تأجيل الإنتخابات
الوطني والشعبية.. تحدي الإدارة والإرادة
تقرير: خالد البلوله إزيرق
رويداً رويداً بدأت الانتخابات تقترب من نقطة الصفر، ومع اقترابها تتكشَّف الصعوبات التي تواجهها، ونوايا القوى السياسية الفاعلة في الساحة وموقفها منها، لتتشكل صخرات تمثل حجر عثرة من الناحية الإجرائية والعملية لإجرائها، لتبرز للسطح من خلالها عقبات وأزمات تجعل منها محط أنظار ومثار جدل سياسي ودستوري تتفاوت فيه التقديرات.
هكذا يبدو المشهد في الساحة السياسية قبيل أشهر على الموعد المضروب لإجراء الانتخابات «يوليو القادم»، وبرغم العثرات الإجرائية التي تعترض قيامها في موعدها حسبما برر لوكا بيونق دعوته لتأجيلها، فإن هياكلها التي تقوم على تلك العمليات الإجرائية لم تكتمل بعد، فالجهة المنوط بها تنفيذ الانتخابات وهي مفوضية الانتخابات ومجلس الاحزاب لم يريا النور بعد، والتأخير الذي ما زال يصاحب عملية تكوين هذه الهيئات، جعل القوى السياسية المعارضه تشكك في إمكانية إجراء انتخابات شاملة في الموعد المضروب. وقبل أن يبارح الشك صدور المعارضين فإذا بالحركة الشعبية تقطع ذلك الشك باليقين على لسان وزير رئاسة حكومتها لوكا بمقترحه الداعي لتأجيل الانتخابات لصعوبة إجرائها في فصل الخريف.
وإن كانت الحركة الشعبية قد عللت دعوتها لتأجيل الانتخابات للأسباب الإجرائية فإن آخرين ينظرون لتلك الءسباب بأنها ربما تكون غطاءً تتخذه الشعبية لتخفي وراءه أسباباً سياسية لهذا التأجيل، وهي اسباب يمضي كثر الى أنها لا تقتصر على الحركة وحدها وإنما شريكها أيضاً المؤتمر الوطني وإن بدا الأكثر إستعداداً للانتخابات حسبما يشير قياديوه.
فشريكا نيفاشا يمتلكان بموجب الاتفاقية والدستور حق تأجيل الانتخابات، وهو تأجيل يرى كثيرون أنه يصب في مصلحة الطرفين اللذين يركنا الى الإحتفاظ بمستوى الشراكة القائم، فالشعبية ما زال قادتها تتضارب تصريحاتهم حول مرشحهم لرئاسة الجمهورية وإن أقر مكتبها السياسي خوض الانتخابات على كافة المستويات، كما يبدو أن الحركة يتنازعها تيارا القوميين الجنوبيين الذي يرون بضرورة الإنكفاء جنوباً للأخذ بيد الجنوب دون إيلاء بقية السودان اعتبارات اكبر، وتيار السودان الجديد الذي يرى بضرورة صياغة السودان على أسس جديدة تستوعب الجميع، لذا يبدو أنها تحتاج لكثير من الوقت ريثما ترتب بيتها من الداخل.
أما شريكها المؤتمر الوطني فإنه لا يقل عنها في حاجته لوقت إضافي يأخذ فيه أنفاسه ريثما تصفو لياليه التي يكدرها البحث والتفكير في مآلات مذكرة مدعي لاهالي وما سيسفر عنه قرار قضاتها اكتوبر المقبل، فرغم العتمة التي ألقت بها مذكرة توقيف البشير على المشهد السياسي، فإن الهمس يسري بأن دعاوى صدور مذكرة أوكامبو في هذا التوقيت يهدف لقطع الطريق أمام البشير للترشح في الانتخابات القادمه، يبدو أن هذا ما دفع مساعد رئيس الجمهورية د. نافع علي نافع عقب صدور قرار أوكامبو الى إطلاق اكثر من تصريح مفاده أن البشير هو مرشح المؤتمر الوطني للانتخابات القادمة، بل مضى الى القول «أنه أي البشير سيفوز بالانتخابات رغم أنف الجميع».
من جهتها ترفض القوى السياسية المعارضة «الأمة الشيوعي الشعبي» تأجيل الانتخابات لأي دواعٍ كانت بل ترى بضرورة الاسراع في الإيفاء بمستحقات التحول الديمقراطي كاملة حسبما أشارت تصريحات قادتها التي حملتها صحف الأمس، بل وتطالب هذه القوى منذ توقيع اتفاقية السلام إلى إزالة التحديات القانونية والسياسية التي تعيق العملية الديمقراطية، بتعديل القوانين المقيدة للحريات لتتوافق مع الدستور والاتفاقية، وإطلاق حرية الصحافة والتعبير لتهيئة المناخ العام لقيام انتخابات نزيهة، ووسط هذه التقاطعات يبرز صوت آخر يشير الى استحالة إجراء الانتخابات بدارفور في وضعها الراهن ويمثل هذا التيار بعض أبناء دارفور الذين ينادون بضرورة حل أزمة الإقليم قبل الانتخابات تشاركهم فيه بعض القوى. ورغم حالة الجذب بين متحمس للانتخابات وتمحفز لتأجيلها، تظل العوائق حاضرة أمامها، فالتعداد السكاني الذي لم تعلن بعد نتائجه، تتحفّظ عليه الحركة الشعبية، وهو الذي سيتم على ضوئه تحديد وتوزيع الدوائر الانتخابية، وكذلك ترسيم الحدود بين الشمال والجنوب التي يفترض على ضوئه تحديد مواطني جنوب السودان الذين يحق لهم التصويت في حق تقرير المصير عام 2011م لم ينجز بعد.
