قضية دارفور على عتبة الخروج من الجهوية..
 |
سالم أحمد سالم |
العدل والمساواة وافقت على وضع فضية دارفور ضمن قضايا السودان الأخرى.. انتهى زمن "اتفاقات التجزئة" والباب مفتوح أمام مناوي والمتضررين من السدود..
"وثيقة الحقوق المدنية والسياسية للمهاجرين السودانيين" على نفس طاولة التفاوض، ومطلب بتخصيص دوائر جغرافية برلمانية في المهاجر..
الحركة تقطع الحبل السرّي مع المؤتمر الشعبي: (.. الترابي كالمريض الأجرب.. والحكومة تربطنا به لتشويه سمعتنا..)!
اقتراح أن تبدأ الانتخابات من وحدات القاعدة الاجتماعية وتطبيق آليات ديموقراطية لبناء هرم الحكم من القاعدة ومنع الفئويات والبيوتات من سرقة السلطة..
سقوط جزئي لمقولة الهامش والمركز، والتنابز القبلي فخ حكومي وقع فيه المهمشون ونداء للامتناع عنه..
سالم أحمد سالم
باريس
[email protected]
لقاءان مطولان وعلى قدر كبير من الأهمية جمعاني قبل أكثر من أسبوعين هنا في باريس مع ثلاثة من ابرز قيادات حركة العدل والمساواة السودانية هم أحمد تقد كبير المفاوضين والأمين السياسي للحركة، سيف الدولة سعيد أمين أمانة المكاتب الخارجية وعضو المكتب القيادي، أحمد حسين آدم الناطق الرسمي باسم الحركة ومسؤولها الإعلامي، ثم الصادق يوسف حسن عضو المكتب القيادي وأمين القطاع الأوسط وهو أيضا رئيس مكتب فرنسا الذي قام بعملية تنسيق الاجتماعين.
أستطيع أن أؤكد وبكامل المسؤولية أننا وبعد حوار كان في منتهى الصراحة قد خلصنا إلى حزمة من القواسم المشتركة التي قد تكون بمثابة نقطة تحول هامة بالنسبة لقضية دارفور وربما لمجمل قضايا السودان العالقة. فمن شأن هذه النقاط والقواسم أن تفتح مسارات جديدة نحو معالجة قضايا السودان علاجا تضامنيا خلافا لمفاوضات واتفاقات التجزئة التي درجت حكومة الخرطوم على اتباعها مع الأطراف السودانية المعارضة أو المسلحة. من أبرز هذه القواسم إعلان قيادات الحركة موافقتهم الصريحة على إخراج قضية دارفور من المعيار الجهوي الدارفوري البحت وطرحها ومعالجتها ضمن قضايا السودان الأخرى. هذا يعني أنه من اليوم ولاحقا سوف لن يتم التفاوض حول قضية دارفور في معزل عن قضايا السودان الأخرى. وبموجب هذه الخطوة المبشّرة شرعنا في إعداد (وثيقة الحقوق المدنية والاقتصادية والسياسية للمهاجرين والمهجّرين السودانيين) كأول وثيقة مقترحة توضع على طاولة التفاوض جنبا إلى جنب مع وثائق قضية دارفور، وذلك بعد التشاور النهائي مع مفاوضي الحركة وبعد استكمال جوانب هذه الوثيقة بواسطة المهاجرين والمهجرين السودانيين أو الذين هجرتهم الحروب إلى معسكرات اللاجئين خارج السودان. الخطوة التي وافقت عليها حركة العدل والمساواة تفتح أيضا الباب أمام أركو مناوي لفتح اتفاقية أبوجا على نفس الطاولة للتوصل إلى اتفاق شامل كامل حول دارفور، كما تفتح المجال أمام ملفات المتضررين من السدود في الشمال كي يتم التفاوض حولها على نفس المستوى. وفي حال تداعي الأطراف المعنية لإنجاح هذه الترتيبات، يحصل السودان على اتفاقيتين قويتين ملزمتين هما اتفاقية نيفاشا وهذه الاتفاقية التي نعمل على عقد أركانها. ذلكم هو المخرج الوحيد من اتفاقات التجزئة والاتفاقات المبتورة واتفاقات "حبر على ورق" التي تراوح مكانها على مراجيح الحكومة.
كما انتهى بنا البحث المستفيض حول الآليات الديموقراطية إلى ضرورة استحداث وتطبيق آليات ديموقراطية قادرة على بناء الهرم الديموقراطي من القاعدة إلى أعلى من أجل وضع إدارة (حكم) السودان بيد القاعدة الاجتماعية للشعب السوداني ووفق إرادته خلافا للحالة المعكوسة والأساليب الانتخابية القديمة الشمولية منها والبرلمانية التي تنتهي دوما إلى احتكار السلطات في قبضة فئويات أو بيوتات بعينها.. خاصة في معطى الاستقطابات الاستباقية الجارية حاليا بين هذه الفئويات والشموليات قبيل حلول موعد الانتخابات المفروضة بموجب اتفاقات نيفاشا.
كما أفرز اللقاءان موقفا قاطعا لحركة العدل والمساواة من حزب المؤتمر الشعبي، حيث مضت قيادات الحركة إلى حد وصف حسن الترابي بأنه (كالمريض الأجرب الذي يحاول الالتصاق بالحركة.. مثلما تسعى حكومة الخرطوم للربط بيننا وبينه لتشويه سمعتنا حتى نبدو مثله...)... إلى غير ذلك من القواسم التي انتهى إليها البحث، والتي سترد غالبا في هذا السياق.
