اقتراح بترشيد سياسات الاغتراب
مقدمة
اقدم هذه الدراسة من واقع تجربة معاشة لاغتراب دام اكثر من ثلاثين عاما بدول المهجر عاصرت فيها تقريبا كل السياسات الحكومية المتعلقة بموضوع الاغتراب والمغتربين بدءا من عهد مايو الى هذا التاريخ
كانت حاجات المغتربين في البداية لا تتعدى سوى اشياء بسيطة مثل الزواج ، شراء سيارة، شراء قطعة ارض لبناء بيت وخلافه. وكان المغترب يقدر لذلك فترة اغتراب لا تتجاوز ثلاثة سنوات ولكن نظرا لبعض السياسات الخاطئة في عهود مختلفة فيما يتعلق بتوظيف الاغتراب لصالح البلد والمغترب فقد وجد المغترب نفسه وكأنه يبحر في سفينة بدون ربان وبلا بوصلة او أي وسيلة لمعرفة أي إتجاه.
بينما كان هذا واقع المغترب السوداني نجد ان وضع المغترب من الدول الأخرى يسير من حسن إلى أحسن في ظل سياسات دولهم التي وظفت الاغتراب توظيفا صحيحا حيث أنه قد تحول لدى كثير من الدول الى صناعة يتم من خلالها تدريب وتأهيل الكوادرالبشرية في التخصصات المختلفة المرغوبة لدى دول المهجر مما اتاح لهذه الدول ابتداع رافد اقتصادي مضمون العائد وكمثال على ذلك فدول مثل الفلبين والهند وباكستان وبنغلاديش اصبحت تتلقى عشرات المليارات من الدولارات سنويا كتحويلات من مغتربيها مما ساعد في نهضة هذه الدول ونحوها على العكس من المفهوم الخاطئ السائدعند كثير من السودانيين رسميين و شعبيين من ان الاغتراب قد ساهم في تردي الأوضاع بالداخل.
واذا استعرضنا العلاقة التى قامت بين مغتربي هذه الدول و دولهم حتى يستمر هذا العطاء نجد الآتى:
- 1تسهيلات للمغتربين في التحويلات و سحبها و بالعملة الصعبة اذا رغبوا في الخروج بها مرة أخرى لخارج البلاد. هذا الاجراء أتاح للمغترب تحويل كل مدخراته بلا تردد.
-2عدم ارهاق المغترب بأي ضرائب أو أي رسوم أخرى تفرض
عليه.
-3تجديد جواز السفر لفترات تتراح بين 7 الى 10 سنوات و برسوم زهيدة.
-4الاهتمام بشئون المغترب وحل ما يواجهه من مشكلات مع مخدمه بدول المهجر حتى لو استدعى ذلك تدخل حكوماتهم
تدخلا مباشرا دون الاكتفاء بجهود سفاراتهم في هذا المضمار.
-5الاهتمام بشئون المغترب من حيث تعليم الابناء بإقامة مدارس خاصة لهم بدول المهجر تدرس نفس المناهج المقررة ببلدانهم وبالتالي تمكنهم من الحاق أبنائهم بجامعات بلدانهم دون اجراء اختبارات معادلة او خصم نسب مئوية من درجات تحصيلهم بالشهادات الحاصلين عليها بدول المهجر.
-6الاهتمام بالمغتربين و اشعارهم بروح المواطنة و ذلك بخلق صلات لهم بسفاراتهم تتمثل في دعواتهم للاحتفالات التى تقام بهذه السفارات في المناسبات الوطنية التى تخص بلدانهم مما ساعد في ربطهم بأوطانهم.
-7ابتداع مشاريع سكنية واستثمارية وخلافه ببلدانهم تساهم في تشجيعهم على تحويل مدخراتهم كما تساهم في خلق ضمانات لهم ولأسرهم في السكن واستثمار مدخراتهم بالاضافة الى أن ذلك يزيد من ارتباطهم بالوطن كما يحدث بجمهورية مصر العربية والفلبين و غيرها.
