السيد ينتظر
محاسبة السياسيين...محطات المغادرة
تقرير:خالد البلولة إزيرق
"ليس كل ما يُعرف يُقال» خط ينتهجه كثير من المشتغلين بالحقل السياسي، ولكن في غمرة البحث عن موقف أو إستجابة لإستفزاز صحفي، ينسى كثير منهم ذلك العرف الذي أضحى أحياناً خطاً أحمر، غادر عبره كثيرون محطة تنظيماتهم وأحزابهم نتيجة تصريحات عُدت تجاوزاً للمؤسسية التنظيمية والحزبية، والتي لا يدرك غالباً مطلقو تلك التصريحات أنها بالخطورة التي تجلب لهم ليس القليل من المتاعب نتيجة لإستفزاز إو إستدراج صحفي كشرك ينصب لكثير من القيادات.
وعلى ذات الخُطى يسير القيادي الإتحادي على السيد، على مسافة ليست بعيدة من محطة محاسبته التنظيمية، بعد تكوين لجنة محاسبة وتحقيق معه، على ضوء تصريحاته الصحافية التى هاجم فيها طريقة إدارة محمد عثمان الميرغني للحزب والتى كبلت خطاه في المعترك السياسي، ومطالبته له بالتنحي والتفرغ للعب الدور الروحي للتنظيم.
ولكن سياسيين يشيرون الى أن المحاسبة التنظيمية التى تنتهجها الأحزاب لضبط سلوك عضويتها التنظيمي دائما ما تعبر عن روح المؤسسية داخل الحزب، ولكن هذه الروح المؤسسية تفتقدها معظم الأحزاب السودانية التي تعاني من أزمة المؤسسية ما يجعل حالة الإنفلات التنظيمي للعضوية متكرراً، وهي ذات المضامين التي أشار إليها القيادي الإتحادي المعز الحضرة لـ»الصحافة» بقوله «عندما يكون الحزب فاقد المؤسسية التنظيمية لا تملك جهة أن تدعي أنها تحاسب أحداً، وكل المحاسبات التي تحدث تكون لتصفية حساب مجموعة ضد الأخرى وتنتفي عنها صفة المحاسبة التنظيمية، واضاف آن لجنة محاسبة على السيد، تعبر عن مظهر من مظاهر الأزمة التى يعيشها الحزب الإتحادي الذي يعاني تضارباً في الخطاب، متسائلاً عن من الذي كونها ومن الذي يحاسب اعضاءها، واصفاً إياها بالملهاة السياسية، وقال إن الحزب أصبح يدار بمجموعة لا تملك المقدرة والكفاءة، وقال إن التعبير عن الرأي يجب أن لا يقابل بالمحاسبة التي تزيد الأمر إحتقاناً وتعقيداً، وأن المعالجات يجب أن تكون داخلية، منوهاً الى أن ذات المجموعة التى كونت لجنة تحقيق لـ»على السيد» هي نفسها التي جمدت عضوية عادل احمد عبد الهادي رئيس الحزب في لندن.
ويشير مراقبون الى أن الإختلاف عادة في القضايا بين السياسيين داخل منظومة الحزب يولد درجة من درجات عدم القدرة على إحتمال الآخر، فتظهر سلوكيات تشمل إستخدام مفردات تعبر عن نوع من اليأس في لغة الحوار، وتحميل كل طرف للآخر المسئولية عما يحدث، ما ينتج عنه تفلتات كلامية تقود كثيراً للمحاسبة التى قد تنتهي بمغادرة محطة الحزب الى بوابة أخرى.
فيما يرجع البعض ظاهرة الإنفلات الحزبي الى العفوية الطبيعية في مناحي الحياة التى تتميز بها الشخصية السودانية، فأدبيات التخصص وفقاً لقواعد الإختصاص والإلتزام بها يكاد يكون معدوماً، لذا يحدث التناقض في الخطاب لفضولية رموز الأحزاب في التحدث عن أمور لا علاقة لهم بها نتيجة الضعف المؤسسي، وهو ما ذهب إليه القيادي بالمؤتمر الشعبي كمال عمر لـ»الصحافة» بقوله «راعينا في الشعبي قدر الإمكان أن ننمي المؤسسية والإختصاص والحرية في الإختيار، وأن البناء التنظيمي قائم على معرفة رأى العضوية عن طريق الشورى والمؤسسية، بالتالي فرص التفلت في التعبير الإعلامي أضحت معدومة في الحزب، وقال إن الحزب ليس له نظام جزاءات، لأن الإنتماء للفكرة قائم على الطوعية، لكن يسقط الولاء إذا حمل العضو السلاح أو إنضم لحزب آخر تلقائياً، وأضاف أن التجاوزات التنظيمية في مخاطبة الإعلام تعالج بمزيد من المؤسسية».