ونظرا لأهمية النقاط التي تم التوصل إليها، ونظرا لأهمية مشاركة القواعد الاجتماعية السودانية كافة في تطوير هذه النقاط ودفعها إلى الأمام، أضع خلاصة ما تم التوصل إليه أولا أمام الرأي العام السوداني لأنه المعني في الأساس بقضايا السودان وتداعياتها وتأثيراتها على حياته ومعيشته واستقراره. كذلك أضع هذه النقاط أمام الرأي العام الدولي والإقليمي خاصة في ضوء مستجدات وساطة مجلس الأمن الدولي والاتحاد الأفريقي بتعيين جبريل باسولى وزير خارجية بوركينافاسو خلفا للتنزاني سالم أحمد سالم، وأيضا في ضوء دخول فرنسا المباشر على خط ملف دارفور بعد أن أذعنت حكومة الخرطوم أخيرا لإفساح المجال للدور الفرنسي الأوروبي. وكانت حكومة الخرطوم قد صعّرت خدّها لفكرة "لقاء باريس" الذي سبق أن اقترحناه قبل أكثر من عام. في ذلك الوقت سخرت صحافة أمن الحكومة من فكرة لقاء باريس. ولو كانت حكومة الخرطوم وافقت عليه في حينها لما جرت كل هذه الدماء تحت جسر الإنقاذ..
بتدبير مسبق أم لا، المهم أننا تطرقنا بصراحة متناهية إلى محاور القضايا السودانية الراهنة، في وسطها بالطبع قضية دارفور وفي تفريعاتها الأساسية العلاقة بين الهامش والمركز، التحول الديموقراطي، مستقبل الحكم أو بالأصح مستقبل إدارة السودان، الأسس والآليات الديموقراطية الجديدة، الحريات العامة، قومية الأجهزة الأمنية والقوات المسلحة، جهوية الحركة وعلاقتها بحزب الترابي ثم ظاهرة التنابز العرقي والقبلي التي أخذت تتفشى في أوساط السودانيين.
لست في معرض كتابة محضر جلسات، لذلك سوف لن أهتم بتفاصيل المناقشات أو من قال ماذا بقدر الاهتمام بنقاط البحث الأساسية والقواسم المشتركة التي توصلنا إليها، والتي ألخصها في النقاط التالية:
أحداث العاشر من مايو الماضي
أحداث العاشر من مايو الماضي، أو المحاولة الانقلابية التي نفذتها حركة العدل والمساواة لإطاحة حكومة الخرطوم، لم تشكل محورا رئيسيا من محاور النقاش، لكنها في نفس الوقت كانت حدثا لا يمكن تجاوزه. لذلك شكّلت تلك الأحداث وتداعياتها مدخلا واقعيا للنقاش.
حول هذا الجانب اتفقت آراء أركان الحركة على الآتي:
- أن الهدف الأساسي كان فعلا إطاحة حكومة الخرطوم،
- وأن حركتهم أقدمت على ذلك بعد أن تأكدوا أن حكومة الخرطوم قد أهملت تماما موضوع المفاوضات مع الحركة، وأنها أي الحكومة تلعب على عنصر الوقت حتى تأتي الانتخابات وتمر دون التوصل إلى اتفاق، وبالتالي ترحيل القضية إلى مستقبل مجهول
- وأنهم في حال نجاح المحاولة كانوا بصدد تشكيل حكومة وطنية يدعون إليها كل التيارات السياسية السودانية
- وأن حركة العاشر من مايو كانت بمثابة رسالة مزدوجة للحكومة وللمركز المتمثل في العاصمة
كان رأيي أنه برغم اتفاق غالبية الشعب السوداني حول ضرورة تغيير الحكومة الراهنة، إلا أن تغييرها بواسطة حركة إقليمية جهوية سوف لن يفرز نوعية التغيير الذي يتطلع إليه عموم الشعب السوداني. لقد اغتصبت هذه الحكومة السلطة خارج أطر الآلية الشرعية لتداول السلطة. وفي حال نجاح الانقلاب العسكري لحركة العدل والمساواة والجلوس مكانها فإن ذلك كان سوف يعني خروج الشعب السوداني من قبضة حكم عسكري شمولي يستغل الدين ليقع في قبضة حكم عسكري شمولي إقليمي جهوي. فإذ كان الشعب السوداني يرغب في حكم عسكري فهو موجود!. وحتى لو نجح الانقلاب فإنه يفتقد إلى مقومات الاستمرار. زد على ذلك أن الدكتور خليل إبراهيم وعدد غير قليل من أعضاء حركته كانوا جزء من تركيبة الحكومة الراهنة، وأن خليل كان أحد قيادات مليشيات هذه الحكومة (الدبابين) وحارب تحت رايتها في جنوب السودان. هذه المعطيات تضع أحداث العاشر من مايو في إطار الصراع الداخلي بين الأجنحة العسكرية والسياسية للحكومة الراهنة، خاصة وأن الحركة مصنفة على أساس أنها الجناح العسكري لحزب المؤتمر الشعبي الذي انشق عن حزب المؤتمر الوطني.
يقول قيادات الحركة: مهما يكن فإن دخول قوات الحركة الخرطوم قد كشف للشعب السوداني جملة من الحقائق أهمها أن حكومة الخرطوم عبارة عن "نمر من ورق"، وأنها أضعف مما كانوا يتخيلون، وأن الحكومة الراهنة قد قضت تماما على ما كان يعرف بالجيش السوداني الذي لم يعد يملك مدرعة واحدة بعد أن تم تحويل كل المدرعات والأسلحة الثقيلة إلى جهاز أمن الحكومة ومليشياتها.. التي ألحقنا بها هزائم متلاحقة في وادي سيدنا وفتّاشة والاحتياطي المركزي ومعركة الخور حيث قتل العشرات من أفراد أمن الحكومة. لكننا غير سعداء لأن جميع القتلى من أبناء الشعب السوداني، وأن حكومة الخرطوم تظل المسؤول الأول والأخير عما جرى لأنها حاولت تجميد قضية دارفور. ومقابل التجميد والتسويف قامت الحركة بتنفيذ خطة اقتحام العاصمة. نعم حدثت بعض الأخطاء منها عندما ظن جنود الحركة أن المعركة قد حسمت لصالحهم بعد أن هزموا قوات الحكومة عند أطراف أم درمان. كذلك لم تكن قواتنا على معرفة دقيقة بالمواقع التي كان يجب السيطرة عليها. عند ذلك تم تجميعهم والانسحاب بهم بعد أن أجمعت قيادات الحركة أن العملية قد حققت أولا رسالة للحكومة بأنها لن تكون في أمان ما لم تتوصل إلى حل عاجل وعادل لقضية دارفور قبل إجراء الانتخابات، وثانيا رسالة من الهامش إلى المركز.