وإن كانت الأحزاب المعارضه ترفض مبدأ التأجيل للإنتخابات حسبما يشير قادتها، فعلى النقيض منها تقف أحزاب الوحدة الوطنية المشاركة في الحكومة والتي كثيراً ما تتوافق مع الشريكين في رؤيتهما خاصة المؤتمر الوطني، حيث أشار رئيس هيئتها عبود جابر لـ(الصحافة) انه لا مانع من تأجيل الانتخابات من موعدها المحدد في الدستور والاتفاقية الى وقت لاحق، اذا ما توافرت المبررات الموضوعية والمقنعة، واتفقت القوى السياسية على ذلك، لكنه رأى ان تأجيلها يحتاج الى قرار سياسي، مشيراً الى وجود نص صريح يخوِّل للشريكين التشاور حول جدول موعد الانتخابات إذا كانت هناك تحديات من شأنها تعويق الإنتخابات، واضاف ان تأجيل الانتخابات حال الاتفاق عليه لا يدعو الى تأجيل الإستفتاء للجنوبيين لأنه لم يرد نص بخصوصه».
وتبدو الحركة الشعبية راغبة في تأجيل الإنتخابات ليس للاعتبارات الإجرائية فقط وإنما أيضاً لحساباتها السياسية ومعادلاتها الداخلية، فهي تخشى أن تغيّر الانتخابات الكثير من أوراق لعبها التي تحتفظ بها في الساحة السياسية، فمناوراتها بعدم الإعتراف بنتائج التعداد السكاني يأتي خشية من أن تغير نسبة مشاركتها في السلطة، وكذلك حصتها في الثروة التي حازت عليها بموجب نيفاشا، في وقت تتخوّف فيه الشعبية من أن تؤدي الإنتخابات الى الدفع بقوى جديده قد تجد صعوبة في إحداث التفاهمات المطلوبة معها، بالتالي تجد نفسها أكثر ميلاً لتنسيق مع شريكها الوطني خشية أي تغييرات محتملة على الخارطة السياسية.
ومن هذه الرؤى يبدو أن الوطني والشعبية يريدان الاحتفاظ بخيوط الشراكة بينهما لعدد من الاعتبارات حتى على مستوى تنسيق مواقفهما في الانتخابات العامة، فالمؤتمر الوطني كان قد ناقش في نهاية نوفمبر الماضي ورقة «السلام والوحدة الوطنية» المقدمة لأعمال المؤتمر الثاني، حيث صنّفت الورقة الشراكة إلى مستويين مستوى الشراكة السياسية ومستوى الشراكة من أجل الوحدة، وبعد أن أشارت الورقة للمسوغات التي تدفع بعدم تطوير شراكة الوحدة بدعاوى عدم تنفيذ الاتفاقية من قبل الحركة الشعبية، غير أنها أشارت الى أن الحد الأدنى من الشراكة وهو الشراكة من أجل رعاية المواثيق يجب ألا يمس، ولكن الورقة اشترطت الشراكة بإفتراض تحقيق أيٍّ من المستويين للشراكة أو كليهما ليمكن بعد ذلك الحديث عن استراتيجية موحَّدة للانتخابات العامة أو التنسيق على الأقل، لأن نتائج الانتخابات بحسب الورقة إذا غيّرت توليفة الحكومة تغييراً جذرياً فيمكن أن تتعرّض الاتفاقية لنقض والدستور لتعديل جذري وهذا في غير مصلحة الطرفين وإلى غير مصلحة السودان.
وهو ما يجعل خطوات التفاهم حول الانتخابات بين الشريكين تمضي حثيثاً، إن لم يكن ما دفع به لوكا مجرّد تنسيق أدوار بين الشريكين، وبالونة اختبار قصد بها «جس نبض» الساحة السياسية، خاصة أن مسؤول ملف الانتخابات في المؤتمر الوطني البروفيسور ابراهيم غندور لم يقطع أمس برفض المقترح عندما أشار إلى تمسك حزبه بقيام الانتخابات في موعدها المحدد في يوليو المقبل، ولكنه أكد على حق الشريكين في ذلك وترك أمر البت في ذلك لمفوضية الانتخابات التي لم تر النور بعد.
ترحب سودانيزاونلاين بجميع الاراء الحرة و المقالات ,الاخبار و البيانات لنشرها فى هذه الصفحة.ويمكنك لزوارنا الكرام ارسالها الى [email protected] كما نرجو ذكر الاسم الحقيقى و الكامل و مكان الاقامة مدة بقاء المقال فى هذه الصفحة 10 اعوام
أعلى الصفحة