زفرات حرى
الطيب مصطفى
خذ المال لكن صوِّت للانفصال!!
تعجبني صراحة الفرد تعبان رئيس تحرير صحيفة »الخرطوم مونتر« الذي انتقد انشاء صندوق لدعم الوحدة برئاسة النائب الأول لرئيس الجمهورية الفريق سلفاكير والذي هو في ذات الوقت رئيس حكومة الجنوب.
فقد قال تابان إن الصندوق ينبغي أن يسمى بصندوق الرشوة لأنه إذا كان الهدف منه هو إنقاذ الجنوب مالياً فإن المؤسسات المنوط بها القيام بذلك موجودة بالفعل وبالتالي لن تكون هناك حاجة إلى هذا الصندوق إذا مُكنت تلك الآليات القائمة من العمل وقال تابان إن اختيار سلفاكير لرئاسة الصندوق كان بمثابة الصدمة للجنوبيين ذلك أن (سلفاكير ليس شخصاً عادياً فقد تم اختياره من قبل الجنوبيين لقيادتهم نحو الاستقلال ولذلك فإن وضع سلفاكير على قمة هذا الصندوق لا يعدو أن يكون محاولة للتدخل في خطة استقلال الجنوبيين وأضاف تابان في مقاله بتاريخ ٢١/٠١/٨٠٠٢م إن (تلك الخطة وضعت عندما تبين بدون أدنى شك أن الشماليين ليسوا على استعداد لمنح الجنوبيين حقهم في العيش كمواطنين متساوين في موطن ميلادهم ولكن هذه المحاولة لتحويل سلفاكير إلى وحدوي عن طريق استخدام هذا الصندوق لن تنجح ذلك أن كل الجنوبيين تقريباً - بسبب سلوك الشماليين سلباً أو إيجاباً - قد قرروا الانفصال ولن تفلح الأموال أو الصناديق في اقناعهم بخلاف ذلك فالجنوبيون يتشوقون لعام ١١٠٢م) - عام تقرير المصير.
ومضى تابان إلى القول (على الجنوبيين ألا يرفضوا الصندوق فإذا حدث أن عُرضت عليك أموال فخذها.. إنها دماء اخوانك وأخواتك الذين ماتوا من أجل جنوب السودان.. خذ المال لكن صوِّت للانفصال) لا فائدة...
أقولها بملء الفم للذين لا يزالون يحلمون بأن رضا النخب الجنوبية يمكن أن يُشترى بالمال مهما كثُر أو بالتنازلات مهما تعاظمت ... فها هو تابان يقدم درساً مجانياً لمن يعتبرون... تابان الذي أعتقد اعتقاداً لا يتطرق إليه شك في أنه يحظى باحترام وتقدير كل مثقفي جنوب السودان ويعبر عن طموحاتهم وأشواقهم فما من مثقف جنوبي لا يعرف تابان ويثق في مصداقيته وتعبيره عن مشاعر أبناء الجنوب فقد ظل الرجل يحمل قضية الجنوب ويناضل في سبيلها منذ ما قبل الانقاذ حيث كان مراسلاً لهيئة الاذاعة البريطانية وبعض وكالات الأنباء منذ ثمانينات القرن الماضي وقد تعرَّض للاعتقال مراراً وتكراراً بسبب مواقفه المؤيدة للحركة الشعبية حين كانت تشن الحرب على القوات المسلحة السودانية... نعم اختلف كثيراً مع الرجل وأعتبره متحاملاً بل أعتبره حاقداً على الشمال وعلى الشماليين لكني لا أملك إلا أن أحترم مواقفه المبدئية حتى لو اعتبرته خصماً لي على المستوى الفكري والسياسي.