قسمة الهامش والمركز
كان رأيي أن العملية لم تكتنفها أخطاء فحسب، بل كانت لها سلبيات على الحركة. من هذه السلبيات الموقف السلبي الذي قابل به الشعب عملية غزو الخرطوم، برغم كراهية الشعب للحكومة. لقد اتخذ الشعب السوداني، إلا اللمم منه، موقفا ذكيا، فهو لم يؤيد الحكومة لأنه يبغضها، ولم يخرج مؤيدا لحركتكم لأن المحاولة نفذتها حركة جهوية. الدكتور جون قرنق نجح لأنه نجح في اختراق القالب الجهوي الجنوبي الذي حاولت حكومات الخرطوم المتعاقبة وضعه داخله، ومن ثم طور قرنق برنامجا وطنيا شاملا (السودان الجديد) وقد وردت فقرات هذا البرنامج في اتفاقات نيفاشا مثل التحول الديموقراطي والحكم اللامركزي. لذلك عندما دخل قرنق الخرطوم استقبله الملايين من غير الجنوبيين في استفتاء غير مسبوق في تاريخ السودان الحديث. ولو كانت حكومة الخرطوم تحترم نفسها لاستقالت لتوها. زد على ذلك استفادت الحكومة من الأحداث في حشر حركتكم في الزاوية الجهوية بل والعرقية القبلية أيضا.
أما إذا كانت المعايير التي نفرق بها بين هامش ومركز هي الإهمال الاقتصادي والتعليمي والصحي والظلم السياسي، فإن السودان في مجمله عبارة عن هامش بما فيه غالبية سكان العاصمة، طبعا باستثناء أركان الحكومة وأسرهم والبؤر الطفيلية!. ثم إن الخرطوم في حد ذاتها أبعد عن أن تكون هذا (المركز الشمالي القبلي الظالم) أولا لأن العاصمة لا تقع في منطقة بها أغلبية لقبيلة معينة ولا تقطنها أغلبية قبيلة كما هو الحال بالنسبة لمدن مثل الأبيض أو شندي أو وادي حلفا أو دنقلا أو الجنينة أو الفاشر أو نيالا أو نيمولي حيث تتميز كل واحدة من هذه المدن بكثافة لقبيلة أو لقبيلتين. ثم إن التكوين السكاني للخرطوم يتألف من كل فئات وقبائل السودان، وقد قلتم في أدبياتكم السياسية وعلى لسان الدكتور خليل إبراهيم أن 45 بالمائة من سكان الخرطوم من دارفور، وبموجب ذلك تطالبون أن يكون والي الخرطوم دارفوريا. فكيف يستقيم ذلك؟. إذن الخرطوم ليست هذا (المركز الشمالي) الذي يظلم الهامش. السودان كله هامش مهمش بهذه الحكومة وبمن سبقها من الحكومات. وحتى حكومة الخرطوم التي همشت الناس وظلمتهم تضم كل أعراق وقبائل السودان بما فيهم عدد لا يستهان به من أهل دارفور. ثم لا ننسى أن الطبيعة وهبت أهل دارفور، برغم تردي أوضاعهم، ما لم تهبه لغالبية سكان الشمال والوسط والشرق الذين يعيشون شظفا ما بعده فقر في صحارى قاحلة.. لذلك قال الناس "كردفان الغرّه ام خيرا برّه" وكانوا يقصدون دارفور وكردفان معا.
أردت من كل هذا الكلام الكثير التأكيد أن قسمة (هامش مركز) تفتح معركة في غير معترك بين أطراف مهمشة مظلومة. ومن شأن هذه القسمة أن تضعف قضية أهل دارفور لأنها تعزلها عن مجالها الحيوي السوداني، الأمر الذي يصب في صالح سياسة تجزئة القضايا وتفتيت الكيانات والمواقف التي تنتهجها حكومة الخرطوم. إن أزمات السودان تنبعث جميعها من مصدر واحد هو هذه الحكومة وما سبقها من حكومات حزبية طائفية أو عسكرية شمولية عقائدية. لذلك يظل في حكم المستحيل معالجة أي أزمة منها في معزل عن باقي الأزمات، وبين أيدينا الكثير من الأدلة مثل اتفاق ابوجا مع حركة أركو مناوي أو اتفاق الشرق أو قضية سدود مروي وكجبار وغيرها من سدود هذه الحكومة التي أغرقت الحياة واقتلعت السكان ووطّنت الأمراض ودمّرت البيئة والتاريخ. أضف إلى ذلك قضية المهاجرين والمهجّرين السودانيين الذين يشكلون قوة اجتماعية هائلة من شأنها أن تقلب معادلات السودان السياسية وتعيدها إلى الوضع الصحيح. فهناك حوالي ستة مليون سوداني في المهاجر إضافة إلى النازحين. لكن هذه القوة مهمشة أيضا ومسلوبة الحقوق المدنية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية، بينما تلهب حكومات السودان ظهورهم وبطون أسرهم بسياط الأتاوات وتلاحقهم بإعادة التشريد والتقارير الأمنية ومحاكم التفتيش التي تنتظرهم في المطار والموانئ. اللاجئون في معسكرات اللجوء خارج السودان جزء أصيل من المهاجرين والمهجرين السودانيين. ولا شك أن تجميع كل هذه القوى الاجتماعية من أصحاب القضايا داخل وخارج السودان سوف يشكل قوة ضغط هائلة وورقة رابحة مائة بالمائة. إن قوة تركيبة السودان الاجتماعية والجغرافية ظلت على أمد التاريخ قائمة على تكامل التنوع ولن يستطيع فصيل واحد أو إقليم واحد أن يحقق نصرا أو حكما منفردا مهما بغت قوته وامتلك من سلاح. لا يوجد هامش مظلوم ومركز شمالي ظالم على المستوى الاجتماعي السوداني، بل الواقع توجد حكومة شمولية مستأثرة بالسلطة والثروة هي وجماعاتها الطفيلية المنتفعة مقابل مجتمعات السودان الأخرى مسلوبة الحقوق. ولا ننسى أن هذه الحكومة هي أول من روج لقسمة هامش مركز لإدانة الحكومات الحزبية، ولا تزال تروج لهذه القسمة لإبرام صفقات واتفاقات معزولة عن بعضها البعض.
