ان الصراع منخفض الحدة بين الحكومة وجبهة الشرق يُنذر بالتحول الى حرب ضروس أخرى لها تبعات انسانية مدمرة، اذا أكملت الحركة الشعبية لتحرير السودان انسحابها من شرق السودان هذا الشهر. التنافس لملئ الفراغ الأمني قد يؤدي الى اندلاع اضطرابات مدنية وأعمال عنف وما هو أسوأ من ذلك. ولكن هنالك أيضاً فرصة للسلام، والحركة الشعبية بوضع يتيح لها أن تُدَّعِّم التسوية باعتبارها شريكا في الحكم ووجود قواتها في الشرق. كما هو الحال في دارفور والجنوب، يعاني الشرق من التهميش وغياب التنمية، تلك المطالب المشروعة لنيل مزيد من المشاركة في السُلطة والثروة في اطار فيدرالي يجب التعاطي معها في اطار اتفاقية السلام الشاملة الموقعة بين الحكومة والحركة الشعبية في عام 2005م. ولكن يتعين على الحركة الشعبية الضغط من أجل وقف مؤقت لاطلاق النار، واستخدام نفوذها في الخرطوم من أجل مفاوضات جادة برعاية وتسهيل شركاء دوليين بقيادة الأمم المتحدة.

لم تأتي اتفاقية السلام الشاملة بفوائد السلام لشرق السودان ولا لدارفور في الغرب، حيث تعاطت الاتفاقية مع التهميش السياسي والاقتصادي للجنوب ولكنها تجاهلت الاختلالات الهيكلية الماثلة في مناطق أخرى من الدولة. والآن يتحمل المؤتمر الوطني الحاكم والمجتمع الدولي تبعات اقصاء المشاركين الاخرين من المفاوضات المطولة التي عُقدت في نيفاشا بكينيا. بعد مئات الآلاف من الأرواح التي أُزهقت والملايين الذين شُرِّدوا في دارفور، يحاول المجتمع الدولي تحقيق سلام من خلال مفاوضات أبوجا برعاية الاتحاد الافريقي. وفي نفس الوقت، ريما يكون المجتمع الدولي بصدد تكرار أخطاءه بالتجاهل الكبير لمنطقة توتر أخرى.

بموجب اتفاقية السلام الشاملة، تلتزم الحركة الشعبية بالانسحاب من شرق السودان بحلول التاسع من يناير 2006م، ومصادفةً يُلاحظ انها تتخلف عن الجدول بعدة أشهر، وسوف تسعى جبهة الشرق، شريك الحركة السابق، الى السيطرة على المنطقة، بينما من غير المرجح أن يسمح لهم المؤتمر الوطني الحاكم بممارسة سيطرة كاملة. أن محاولات الحكومة لاستعادة المنطقة الحدودية المحاذية لارتريا هو الاخطر نظراً لأن ارتريا واثيوبيا على حافة تجدد المعارك. وحيث أن أسمرا تريد على الأقل حياد السودان، قد ترغب في مساومة مساندتها لجبهة الشرق. واذا اندلع القتال مرة أخرى بين الجارتين الكبيرتين، سيواجه شرق السودان، بوضعه الانساني الأسوأ من دارفور في بعض النواحي، تدفق سيل مدمر من اللاجئين.

هنالك حاجة فورية لمفاوضات موثوق بها للتعامل مع الصراع المتأجج في شرق السودان ولكن يتم تأخير ذلك لأن حكومة الوحدة الوطنية، بما فيها الحركة الشعبية، والمجتمع الدولي يركزون بشكل شبه حصري على دارفور. أن المطلب العاجل هو الحد من التعاطي الجزئي مع صنع السلام. يجب أن يتم تضمين الشرق في عملية قومية تبني على اتفاقية السلام الشاملة وتحتوي على دارفور. قد لا يكون المنبر الواحد عملياً لحل حروب السودان الأهلية ولكن من المطلوب ايجاد اطار عام ليمنح الاستمرارية والتجانس لمختلف المفاوضات اليائسة القائمة طيلة السنوات الأربع الماضية.

