني ممن تعرف عليهم في ديار أخرى فبهر بهم !! , لكن إذا كان الحزن والإحباط اللذان يصيبان الإنسان السوداني وهو يستمع إلى مثل هذا النوع من العنتريات الجوفاء ينتهيان داخل الحدود الجغرافية للبلد , عند هذا الحد تكون المصيبة أخف ومقدور على تجاوزها , لكن وبما أن العالم قد أصبح قرية فإن المعلومة قد صارت تأخذ طريقها وفي لمح البصر , إلى أرجاء المعمورة وتصبح مادة مثيرة للإعجاب والدهشة أو محلاً للنكاية والتندر ! , والرئيس وبمثل هذا النوع من التصرفات التي لا تليق بالزعامة هو لا يدري أنه يقدم مادة دسمةً للصحافة العالمية يغتني منها آخرون , ويضحك ويتفكه بها كثيرين , في وقت يسلط فيه سيفه الأمني والقمعي في رقاب صحفيين سودانيين عُزل ليس لهم سلاح إلا أقلامهم وكلمتهم الرصينة , وصحافة وطنية لا تعرف إلا قول الحقيقة ! , والصحافة السودانية الوطنية وبكل ما يقال عنها تعد من أكثر الصحافة التزاماً بأدبيات المهنة الشريفة والكلمة الرصينة المنتقاة , تقوم عليها كفاءات مؤدبة بكل أخلاق هذا الشعب الأبي الذي أبت نفسية المؤتمر المسمى " بالوطني " إلا أن تأخذه نِكالاً وتذقه وبالاً وهو على براءته , ما هكذا تكون القيادة ولا هكذا يكتب الزعماء أسماءهم في سجلات التاريخ , يا سيادة الرئيس , ولا هكذا نستطيع الدفاع عنك أمام الشعوب الأخرى , ولا هكذا تستطيع أن تدفع عنك تهمٍ قد وجهت إليكم , بل على العكس من كل ذلك , بهذا الأسلوب إنما يصفكم الآخرون بقصر النظر وقلة الحيلة وكذا يتيقن العالم من مصداقية المدعى الجنائي الدولي !
الأمر الثاني :
في سياق مشابه لأمر الحذاء , وفي غضون الشهرين الماضيين كنتُ قد عرجت إلي الموقع الخاص " بالرئيس البشير " , وهو موقع قد تم استحداثه إثر أزمة الجنائية للدفاع عن الرئيس , وكنت قد أشرت إليه في مقال سابق نشر في أغسطس الماضي , في أثناء تجوالي في الموقع المذكور توقفت عند " ألبوم " الصور , استوقفتني إحداها , دعني أصفها لك وإن كنت لست ممن يجيدون الوصف , الصورة : [ الرئيس بزي رياضي كامل " بزة " بلون أبيض وشريط جانبي أخضر , و " face cap " , تحيط به مجموعة من الوزراء وكبار المسئولين بالدولة , إلي جانب جمهرة من الرياضيين , ولا ننسى الطاقم الأمني المدجج بالسلاح , توضع أمامه كرة قدم , تمت معالجتها تصميميا " graphic " بوضع رأس أوكامبو داخلها وسيادته يتأهب لركلها .. !! ] , هذا هو الرئيس وهذه هي بطانته وفقهاء إعلامه الذين جندوا أنفسهم للدفاع عنه , وهذا هو الصلف والخيلاء والزهو والكبرياء , تصور ماذا كان سيفعل الإعلام العالمي بهذه المهزلة لو أن تلقفها , أعتقد أنها كانت ستكون مادة صالحة للفضائيات والرسوم المضحكة لحين من الدهر , أو أنها كانت دليلاً مادياً آخر لدى الجنائية الدولية ! ! , الأمر بالنسبة لنا ، أعني الشعب السوداني , ليس مزحة نضحك منها ولا لقطة مثيرة نتوقف عندها , فنحن لدينا أولوياتنا الملحة التي لم تدع معها مكاناً للتفاهة والسخف وترف المعلومات التي لا تسمن ولا تغني من جوع , لدينا ملايين من الجياع والمشردين في بيد وصحارى دارفور , لدينا ملايين مضاعفة أخرى من الذين لا يملكون أقوات يومهم , وعشرات الآلاف من الأطفال المشردين بلا مأوى , لدينا أمراض أصبحت تتفشى بصورة وبائية , في آخر تقرير صادر عن مرض السل الذي ينتج عن الفقر بشكل مباشر أوردت الحياة اللندنية ما يلي :
[ والمعلوم أن السودان ثالث دول إقليم شرق المتوسط لجهة نسبة الإصابة بالسلّ التي تبلغ نحو 180 إصابة لكل مئة ألف شخص. ويرجع الدكتور عايد منعم مستشار منظمة الصحة العالمية، زيادة حالات الإصابة إلى الحرب والمجاعة.