في هذا الجانب اتفقت آراء قيادات الحركة على الآتي: أولا الحكومة هي من عمق وحرض على العنصرية والجهوية وضرب اسفين الفتن القبلية سواء في دارفور أو في عموم السودان. الحكومة ذاتها لا تستطيع أن تنكر أنها هي التي أشعلت الفتنة القبلية المسلحة بين قبائل دارفور عندما أنشأت عصابات الجنجونيد وسلحتها لممارسة القتل وحرق القرى، وهي التي حولت الاحتكاك التقليدي بين القبائل إلى حروب وثارات. ثم بعد أحداث العاشر من مايو قامت أجهزة حكومة الخرطوم باعتقال الآلاف من أبناء الغرب على السحنة القبلية، وحرضت المجتمعات السودانية على العنصرية ضد كل من هو دارفوري أو غرباوي. حتى التعيين في الوظائف أخضعته الحكومة للتصنيف والفرز القبلي الذي تمارسه خاصة في قطاع البترول. وتدفع الحكومة أعوانها إلى استغلال مواقع الانترنت لنشر الفرز القبلي والنيل العرقي من أبناء دارفور والغرب عموما. لكل هذه الأسباب كان من الطبيعي أن يضطر الدارفوريون للتعامل مع هذه السياسات من موقع رد الفعل. نحن متفقون إذن أن الحكومة هي التي تشعل الفتنة القبلية العرقية الجهوية والتنابز العرقي لزرع الفرقة بين مجتمعات السودان (فرّق تسد) من أجل خدمة أهدافها والبقاء في الحكم. ونحن متفقون أيضا أن التنابز القبلي والعرقي لا يخدم قضية دارفور ولا القضايا الأخرى للمجتمعات السودانية. نحن في حركة العدل والمساواة نرفض هذا التنابز القبلي وندعو إخوتنا من كل أقاليم السودان للكف عن مثل هذه الشتائم التي تفرّق ولا تجمع ولا تعالج قضية وتصب في النهاية في مصلحة سياسات الحكومة.
عند هذا المفصل من السياق يصل قيادات الحركة إلى النقطة الجوهرية الهامة التي أعلن عنها كبير مفاوضي الحركة أحمد تقد بقوله بأنهم ليس لديهم مانع أن تتم مناقشة ومعالجة قضية دارفور ضمن قضايا السودان الأخرى، ولابد من بناء جبهة عريضة من كل المهمشين.
المهاجرون، السدود، مناوي..
هذا الموقف الجديد الذي أعلنته الحركة، أي قبولها بوضع قضية دارفور على طوية قضايا السودان الأخرى، يشكل بالتأكيد نقلة نوعية في المسار السياسي لحركة العدل والمساواة لأنها بهذا الإعلان تكون قد خرجت من كونها حركة جهوية إقليمية إلى فضاء حركة منفتحة على القضايا الوطنية الأخرى إذا صمدت على موقفها ولم تنتكس عنه. هذا الموقف الجديد للحركة لا ينبغي إهماله، بل يجب الإمساك به وتطويره فورا. لقد أصبحت هنالك مساحة مفتوحة يمكن أن تلتقي عندها ملفات قضايا السودان الأخرى مثل قضايا المجتمعات المتأثرة بالسدود في الشمال، أو تلكؤ اتفاقات ابوجا والشرق وقضايا المهاجرين. مثلا في مقدور أركو مني مناوي أن يعيد فتح ملف اتفاق أبوجا عند هذا الملتقى الجديد من أجل التوصل إلى اتفاق شامل أولا بين الأطراف الدارفورية وثانيا للتوصل إلى اتفاق نهائي وشامل لقضية دارفور ضمن القضايا الأخرى المطروحة. إن أوضاع دارفور الراهنة جعلت من اتفاق أبوجا مجرد غلاف مكتوب عليه بحروف بارزة (اتفاقية أبوجا) لكن صفحاته الداخلية بيضاء خالية!. كما أن أي اتفاق جديد آخر حول دارفور يفرز حالة شاذة تتجسد في وجود اتفاقين لقضية واحدة، ومن ثم ينتقل التناطح إلى طرفي الاتفاقيتين. دارفور قضية واحدة ولابد من اتفاق واحد.. والموعظة الحسنة في الاتفاقات التي أبرمتها أطراف جنوبية مع حكومة الخرطوم قبل اتفاقية نيفاشا. وإذا شاء مناوي لنصحته بالاحتفاظ بموقعه وفي نفس الوقت الانضمام إلى جبهة التفاوض الجديدة. وإذا لم يعجب ذلك حكومة الخرطوم فسوف تضطر إلى طرده أو اعتقاله.
كذلك في مقدور المتضررين من سدود مروي وكجبار الانضمام إلى هذه الحلقة أو المائدة المستديرة أو الجبهة العريضة أو سمها ما شئت. وفي ذات الاتجاه يتم تطوير (وثيقة الحقوق المدنية والاقتصادية والسياسية والثقافية للمهاجرين والمهجرين السودانيين) التي نقترح بعض خطوطها عند نهاية هذا السياق لتطويرها وإقرارها بواسطة المهاجرين والمهجرين السودانيين وبهم أهل خبرة وتجارب صقيلة.. وشيء من الإحباط!. وأظن من واجب الرموز الفكرية والاقتصادية والسياسية والثقافية والإعلامية السودانية المهاجرة العمل على تطوير هذه الوثيقة، ومن ثم وضعها إلى جانب وثائق قضية دارفور ووثائق القضايا الأخرى.
