الأسمنت أم الدواء؟
هاشم بانقا الريح*
[email protected]
جميل أن نرى هذا الاهتمام الكبير و المتزايد و المتواصل الذي حظي به الأسمنت من أعلى سلطة في الدولة و الجهات المختصة الأخرى و أجهزة الإعلام و تصميم كل هذه الجهات على رفع الظلم الذي حاق بمستهلكي الأسمنت من جرّاء ارتفاع أسعاره. و قد أثمرت كل هذه الجهود بالاتفاق الذي تم بين وزارة المالية و بعض جهات القطاع العام و الخاص ذات العلاقة، كما أعلن ذلك وزير المالية الدكتور عوض الجاز في مؤتمر صحفي عقده خصيصاً لهذا الأمر في الثامن هذا الشهر. و من ضمن القرارات التي أعلنها السيد الوزير خفض الرسوم الجمركية على الأسمنت المستورد، خفض رسوم خطابات الاعتماد المصرفية، و التزام إدارة الموانئ بخفض الرسوم على الاسمنت، و التزام القطاع الخاص وأصحاب العمل بخفض أرباح التجار من هذه السلعة.
قلت جميل أن نرى كل هذا الاهتمام و العمل الجاد الدؤوب من أجل تخفيض سعر الأسمنت، و لكن الأجمل – في رأيي- أن يشمل هذا الاهتمام سلعاً و منتجات أخرى ارتفعت أسعارها بصورة ملحوظة، و هي من الضروريات التي لا غنى للناس عنها. فكم من مريض بيننا لا يستطيع دفع تكلفة دواء معين لأنه باهظ الثمن مقارنة بدخله، و هو يحتاج هذا الدواء بصورة مستمرة؟ كم نسبة مرضى الفشل الكلوي و السكر الضغط و غيرها من الأمراض المزمنة الذين لا يستطيعون أو يتكبدون مشقة فوق مشقة حتى يتمكنوا و ذويهم من شراء هذه الأدوية؟ لا أدّعي أنني أملك إحصائيات و لكن أعتقد أنهم كُثر. و أقرأوا معي إن شئتم هذه الرسالة التي وصلت لأحد المحررين في صحيفة "الصحافة" من أحد الآباء الذين لم يتمكنوا من توفير تكلفة دواء لابنه المريض:
"أرجوك أكتب للخيرين و اسألهم توفير الدواء لابني.. إنه الشيء الوحيد الذي خرجت به من الدنيا.. إنه يدفع ثمن فقري و عوزي و عدم قدرتي على توفير قيمة الدواء.."
بعد هذا دعونا نتساءل عن المهم و الأهم.. اتخاذ القرارات حول غلاء الأسمنت فقط أم إضافة جميع السلع الضرورية التي تمس حياة عامة الناس، و منحها الأولية في السياسة و التخطيط؟ ارتفعت أسعار الأسمنت.. نعم هذا صحيح و لا أحد يقول غير هذا و كانت أسبابه معروفة و حسناً فعلت الجهات الرسمية بالالتفات للأمر ووضع الحلول له. لكن كنت أتمنى – وربما هناك من يشاطرني هذا التمني – أن تكمل الجهات المختصة – الحكومية و الخاصة – "جميلها" و تدرج أو توصي للجهات العليا بإدراج سلع و منتجات مهمة ارتفعت أسعارها و اكتوى بنارها الناس. فقد صحب ارتفاع أسعار الأسمنت ارتفاع ملحوظ في مواد البناء الأخرى مثل الطوب و حديد التسليح و الخرسانة رغم أنها مواد محلية. ارتفعت كذلك أسعار حليب البودره و زيوت الطعام، و الدقيق و الأرز و غيرها من المواد الاستهلاكية.
قد يقول قائل هذه ظاهرة عالمية.. و أقول نعم و الأسمنت كذلك، و كان ينبغي أن يكون حظ السلع الأخرى التي طالها الغلاء من الاهتمام مثل حظ الأسمنت لا سيما و أن من يشترون الأسمنت و بالكميات الكبيرة التي يحس معها المشتري بفرق السعر هم من الفئة المقتدرة التي يمكن أن تدفع، و لكن من يبحث عن دواء لابنه أو أمه و يجده و لا يستطيع دفع سعره أو من لا يستطيع توفير الحاجات الضرورية لأسرته لارتفاع أسعارها، هو أحق و أولى بأن تنظر جهات الاختصاص في حاله و تبذل ما في وسعها لتخفيف حدة غلاء أسعار هذه السلع حتى تتمكن شريحة محدودي الدخل من الحصول عليها.
هناك سلع و مستلزمات ضرورية ترتبط بها حياة الناس اليومية و ربما هي مسألة حياة أو موت بالنسبة لهم، فلماذا لا نمنحها ذاك الاهتمام الذي منحناه لارتفاع غلاء الأسمنت و تتحرك الجهات المعنية من القطاعين العام و الخاص لصالح السواد الأعظم من الناس الذين ربما لا يصل صوتهم إلى المسئولين أو إلى وسائل الإعلام؟
* مترجم و كاتب صحفي يعمل بالمملكة العربية السعودية
ترحب سودانيزاونلاين بجميع الاراء الحرة و المقالات ,الاخبار و البيانات لنشرها فى هذه الصفحة.ويمكنك لزوارنا الكرام ارسالها الى [email protected] كما نرجو ذكر الاسم الحقيقى و الكامل و مكان الاقامة مدة بقاء المقال فى هذه الصفحة 10 اعوام
أعلى الصفحة