تابان لن يقتنع بأن الشمال أو الشماليين يمكن أن يفعلوا خيراً... لا تسألني لماذا فالرجل مبرمج على هذا النحو شأنه شأن معظم النخب الجنوبية تابان لن يقتنع بأنه لم يحدث في يوم من الأيام حتى عندما كانت الحرب على أشدها أن تعرَّض جنوبي في الخرطوم أو في الشمال للضرب أو التحرش به بل لم يحدث أن فكَّر الشماليون في أن ينتقموا من أي من الجنوبيين الذين يقيمون بين ظهرانيهم جراء استشهاد أحد من يمت إليهم بصلة بل على العكس فقد كان التحرش يأتي من الطرف الآخر ولعل أحداث الاثنين الأسود خير شاهد ودليل كما أن الأحداث الأخرى التي شهدناها بعد نيفاشا وقبلها تقدّم الدليل على ما أقول ولن أتحدث عن الشماليين الذين يعيشون في جنوب السودان ممن فروا بالآلاف عقب مصرع قرنق وتفجُّر أحداث الاثنين الأسود فهؤلاء في نظر تابان لا يستحقون العيش كمواطنين متساوين مع أبناء الجنوب فيما يُفترض أنه موطنهم.
تابان لم ينس اسطوانة الشريعة التي طالب بإلغائها حتى يحس الجنوبيون بأنهم مواطنون متساوون كما تحدث عن اللغة العربية التي قال إنها تُفرض على الجميع بمن فيهم الجنوبيون!! أي أن الرجل يريد منا أن نتخلى عن دين الاغلبية أو أن نغيِّر المناهج التعليمية لتصبح بلغة الدينكا مثلاً أو باللغة الانجليزية التي يعلم تابان أنها ليست لغة أبناء جنوب السودان ورغم ذلك »تُستورد« وتُفرض على الجنوبيين بل تُستورد المناهج من كينيا وأوغندا ويُطرد المنهج السوداني الناطق باللغة العربية »البغيضة« لدى تابان وصحبه حتى ولو كان الجنوبيون البسطاء يتحدثون العربية ويتفاهمون بها ولا يجيدون أو يتحدثون الانجليزية.
على أن ما كتبه الفرد تابان بتاريخ ١/٩/٨٠٠٢م كان رائعاً حينما هاجم صحيفة »أدفوكيت« الناطقة بالانجليزية مستنكراً سؤالها »إلى أين يريد الانفصاليون الانفصال؟؟« وقال إنه السؤال الأكثر غباء بين جميع الاسئلة الأخرى!!
ثم أجاب تابان بالسؤال إلى أين انفصلت اريتريا عام ٣٩٩١م ثم ماذا عن تيمور الشرقية والبوسنة وغيرها؟! إلى أين انفصلوا؟!
مما أثارني بحق هو أن تابان في معرض تعقيبه على صحيفة »ادفوكيت« قال (إن أبيي نُهبت في مايو من هذا العام ثم أُحرقت وعندما ذهب وفد حكومي مصحوباً ببعض السفراء لزيارة المدينة وجد أن نساء المسيرية في أبيي استمروا في نهب كل ما تركته الأسر الدينكاوية دون أدنى خوف من الوفد الزائر الذي ضم وزير الخارجية دينق الور)!! تخيلوا درجة عنصرية هذا الرجل!!
سؤال بريء أوجهه إلى الفرد تابان تُرى هل كانت حكومة الجنوب ورئيسها الفريق سلفاكير حريصين على الوحدة عندما أحيوا ذكرى تمرد توريت ونفضوا عنه الغبار بعد أكثر من نصف قرن من الزمان.. هل كانوا يفكرون في جعل الوحدة خياراً جاذباً حينما سموا أولئك المجرمين الذين قتلوا الشماليين بدم بارد بالأبطال؟ هل كانوا يطبقون اتفاقية نيفاشا التي نصت على العمل على جعل الوحدة خياراً جاذباً حينما احتفلوا بذكرى اشتعال التمرد لأول مرة تلك الذكرى اللعينة التي أحالت السودان شماله وجنوبه إلى دولة متخلفة بعد أن أدخلته في نفق الحرب المظلم ودياجير التخلف المؤلم؟!
ترحب سودانيزاونلاين بجميع الاراء الحرة و المقالات ,الاخبار و البيانات لنشرها فى هذه الصفحة.ويمكنك لزوارنا الكرام ارسالها الى [email protected] كما نرجو ذكر الاسم الحقيقى و الكامل و مكان الاقامة مدة بقاء المقال فى هذه الصفحة 10 اعوام
أعلى الصفحة