الترابي كالأجرب..
لجهة العلاقة بين حركة العدل والمساواة وبين حزب المؤتمر الشعبي يقول أركان الحركة: ليس لحركتنا أدنى علاقة بحزب المؤتمر الشعبي. أولا الدكتور خليل انفصل عن المؤتمر الوطني قبل المفاصلة التي وقعت بين حسن الترابي وبين البشير وعلي عثمان طه وجناح المؤتمر الوطني. وعندما حصلت المفاصلة كان خليل خارج السودان. وعند عودته سعى كل جناح لاستقطابه إلى جانبه، لكنه بقي مستقلا عن كلا الفريقين. كل ما في الأمر أن حسن الترابي يطلق تصريحات حمالة أوجه توحي وكأن له علاقة بالحركة، وذلك من أجل تقوية موقفه بالقوة العسكرية لحركتنا حتى شاع بأننا الجناح العسكري لحزب المؤتمر الشعبي. حسن الترابي مثل المريض الأجرب الذي يحاول الالتصاق بالحركة.. لا حسن الترابي ولا الدكتور علي الحاج، وإن كان من دارفور، لهم أدنى صلة بحركة العدل والمساواة. وفي نفس اتجاه محاولات الترابي، تعمل حكومة الخرطوم على تشويه سمعتنا عن طريق مساعيها للربط بيننا وبين حسن الترابي وحزب المؤتمر الشعبي. الحكومة تستغل سيطرتها على أجهزة الإعلام خاصة الإذاعة والتلفزيون في بث هذه الدعاية الكاذبة. وبهذه المناسبة لابد من استقلالية هذه الأجهزة، كذلك لابد من رفع كل أنواع الرقابة عن الصحافة السودانية.
لسنا حركة دينية
لجهة استغلال الدين في الأداء السياسي يؤكد زعامات الحركة: إن حركة العدل والمساواة ليست حركة دينية، بل حركة اجتماعية نشأت وتعمل من أجل رفع الظلم عن أهل دارفور ومجابهة عمليات القتل والتشريد التي تمارسها الحكومة ضد أهل دارفور. الحركة لها أيضا موقف من الطائفية. الصادق المهدي أطلق تصريحات ليوهم الناس أن له قواعد في دارفور، لكنه لا يتمتع بقاعدة طائفية تمكنه من لعب دور في دارفور. لذلك لابد من البحث في مسألة العلاقة بين الأديان والحكم. أما بخصوص تحركنا المنفرد في العاشر من مايو الماضي فذلك لأنه لم يكن من الحكمة أن نخبر الأطراف السياسية الأخرى أننا بصدد القيام بانقلاب مسلح، لذلك أرجأنا مسألة إشراك الأطراف السياسية الأخرى إلى مرحلة ما بعد نجاح العمليات العسكرية.
الآليات الديموقراطية
الانتخابات والآليات الديموقراطية استغرقت حيزا كبيرا من النقاش. والتقت الآراء حول ضرورة بحث وتطبيق آليات ديموقراطية تعيد السلطة إلى القواعد الاجتماعية في كل السودان. من تلك المقترحات التي تم تداولها اقتراح أن تبدأ عملية الانتخابات المزمعة أولا بإجراء انتخابات الوحدات الاجتماعية الأساسية (البلديات سابقا) أو ما يعرف حاليا بالمحليات، تشارك فيها كل التيارات والأحزاب والأفراد. بعد ذلك تجري انتخابات برلمانات المحافظات (الولايات). وبعد استكمال هذه المراحل الديموقراطية القاعدية وتركيزها تجري انتخابات البرلمان المركزي. في كل الأحوال تتمسك الحركة بضرورة إنجاز كل عمليات التفاوض والاتفاقات قبل إجراء الانتخابات التي نصت عليها اتفاقات نيفاشا. وتبعا لذلك يكون من أول واجبات أول حكومة مركزية منتخبة أن تعيد بناء مؤسسات البلاد المركزية التي انهارت على أسس جديدة تتسق والنظام اللامركزي خاصة الجيش السوداني المركزي بعد أن كشفت أحداث العاشر من مايو الماضي ما آل إليه أمر ما كان يعرف بالجيش السوداني. وبالمثل أجهزة الشرطة والأمن، وضمان استقلال القضاء وحياديته.
وثيقة الحقوق المدنية والاقتصادية والسياسية للمهاجرين السودانيين
ملحوظة: ربما كان من المفترض أن أعرض مقترح هذه الوثيقة في سياق منفصل. لكنني رأيت أهمية ربطها بهذا السياق حتى نضع بادرة عملية لربط قضايا المجتمعات السودانية. وعليه ألخص مقترح هذه الوثيقة في النقاط التالية:
§ حقوق المواطنة حقوق واحدة كاملة ثابتة تعلو ولا يعلى عليها متساوية عند كل مواطن حي أو ميت أينما كان موقعه الجغرافي داخل أو خارج السودان ومهما كان دينه أو عقيدته أو عرقه أو فكره أو حزبه أو بدون حزب أو العمل الذي يؤديه أو بدون عمل أو المنصب الذي يتقلده أو مستواه التعليمي أو عمره ذكرا كان أم أنثى.
§ حقوق المواطنين السودانيين خارج السودان هي حقوق معترف بها دوليا ومنصوص عنها في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر عن الأمم المتحدة في العاشر من ديسمبر 1948 ومضمنة في الوثيقتين الدوليتين: العهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، والعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية وفي البروتوكول الدولي الملحق به. وبموجب إلزامية هذه الحقوق ضمن مواثيق الأمم المتحدة والقانون الدولي، فإن الحكومة السودانية، أيا كانت، ملزمة بتعزيز جميع هذه الحقوق.