ب ـ الوضع المقابل للمغترب السوداني
اذا استعرضنا الوضع بالنسبة للمغترب السوداني نجد ان الوضع كما يلى:
-1ظل الوضع الى وقت قريب يتمثل في الدعوة المستمرة من الحكومات المتعاقبة للمغترب لتحويل مدخراته للسودان حيث يفرض عليه صرفها بالعملة المحلية ومنعه من حمل اي عملات صعبة معه اذا رغب في اعادة جزء منها لسد بعض حاجاته بالخارج, وربما حدث بعض التحسن الجزئى في هذا المضمار و لكن ليس بالقدر الكافي و بعد ضياع مليارات الدولارات في السابق كان بالامكان الاستفادة منها بالداخل اذا تم وضع سياسة يراعى فيها مصالح المغترب ومصالح السودان في آن واحد. هذا الاجراء اضطر الكثير من المغتربين لفتح حسابات لهم ببلدان اخرى عربية واوروبية وتم فيها ايداع عشرات المليارات من الدولارات كان بالامكان الاستفادة منها في مشاريع التنمية بالسودان وكان هو الاجدر بها.
-2يتم الزام المغترب بتجديد جواز سفره مرة كل سنتين مع دفع الضرائب و الزكاة و تحسين مطار الخرطوم والتبرع لمرضى السكري و خلافه من الاستقطاعات التى يفاجأ بها المغترب في ايصال الدفع بدون علمه مسبقا بها بالاضافة للرسوم الاخرى التى يجب على المغترب دفعها كلما استدعى الامر اجراء اي معاملة بإحدى القنصليات بالخارج.
-3عدم اهتمام الحكومات المتعاقبة بحل مشاكل مغتربيها اذا واجهتهم اي مشكلات مع مخدميهم بالدول التى يعملون بها كما حدث بليبيا مثلا في التسعينات او في اي حالة مواجهة الكوارث مثل الحروب و خلافه, كما حدث في اعقاب غزو العراق للكويت حيث كان المغتربون يبيعون جزء من مقتنياتهم لاعاشة ابنائهم و انفسهم لمدة 11 يوما هي مدة الرحلة من الكويت الى الاردن قبل سفرهم للسودان.
-4بالنسبة لتعليم الأبناء فحدث ولا حرج حيث يفرض على أبناء المغتربين الحاصلين على شهادات الثانوية العامة من المدارس العربية بدول المهجر خصم 10% من النسب المئوية التي يتحصلون عليها دون وجه حق لا لسبب الا لكي يضطر آباؤهم لالحاقهم بالجامعات الخاصة و بمبالغ باهظة بالعملات الصعبة بجامعات السودان او بالخارج مما شكل عبئا اضافيا عليهم.
-5 عدم الاهتمام بالمغترب السوداني من قبل السفارات السودانية بالخارج و ذلك عن طريق ربطهم بالوطن و المشاركة في المناسبات الدينية و الوطنية التى تقام بهذه السفارات الا في نطاق ضيق و لشريحة محدودة.
-6عدم ابتداع اي مشاريع اسثمارية او سكنية جادة تعود بالنفع على المغترب و الدولة على حد سواء. اما بالنسبة لما كان يحدث في السابق من قيام لجان رسمية بزيارة المغتربين بدول المهجر وطرح مشاريع وهمية عليهم فهذه قصص معروفة للجميع ولا داعي لاستعراضها.
شهدت سبعينات القرن الماضي اجراءات تحفيزية لتشجيع تحويل مدخرات المغتربين تمثلت في تطبيق إعفاءات جمركية في حدود 1500 جنيه في حالة تحويل المغترب لمبلغ 4000 دولار بالسعر التشجيعي للدولار وقد كان في حدود 57 قرشا للدولار مقابل السعر الرسمى و هو 40 قرشا للدولار. هذا الاجراء شجع المغترب في تحويل مدخراته و حافظ على قيمة الجنيه السوداني في تلك الحدود المذكورة أعلاه الا انه وفجأة قررت الحكومة الغاء تطبيق الاعفاءات الجمركية مما جعل المغترب يحول مدخراته عن طريق السوق السوداء التى تعطي سعرا افضل.
و بدأ من ذلك التاريخ السباق المحموم بين السعر الرسمي و السعر بالسوق السوداء حيث وصل سعر الدولار من 40 قرش الى 2600 جنيه!!
الأسباب التي ادت لذلك, كما كان شائعا في ذلك الوقت, هي ان مصلحة الجمارك اعترضت على هذه الاعفاءات لأن ايرادات الجمارك قد قلت!!
