مراجعـــة نيفاشـــا.. مسرح جديد للتحالفات
تقرير:خالد البلولة إزيرق
على الخط أكثر من متصل لإيجاد فرصته ربما لم يكن هدفه الوصول لفك الشفرة التي أستعصت على الكثيرين، وقد يكون هدفه فك الشفرة مع الإحتفاظ برصيده لإتصالات أخري، هكذا يبدو مشهد القوى السياسية التي بدأت تتخذ من دارفور مسرحاً ليس لتصفية الخلافات فحسب، وإنما لكسب التحالفات أيضاً مع قوى تقترب وتبتعد في خطواتها من دارفور بقدر حاجتها وإهتمامها بالملف، فيما يظل حال إنسانها مشتتاً بين جهود منظمات الغوث الإنساني التي ترعاه، وآماله فى وعود الوسطاء فى التوصل لتسوية سلمية بين فرقاها تعيد الأمور لإنسانها كما كان.
كفــاءات
وتبدو الحركة الشعبية من خلال تحركاتها الأخيرة أكثر الفاعلين في الملف دون القوي السياسيةالأخرى، وحينما أرادت أن تدخل على خط حل الأزمة فى دارفور اختارت بعضا من أكفأ قياداتها لتولى أمر المهمة إبتداء من الأستاذ إدوارد لينو عضو مكتبها التنفيذى، الى أن فرغت لملفها الآن أفضل كوادرها وأكثرهم تأهيلاً القائد عبد العزيز الحلو العائد من الغربة، لإستكمال سلسلة جهودها التي قادتها مع الحركات المسلحة الدارفورية بجوبا لأجل توحيد مواقفهم التفاوضية تجاه قضايا الإقليم وإيجاد حل للأزمة.
واضافت الحركة سيناريو آخر لتحركاتها حملة تصريحات أمينها العام باقان أموم بحديثه حول إمكانية مراجعة نيفاشا، خصوصاً ما يتصل بنسب قسمة السلطة لإستيعاب دارفور حسب ثقلها السكاني، لتعطي بذلك بعداً جديداً ليس في إحداث حالة إختراق للأزمة، وإنما أيضاً لترتيب العلاقة مع القوى السياسية الأخرى، فما أدلى به باقان يُظهر على الخط أكثر من طرف ويؤدي أكثر من رسالة لأطراف متعددة.
ويمكن النظر الى اشارات الشعبية واستعدادها لإعادة قسمة السلطة والثروة، بأكثر من إتجاه، فمن ناحية هنالك رسالة اولى موجهة لشريكها المؤتمر الوطني صاحب الأغلبية (52%) وإختبار مدى إستعداده لتقديم ذات التنازلات التي يبدو ان الحركة الشعبية أيقنت من خلال إقترابها من حركات دارفور انه لا مفر منها، وإن كان مسؤول الإعلام الخارجي بحزب المؤتمر الوطني ربيع عبد العاطي قد وصف دعوة الحركة الشعبية إلى تعديل اتفاقية نيفاشا فى تصريحات صحافية بأنها مبادرة لا بد أن تدرس جوانبها الإيجابية والسلبية، مع الأخذ بعين الاعتبار عدم إخلالها بمضامين الاتفاقية أو خلقها إشكالات مستقبلية بين الطرفين.
ومن ناحية أخري فإن الحركة الشعبية ربما أرادت بهذه التصريحات توجيه رسالة للقوى السياسيةالتي تنادي بضرورة إعادة النظر فى تلك القسمة وتقنينها بإجماع وطني، أن تعلن جديتها فى طرحها لحل أزمة الإقليم والأقتراب أكثر من القوي السياسية الأخرى وربما يعضد من ذلك أن التصريحات جاءت عقب يومين من تدشين أعمال اللجنة التحضرية للمؤتمر العام للحركة، الذي أشار فيها السيد الصادق المهدي زعيم حزب الأمة القومي، في خطابه إثناء إنتقاده لثنائية الإتفاق بين الوطني والشعبية الى ضرورة إعادة النظر في تلك القسمة بقوله مثلاً «الحديث عن حل لمشكلة دارفور لا يتم بالأماني وإنما بإعادة النظر في تلك القسمة التي سدت الطريق على كثيرين لإستيعابهم».
