ي ابيض....ي اسود
سعيد محمد عدنان – لندن – المملكة المتحدة
منذ فترة وأنا أتابع تطورات النعرات العنصرية في كتابات كتّاب محسوبين على نشاط الإصلاح والتصحيح، كونهم كتّاب في صحف إلكترونية مشهود لها بمسعاها للتصحيح.
استشْرَت العنصرية ثم صارت مبرراً ثم صارت "علامة صلاة" لازمة للتفاخر والمنافسة والتباهي...العنصرية وهي التكوّر فالتقوقع العرقي هي من الإستراتيجيات البالية لاستغلال غريزة القطيع البدائية لربط المجتمعات في العصور البالية لتخديمها حسب حاجة الحاكم، وكانت آخرها وضربتها القاضية هي هجمة هتلر النازية لتمكين الجنس الآري، وعند سحق حركته توجهت كل الدول الممارسة للعنصرية بهجرها بعد فشلها الإستراتيجي مضافاً إلى فشلها الأخلاقي والديني بعد تغلُّب حركة سياسة إبطال الإسترقاق. لكن مجتمعنا العربي تحت حكامه المهيمنين ومحدودي المعرفة خطفوا تلك السياسة الكاسدة وتبوّؤها تقليداً للمجتمعات التي سبقتهم، غير مستوعبين لسبب كسادها وهو فشلها وخطرها على البناء الإستراتيجي. ورغم الفشل المتتالي لعدم توحد العرب، يصرالعرب على دعوة الأعداء عليهم بتوجههم العرقي ذاك.
أما العدوى بنفس المرض ليستشري في دماء العناصر الأخرى فهذا مالا أفهم ولا أعقل. و انتشاره واستشراؤه في مجتمع دولة كالسودان أمرٌ يسلب اللبيب لبه ويرد للمجنون صوابه.
فيم يسعى الزنجي مثلاً في الإحتكام إلى العنصرية وتجارة الكراهية العرقية؟ هل من أجل التباري مع العرقية العربية؟ أم استثارة السامية عموماً؟ أم استفزاز الجنس الأصفرالدافق العددية أو الهندي لجولة خاصة؟ أم تحريشاً للجنسيات البيضاء للرجوع للإستراتيجيات التي هجرتها ولا شك تتقنها أكثر – علماً بأنه لازال وسطهم قلة لازالت ترزح تحت سطوة ذلك الإعتقاد، ولن تتوانى من الإمساك بزمام المبادرة لاستعادة تلك الممارسات البغيضة وإحيائها إذا ما تواتت لديها الفرصة؟ أولا يروا أن هذا العبث العرقي العربي قد بدأ فعلاً تتأتّى معه تداعيات عداء العرب وكل ماله علاقة بالعرب، والهجمة الشرسة على الإسلام؟ هل كان ذلك كرهاً في أخلاقيات الإسلام المعروفة أم كرهاً في الثقافة المدثرة التي يحشرها العرب في الثقافة الإسلامية؟
ثم فيم يسعى السوداني بحروب العنصرية، حركاتٍ كانت أو حكومة؟ هل السودان يسوى أيّ كيانٍ يستحق الإحترام الدولي وصيانة حقوق لولا تعريفه الراسخ في تنوعه العرقي؟ هل يترك العالم والذي يجد في السودان فرصة لحل مشاكل الفقر والنزوح في إفريقيا، وسلة غذاء العالم، ومستودع مياه الشرب الإستراتيجي للعالم، والذي يبلغ المليون ميلاً مربعاً ويقطنه أقل من 40 مليون شخصاً فقط...هل يترك العالم هذا "الإحتياطي الهائل" من ملاذ الحياة البشرية في كوكبٍ ازدحم وتدنس بمعركة البقاء، يتركه من أجل شرذمة من القبائل التي تشهد ضد بعضها بعضاً بأنها دخيلة، وتشهد مع بعضها بعضاً بأكذوبة سيادة السودان التي يطمع العالم في التغول عليها؟
لقد تصرف حكامنا بغباءٍ شديد في الماضي ولازالوا في نفس الغباء، أما الشعب فلا عذر لوقوعه في تلك الأخطاء الغبية: قام حكامنا بإنزال تمثاليْ غردون وكتشنر وردّهما لإنجلترا وكأنه انتصار. رفض حكامنا الدخول في السوق المشتركة مع بريطانيا عند الإستقلال، فحرموا السودان فرصة انتعاش اقتصادي ونمو سياسي. قام الحكام بالتكرم بمنح مصر أرض مدينة حلفا لقاء دراهم في أريحية غبية. دخل السودان في حروبٍ أهلية عرقية طاحنة في الجنوب والآن يعيدها في مواقع أخرى لعدم تفهمه كنه تكوينه، وبسبب تغييب الشعب من أهم قضاياه بواسطة التسلط العسكري.
