أحمد الميرغني فعلها حياً وميتاً
جمال عنقرة
لم يتفق السودانيون علي شئ مثلما اتفقوا علي قومية ووطنية الفقيد الراحل المقيم مولانا السيد أحمد علي الميرغني فحياته كلها كانت من أجل السودان الوطن الواحد الشامل. فلم يفرق بين أي من مكوناته، ولم يغلق نفسه علي من يواليهم، ولم يعتزل من يختلف معهم في الدين أو الطائفة أو الطريقة، أو الحزب السياسي. ولم تقعده كل مشكلات السودان وتعقيداته عن الدعوة للقومية. فلم يدخر جهداً يمكن أن يقرب السودانيين من بعضهم البعض. ولم يكن من أصحاب الرأي الباهت رغم وسطيته غير المتناهية. ففي كل الخطوب والمحن التي ألمت بالسودان كان السيد أحمد يخرج علي الناس بقول حكيم ورأي سديد.
ونعلم جميعاً أنه لا يوجد مخرج للسودان من أزماته القائمة سوي الوحدة والتوحد ولم الشمل. ولذلك لم يكن هناك حدث أكبر من ملتقي أهل السودان الذي انطلق الاسبوع الماضي من قاعة الصداقة بالخرطوم والتأم بعروس بحر أبيض كنانة الخضراء. ولم يبق شيئ يشغل السودانيين غير أن يكتمل هذا المسير بلقاء أهل الداخل مع الذين يرابطون في الخارج. ولم يبق في الخارج من ننتظر قدومه سوي رافضي أبوجا من جماعات الحركات الدارفورية المسلحة، وقبلهم الحسيب النسيب مولانا السيد محمد عثمان الميرغني زعيم التجمع الوطني الذي كان يعارض الإنقاذ في الداخل والخارج حتي توقيع إتفاق القاهرة بينه وبين الحكومة السودانية، و مرشد الختمية ورئيس الحزب الإتحادي الديمقراطي والشقيق الأكبر للراحل المقيم الذي كان ينوب عنه في كل شيئ إلا التجمع المعارض الذي رأي مولانا السيد أحمد أن الانضمام له يتعارض مع القومية التي يتدثر بها ويلبسها جلباباً، وينتهجها سلوكاً فطرياً أصيلاً ومؤسساً.
لقد أتيحت أكثر من فرصة لعودة السيد محمد عثمان للسودان. وللسيد رغبة قوية وصادقة في العودة، لكنه دائماً يجد ما يشكل له عائقاُ سواء اتفق الناس معه علي هذه المعيقات أو اختلفوا. ومع ذلك لم ينته عزم السيد علي العودة، ولم تنقض رغبة الآخرين في أن يعود ليشكل بما له من أبعاد دفعاً قوياً لمسيرة السلام من الداخل. ولقد صارت رغبة أهل السودان كلهم بلا استثاء في عودة مولانا السيد محمد عثمان لأرض الوطن أكثر مما كان عليه الحال بعد أزمة الجنائية الدولية، وازدياد حدة التوتر بين الحكومة والحركات المسلحة في أعقاب غزو ام درمان في مايو الماضي من قبل حركة العدل والمساواة. وكانت رغبة السيد أحمد تفوق رغبة كل هؤلاء. وأشهد أنه كان دائماً أكثر الناس حماساً للتقريب بين شقيقه الأكبر وحزبه وبين كل أهل السودان. وأذكر قبل رحيله بأقل من خمس ساعات اتصل به الأخ الدكتور أبو الحسن فرح وأخبره أنه توجد ندوة في مركز الأهرام لوفد المؤتمر الوطني المشارك في المؤتمر الخامس للحزب الوطني الديمقراطى المصري. فقال مولانا لأبي الحسن اذهب وشارك وعبر عن موقف حزبك ولكن لا تقول ما يباعد بينك وبين اخوانك الحاكمين لأننا في السودان في حاجة ماسة للتقارب لغلق منافذ الشيطان التي صارت عديدة. ثم طلب منه أن يتصل به بعد الندوة. فجاء أبو الحسن الأهرام وشارك وفق نصيحة مولانا. وبعدما خرج وأخذ قسطاً من الراحة حاول أن يتصل بمولانا في الاسكندرية، فوجده قد استجاب لنداء ربه. فحمد الله أبو الحسن علي ما وفقه للالتزام بنصيحة مولانا الأخيرة والقائمة إلي يوم الدين.
وعندما انتشر خبر وفاته وعم القري والحضر، بدأ الناس يتساءلون ماذ يفعل مولانا السيد محمد عثمان هل سيعود مع جثمان شقيقه، ام تحول العوائق دون ذلك. ويشهد كل من حادثوني في هذا الشأن كنت أقطع بعودة الميرغني، لأن هذه العودة تكون هذه المرة استجابة لرسالة قوية قدمها حبيبه السيد أحمد بروحة ليبلغ أهله في السودان أن اتحدوا.
وهاهو مولانا السيد محمد عثمان قد استجاب لنداء روح مولانا أحمد الطاهرة، ورأي كيف جمع السيد أحمد أهل السودان بمماته مثلما كان يجمعهم في حياته. وأمنيتى أن تكون ذكري اليوم السابع لوفاته يوماً لتحقيق حلم الراحل المقيم الكبير في وحدة أهل السودان، فيتخذوا قراراً يريح الراحل في قبره مثلما كان يرحيهم بمواقفه الوطنية الراسخة. ولعل هذا الموقف يكتب له في ميزان الحسنات لأنه كان صاحب هذه السنة. وأري السيدين الرئيس البشير ومولانا السيد محمد عثمان أولي بتحقيق هذه الرسالة. فالأول خلفه في الحكم والثاني صنوه وشقيقه ورفيق مسيره.اللهم قد بلغت، اللهم فاشهد.
ترحب سودانيزاونلاين بجميع الاراء الحرة و المقالات ,الاخبار و البيانات لنشرها فى هذه الصفحة.ويمكنك لزوارنا الكرام ارسالها الى [email protected] كما نرجو ذكر الاسم الحقيقى و الكامل و مكان الاقامة مدة بقاء المقال فى هذه الصفحة 10 اعوام
أعلى الصفحة