وثمة خصوصية في علاقة السودان بالدرن، تتمثل في أن 4.5 في المائة من إصاباته تعاني الإيدز أيضاً. وما زال الخوف من الوصمة عائقاً كبيراً أمام مجابهة المرض، إضافة إلي استمرار قدوم اللاجئين من دول مثل إثيوبيا وتشاد.] , هذه هي القضايا التي نحسب أن من الواجب أن تشكل أولويات الرئيس وتشغل اهتمامه لا أن يضيع وقتنا في المقاذحة والمقاذعة والتحدي والعنتريات التي لا تفضي إلا إلي مزيد من الاستخفاف والاستحقار بالوطن و بشعبه وبرموزه .
الأمر الثالث :
قرأت في وقتٍ سابق مقالاً لأحد الإخوة ويدعى " أبو عيسى أحمد الحلو " , نشر على سودانيز أون لاين , ينتقد فيه الطريقة التي تعاملت بها الحكومة مع جثمان الفقيد الدكتور الراحل " عبد الرحمن موسى أبكر " , أولاً أنتهز الفرصة وأجدد التعزية لأسرة الفقيد والذي تجمعنا معه أواصر المودة حيث أن الرجل كان أستاذاً بجامعة الخرطوم ووقتها كنا طلاباً , وكان الفقيد مثالاً لدماثة الخلق وحلو الشمائل كان هادئاً كما الشم الرواسي , وكان فكهاً يخرج النكتة التي تفجر ينابيع من الضحك ولا يتبعها هو إلا ابتسامةٍ خافتة , رحمه الله رحمة واسعة و أسكنه الفردوس الأعلى , أنتقد الأخ الحلو معاملة جثمان الفقيد بتلك الطريقة المهينة , مقارناً ذلك بما جرى لجثمان فقيد البلاد المغفور له السيد أحمد الميرغني أدخله الله فسيح جناته , ما دونه الحلو من معلومات حقيقة تنم عن نزعة استعلائية انتقائية لا يتنازع فيها اثنين , إن لم نقل عنصرية بغيضة المقصد والهوى , اتفقت مع الأخ الحلو في كل ما كتب إلا في الأسلوب الصارخ الذي أوصل به المعلومة , ناقشت أحد زملائي في العمل وهو سوداني وحكيت له ما جاء في المقال المذكور فعلق قائلاً : [ تلك هي أنسب طريقة يخاطب بها هؤلاء ] ..
و أخيراً :
وأخيراً فإن آخر العلاج الكي كما يقولون , فعندما أحس الريس وزمرته بمرارة الكلمة , وأثر الصحافة وأهميتها وخطرها , ها هم يحرمون قناة العربية من تغطية فعاليات الجلسة الختامية لما يسمى ملتقى أهل السودان بزعم أن رئيسها هو الأستاذ عبد الرحمن الراشد صاحب الحذاء المقال ...!!
حـاج علي ـ السعودية
Thursday, November 13, 2008
ترحب سودانيزاونلاين بجميع الاراء الحرة و المقالات ,الاخبار و البيانات لنشرها فى هذه الصفحة.ويمكنك لزوارنا الكرام ارسالها الى [email protected] كما نرجو ذكر الاسم الحقيقى و الكامل و مكان الاقامة مدة بقاء المقال فى هذه الصفحة 10 اعوام
أعلى الصفحة