§ المواطنون السودانيون خارج السودان في كل أقطار الأرض يتمتعون بكامل حقوق المواطنة أيا كانت دوافع خروجهم سواء كانت دوافع ذاتية أو اختيارية أو قهرية أو بموجب مهمة أيا كانت طبيعة المهمة وفي أي بلد كانت.
§ في غضون العقود الأربعة الماضية واجه المواطنون السودانيون المقيمون خارج السودان كل أنواع التعسف والاستغلال والابتزاز والجبايات وهضم الحقوق على أيدي الحكومات السودانية المتعاقبة وأجهزتها المختلفة داخل وخارج السودان، علما أن الحكومات السودانية المعاقبة كانت وتظل السبب المباشر في هجرة وتهجير السودانيين إما بسبب سياساتها التي أفرزت الظروف الاقتصادية القاهرة أو الطرد من الخدمة الذي طال مئات ألوف المواطنين أو المعارضة الفكرية أو السياسية أو بظروف الحروب. وعليه يعلن السودانيون المقيمون خارج السودان تمسكهم بكامل حقوقهم المدنية والاقتصادية والسياسية والثقافية إلى غير ذلك من الحقوق ولا يتنازلون عن أي جزء من هذه الحقوق.
§ وبناء على مجمل ما ورد، يطلب السودانيون المقيمون في الخارج من الحكومة السودانية أيا كانت أن تشرع على الفور في إنفاذ هذه الحقوق التي يلي ذكرها دون قيد أو شرط.
أولا: الحقوق الأولية الإجرائية البسيطة:
-----------------------
a. الإلغاء الفوري لجميع أنواع الضرائب والرسوم بلاء استثناء بما في ذلك الضرائب على الدخل ورسوم استخراج أو تجديد جوازات السفر أو استخراج الشهادات والوثائق القنصلية ورسوم المطارات وموانئ الدخول والمغادرة ورسوم التأشيرات وكل أنواع الرسوم والضرائب كافة وبلا استثناء، إذ يكفي أن السودانيين في الخارج ظلوا أحد أعمدة الاقتصاد بعد انهيار هياكل الاقتصاد التقليدي، وأنهم يتحملون نفقات أسرهم الكبيرة في السودان وخارجه.
b. الإلغاء الفوري لتأشيرات الدخول والمغادرة، والتطبيق الفوري لنفس الإجراءات المطبقة بواسطة دول الاتحاد الأوروبي على المواطن الأوروبي،
c. الإلغاء الفوري لعمليات فتح وتفتيش الحقائب والأمتعة في كل موانئ الدخول والمغادرة
d. الإلغاء الفوري لعمليات تفتيش الأفراد عند موانئ الدخول والمغادرة باستثناء إجراءات سلامة الطائرة أو وسيلة السفر على أن يتم ذلك بواسطة الأجهزة المخصصة لهذه الإجراءات وليس بالأيدي، شريطة أن يتم ذلك على مرأى من الجميع، وإغلاق جميع الغرف المنفردة التي يتم فيها حاليا تفتيش المسافرين بالأيدي،
e. الإلغاء الفوري لكل المظاهر والهواجس الأمنية وأجواء الدولة البوليسية عند موانئ الدخول والمغادرة والتي تثقل نفوس المسافرين بما فيهم النساء والأطفال بالقلق والهواجس والخوف من المنع من المغادرة أو الدخول وما يصاحب ذلك من عمليات ابتزاز مادي ونفسي. بالمقابل تؤدي الشرطة الرسمية مهامها الرسمية في زيها الرسمي بانضباط عال ودون أدنى احتكاك بالمسافر أو الحديث معه إلا في حال طلب من المسافر. المقصود بهذا البند توفير وحماية الجو النفسي المطمئن للمسافر،
f. الإلغاء الفوري لعمليات توقيف المسافرين أو التحري معهم عند موانئ الدخول أو المغادرة أو منعهم من المغادرة إلا في الحالات الاستثنائية المتعلقة بالجرائم الجنائية الكبرى شريطة أن يتم الإجراء بموجب قرار قضائي استثنائي صادر عن رئيس المحكمة العليا وبعد أن تستنفذ الأجهزة الشرطية كل مساعيها في الوصول إلى الشخص المقصود بعينه وتبليغه قرار قضائي المحكمة العليا على عنوانه المعروف داخل الوطن،
g. الإلغاء الفوري لكل أنواع الجمارك على كل أنواع أمتعة المسافرين بما فيها الأجهزة والمعدات بلا استثناء إلى غير ذلك مما يصطحبه المسافر عند الدخول أو المغادرة،
h. الإلغاء الفوري لكل استمارات وإجراءات إعلان العملة عند الدخول أو المغادرة،
i. الإلغاء الفوري لعملية ختم الجواز الوطني عند الدخول أو المغادرة،
j. الإلغاء الفوري لعملية تدوين أسماء المواطنين عند موانئ الدخول أو المغادرة،
k. الإلغاء الفوري لتعطيل المسافرين في صفوف طويلة، وهو تعطيل متعمد لإعطاء أجهزة أمن الحكومات الوقت الكافي لمراجعة قوائم المسافرين،
l. الإلغاء الفوري للعدد الكبير من الشبابيك الإجرائية الأمنية وغير الأمنية التي يمر بها المسافر، والاكتفاء بمراجعة واحدة تقوم بها شرطة الجوازات، ومنها مباشرة إلى إجراءات دخول الطائرة أو وسيلة السفر
m. إبعاد جميع المتسكعين والحمالين وغيرهم من المتكسبين والسماسرة عن صالات الوصول والمغادرة في كل موانئ الدخول والخروج وتوفير المعدات اللازمة التي تمكن المسافر من تحميل أمتعته بنفسه إلا في الحالات الطبية والاستثنائية وبطلب مسبق أو عاجل من المسافر،
السفارات والتقارير
