بسم الله الرحمن الرحيم
المطالبة بحماية حقوق الإنسان من أجل إغلاق الخلاوي القرآنية ومحاكمة المشاريخ بتهمة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية مفهوم استعماري غربي مرفوض مطلقاً
رداً على مقال "ما يـحدث في الخلاوي القرآنية...جـرائم ضد الإنسانية/خالد خليل بحر"
بقلم الدكتور/ أسامة مصطفى إبراهيم / الدوحة - قطر
تم نشر مقال بعنوان "ما يحدث في الخلاوي القرآنية ... جرائم ضد الإنسانية " في صحيفة سودانيزأونلاين بتاريخ 28 أبريل 2007 وقبل التعلق على هذا الموضوع أود إيراد جزء من المقال حيث أورد الكتاب :" ....ونلج لعمق الموضوع, وهو مناقشة ما يحدث في الخلاوى القرآنية من تجاوزت ترتقي لمستوى أن نصفها بالجرائم ضد الإنسانية .والحديث عن تلك التجاوزات لا يحتاج لعناء,لأن زيارة خاطفة لأي خلوة قرآنية ستكفى لتلخص حجم الفاجعة الإنسانية التي يدور في فلكها أولئك الطلاب,حيث سرعان ما تصاب بغثيان عندما ترى بعض الأطفال وهم مصفدي الأرجل بالجنازير وعلى أجسادهم قد طبعت علامات الجلد والضرب بالسياط في مشهد لا تملك ذاكرت إلا أن تستدعى معه مشاهد معتقلى غوانتنامو.ولو سألت عن ماهية الأسباب التي دعت لتصفيد هؤلاء الأطفال بالجنازير وضربهم بالسياط , حتما سيدهشك الجواب والذي خلاصته ومفاده إنها وسيلة عقاب لمن يهرب من هؤلاء الأطفال أو وسيلة معاقبة للذين لم يتمكنوا من حفظ القرآن الكريم .فهل إستوعبتم حجم الكارثة الإنسانية...؟
وهذه الوسائل العقابية(التصفيد بالجنازير/الجلد بالسياط)غير أنها وسيلة لا إنسانية,ووسيلة ليست تربوية,هى أيضا تنم عن إفلاس تربوى يعانى منه القائمين على أمر تلك الخلاوى,ولها أثار نفسية في غاية الخطورة حيث قد تسبب شروخ نفسيه وتشوهات فى شخصية الطالب موضع العقاب والدارسين من حوله, وقد تسهم في رفد المجتمع بإنسان يعانى من التشوه الإجتماعى.وهى باختصار تفوق ميكنزمات القرون الوسطى في التربية والتنشئة والتي تجاوزتها كل الدول من حولنا.وغير ذلك أن هذه التجاوزات أول ما تحرج, تحرج الحكومة السودانية ذاتها لأنها بداءً تصادم المواثيق الدولية التي وقعت عليها الحكومة وتحديدا تخالف نص المادة الخامسة من الميثاق العالمي لحقوق الإنسان والتي تقول(لايجوز إخضاع أحد للتعذيب ولا المعاملة ولا العقوبة القاسية أو اللإنسانية أو الحاطة بالكرامة).وتخالف نص المادة السابعة من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والذي ينص على(لا يجوز إخضاع أحد للتعذيب ولا المعاملة القاسية أو اللأنسانية أو الحاضة بالكرامة.....)وتخالف أيضا بعض من بنود الميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان والشعوب والتي تنص على عدم انتهاك حرمة الإنسان واحترام حياته وسلامة شخصه البدنية والمعنوية ولايجوز حرمانه من هذا الحق.وعليه تبقى الحكومة السودانية مسئولة قانونيا وأخلاقيا لسكوتها عن هذه التجاوزات,وذلك لأنها ملزمة بعدد من المواثيق الدولية والإقليمية والتى من ضمنها إتفاقية حقوق الطفل(1989).والتى تلزم السودان بتقنيين قوانينه بما يتواءم مع هذه الإتفاقيات.ولكن الشاهد أن الرهان على الحكومة السودانية فى التحرك لإيقاف هذه التجاوزات رهان خاسر ليس إلا, لان حساسيتها حيال تلك التجاوزات ضعيفة للغاية وتكاد تكون معدومة.
