دارفور – صراع قديم وحرب مصنوعة !؟
الأحد 2/11/2008 م آدم خاطر
أسئلة كثيرة حيرى تدور بخلد كل مواطن سوداني عن حقيقة الذي يجرى الآن بدارفور وما إن كانت الأسباب التي ترددها الحركات المتمردة هنالك وأشعلت بمقتضاها هذا الحريق هي من وراء هذا الصراع أم أن ثمة أبعاد أخرى هي من تقف وراء الفتنة في أرض القرآن . مئات السنين وطوائف دارفور على تباينها ومشاربها تعيش على ما هي عليه بما قسم الله لهم من موارد محدودة لم تكن لتكفى أن تعين على استنهاض ما بداخل الأرض من ثروات ومعادن . محدودية الموارد وشحها هي أس النزاع بين المزارعين والرحل ، أضافت إليها ظروف الطبيعة من جفاف وتصحر قاسية ضربت هذه المنطقة في الثمانينات ، إضافة إلى تعدد النزاعات والتوترات القبلية والتمرد على امتداد حدود دول المنطقة وانتشار السلاح والنهب المسلح والتهريب وكل أسليب القرصنة والسطو فقادت جميعها إلى تردى الأوضاع الأمنية والإنسانية وتراجع معدلات التنمية ، بل لم تكن جل الحكومات التي تعاقبت على حكم السودان بقدر التحدي واستقراء ما ستؤول إليه الأحوال إن استمر الوضع دون معالجة واحتواء . فالنزاعات حول الموارد والتقاطعات بين السكان على الرعي والماء أصل في التركيبة الدارفورية لا يمارى عليها إلا مخادع ، ولكن نظام الإدارة الأهلية بسلطانه وقواعده وموروثه الذي أرساه عبر السنين والحقب كان كافيا لوضع الضوابط المنظمة للمراحيل والمسارات بقبضته المستحكمة ، وأن قرارات السلطات الأهلية وقتها ناجزة وفعالة ، لكنها لم تخاطب جذور المشكل ومطلوبات الحل ، ولم يكن بوسعها فعل ما لم تستطع عليه الحكومات من نماء ورفاه . ومهما تكن الخلفيات والآثار التي ترتبت والخسائر التي نجمت إلا أن كل ذلك لا يبرر هذا التنامي في عداد الحركات المسلحة وحجم التدخلات الخارجية ووصول المشكل إلى هذه الدرجة من الغلو والتصعيد وابتعاد الأطراف عن الحل وتاريخ التعايش الاثنى والعرقي في دارفور قديم قدم الصراع ذاته بين المكون الافريقى والعربي وبين القبائل العربية فيما بينها ومع بعضها الآخر ،وأن المصالحات والديات وتماسك النسيج المجتمعي كان يعالج من داخل مكوناته وبتراضي أهله قبل أن تطاله اليد الأجنبية والأجندات الخارجية التي تبتغى المشكل واستطالة أمد النزاع ولم تكن تسعى إلى الحل على إمكاناتها وقدرتها على السيطرة في أيام معدودة وهذا هو جوهر الذي تعكسه حقيقة الأزمة في ولايات دارفور الكبرى وما نتج عنها من صدى يريد أن يصورها على غير واقعها !!.
1/ كيف يعقل أن تكون الحكومة على هذه الغفلة والغباء بأن تسمح وتعمل على تأجيج صراع جديد في غرب البلاد باستهداف مواطنيها وهى خارجة لتوها من حرب طاحنة في جنوبها دامت لأكثر من عقدين ، بلغت خسائرها البشرية ملايين الأرواح استنزفت مواردها وطاقاتها وقادت البلاد إلى حافة الهاوية ، لتجر على نفسها هذا البلاء المستشري بمفرادته المصنوعة خصيصا بأبعادها ومراميها من إبادة جماعية وتطهير عرقي وجرائم حرب ، وجرائم ضد الإنسانية !؟ . كيف يستقيم توقيع السلام في الجنوب وتأسيس حرب في الغرب وهنالك أطراف خارجية أعدت مسرحها وأدواتها في واشنطون – برلين – لندن – باريس - تل أبيب - الخ عبر المؤتمرات والسمنارات التي وفرت السيناريوهات وكل مطلوبات الحرب من أرض وحركات وسلاح وتدريب وإعلام وتسويق وتحديد نقطة الانطلاق من مؤتمر المهمشين إلى الهجوم على الفاشر في مايو 2003 م !؟.