ضد التقارب
ولكن الحركة الشعبية التي تراقب حالة التقارب من خلال الحوار الدائر بين حزبي الأمة والوطني، تدرك أكثر من غيرها طبيعة دارفور في تأثيرها على العلاقة بين الحزبين، فربما أرادت بهذه التصريحات ان تقوم بعملية مناورة للقوى السياسية أكثر المستهدفين بها حزب الأمة الذي يتخذ من دارفور قواعد إنطلاق له مع قرب موعد الإنتخابات، رسالة الحركة وفقاً لمراقبين تزيد القول ان المؤتمر الوطني لن يقدم لكم سوى خارطة تحالفات إنتخابية ولكن نحن بإستطاعتنا أن نتنازل عما هو أقيم من ذلك لإختراق الأزمة، وهي إشارات لا تخلو من دخول الحركة الشعبية لحالة الإستقطاب للقوى السياسية قبيل الخارطة التحالفية المرتقبة للإنتخابات المقبلة، ومغازلة حزب الأمة قبيل التقارب بينه والمؤتمر الوطني لكسب وده الى جانبها، وإن صحت تلك الفرضية يكون تصريح الحركة مجرد مناورة سياسية لكسب موقف وهي تدرك جيداً إستحالة إقدام شريكها «الوطني» علي ذات الخطوة.
ولكن التصريح كما قال مراقبون تحدثوا لـ«الرأي العام» جر الى الخط أطرافاً أخرى للأزمة، فإن كان باقان قد قصد المناورة بما ذهب إليه فإن قوى سياسية أخرى خاصة الجنوبية ذهبت الى رفض إعادة تلك القسمة الواردة فى نيفاشا لإعتبار أنها حق للجنوب وليست ملكاً خاصاً للحركة الشعبية، وهو ما عبر عنه بيان الجبهة القومية الجنوبية الذي رفضت فيه دعوة باقان «بأن لا مساومة على حقوق الجنوبين، ودعت الجنوبيين للوقوف ضده وطالبت الحركة الشعبية بعدم السمسرة والمتاجرة بحقوق الجنوبيين».
وفى ذات الإتجاه يمضي محللون الى أن الحركة الشعبية إن كانت لها جدية فى فتح نيفاشا لإستيعاب آخرين فكان الأولى لها قبل ان تذهب لدارفور أن تستوعب القوي الجنوبية معها على الأقل من حصتها فى السلطة بالجنوب وهي التي رفضت التنازل عن نسبتها لإستيعاب القادمين من أبوجا وأسمرا، ولم يكن الإعتراض من القوى الجنوبية على إعادة القسمة لصالح دارفور الأول من نوعه، فبعد التعديلات الوزارية الأخيرة للحركة الشعبية في حكومة الوحدة الوطنية برزت بعض الأصوات الجنوبية تحتج على تعيين دينق ألور وزيراً للخارجية بحجة انه من أبيي وهى منطقة لم تعرف بعد تبعيتها للجنوب بإعتبار ان المنصب يخص الجنوبيين بموجب الإتفاقية، وهي ذات الإحتجاجات التي يقودها البعض داخل الحركة الشعبية ضد تعيين الشماليين التابعين للحركة فى المناصب المخصصة للحركة والجنوب.
باقان تحدث بما يريد ان يصل إليه سواء كان جاداً فيما طرحه ام كان يناور، ولكنه فى كلا الحالتين وضع الكرة في ملعب «الوطني» الذي ينتظر المراقبون خطوته المرتقبة لاختبار ما كان مقدساً في نيفاشا
ترحب سودانيزاونلاين بجميع الاراء الحرة و المقالات ,الاخبار و البيانات لنشرها فى هذه الصفحة.ويمكنك لزوارنا الكرام ارسالها الى [email protected] كما نرجو ذكر الاسم الحقيقى و الكامل و مكان الاقامة مدة بقاء المقال فى هذه الصفحة 10 اعوام
أعلى الصفحة