ولو أننا تجاوزنا الجدل القانوني و مصادمة تلك التجاوزات للمواثيق الدولية والدستور السوداني نفسه,قلنا لو تجاوزنا كل ذلك وحاولنا مقاربة تلك التجاوزات دينيا.نجدها تصادم القرآن الكريم نفسه والذي نادي باحترام الإنسان وصون كرامته.وهى إذا بعيدة كل البعد عن مقاصد الدين الإسلامي وجوهره.
ولنضع كل ذلك جانبا إلى حين,ونلج لتوصيف الجغرافيا التى يقيم ويسكن فيها طلاب تلك الخلاوي القرانية.وعن هذه النقطة بالذات حدث ولا حرج,لأنها بإختصار وبدون مواربة عبارة عن مبانى تكاد تكون خرابات لا تصلح بأي خال من الأحوال للسكن والإقامة, والمحظوظ جدا من أولئك الطلاب من يحصل على عنقريب(سرير) شبه متهالك للنوم عليه,وغرفة نوم إن وجدت هى متهالكة لا محال وتعجز عن مقاومة تقلبات الطقس وتحولاته.وحتى لايتهمنى البعض بأننى محض حالم يريد إسكان هؤلاء الطلاب فى فنادق خمسة نجوم,أقول اليس من الأخلاقى توفير ولو الحد الأدنى من مقومات السكن التى تصلح للأدميين.
والحديث عن المأكل والمشرب في هذه الخلاوي حكاية من الحكايات الكبرى وسردية تستحق الوقوف عندها.لان مجموع ما يتناوله هؤلاء الطلاب من وجبات وفى أحسن الأحوال وجبتان فقط لا أكثر.والحديث عن القيمة الغذائية التي يتحصل عليها أولئك الناشئة من تلك الوجبات, سؤال على درجة عالية من الترف ولا يستحق حتى المجادلة والمناقشة مع العلم أن السواد الأعظم من طلاب تلك الخلاوى فى أولى عتبات العمر وفى أطوار النماء التي تتطلب بالضرورة أن يكون الطعام الذى يقدم لهم ذو قيمة غذائية تساعدهم على النمو والصحة البدنية.ولكن المؤسف حقا أن ما يتناوله هؤلاء الطلاب الناشئة من طعام تقل قيمته الغذائية عن ما يقدم لمن هم في السجون.لان المسجونين يتناولونالبقوليات(فول/عدس/فاصوليا)وطلاب الخلاوى القرآنية لا يأكلون وباستمرار إلا أسوء أنواع العصيدة(الكوجة)فأي جرم يرتكب في حق هؤلاء الطلاب وهذه الأجيال .....الخ"
بداية تُعَدُّ الخلوة مدرسة المجتمع كله، ذلك لعدم تقيدها بعمر أو عدد معين من الطلاب، كما تخلو الخلوة من الالتزامات المصرفية مما يسهِّل للطلاب الفقراء الإلتحاق بها، خلافاً لبعض المدارسة الحديثة التي يتطلب الالتحاق بها توفير مصاريف دراسية . إنَّ الخلوة في الماضي و الحاضر تقوم ببناء المجتمع الطاهر المعافى من الرذائل، المتمسك بكتاب الله تعالى قولاً وعملاً، الشيخ الحافظ للقرآن الكريم هو رجل صاحب رسالة دينية مهمة في حياة الناس ، كما يشارك المجتمع في كل حوادثه فرحاً وكرهاً، يؤم الناس في الصلاة وخاصة صلاة التراويح في شهر رمضان ، ويغسل الجنائز، ويصلي بها، ويفتي في أمور الشرع كلها، عالم بفقه المواريث، كما يصلح ذات البيْن، ويقوم بعقد قران الزواج، ..الخ .
وقد ذكر الخليفة الشيخ الطيب الجد العباسي في لقاء تلفزيوني أنه في فترة الاستعمار لم تعرض على القاضي المقيم في منطقتهم أي قضية لفترة طويلة لان جميع نزاعات أهل المنطقة كانت تحل بواسطة الشيخ.