ولقد أشرت مسبقاً بخطاب نشرته رداً على السيد/ أبوبكر القاضي – يمكن مراجعته من الرابط أدناه – لما أورد من لغةٍ عنصرية غير بناءة،
http://ar.nomoreclan.net/1/1/4.html
مع اتفاقي معه في أخطاء من يهاجم. ولقد أخطرني أحد الأصدقاء، وهو من قيادات حركة العدل والمساواة، بأنه يأخذ عليّ شدة حديثي في مخاطبة ذلك الشخص، إذ أنه، أي صديقي ذاك، يعرف السيد أبوبكر خير المعرفة وأنه ليس كما وصفت، فاعتذرت وسعدت لما سمعت.
لكنه، أي أبو بكر، وفي محاورةٍ مع عنصريٍ آخر من النظام السوداني الحاكم، وفي ندوةٍ في قناة الجزيرة العام السابق، جهر بعنصريةٍ صارخة أمسكت معها القلم لمهاجمته مرةً أخرى، ولكن بما أنني ترددت بعد المرة الأولى قررت الإمساك هذه المرة والرجوع لصديقي. ورجعت له فعلاً، وأشرت له كذلك عن الكتابات العنصرية التي لجأ إليها كثيرٌ من نشطاء حركات دارفور وكم هي مضرة بالقضية، وأنني توقفت من الكتابة حتى أتحرى حقيقة الإتجاه، فطمأنني بأن ذلك سوف يُخاطب، وفعلاً توقفت اللهجة العنصرية مرةً أخرى.
ثم توالت الكتابة من البعض في استثارة النعرات العنصرية، وكان أبرز الكتاب في ذلك سارة عيسى، والذي لا أدري أهو إسم حركي أم سيدة إسمها سارة عيسى، فقد ساورني الشك في أنه إسمٌ يهدف لأمرٍ ما، ونشرت مقالاً – تجده في الرابط أدناه
http://ar.nomoreclan.net/1/1/11.html
لمخاطبة تلك الشخصية في الجرائد الإلكترونية...والعجيبة لم يرد ذلك الشخص على تساؤلاتي الواضحة. ويصبح ملحاً للتساؤل إن كان ذلك الشخص يكتب أوتكتب بهذه الحرية من القيود الشخصية لتحاشي مَلء الفم بأكثر مما يستطيع أن يمضغ، أم أنه قلم يتبع لجهة ما في مثل هذه المعمعة التي يختلط فيها الحابل بالنابل، وواضحٌ أن اللاعبين الحقيقيين لاهم الحكومة الغشيمة ولاهم أهل دارفور أو شعب السودان "المجنّح".
ثم انتشرت اللهجة العنصرية غير المبررة، وخاصةً بعد الغزو الفاشل لانجمينا، والذي واضحةٌ فيه بصمات النظام في الخرطوم، لكنه لا علاقة له بالعنصرية، فالمتمردون بغض النظر عمّن وراءهم، هم زغاوة ومن قبيلة إدريس دبي نفسه. وكان كثير من الكتاب غير قادرين على إخفاء ولاءهم لإدريس وانتماءهم إليه، وهي حالة ليس للمواطن السوداني له فيها غرض أو تعاطف، وليس للصحافة السودانية مجال للترويج له فيها.