n. السودانيون المهاجرون والمهجرون يطلبون حقهم في تسخير سفارات وقنصليات السودان لخدمة المواطن باعتبار أن خدمة المواطن ضمن الواجبات الأساسية لسفارات وقنصليات السودان، مثل سائر سفارات وقنصليات الدول المتحضرة. ويطلبون أيضا التبديد العاجل للمناخ الأمني الخانق الذي يستقبل المواطن في هذه السفارات والقنصليات، ونظرة السفارات والقنصليات للمواطن كبقرة يتم حلبها بالضرائب والرسوم. إن البذخ الذي ترفل فيه أطقم السفارات والقنصليات مدفوع من حر مال الشعب السوداني، ويستلزم أن يقابل ذلك على الأقل بإتقان الأداء وحسن المعاملة،
o. حق المواطنة حق يعلو ولا يعلى عليه بصرف النظر عن اللون السياسي للمواطن أو موقفه من الحكومة أيا كانت هذه الحكومة. ومع ذلك تمتنع سفارات السودان عن أداء واجبها في تقديم الخدمة المطلوبة تجاه اللاجئين السياسيين السودانيين، بما في ذلك الامتناع عن تجديد واستخراج الوثائق. السودانيون في الخارج يطلبون تلقين أطقم السفارات بأن السفارات والقنصليات ملك للشعب وليست توابع للحكومات، ويطلبون توجيه السفارات والقنصليات أن تؤدي الخدمة الواجبة عليها لحامل الجنسية السودانية اللاجئ والمعارض على قدم المساواة مع كل السودانيين،
p. أصبح من الثابت أن أجهزة بعض سفارات وقنصليات السودان تفجر في الخصومة السياسية بتدبيج التقارير الكيدية الكاذبة عن المعارضين السياسيين أو الذين لا يدينون بالولاء ولا يقدمون فروض الطاعة للحكومة وأجهزة سفاراتها وقنصلياتها، ومن ثم إرسال التقارير الكيدية إلى الجهات الأمنية في الدول والأقطار التي يقيم فيها هؤلاء، وأيضا إرسال رسائل كيدية إلى مواقع عمل هؤلاء المواطنين بغية إنهاء عملهم في ما يعرف بسياسة "إعادة التشريد". كما تقوم أجهزة سفارات السودان بشراء ذمم بعض الصحافيين العرب العاملين في محطات التلفزة الفضائية لحجب آراء بعض الرموز الفكرية والسياسية السودانية. السودانيون في الخارج يطلبون من حكومة السودان أن توقف فورا مثل هذه التدابير الرخيصة التي لا يقرها عرف أو أخلاق أو دين أو شرف،
q. تتكفل سفارات وقنصليات السودان بكامل نفقات وإجراءات نقل جثامين المواطنين الذين يتوفاهم الله خارج السودان بصرف النظر عن الحالة المادية للمواطن أو أسرته موسرا كان معسرا،
r. كف يد السفارات وأطقمها عن تمزيق مجتمعات السودانيين أو استقطاب قطاعات منهم أو التدخل في شؤونهم أو أنديتهم إلا بطلب مكتوب من الأغلبية،
s. لقد تضرر مئات آلاف السودانيين جراء التقارير التي تكتبها عنهم سفارات وقنصليات السودان أو الأجهزة الأمنية التابعة لها وترسها إلى رئاستها في الخرطوم. وقد ثبت بالأدلة القاطعة أن معظم هذه التقارير شفهية أو كيدية أو متعلقة بأسباب شخصية أو سياسية. وقد كفلت جميع الإجراءات العدلية والقانونية والإنسانية والأخلاقية والدستورية حق المواطن الكامل في الإطلاع على أي تقرير يكتب عنه لاسيما وأن هذه التقارير تظل تلاحق المواطن طيلة حياته وبعد مماته وتكون سببا في حرمانه وأسرته من حقوقهم الطبيعية. السودانيون المقيمون في الخارج يطلبون الكفالة الفورية لحق المواطن الدستوري القانوني في الاطلاع على التقرير الأمني أو غير الأمني الذي تكتبه عنه السفارة أو القنصلية أو أجهزتها، وحقه في مناقشة محتويات التقرير والتعليق عليها كتابة بالرفض أو الاعتراض أو الموافقة أو التعديل. ويطلبون بطلان أي تقرير لا يوقع عليه الشخص المعني سواء بالموافقة أو رفضه لمحتويات التقرير. السودانيون المقيمون في الخارج يطلبون الكفالة الفورية لحق المواطن الدستوري والقانوني بفتح ملفات جميع التقارير السابقة التي كتبت عنهم. بدون تنفيذ هذه الحقوق يطلب السودانيون خارج السودان من المحكمة الدستورية إلزام الجهات الحكومية المعنية إنفاذ هذه الحقوق، أو اعتبار كل التقارير السابقة واللاحقة في حكم الباطلة وتجريم من كتبوها جنائيا وإحالتهم للمحاكم تحت مواد عقوبات شهادة الزور وتعمد إلحاق الأذى المادي والمعنوي.
ثانيا الحقوق المدنية والسياسية
------------------
نقل الداوئر الجغرافية
قرابة ستة ملايين مواطن سوداني يعيشون اليوم خارج السودان. إن هجرة وتهجير خمس الشعب السوداني حالة غير عادية تتطلب استحداث إجراءات استثنائية لضمان الحقوق السياسية والمدنية لهذه القوة الاجتماعية. ومن بين أهم هذه الحقوق الحق في المشاركة الكاملة في الحياة السياسية في السودان. ومن حيث أن حق المواطنة حق ثابت يعلو ولا يعلى عليه، فإن الحقوق الأخرى المتفرعة من حق المواطنة مثل الحق في الترشح والاقتراع تظل حقوقا ثابتة غير قابلة للنسخ أو التقليص. وبالتالي فإن السودانيين المهاجرين والمهجرين يمتلكون الحق الكامل في الاقتراع في الانتخابات وفي تقديم أنفسهم كمرشحين للمنافسة على المقاعد البرلمانية الجغرافية أو الفئوية أو خلافها.