ذكر كتاب المقال بصفة عام أن زيارة خاطفة لأية خلوة قرآنية أي جميع خلاوي القرآن في السودان دون استثناء أن بعض طلبها مصفدي الأرجل بالجنازير وعلى أجسادهم قد طبعت علامات الجلد والضرب ، وهذا القول غير صحيح فطالب القرآن لا يصفد و لا يضرب ،وعند استخدام الجلد بالسوط في بعض الأحيان فهو جلد غير مبرح من أجل الحث على حفظ القرآن بقصد التهذيب والإصلاح وليس بقصد التعذيب إهانة الكرامة وهو القصد الجنائي المطلوب للجريمة، كان عمر بن عبد العزيز - رحمه الله تعالى- يكتب إلى الأمصار: لا يقرن المعلم فوق ثلاث، فإنها مخافة للغلام وإن كنت شخصياً أفضل أسلوب الترغييب ، وكان لي الشرف بأن زرت خلاوي الشيخ الياقوت في جنوب الخرطوم عدّة مرات، لا يوجد بها هذا الادعاء الكاذب ، كما زرت خلاوي الشيخ الصائم بأمبدة – أم درمان أيضا لم أرى طالب قرآن مصفد الأرجل ، بل الجميع يتلون القرآن ومنتظمين في دراسته، وهنا أطالب كتاب المقال أن يحدد خلاوي بعينها حتى تتم زيارة ميدانية لها للتأكد من إدعائه .
وتشبيه طلاب الخلاوي بمعتقلى غوانتنامو فيه ظلم وبهتان عظيم بالنسبة لطلاب الخلاوى والقائمين بأمرها ، فالمقارنة منتفية تماماً فطالب القرآن يسمح له بزيارة أهل ويأتتي للخلوة برغبة أهله ورغبته ، كما أن فترة الخلوة فترة زمنية بسيطة لا تتجاوز العام أو العام والنصف حسب قدرة الطالب على الحفظ.
ويصف كتاب المقال سكن طلاب الخلاوي القرانية وبدون مواربة عبارة عن مباني تكاد تكون خرابات لا تصلح بأي خال من الأحوال للسكن والإقامة، وهذا أيضا غير صحيح فالخلاوي التي قمت بزيارتها لا يمكن أن توصف بأنها خرابات بل هي من البنيان الحديث وبها خدمات المياه والكهرباء ، بل تطورت الخلوة في الوقت الحاضر وأصبحت جزء من مجمع متكامل به مكتبة حديثة وجامع وعيادة طبية مثلاً مجمع الشيخ عبد الرحيم البرعي بالخرطوم ، ومجمع الشيخ الياقوت تحت التشييد.
بشأن نوعية الطعام الذي يوزع وهو يعتمد اعتماداً كبيراً على مساهمة المجتمع وجهد الخيرين ، وهو خلاف لما ذكر وهو يتميز بقيمة غذائية عالية جداً لان أحد مكواته ذرة الفتريتة.
ختاماً نقول إن الحال الراهن للخلوة يحتاج إلى رعاية خاصة حتى تواصل العطاء الممتد إلى قرون خلت حيث إن داخليات سكن الطلاب وموقع الدرس والحفظ ومكان ووسيلة طهي الطعام وكسوة الطلاب وحاجاتهم الصحية كلها تحتاج إلى ترقيته لتقوم بدورها بكفاءة عالية وفعالية وتطوير واستدامة وتنمية وتأهيل الدارسين وإتاحة فرص لتحقيق طموحاتهم للالتحاق بفرص التعليم بكافة المسارات الأكاديمية وإدخال الطلاب وشيوخهم في التأمين الصحي وابتكار مشاريع وقفية لدعم مسيرة تطوير الخلاوي، واقترح تشكيل لجنة قومية للقيام بمشروع " نداء تطوير خلاوي القرآن بالسودان". كما نطالب جميع الخيريين تقديم الدعم لخلاوي القرآن وتطويرها.
ترحب سودانيزاونلاين بجميع الاراء الحرة و المقالات ,الاخبار و البيانات لنشرها فى هذه الصفحة.ويمكنك لزوارنا الكرام ارسالها الى [email protected] كما نرجو ذكر الاسم الحقيقى و الكامل و مكان الاقامة مدة بقاء المقال فى هذه الصفحة 10 اعوام
أعلى الصفحة