وإن أخذت لجان محاسبة المسئولين الاضواء على تصريحاتهم الصحفية التي غالباً ما تطيح بهم من مقاعدهم، فإن ما تجريه الأحزاب من محاسبة لمنسوبيها داخل أروقتها لا يقل إهتماماً عما تفعله السلطة التنفيذية بمسئوليها. فالأحزاب شهدت العديد من حالات المحاسبة لمنتسبيها التى غالباً ما يكون المتسبب فيها تصريح صحفي، وليس بعيداً عن الأذهان الحوار الصحفي الذي أجري مع السيد مبارك الفاضل المهدي «2002م» والذي تحدث فيه عن إدارة حزب الأمة وسيطرة الصادق المهدي وأسرته على شؤون الحزب، ما عد مخالفة تنظيمة وخروج على اللوائح بعد ان أحدث موجة من الغضب أحيل على ضوئها للجنة محاسبة ولتحقيق معه، ليجىء رفضه المثول أمامها ليشكل بادرة الإنقسام الذي شهده الحزب بعد ذلك. وإن كان لجنة المحاسبة قد تسببت في إنشقاق حزب الأمة بخروج مبارك الفاضل عنه، فإن الحزب الشيوعي لديه في تلك المحاسبة أدباً آخر أشار إليه القيادي في الحزب الشيوعي سليمان حامد في حديثه لـ»الصحافة» بأن هناك لائحة النقد والنقد الذاتي، والتي تحتوي على الضوابط المتعلقة بسلوك العضو أخلاقياً ومالياً، وكذلك في حالة الخروج عن خط الحزب في التصريحات الصحافية أيضاً لها نص مباشر، مشيراً الى ان هناك محاسبة صارمة وأن الذي يرتكب أخطاء في الحزب يمارس نقداً ذاتياً وإذا رفض يغادر الحزب، وقال المحاسبة تعد إنضباطاً حقيقياً يحصن العضو والحزب، وأضاف أن الحزب شهد فصل بعض منتسبيه في السابق لعدم الإنضباط الحزبي، نتيجة تصريحات غير صحيحة أدلوا بها، وأضاف هذه ممارسة مستمرة ويومية، وقال إن الحزب لا يتطور إلا بالنقد البناء المؤسسي الذي يساعد الإنسان في التخلص من عيوبه، ولتفادي أية شكوك في لجان المحاسبة دائماً ما يستشار العضو المخالف في تكوين اللجنة التي تعمل بروح الفريق.
وإن كان الشيوعي قد فصل بعض منتسبيه لتصريحات غير صحيحة بحسب سليمان، فإن كثيرين يرجعون أحد أسباب إنقسام المؤتمر الوطني نهاية التسعينات الى «وطني وشعبي» الى تلك التصريحات التي أطلقها الدكتور حسن الترابي التي قال فيها الى ان نسبة الفساد في الدولة بلغت «9%» وهي تصريحات أثآرت عليه غضب الكثيرين داخل التنظيم مهدت ضمن عوامل أخرى لقرارات الرابع من رمضان.
ولم تشذ الحركة الشعبية التي إلتحقت بقطار الحكم مؤخراً عن بقية القوى السياسية في المحاسبة التنظيمية، بل أنها كانت أكثر الأحزاب تشكيلاً للجان محاسبة مسئوليها، فقبل أن يجف الحبر الذي كتب به إليو أيانق القيادي بالحركة الشعبية ووزير الدولة بالداخلية رأيه «المشكك» في تقرير حادثة طائرة الراحل جون قرنق، كانت الأوضاع تمور داخل أروقة الحركة الشعبية، والتي تزامنت مع تصريحات لزميله تيلارا دينق وزير الدولة برئاسة الجمهورية حول الصراعات داخل الحركة الشعبية ووصفه لأوضاعها أنها على حافة الإنفجار، ليتم إحالتهم «إليو وتيلارا» للجنة تحقيق ومحاسبة إنتهى قرارها عند سلفاكير الذي قضى بفصلهما من الحركة الشعبية، وقد شكلت الحادثة سابقة في تاريخ الحركة الشعبية في ممارستها السياسية.
وقد إستبقت الحركة قرار فصل إليو وتيلارا بموجة من الإستدعاءات ولجان التحقيق التى طالت عدداً من قياداتها، وشملت كلاً من الدكتور لام أكول وزير الخارجية وقتها بدعوى دعمه لمليشيا وحزب سياسي مناوىء للحركة الشعبية في أعالي النيل قبل أن تبرئه اللجنة، وأليقو مناوا رئيس كتلتها النيابية في البرلمان وقتها، وجون إكويج القائم بأعمال السفارة السودانية بواشنطون الذي مضى على ذات الدرب الذي سلكه تيلارا دينق بوجود تيارات تتصارع على قيادة الحركة الشعبية.
ترحب سودانيزاونلاين بجميع الاراء الحرة و المقالات ,الاخبار و البيانات لنشرها فى هذه الصفحة.ويمكنك لزوارنا الكرام ارسالها الى [email protected] كما نرجو ذكر الاسم الحقيقى و الكامل و مكان الاقامة مدة بقاء المقال فى هذه الصفحة 10 اعوام
أعلى الصفحة