عين على السودان
محمد كعوش/ كاتب أردني
عندما أعلنت فضائية الجزيرة عن برنامجها الجديد "عين على السودان" وضعت يدي على قلبي وقلت: "الله يستر"... رغم ان المذيع جمال ريان يحاول اضافة مسحة جمالية على البرنامج بشيء من الفن والتراث والثقافة وشاعرية المكان...
لا يختلف اثنان من امة العرب على ان السودان يعاني من تقرحات في الجسد وهو مهيأ لمواجهة موجة من الطعن والتمثيل في جسده العربي الاسمر, لان ضعف ووهن النظام العربي شجع الكثيرين من عشاق الانفصال على التمادي والتطاول والتمرد ونشر الفوضى في اكثر من بلد عربي بعد الصمت والتواطؤ الذي ساد خلال غزو العراق واحتلاله.
بكل وضوح وشفافية وبصوت مرتفع نقول تجاه ما يحدث في السودان: "فتش عن امريكا"... فالادارة الامريكية المتوحشة بدأت قبل وبعد احتلال العراق بايقاظ النزعة القطرية وقتل الروح الجماعية القومية لدى الشعب العربي في كل قطر, فقامت بداية بتشخيص الامراض والآفات الكامنة في جسد ونظام كل قطر عربي على انفراد, كما عملت على كشف نقاط الضعف في بنية كل مجتمع عربي مستغلة التعددية الطائفية والعرقية والقبلية اضافة الى نزعة الانعزال او الانفصال لدى البعض...
لذلك وجدت في التكوين الطائفي والعرقي والقبلي في السودان ارضاً خصبة لتفجير التناقضات والتحريض ضد نظامه العربي وتشجيع الحركات الانفصالية ودعمها وتقديم العون المالي والدعم العسكري والغطاء السياسي لهذه الحركات الانفصالية والانعزالية بهدف تمزيق السودان وتقسيم ارضه وشعبه بعد تقويض نظامه السياسي والاقتصادي...
فقد تناسلت وتكاثرت حركات التمرد الانفصالية في السودان بداية من الجنوب الى ابيي مروراً بدارفور, فلم نعد قادرين على التمييز بين حركات وجيوش "تحرير السودان" لكثرتها, وليس صدفة ان تكون في مواقع ومناطق الثروات الطبيعية مثل النفط والمعادن الثمينة...
ولكن العجيب الغريب ان حركات التمرد الانفصالية المدعومة من الولايات المتحدة والدول الغربية نجحت في جر الحكم المركزي في الخرطوم الى التفاوض تحت مصطلحات وشعارات تكرس حالات الانفصال وكأن التفاوض يدور بين النظام السوداني ودولة مجاورة, ونعطي مثلاً على ذلك "برتوكول ابيي" حيث تتفاوض الحكومة مع المتمردين الانفصاليين حول "اتفاق سلام" بدل مصالحة وطنية, كما يدور الحديث عن ترسيم حدود قبل اللجوء الى المحكمة الدولية, وكذلك يتفاوض الطرفان حول تكليف الامم المتحدة بمراقبة وقف اطلاق النار!! نحن نعرف ان هذه البنود يتم التفاوض حولها بين دولتين متجاورتين وليس بين حكومة مركزية وحركة تمرد في بلد ما!!.
قد تكون الحكومة السودانية تسعى الى تحقيق شيء من الاستقرار الذي يسمح لها بتحقيق التنمية وتشجيع الاستثمار العربي في الصناعة والزراعة والصناعة النفطية, لان حركات التمرد والانفصال اتعبتها وعرقلت خطوط التنمية الطموحة منذ عقود مضت حتى هذا الوقت حيث البؤر الداخلية الساخنة في الجنوب ودارفور وابيي اضافة الى حالة التوتر على الحدود مع تشاد...
لذلك من واجب الدول العربية الوقوف الى جانب السودان لمساعدته وليس للمشاركة في تخريبه كما حدث في العراق... فالمطلوب نجدة هذا البلد العربي الاسمر اذا بقي هناك شيء من النخوة العربية الرسمية...
عن صحيفة العرب اليوم الأردنية 10 يونيو 2008