ج ـ توصيات
-1توجيه سياسات الحكومة الخاصة بالاغتراب على انه قد أصبح الآن رافدا مهما من الروافد الاقتصادية الرئيسية لكثير من الدول و على السودان ان ينظر اليه من هذا المنظور و ليس عن طريق السياسات السابقة التى كان لها الاثر السلبي بالنسبة للسودان والمغترب على حد سواء.
-2اعادة زرع الثقة بين المغترب والانظمة المتعاقبة كمواطن اضطرته الظروف للعيش خارج الوطن و تشجيع العودة الطوعية لمن يرغب في ذلك حيث ان الوضع في السابق لم يكن يشجع على ذلك.
-3تشجيع تحويلات المغتربين بإبتداع مشاريع سكنية و استثمارية حقيقية لهم و جذب مدخراتهم بهذه الطريقة بدلا من فرض ضرائب و رسوم مختلفة لم تجلب للبلد في السابق سوى الخراب وكان لها الاثر السلبي في شطب اسم العملة السودانية من اسواق المال والبنوك الاجنبية بعد ان كانت اقوى عملة بالشرق الاوسط. و هنالك عدة وسائل يتم من خلالها ابتداع مشاريع تعود فائدتهاعلى المغترب و السودان و منها على سبيل المثال:
· تخطيط مدن لاسكان المغتربين على اطراف العاصمة المثلثة, و عواصم الولايات الاخرى يتم تمليكها لهم بأقساط و بالعملة الصعبة على غرار المدن المصرية التى ساهمت في جذب مدخرات المصريين وغير المصريين.
· تخطيط اراضي سكنية على اطراف العاصمة المثلثة ـ او الولايات ـ يتم توزيعها للمغتربين بأسعار رمزية في حالة تحويل مبلغ معين بالعملة الصعبة يتناسب مع درجة الارض المراد منحها للمغترب.
· تشجيع المغترب الراغب في انشاء مصنع او وحدة انتاج و ذلك بمنحه قطعة الأرض الازمة لذلك و بأجور معقولة مع الغاء او تخفيض الجمارك لأي معدات او آلات تحتاجها هذه الصناعة.
· تقسيم اراض لمشاريع زراعية على طول النيل الازرق و الابيض و نهر النيل والتى لم تستغل بالصورة المرجوة الى هذا التاريخ مقارنة بدول اخرى.
-4 العناية بتعليم ابناء المغتربين في مرحلة التعليم الاساسىعن طريق السفارات و القنصليات كما يحدث بالنسبة للمصريين. في حالة تعذر ذلك نرى ان يتم ايقاف تطبيق خصم نسب مئوية من النسب التي تحصلوا عليها بالشهادة الثانوية من المدارس العربية بدول المهجر حيث برهن أبناء المغتربين على أنهم أفضل من اقرانهم الذين درسوا بالمدارس السودانية و التى اصبحت منذ بدأ تطبيق السلم التعليمي في عهد مايو مسخا مشوها للتعليم بعد ان كان في السابق من افضل نظم التعليم في الشرق الاوسط وكانت المدارس الثانوية والجامعة السودانية قبلة الطلبة من الدول المجاورة.
-5تجديد جوازات المغتربين مرة كل خمسة سنوات على الاقل بدلا من سنتين.
-6الغاء جهاز شؤون المغتربين حيث انه ومنذ تأسيسه لم يكن سوى مركزجباية لأموال المغتربين والحق يقال ان الهم الاكبر لاي مغترب هو انه لكي يحصل على تأشيرة الخروج يجب ان يمر بهذا الجهاز الذى لم يقدم أي خدمات للمغتربين منذ تأسيسه ونرى ان يتم منح التأشيرة بالمطار عند المغادرة كمايحدث بكل دول العالم.
-7الغاء رسوم المغادرة و رسوم الدخول, هذا الاجراء الذي لا تجد له مثيلا بأى مطار بالعالم وليس له ما يبرره.
د.الطالب بشير الطالب
فرجينيا في14 يناير 2008
ترحب سودانيزاونلاين بجميع الاراء الحرة و المقالات ,الاخبار و البيانات لنشرها فى هذه الصفحة.ويمكنك لزوارنا الكرام ارسالها الى [email protected] كما نرجو ذكر الاسم الحقيقى و الكامل و مكان الاقامة مدة بقاء المقال فى هذه الصفحة 10 اعوام
أعلى الصفحة