2/ ما الذي جعل دارفور على رأس الأولويات العالمية مهددا للسلم والأمن الدولي بين عشية وضحاها والعالم يموج بالاضطرابات والنزاعات التي فاقت فظائعها كل تصور في فلسطين والعراق وأفغانستان والصومال وتجاوزت آثارها ومداها ما لم تبلغه حرب الجنوب، ولم تجد من الاهتمام الدولي والقرارات والعقوبات ما وجدته دارفور . بل هنالك من القضايا الدولية والمتغيرات ما يستوجب تكاثف هذه الجهود لأجلها ولكن المراد في دارفور هو ضرب السودان وتمزيقه بعد أن أحيط بالجنوب عبر أجهزة المخابرات الدولية .
3/ هل هذا الذي يرى من استهداف أمريكي رسمي معلن عبر الخارجية والبنتاغون والكونغرس ، ومن تنامي للدعاية وحملات الاستقطاب والابتزاز العالمية التي تقوم بها مجموعات الضغط والناشطين في واشنطون ( انقذوا دارفور ) ومراكز الاستخبار وصنع السياسات وكل ما يقوده اليمين الانجليكانى وغلاة المتطرفين وأعداء السودان أمثال دونالد بن ، حتى بلغت حملاتهم ( هولوكست دارفور ) أطفال المدارس والكنائس والجامعات ، فضلا عن ما تقوم به الآلة اليهودية التي حركت كل أدواتها التي كانت تستعملها في كل العالم لتصوب باتجاه دارفور لأجل تطويق السودان وإعاقة التنمية وخطى التقدم فيه حتى تمتد سنوات الصراع لعقود متطاولة ، هل لنا أن نصدق بأن هذا الذي يجرى لأجل إنسان دارفور وهل ينطلق من مبادئ وقيم والكل بات يعرف نواياهم ! سوى مصالح وأهدف تضمر الحقد والشر لبلادنا انطلت على أولئك الذي ينفذون هذه المخططات وخرج الأمر برمته من أيديهم وأصبحوا يسايرون هذه التوجهات !؟ .
4/ في هذا السياق الذي نحن بصدده لننظر إلى ماضي علاقاتنا الثنائية بتشاد ونظامها ومدى التقارب والتواصل الذي حدث لأكثر من عقد زمني ، وما ظل يفعله السودان حكومة وشعبا لأجل استقرارها وتعاون أخوى وجوار آمن ومستقر تمليه الظروف الطبيعية والأواصر التي تربط البلدين والشعبين ، وكيف بدلت من جلدها وأضرت بأمنها القومي ، وما طرأ من تحولات على الموقف التشادي لتصبح جزءا من التعقيد ، وتمدد نشاط المعارضة المتبادل ، ما سره ومن يقف وراءه ولأجل من هذه الضغوط سوى النفط وتواجد قوات يو فور في ظل صراع الاستراتيجيات للقوى العظمى ودفع فواتير مستحقة في محاولة استهدفت نظامها !؟.
5/ هل تمويل الخراب والدمار الذي يحدث في دارفور وهذا الوجود الاجنبى الكثيف للمنظمات وما توظفه من موارد وطائرات ونفقات لأجل راحتهم ورفاههم ، هل هو باستطاعة هذه الحركات ومواردها ، بل كل صنوف الدعم اللوجستى والعتاد والتدريب ونفقات الحرب التي تتلقاها ، فهو يفوق مليارات الدولارات التي لو قدر لها أن توظف إيجابا لانتقلت دارفور إلى مصاف مدن كلفورنيا وكلورادو الأمريكية ، ولكن هذا الصرف مدفوع لأجل رهان يظنونه بتقديرهم رابحا عند أجل استحقاقه بعد استكمال المخطط ! .
6/ الهجوم الانتحاري الفاشل للعدل والمساواة على أم درمان في مايو 2008 م إحدى حلقات التآـمر على البلاد وهو يتجاوز في تخطيطه وكلفته إمكاناته هذه الحركة وتشاد وليبيا على انخراطهم فيه ،وانه يعبر على حالة من الضيق والقلق انتابت الأطراف التي تقف وراء الحريق في دارفور، وقد جاء كمحاولة لاستعجال الخطى بعد أن استيأسوا من جدوى حرب العصابات في سقوط النظام وانهياره عبر الآليات التي سبق وأن جربت في الأعوام الماضية (خمسة سنوات )، وهى تباينت في طريقتها ونهجها إبان حرب الجنوب .