توفر اتفاقية السلام الشاملة الاطار النظري والعملي لحل حروب السودان الاقليمية في الشرق وكذلك في دارفور. وذلك بناءاً على حقيقة أن التهميش الطويل للجنوب بواسطة المركز (الخرطوم) وتدني الننمية قد أديا الى حرب أهلية استمرت 21 عاماً. ولحل تلك المسببات، اتفق المؤتمر الوطني والحركة الشعبية لاقتسام السلطة بما يتناسب مع تعداد سكان الجنوب، كما اتفقا على قسمة مقدرة للثروة بين الحكومة المركزية وحكومة الجنوب. وحيث أن الخرطوم وجبهة الشرق على السواء، يقولان بانهما يقران بأن نفس تلك الأسباب قد ساهمت في النزاع بشرق السودان (وايضاً دارفور وغيرها من مناطق الشمال)، فانه يجب تطبيق نفس عناصر الحل.

واذا كان لذلك أن يحدث، فانه يتعين على الحركة الشعبية استخدام ميزة مشاركتها في حكومة الوحدة الوطنية وأن تلعب دوراً كبيراً. وعلى الرغم من أن ذلك يعني تحويل بعضاً من وقتها وجهدها من مشغولياتها المتعلقة بالجنوب، فان مسئولياتها بالخرطوم تجعلها مؤهلة بشكل خاص لدفع السياسات. لقد حاربت الحركة جنباً الى جنب مع أهل الشرق وتدرك تشابه أوضاعهم والجنوب. بالاضافة الى الواجب الذي يقع على عاتق الحركة للتأكد من ان انسحابها من الشرق لا يترك فراغاً أمنيا، قد يؤدي الى التصعيد. يجب على الحركة الاصرار على تمثيل قوي وعالي المستوى بوفد الحكومة وأن تضغط بعد ذلك في اتجاه بداية مبكرة لمفاوضات موثوقة مع جبهة الشرق.

لمنع الحرب في الشرق، يجب على المجتمع الدولي العمل مع الأطراف ذات العلاقة في المنطقة وخاصة ارتريا للالتزام بمفاوضات شاملة بين حكومة الوحدة الوطنية وجبهة الشرق من شأنها أن تحقق سلاماً مستداماً مبنياً على اطار اتفاقية السلام الشاملة. على الحكومات الغربية التأكيد بوضوح على رغبتهم في لعب دور رئيسي بتلك المفاوضات، بما لا يختلف مع الدور الذي لعبوه في اتفاقية السلام الشامل وما يحاولون القيام به بشأن دارفور في أبوجا.

حتى الآن فشلت كل من الأمم المتحدة والولايات المتحدة والاتحاد الأوربي والدول الأعضاء به (بما في ذلك المملكة المتحدة التي أبدت اهتماما)، في الالتزام الكافي لايجاد عملية سلمية للشرق، وقد انهارت مبادرة وساطة ليبية في أواخر ديسمبر 2005. اذا كان لدائرة العنف في السودان الا تنتشر من جديد، فان المطلوب هو جهد فوري كبير لبناء منبر لمفاوضات موثوقة من شأنها انقاذ الموقف.

التوصيات

لاستداك النزاع في شرق السودان
1- على حكومة الوحدة الوطنية أن تكون جاهزة لارسال وفد عالي المستوى بتمثيل مشترك للمؤتمر الوطني والحركة الشعبية لتحرير السودان، قبل نهاية يناير 2006 لبدء مفاوضات مدعومة دولياً مع جبهة الشرق حول حل النزاع ومشكلات شرق السودان.
2- لتوفير فرص نجاح المفاوضات، على حكومة الوحدة الوطنية وجبهة الشرق:
(‌أ) قبول وقف العدائيات بأسرع ما يمكن، لمنع نشوب مواجهات حول السيطرة على همشكوريب والمناطق الأخرى الواقعة تحت سيطرة المعارضة، كنتيجة لانسحاب الحركة الشعبية.
(‌ب) حتى يتم التوصل الى وقف دائم لاطلاق النار، الموافقة على بقاء قوة صغيرة من الحركة الشعبية في المنطقة لتمثل حاجزاً ولتمنع العدائيات حول همشكوريب.
(‌ج) العمل من أجل وقف دائم وشامل لاطلاق النار كجزء من الترتيبات الأمنية التي تتم مناقشتها ضمن المفاوضات.

