عبد الرحمن الراشد والسودان
أبراهيم الماحي
[email protected]
ظل الأستاذ عبد الرحمن الراشد صاحب الشرق الأوسط يمطر السودان بوابل من نقده ، وعسف قلمه بأسلوب صويحبات يوسف. وهو أسلوب أوله ندب وبكاء ، وأوسطه تسفيه وتهريج وآخره تلبيس للحق بالباطل. حتي لا تكاد تتبين من أين قدت قماشة بيانه أمن قبل أم من دبر؟ولكن الآن حصحص الحق....فهو قلم كثير الدمع ، والبكاء علي العدالة الضائعة والحق المسفوح في دولة السودان الضعيفة..وكثير التمجيد والتعظيم لبطش الملوك وفظاظة العسس في بلاط أصحاب الفخامة والرؤساء العرب ..لأن منطقه يقوم علي تجزئة الحق والكيل بمكيالين..فالسجن السياسي علي قماءته في السودان جريمة كبري ، وأنتهاك لحقوق الأنسان ، وذات السجن السياسي في السعودية هو ردع للمارقين ، وتطهير للمبتدعين والزنادقة وأعداء الدين..
ولعل اللافت للنظر أن الأستاذ عبد الرحمن الراشد مثله مثل كثير من الصحفيين العرب الذين يريدون أن يستعرضوا بطولتهم وشجاعتهم في النقد ، وأن يجسدوا حرصهم علي العدالة و الحق والنقاء الأخلاقي في أوضاع السودان المضطربة.في الوقت الذي يسكتون فيه علي الفظائع التي ترتكب في الدول العربية التي لا يضاهيها ما يجري في السودان نسبة للعوامل الثقافية والأجتماعية المعروفة. لأنه كما قال الصحفي العربي القديم في باريس بأن أهل السودان لا يرشون ولا يقتلون ، لذا فهم هدف سهل easy target يتخذونه قرافا يضربون عليه لأخافة الآخرين..هذه الصورة النمطية عن السودان جعلته في الذهن الأعلامي العربي مصدر للسخرية والنكتة ..ولعل القارئ يتذكر الصورة المهينة التي بثتها قناة mbc العربية للفريق الأولمبي في القاهرة أثناء الدورة العربية الأخيرة ، حيث ظل المذيع السعودي يطارد اللاعبين في غرف نومهم ، وينزع عنهم أغطيتهم ، ويطارد المدرب في باحة المعسكر بطريقة تثير الأشمئزاز والسخرية..وهي محاولة لا يجرؤ علي فعلها مع أي فريق عربي آخر..هل كان هذا المراسل الرياضي للقناة يجرؤ علي أقتحام معسكر الفريق المصري ويدخل غرف اللاعبين وينتزعهم من أسرتهم بهذه الصورة المهنية.. ولكنه السودان الذي لا يرشي ولا يقتل ، أي لا يحذق لغة الترغيب والترهيب ولا يملك مقوماتها القائمة علي الغني الفاحش والبطش الشديد.علي ذات النمط كم من مقال خطه يراع الأستاذ عبدالرحمن سلق فيه بالسنة حداد الممارسة السياسية ، والأداء التنفيذي لمؤسسات الدولة والقضاء في السودان ، وهي بلاشك تستحق النقد والتعرية والتصويب..ولكن علي هدي من البينات الموضوعية وشريطة أن يكون ذلك النقد قائم علي العدل والقسطاس المستقيم للممارسة السياسية في كل الدول العربية، وليس تجريب ديمقراطيتهم وأنسانيتهم المزعزمة في حيطة السودان القصيرة..فلا تكاد تنسي الذاكرة السودانية أحتفاءه بالتهديد الأمريكي في خضم الجدل حول نشر القوات الأممية في دارفور..بطريقة لم يفرح بها أريك ريفز ونيكولاس كريستوف في النيويورك تايمز..ولكن نفس هذا القلم الجسور الذي يستظهر شجاعته ومبدئيته في شئون السودان ، يعجز أن ينتقد مواقف وسياسات الدول العربية الأخري في مجمل شئونها الداخلية وطريقة تعاطيها مع القضايا الخارجية..فهو يستطيع أن يلعن سنسفيل الرئيس البشير ولكن يعجز أن ينتقد أصغر موظف في أي دولة خليجية أو حتي مرشد سياحي في مصر،ولا يستطيع أن يتطاول علي مقام الملوك والرؤساء العرب..أما خادم الحرمين الشريفين فهو هالة القداسة التي أنزلها الله علي أهل الأرض..
ويعلم القاصي والداني أن الأستاذ عبد الرحمن الراشد يدير مؤسسات أعلامية تعتبر من أجهر أبواق الدعاية السعودية هما صحيفة الشرق الأوسط سابقا وقناة العربية راهنا ، وبالرغم من مكانة السعودية لرمزيتها الدينية في نفوس المسلمين إلا أنها دولة من زجاج في قضايا العدالة والممارسة السياسية وحقوق الأنسان فلماذا يتجرأ بقذق أهل السودان بالحجارة..