لقد درجت الحكومات المتعاقبة في السودان على حرمان المهاجر من حق الانتخاب أو الترشح في الدوائر الجغرافية تحت ذريعة أن فقرة في قانون الانتخابات تنص على شرط تواجد الشخص لفترة معينة في الدائرة الجغرافية حتى يتمكن من الاقتراع أو تقديم نفسه كمرشح.
وبالنظر إلى أوضاع المهاجرين والمهجرين السودانيين من هذه الزاوية الجغرافية فإن بلدان المهاجر أصبحت بالنسبة لهم المقر الدائم والعنوان الثابت. بل وتكاد بلدان المهجر أن تكون بمثابة الوطن عند أعداد كبيرة من الأجيال التي ولدت وترعرعت بل وتزوجت وأنشأت أسرا في المهاجر في غضون العقود الأربعة الماضية. المهاجرون السودانيون أصبحوا وكأنهم أضافوا امتدادات جديدة للرقعة الجغرافية والسكانية للسودان وإن كانت هذه الإضافات الجغرافية تابعة لبلدان ودول أخرى!. فقد ارتبطت مصائرهم ومعاشهم بهذه البلدان لكنهم لم ولن يفقدوا حق المواطنة في بلدهم الأم السودان.
إن هذه المعطيات في مجملها تفرض واقعا جديدا. يفرض بدوره نقل الدائرة الجغرافية إلى هؤلاء المهاجرين والمهجرين. بمعنى أن تكون هنالك دوائر جغرافية مخصصة للمهاجرين والمهجرين في الدول والأقطار ذات الكثافة العالية من المهاجرين والمهجرين. وإذا كانت المشكلة تقبع في هذه الفقرة الرقيعة من قانون الانتخابات التي همشت المهاجرين وهضمت حقوقهم، ففي رأينا أن فقرة القانون التي تحرم الإنسان من ممارسة حق أساسي يجب حذفها أو تعديلها. ذلك لأن فقه التشريع يقوم على تأكيد الحقوق المشروعة وحمايتها وليس الحرمان منها. فالحق المرتبط بالإنسان هو الأصيل الثابت وفقرة في قانون تظل المتحول القابل للحذف والتعديل، لكن مادة القانون الانتخابي حلت محل الإنسان وحقوقه وهذا من فاحش الأخطاء، وهذا من دواعي تغيير هذه الفقرة في القانون الانتخابي. إضافة إلى ذلك فإن حق المشاركة السياسية مرتبط بالشخص في ذاته وليس بالمكان الجغرافي محل إقامته داخل السودان أو خارجه لأن الإنسان يظل عرضة للتنقل فلا يسقط حق من حقوقه.
وضمن هذه الأسانيد فإن المهاجرين السودانيين قد كيفوا مناهج حياة تختلف نسبيا عن نمط الحياة في مناطق السودان التي وفدوا منها. هذه الاختلافات تشبه اختلافات أنماط الحياة بين أقاليم السودان المختلفة. فهناك أنماط حياة في الجنوب أو الشرق تختلف نوعا عن أساليب الحياة في الغرب والشمال، وبسبب هذه الاختلافات كان من الضروري أن يكون لكل إقليم نواب يدافعون عن متطلباته. وعليه فإن النائب من وسط هؤلاء المهاجرين هو الوحيد الأقدر على التعبير عن طموحاتهم وعلى طرح ومعالجة قضاياهم في إطار القضايا الوطنية. ثم إن هذه الملايين المهجّرة تضم قطاعات عريضة من الرموز الفكرية والاجتماعية التي ينبغي أن تلعب دورها في حركة التنمية والإصلاح السياسي والاجتماعي في السودان بدلا عن حالة التهميش التي يكابدونها قسرا.
وبموجب القرائن والمعطيات الوارد ذكرها يتمسك المهاجرون السودانيون دون تنازل بضرورة تعديل فقرة قانون الانتخابات بنص جديد يشرعن إنشاء دوائر جغرافية للمهاجرين والمهجرين السودانيين بما يكفل ممارستهم لكامل حقوقهم الانتخابية. على سبيل المثال تخصيص ثلاث دوائر جغرافية في المملكة العربية السعودية، دائرة جغرافية لكل واحدة من أقطار الخليج الأخرى، دائرتين لأوروبا، دائرتين للولايات المتحدة الأميريكية وكندا وهكذا. أما بالنسبة اللاجئين السودانيين في تشاد فيتم تخصيص العدد المناسب من الدوائر الجغرافية لهم في حال عدم توافر إمكانية إعادتهم إلى مناطقهم بعد التوصل إلى اتفاق
طبعا هنالك المزيد من النقاط التي ينبغي إضافتها لوثيقة الحقوق المدنية والاقتصادية والسياسية للمهاجرين والمهجرين السودانيين. كما من المفترض أن يبحث السودانيون في مهاجرهم جوانب الوثيقة بالإضفاء أو التعديل واختيار ممثليهم للتفاوض. ونستبق الأحداث بالقول أن الحكومة السودانية سوف تعمل على استباق التطورات ببعض الإجراءات من أجل كسب ود المهاجرين أو تبديد شملهم واختراقهم كما جرت عادتها. لذلك من الضروري الإشارة أولا أن هذه الوثيقة ليست محل تفاض منفرد مع الحكومة السودانية حتى لو نفّذت الحكومة من جانبها كل ما ورد فيها، وثانيا تظل هذه الوثيقة قائمة حتى يتم إقرارها جنبا إلى جنب وفي وقت واحد مع بقية أخواتها من وثائق قضايا السودان الأخرى.
سالم أحمد سالم
باريس
يونيو 2008
ترحب سودانيزاونلاين بجميع الاراء الحرة و المقالات ,الاخبار و البيانات لنشرها فى هذه الصفحة.ويمكنك لزوارنا الكرام ارسالها الى [email protected] كما نرجو ذكر الاسم الحقيقى و الكامل و مكان الاقامة مدة بقاء المقال فى هذه الصفحة 10 اعوام
أعلى الصفحة