لخلق عملية تفاوض موثوق بها
3- يجب تكوين منبر تفاوضي لشرق السودان، يحتوي على:
(‌أ) ممثل خاص، يعينه الأمين العام للأمم المتحدة وترتضيه الأطراف، بحيث يكون الوسيط الرئيسي وينسق مع بعثة الأمم المتحدة في السودان.
(‌ب) سكرتارية، توفرها الامم المتحدة أو أي منظمة قادرة، لمنح القدرة الفنية للوساطة.
(‌ج) مراقبون دوليون من الولايات المتحدة، المملكة المتحدة، كندا، ايطاليا، النرويج والاتحاد الاوروبي، ومراقبون من المنطقة من كل من ارتريا، ليبيا والاتحاد الافريقي.
4- يجب القبول باتفاقية السلام الشاملة كاطار للمفاوضات، وخاصة معادلتها الخاصة بقسمة السلطة والثروة بين المركز والاقليم.
5- يجب على المؤتمر الوطني والحركة الشعبية لتحرير السودان، باعتبارهما الشريكين الرئيسين في حكومة الوحدة الوطنية، أن يطورا توافقاً للتعاطي مع الصراع في شرق السودان، بما في ذلك القبول بمشاركة ممثلين عن مؤتمر البجا والأسود الحرة من الخرطوم ومناطق سيطرة الحكومة، ضمن وفد جبهة الشرق.
6- ضرورة وجود خطة عمل للمفاوضات، تحتوي على توافق حول:
(أ‌) افتتاح المفاوضات وتحقيق وقف للعدائيات في يناير 2006، أو على الأقل قبل اكتمال انسحاب الحركة
(ب‌) الاجندة الجوهرية للمفاوضات ستغطي اقتسام السلطة، اقتسام الثروة والأمن، بما في ذلك السيطرة على همشكوريب والمناطق الأخرى الواقعة تحت سيطرة المعارضة.
7- يجب حضور المراقبين الدوليين للمفاوضات لتسهيل محادثات السلام وتقديم الضمانات المؤكدة لتنفيذها.
8- مشاركة الأطراف السودانية الأخرى ذات العلاقة كمراقبين، مثل القيادات القبلية والدينية، ممثلي المجتمع المدني كالنساء وغيرهم من ذوي العلاقة من الشرق.
9- ايلاء الاهتمام لتأسيس وحدة مشتركة مدمجة في الشرق والتي ستحتوي، كتلك المنصوص عليها باتفاقية السلام الشاملة، على قوات حكومية (القوات المسلحة السودانية) والجناح العسكري للحركة الشعبية لتحرير السودان (الجيش الشعبي لتحرير السودان) وأيضا جبهة الشرق، بحيث يتم تكوينها عقب اكمال اتفاقية سلام بين حكومة الوحدة الوطنية وجبهة الشرق.
10- يجب التعاطي مع مواضيع التنمية في شرق السودان من خلال تحديد احتياجات ما بعد الصراع، بمشاركة المانحين المهتمين، خاصةً أولائك الذين سيشتركوا في عملية التفاوض كمراقبين.

للتعامل مع الأزمة الانسانية بالشرق
11- ضرورة لفت انتباه المانحين وتوجيه الموارد عاجلاً، نحو تعديل وضعٍ به معدلات الوفاة ومستويات سوء التغذية أعلى بكثير حتى من دارفور.