7/ معركة أوكامبو عبر المحكمة الجنائية الدولية جاءت كردة فعل مباشر وهي إحدى أدوات المرحلة المتقدمة بعد فشل غزة خليل العدل والمساواة ، وهو منحى متقدم لضرب تماسك الدولة باستهداف رمز سيادتها ، وأن البداية الماكرة لاتهاماته كانت في الانتقال غير المؤسس عبر القرار الاممى 1593 لإسباغ الصفة القانونية على موضوع سياسي لا يقوم على مشروعية ولا ينطلق من ولاية قانونية ، كل ذلك يبتغى موالاة الضغط على النظام للمضي في إبرام صفقة تؤدى للنهايات التي يتطلع إليها أرباب الصراع في دارفور ( واشنطون - برلين- لندن- باريس – تل أبيب ) .
8/ السباق الأمريكي المحتدم على الرئاسة جعل دارفور مادة أصيلة للنجاح والتفوق ، واللهث الامريكى وبعض شركاء المؤامرة الدوليين يستهدف مربعات النفط في كل ولايات دارفور الكبرى ( مربعات 6 – 14 -16 ) وتعطيل أي مسعى للدولة للتقدم في هذا الاتجاه ، واختطاف العمال الصينيين في جنوب كردفان من قبل العدل والمساواة وقتلهم هي إحدى نبوءات مركز الأزمات الدولية لإخراج الصين أو حملها على الخروج كما فعل مع تليسمان الكندية ، وهى امتداد لمعركة أبيى في إطار التسابق لإبقاء الصراع دوليا .
9/ الحلول الوطنية متوفرة وسهلة البلوغ لغاياتها ، وان الإرادة القومية جاهزة وحاضرة مهما اختلفت القوى السياسية على جزئية منها ، ومبادرة أهل السودان التي تنشد الحل لمشكل دارفور هذه الأيام كشفت بجلاء أن ذلك ممكنا إن كان الشأن سوداني خالص، بمثل ما تراضت عليه جميع الأطراف والقوى الداخلية حتى الحزب الشيوعي لم يعد بعيدا عن الإجماع الوطني ، ولكن التعنت و التعويق وإطالة أمد الحرب هو موقف الحركات المتمردة حتى هذه اللحظة وسيستمر طالما ما ظل الموقف لرباعي الأزمة الدولية بهذه السلبية تجاه المبادرة لأنها أتت بالعقل الجمعي للسودان ومخرجاتها هي عماد الحل وقد وقف عليها أهل دارفور بأنفسهم في وقت يصادم تصعيدهم عبر حملة أوكامبو وما أصابها من إحباط وإجهاض وفضح لأبعادها .
10/ أخلص إلى أن الصراع والتنازع في دارفور موجود وقديم بألوان ومسببات محلية شتى متطاولة لم يكن بمقدورها أن توصل الأوضاع في دارفور إلى هذه الدرجة مهما كانت إخفاقات الأنظمة الحاكمة ، لكن الحقيقة الماثلة أن الحرب فيها دولية المنشأ ومصنوعة بإعداد وتمويل وخارطة وأهداف محددة وهى ( حرب العصر ) بلا منازع ،وليس لدعاتها ورعاتها رغبة في الوصول إلى نهاية لها أو تسوية ما لم تصل هذه المنظومة الماكرة لأهدافها ستظل أياديها ممتدة وأدواتها متغلغلة ، تقف حجر عثرة أمام أي محاولة وطنية طالما هذه الأطراف الخارجية تحتجز القادة وتوجه إرادتهم حتى تؤمن مصالحها أو تفنى البلاد وتندثر بتقطيع أوصالها !.
ترحب سودانيزاونلاين بجميع الاراء الحرة و المقالات ,الاخبار و البيانات لنشرها فى هذه الصفحة.ويمكنك لزوارنا الكرام ارسالها الى [email protected] كما نرجو ذكر الاسم الحقيقى و الكامل و مكان الاقامة مدة بقاء المقال فى هذه الصفحة 10 اعوام
أعلى الصفحة