قصة قصيرة "كتابة"
هلوساتُ شخصٍ على حافّةِ جنونٍ ما..!
حريقٌ يلتهمني وأنتِ بعيدةٌ وقاسيةٌ رغماً عنك.. لماذا تتخفّينَ في هذا الغموض الخجل..؟ لا أذكركِ الآنَ تماماً وأذكرك!.. ما معنى "أذكرك"؟! لا أدريهِ..!.. ها أنذا الآنَ على حافّةِ جنونٍ ما أخربشُ "نمنمتي" الذاتيّة على هذه الورقة... جبلٌ يتدثّرُ بالعشبِ، هناكَ في العتمةِ السّريّةِ في الرّوح، في الوجد، في البعيدِ الحقيقيِّ، في ربوبيّةِ السّكونِ المسائيِّ، وهنا الزّمنُ يمتلئُ بالأشياءِ المُصمتة.. صديقي "جوني" يحسّني، قد يكونُ بعمقٍ لا أدريهِ، ويعذّبني ما لا أدريهِ فيهِ.. اللاذكرى قد تكون أعمق من الذكرى في داخلي المشوّش بزيتِ السآمةِ المتألّقِ الرّجراجْ.. "هل تكسينني إزاراً من المحبّةِ يُزكّيَ روحي من الأقذارْ؟.."*
******
الكُرّاساتُ تتخذُ لها مكاناً في ايدي الطّلابِ وإداناتٌ فوريّةٌ لا حماسةَ فيها للكل "ديل أصلو ما بفهموا". صوتٌ تلميذيٌّ يحتج.. "هل أذهبُ إلى المدرسةِ يا أبي؟"
- لم تعد المدرسةُ خليجاً.. إنّها حجرٌ وحسب.. حجر.. هل نجلس فوق الحجارة ونبصق على روحها النّاشفة بإهاناتنا وننكِرُ عينَيْ "ميدوزا" المهدّدتينَ بتحجيرنا؟..
الحافلةُ اللممتلئةُ بالبشرِ في طريقها إلى مركز سباق الحشرات، إلى الفنرينات، المحلات، الشوارع، الزذمنُ رماديٌّ باهتٌ وأعجزُ عن إمساكِ شيءٍ حميمٍ ما بداخلهِ لاتّحد بهِ.. أنا على حافّةِ شيءٍ ما..
******
في تلك الحديقةِ آنَ جلسنا و"الرّيحانُ" ينفذُ في عواطفي تفوحين بذكرى ماضية "لا تتغيّب عنّي دوماً.. هل تقولينها؟".. أمشي في الشارعِ المتربِ بذرّاتِ غبارٍ وحصىً باهت الصّفرة، تطلّ عليَّ زهرةٌ من سورٍ في قلبِ الرّصيفِ الواقعِ في شارعِ النّيلِ الممتدِّ بسهومٍ لا روحانيِّ في الجانبِ الأيسرِ للخرطومِ الهلاميّةْ.. "أينَ خُرطوم الوجد؟".. أقذفُ حجراً يتكوّرُ ويشكّلُ دوائرَ صفيّةَ في زرقةِ الماءَ.. في القلبِ يُغنّي صديقي بصوتٍ خافت العاطفة:- "الوكت الساحق وماحق زار/الوكت السّاحق وماحقْ زارْ.."**
******
وحريقٌ يلتهمني وأنتِ بعيدةٌ وقاسيةٌ رغماً عنك.. وفي غموضٍ قد لا يُكشفُ عن نورِ حقيقتهِ أبداً أحسّكِ بعيدةً.. بعيدةً.. لماذا تتخفّيْنَ في هذا الغموضِ الخَجلْ..؟ أم أسمّيها البساطةَ الخجْلَىْ.. لماذا.. لماذا؟! أتوقّفُ الآنَ عن الكتابةْ.. ينتفضُ شيءٌ ما في روحي ويقولُ لي:- قفْ.. كفى..!... أنتَ..!..
******
ويقولُ لي العالم:- من أْنتَ؟
أُجيبُ بغموضٍ عرّافِيْ:-
رمحٌ تائه
ربٌّ يعيشُ بلا صلاة***
ظهر الثلاثاء 2/4/1985
(الخرطوم بحري- حلّة كوكو).
حاشية:-
* من أغنية قديمة للفناّنين السودانيين إبراهيم عوض وعبد الرحمن الريّح "عيونك فيها من سحر الجمال أسرار" (بتصرّفْ).
** من أغنية للفنان السوداني عمر صلاح أمبدّي- كلمات:- إبراهيم جعفر.
*** من شعر علي أحمد سعيد (أدونيس) في أغاني مهيار الدّمشقي.
ترحب سودانيزاونلاين بجميع الاراء الحرة و المقالات ,الاخبار و البيانات لنشرها فى هذه الصفحة.ويمكنك لزوارنا الكرام ارسالها الى [email protected] كما نرجو ذكر الاسم الحقيقى و الكامل و مكان الاقامة مدة بقاء المقال فى هذه الصفحة 10 اعوام
أعلى الصفحة