وتتالت الكتابات الباثة للكراهية العرقية من عدة كتاب منهم أبوبكر القاضي وسارة عيسى مرّةً أخرى، حيث أفاض أبو بكر القاضي في الكره العنصري. كما وأذكر على سبيل المثال لا الحصر:
عبد الغني بريش اللايمي، عبد الله ابن عبيد الله، بدرالدين الشيخ، حسن فضل، مالك منصور هدو انجلترا، شريف آل دهب يوسف، عِزّة المهري، محمد طه الشايقي ، إبراهيم سليمان، محمد عبد الرحمن الناير، وتبريرات منعم سليمان في فتح مكتب بإسرائيل، ومايزعج حقاً عدوى المرض للشرق في كتابة طه محمد بامكار/ ولاية البحر الأحمر.
إننا بينما ننادي بالقوات الأممية في دارفور، لا ننادي بها تحرشاً بالعرب أو "تأديباً ل أو انتقاماً من" الجنجويد والنعرات العنصرية العربانية، فخطورة المتطرفين الملوثين للمعسكر الليبرالي أكبر من أي خطورة، وواجبنا جميعاً الإنخراط في المعسكرالإنساني الأخلاقي العالمي لمحاربة هذا التلويث بدلاً من فقدان الوعي في قضايانا التي تبدو محلية. أما أن نصبح أداةً للتلويث بحجة صراعاتنا للبقاء فهذا مالانقبل ويتوجّب علينا التعفف منه.
إسرائيل، كما تناولت في مقالٍ سابق – أتبع الرابط هذا:
http://ar.nomoreclan.net/1/1/12.html
أيضاً دولة في صراعاتٍ داخلية بين الخير والشر، ولكن قوى الخير فيها لا تزال ضعيفة، وكما نحارب قادتنا لهيمنة الشر في أنظمتهم على قوى الخير، كذلك الأمر، فاسرائيل لا تزال تحمل وجه الصهيونية الكالح ويداها ملطخة بدماء الأبرياء في فلسطين. والتحجج بمقارنة ضحايا فلسطين بضحايا دارفور غير وارد، فضحايا دارفور ضحايا قهر عرقي يرفضه الشعب السوداني، ويمارسه الحكام وبعض الحركات المسلحة كما شهدنا من عبد الواحد الذي تحرك منتقماً ليس إلا، مثاله مثال الكتاب الذين ذكرت. فكتبت سارة عيسى في تبريرات عبد الواحد بفتح مكتب في إسرائيل أن إسرائيل قتلت 55 مدنياً بينما الإنقاذ قتلت 114 دارفورياً، وعزت التعاطف مع الفلسطينيين للإعلام! ثم شبّهت المحرقة اليهودية بالمحرقة "الدارفورية"، وقارنت الإنقاذ في التعصب ضد إسرائيل متفوقاً على بقية الدول العربية، وهي لا تفهم أن معركة إسرائيل الحالية هي صراع بين الأصوليين من كل صوب: الإسلاميين (عرب كالسودان والقاعدة، وعجم كإيران وباكستان وإندونيسيا)، والمسيحيين (كالجمهوريين الجدد والجيسوفاسيست – الفاشيين اليسوعيين)، والصهاينة. ثم الملاحدة المتعنتين (مثل قيرت فيلدرز النائب المخرج لفيلم "الفتنة" المسئ للقرآن الكريم، والذي يقوم حزبه بإساءة اليهود وتمجيد محرقتهم). وبررت وبرر آخرون من هؤلاء الكتاب غير الموفقين التعامل مع إسرائيل بحجة سابقة ترحيل الفلاشا بواسطة حكم النميري، وبعفو الإنقاذ عن مرتكبي الجريمة بإسقاط العقوبات القضائية عنهم بل وترفيع وضعهم، وقد تجاهلت عمداً أن ذلك أتى من باب الفساد العسكري ليس إلا، فقد أكرمت الإنقاذ المتهمين في القضايا الجنائية الإنسانية ورفّعتهم، وحصّنت قاتل الحويرص في سنار، وقتلة الكابتن السر أبو اسكندر والقائمة طويلة في طول اليد الإجرامية.
