فضائية الشروق السودانية الجديدة والتحدى الصعـب
فضائية الشروق التى رُصدت لها الأموال الطائلة ( بتكاليف سنوية تبلغ الخمس وعشرون مليون دولار سنوياً ) بجانب الكوادر المتخصصة والوجوه المنتقاة بعناية ٍ فائقة لترى النور فى منتصف أكتوبر الجارى والتى تؤكد فى رسالتها أنها غير تابعة لأى جهة ٍ ، حزبية كانت أو غير ذلك بالرغم من الإشارات الصريحة من البعض بأن أيادى المؤتمر الوطنى تقف من خلفها وتهمزها ، ولكن فلنترك ذلك للوقت الذى هو كفيل بكشف الحقائق فى وقتها .
القائمون على أمر القناة يقولون أنها خاصة ومتنوعة وتعنى فى المقام الأول بالشأن السودانى وخصصت ثلاثون فى المائة من بثها اليومى للعمل الإخبارى والسياسى فى بلد ٍ تحتل السياسة والأخبار ( الشمارات ) وأزمات الحكم منذ الإستقلال وحتى اللحظة ثمانون فى المائة من طاقات أبنائه الفكرية والإبداعية ، حتى خرجت بدعة أن كل الشعب السودانى يتعاطى السياسة ويصدرها أيضاً ، مما جعله مصدر قلق لبعض الأنظمة العربية .
فالقناة كما تبشر فى بثها التجريبى تريد أن تطرح السودان وأهله فى قوالب جديدة ومن زوايا متعددة وغير مألوفة ، كالتى درجت عليها الفضائية السودانية الشهيدة ، التى حاول عرابوها مراراً تغيير نهجها وأسلوب الطرح الذى تعتمده ولكنهم لم ينجحوا فى ذلك ، لأنها وبكل بساطة لن تستطيع أن تخرج من كونها بوقاً عظيماً للنظام الإنقاذى حتى وإن حاولت الزج ببعض الأملاح والفقرات المعارضة فى بعض الأوقات على شاكلة ( لزوم ما يلزم ) .
والشروق الفضائية التى يبدو أن لها نهجاً خاصاً بها فى طرح القضايا والمشكلات العويصة التى يعانى منها السودان وأهله ستصطدم بعقبات وأورام سرطانية وسموم فتاكة من أول خطوة يراها النظام وشيعته ملتوية و ستكشف ما يتستر عليه أو يموه فيه بحيث لا يدرى المواطن الغلبان أين هى الحقيقة ، فمن غير المعقول أو المنطقى أن تتحول عقلية الإنقاذ بقيادة المؤتمر الوطنى بين عشية وضحاها بزاوية منفرجة ، من تكميم الأفواه وكسر الأقلام وجز الصحف وسجن الأفكار وركل الآراء بقوانين أمنية صرفة إلى أعظم دولة تمارس الديمقراطية بشفافية يحسدها عليها ألد أعداءها ، مع الأخذ فى الإعتبار على أن تلك الصحف لا يقرأها إلا عدد محدود جداً من الناس قياساً لتعداد السكان القديم !
فلا يعقل أبداً أن يـسمح الإنقاذيون لقناة فضائية بحرية الحركة والتنقل والبث لملايين المشاهدين ومن مختلف الفئات ( مقارنة بالصحف ) سواءً كان بثها من دبى أو من ( جهنم الزرقاء ) بأن تفضح النظام فى عقر داره وبين عشيرته وحوارييه وحتى عشاقه المهووسين بديكورات الإنجاز المزعومة ، فالحكومة لم ولن تستطيع مثلاً أن تترك فضائية الشروق بأن تتناول قضية دارفور بمنظورها وإن كان محايداً وتأخذ مهاتفات المشاهدين لتطرح وجهات نظرهم وتعليقاتهم لما يدور هناك أو تجرى حوارات مع المقاتلين فى جبل مره أو فى المعسكرات التى تحوى أعداداً هائلة من الناقمين على الحكومة ومليشياتها المسلحة لما حدث لهم فى مناطقهم أو ( حواكيرهم ) كما يحلو لعبد الواحد ، ولا أن تتفضل الإنقاذ بالسماح لكاميرات الشروق الحديثة جداً أن تتوجه شرقاً لتنقل الصور المزرية ومدى الضنك والمسغبة التى يعيشها إنسان الشرق والأمراض والأوبئة التى تفتك به ، أو أن تلتقط أعينها لمحة لما يحدث فى كردفان من وبائيات وفقر أو أن تتجرأ وتطلق أيديهم شمالاً ليلتقوا بضحايا كجبار وسد مروى ليحكوا وأعينهم تفيض من الدمع عما لحق بهم من كرب لمجرد أنهم طالبوا بحقوقهم ، أو تتكرم عليهم بإجراء لقاءات متواصلة مع ضحايا الصالح العام فقط لأنهم لا ينتمون إلا إلى السودان ، فعقلية الإنقاذ التى حاربت كل الفئات والمجموعات وشقت الصفوف ومنعت حتى التظاهرات السلمية ووقفت ضد الجميع بكل ما أوتيت من مكر وضراوة ، لن تقوى على تحمّل الرأى أو الصوت أو القلم أو اللسان الآخر ، وستحاصر الشروق والفجر والأمل وكل الشموع ، وستضيّق الخناق على مراسلى القناة الوليدة فى كل أطراف السودان وأقاصيه ولن يهدأ لها بال حتى تجعل منها قناة ناطقة بإسمها بطرق مباشرة أو غير مباشرة ، أو أن تجردها من الصبغة السياسية والأخبار الحقيقية لتوجهها نحو الغناء والرقص وأخبار الفنانات وملاسناتهن أو تحصرها فى زاوية ركوب الخيل ومصارعة الثيران و ( لعب البلى ) ، وأما إذا أصرت الشروق على مهنيتها التى تبشر بها ولم تتقيد بالخط المرسوم لها من قِبل الجهات الأمنية ، ستجد مكاتبها مختومة بالشمع الأسود بقرار أمنى ، هذا إن لم يجرجر مديروها للمحاكم بتهمة الصيد فى الأماكن البكر وقطع أشجار السلام .
عبدالماجد موسى
ترحب سودانيزاونلاين بجميع الاراء الحرة و المقالات ,الاخبار و البيانات لنشرها فى هذه الصفحة.ويمكنك لزوارنا الكرام ارسالها الى [email protected] كما نرجو ذكر الاسم الحقيقى و الكامل و مكان الاقامة مدة بقاء المقال فى هذه الصفحة 10 اعوام
أعلى الصفحة