ومجاراة لأسلوبه الذي أتحفنا به في مقاله المنشور في صحيفة الشرق الأوسط الصادرة يوم 3 ديسمبر تحت عنوان "كفي عبثا بالقضاء" والذي شن فيه هجوما كاسحا علي القضاء السوداني نتيجة لحكمه في قضية المدرسة الأنجليزية التي أدينت في قضية الأساءة للرسول صلي الله عليه وسلم ، ولأن الأستاذ عبد الرحمن الراشد هو حامي حمي العدالة ، وحقوق الأنسان ، ونسبة لمواقفه التاريخية في الذود عن حياض الدين وردع كل من سولت له نفسه تشويه الأسلام ومبادئه الخالدة..نستصرخ بأسم هذه المناقب السامية ضميره الصحفي اليقظ في الكتابة عن قضية المرأة السعودية المغتصبة التي تناولتها كل صحف وقنوات العالم ، ونستجديه أن يسلط قلمه المبارك في كتابة عمود واحد تحت ذات العنوان لرد الظلم عن هذه المرأة أسوة بما فعل بالمدرسة الأنجليزية التي تعمل في السودان..أم أن الدماء الأنجلوسكسونية التي تجري في عروق هذه الأنجليزية البيضاء هي أغلي وأطهر من دماء المرأة السعودية التي ظلمها القضاء السعودي..وقصة هذه المرأة كما أبرزتها الغارديان والبي بي سي والس أن أن وبعض الصحف السعودية والنيويورك تايمز والواشنطون بوست التي خصصت لها مساحات مقدرة من صفحتها الأولي و أفتتاحية كاملة أستعرضت فيها حيثيات القضية، التي أنطوت علي حكم بالغ الفداحة في العسف والظلم. حيث أعتدي سبعة شبان بالأغتصاب علي فتاة ورجل كانا معا علي غير رباط شرعي (خلوة) في أطراف مدينة القطيف شرقي السعودية. وقد حكم القضاء السعودي علي الشبان المغتصبين بالسجن ، بينما حكم علي الضحية أي الفتاة المغتصبة بتسعين جلدة لكونها كانت في خلوة غير شرعية مع غريب لا يمت اليها بصلة. وبدلا من مساعدة الفتاة الضحية بعرضها علي طبيب وأخصائي نفسي لمعالجة الآثار النفسية المدمرة للأغتصاب حكم عليها القاضي بتسعين جلدة..وعندما أستأنف محاميها الأستاذ عبد الرحمن اللاحم الحكم ضاعفت محكمة الأستئناف العقوبة علي الضحية حيث زادت عقوبة الجلد بالسياط الي 200 جلدة بدلا عن 90 كما حكمت المحكمة الأبتدائية ، وأضافت كذلك عقوبة السجن لمدة ستة أشهر للفتاة..والسبب في ذلك كما كشفت الصحف هو أثارة محامي الضحية الأمر في الأعلام..وبالطبع فقد أحتجت منظمات حقوق الأنسان ، وقادت الصحف العالمية حملة مؤثرة وموضوعية أحتجاجا علي هذا الحكم الظالم..ونسبة لضغط الرأي العام أصدرت وزارة الخارجية الأمريكية تصريحات أدانت فيها الحكم المتعسف ضد الفتاة وطالبت السلطات السعودية بمراجعة الحكم والأفراج عن الفتاة. وفي المقابل أصدرت المحكمة بيانا دافعت فيه عن حكمها القاسي ضد الضحية..وبناءا عليه صعدت المنظمات من حملتها ، وقد سألت الصحافة الأمريكية الأمير سعود الفيصل وزير الخارجية السعودي عن القضية بعد أنتهاء مؤتمر أنا بولس فقال أن محكمة أخري ستراجع الحكم. ولا شك أن هذا التصريح يعتبر أنحاءا للعاصفة مما يضاعف التوقعات بالأفراج عن الفتاة نسبة للضغوط الدولية المتصاعدة وأثارة الأمر من قبل الأدارة الأمريكية وليس من باب تحقيق العدالة وأنصاف المظلومين.
وبعد أستعراض حيثيات هذه القضية التي تبين حجم العسف والظلم الذي أرتكبه القضاء السعودي ضد هذه الفتاة الضحية التي كان يتوجب مساعدتها للخروج من هذا المأزق النفسي والأجتماعي ولكن أختار القضاء السعودي تجريمها جنائيا ، وتدميرها نفسيا بل حرمها حق الأستئناف لتخفيف هذا الحكم الظالم وعاقبها بطريقة هي أقرب للتشفي من تحقيق العدالة.
نتوقع كما أشرنا آنفا أن تنحني السلطات السياسية في المملكة العربية السعودية للعاصفة وتقوم بالأفراج عن الفتاة بعد عرض القضية علي المحكمة الأعلي تفاديا للضغوط والحرج السياسي وتحسين صورة المملكة في الغرب..
ولكن بذات الضمير الحي الذي أنتقد به الأستاذ عبد الرحمن الراشد الحكم القضائي في السودان ، وبذات الحرص علي حقوق الأنسان ننشده الله بأسم قلمه الطاهر ،وحسه الأنساني الرفيع ، وضميره الصحفي ، وحرصه النبيل علي صورة الأسلام في الغرب أن يدين ويشجب القضاء السعودي في حكمه المتعسف علي المرأة السعودية المغتصبة بمثل ما ادان القضاء السوداني في حكمه علي المدرسة الأنجليزية تحت عنوان "كفي عبثا بالقضاء"..لأن دماء هذه الأنجليزية ليس بأغلي ولا أنبل من هذه المهرة السعودية. كما أن الحق لا يتجرأ ولا يكال بمكيالين..ولك أن تمد رجليك كما فعل أبو حنيفة النعمان لأن أهل السودان لا يرشون ولا يقتلون..وصحيح الأختشوا ماتوا..
ترحب سودانيزاونلاين بجميع الاراء الحرة و المقالات ,الاخبار و البيانات لنشرها فى هذه الصفحة.ويمكنك لزوارنا الكرام ارسالها الى [email protected] كما نرجو ذكر الاسم الحقيقى و الكامل و مكان الاقامة مدة بقاء المقال فى هذه الصفحة 10 اعوام
أعلى الصفحة