ثم بررت فتح عبد الواحد مكتباً في اسرائيل تشبيهاً بالدول التي لها علاقات سريّة بإسرائيل! لكن هذا المكتب ليس سرياً وليست حركة عبد الواحد دولة، ومهما كانت فلن تمثل دولة، فهي واحدة من كمِّ هائل من الحركات. وماتحتاجه الحركات الآن هو مصداقية تُجمّع حولها التصحيحيين من الشعب السوداني، تماماً كما فعلت حركة قرنق وتجنبت المزالق التي تبعدها عن استراتيجية الوحدة السودانية. بل إن عبد الواحد مهدد بإبعاده من فرنسا مالم يساهم في حل مشكلة دارفور، هل يُعقل أن فتحه الساذج لمكتب بإسرائيل كان الغرض منه دبلوماسية تحث إسرائيل على مساندته، أم هو أشبه، في نظر إسرائيل، بعمالة تحتسبها إسرائيل من صيد شباكها؟ وهل ياترى سنرى من إسرائيل ما تقدمه لينعم به عبدالواحد وأتباعه؟ مصداقيته في امتحانٍ عسير، وبداية الغيث قطرة، فقد أعلن مجلس شورى الفور ببراءته من عبد الواحد وماقام به بإسمهم.
ثم تندمج سارة عيسى في تحليل منطقة الشرق الأوسط بأسرها، وتقرأ فيها انتفاضة العالم العربي ضد العدو الحقيقي إيران، وتستقرئ المستقبل الحافل بالسلام والتعامل مع إسرائيل فور انزياح إيران وعميلها حزب الله. كل هذا حتى تبين لنا عبقرية عبدالواحد في قراءته الإستراتيجيات الصحيحة، لكنها لم تشرح لنا بعد هزيمة حماس وحزب الله وإيران وازدهار الشرق الأوسط، أين سيذهب المعتدلون من اليهود والذين يملئون سجون إسرائيل رفضاً للتطرف الصهيوني؟ وكما تقول الطرفة "النكتة" السودانية "ومين يقنع الديك بأن المريض ليس حبة عيش"؟ فمن يقنع متطرفي الفاشية اليهودية والجمهوريين الجدد في أمريكا، والقاعدة بأن الأديان يمكن أن تتعايش في سلام وتدعم الحق وتزهق الشر؟
أما فلسطين فقضية شعب تشرد في عملية ترسيم الحدود الأولى،تفاقمت قضيته منذ تمرد الصهاينة على مانحيهم الإنجليز بمطالبة تعديل الورقة البيضاء في حقهم لتجعل منهم قوة محتلة، وليس تمنيات الصهاينة أو ذنبهم هو الذي أوصلهم لمرامهم، إنما التطرف الديني والطمع المؤسسي الأمريكيين اللذين دعماهم وقتها، وسوء السياسة وغشامة الرؤيا العربية وغياب الرؤية في حسر المد، تارةً بعدم الإعتراف باسرائيل وتارةً بالإنحراف بالقضية عنصرياً وعقائدياً، سواءاً دينياً أو مذهبياً فكرياً.
آن الأوان لاستيعاب الدروس وقدح العقول وهجر الإنفعال و سياسات ردود الأفعال، فقد دفعنا أكثر مما يمكن أن يدفعه أغنى الآباء في أبلد الأبناء، وحان الوقت الذي نمارس فيه أمور دولتنا كشعب يبني دولة وليس كقطعان تنازل قطعاناً.
ترحب سودانيزاونلاين بجميع الاراء الحرة و المقالات ,الاخبار و البيانات لنشرها فى هذه الصفحة.ويمكنك لزوارنا الكرام ارسالها الى [email protected] كما نرجو ذكر الاسم الحقيقى و الكامل و مكان الاقامة مدة بقاء المقال فى هذه الصفحة 10 اعوام
أعلى الصفحة