في يوم الجمعة الموافق 19/8/2005م

مت صامداً ... وأترك عيون الخرطوم تبكي فوق قبرك ألف عام ...
فلديك شعب لن يضل ولن ينام
كل الذي نبغيه من أوطاننا أن نستريح على ثراها ..
حين يأويينا الكفن ... مت صامداً.

الإخوة والأخوات الكرام الحضور جميعاً
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ،،،
ما كنت أتصور أنني سأقوم يوماً ما بتأبين الراحل الدكتور جون قرنق، فقد كنت أعتقد أنه أقوى من الموت "أستغفر الله" فالحديث عن الراحل جون قرنق هو الحديث عن العزيمة والإصرار والتحدي والصبر... تمرد عندما كان التمرد واجباً ومطلباً جماهيرياً في الجنوب والشمال معاً وكان ذلك في عام 1983 وعندما كانت تحكم البلاد بلا دستور وبلا قانون وبلا تفويض جماهيري ... إنها سلطة مايو. ومنذ ذلك التاريخ ظل جون قرنق من أهم الشخصيات السودانية في الحرب والسلام مؤسساً وقائداً للحركة الشعبية لتحرير السودان وعندما قامت الانتفاضة في عام 1985 بدأ جون قرنق يصغي ومن معه لصوت العقل وطبول السلام والدعوة للوحدة الطوعية فكانت كوكادام وامبو و بعد ذلك كانت مبادرة السلام السودانية بين الحركة الشعبية بقيادة جون قرنق والحزب الاتحادي الديمقراطي بقيادة السيد محمد عثمان الميرغني في 16 نوفمبر 1988 والمعروفة باتفاقية الميرغني/ قرنق ومنذ ذلك التاريخ جرت مشاورات ومباحثات من أجل السلام وحقن الدماء وكان الراحل جون قرنق الطرف المهم والأهم في كل ذلك حتى كانت نيفاشا من بعدها نيروبي وعندما تعرقلت المفاوضات بين المفاوضين دخل بنفسه في المفاوضات مباشرة وكرس لها وقته وجهده وعمل على إنجاحها بما يملك من شخصية قوية وبعد نظر وجدية على وحدة السودان حتى كان ثمرة ذلك اتفاق السلام الموقع في التاسع من يناير 2005م بين الحركة الشعبية وحكومة الإنقاذ وكان هنالك طرف ثالث أي التجمع الوطني الديمقراطي والذي تعثرت مفاوضاته هنا وهناك بعد اتفاق جدة الإطاري في ديسمبر 2003 وكانت القاهرة فيما بعد وتعثرت وجاء جون قرنق لينضم إليها في القاهرة حتى كللت بالنجاح في 18/6/2005م لقد كان لجهده أثره البالغ في كل ذلك ... لقد كنا بحق الحقيقة نؤمل كثيراً في قيادة جون قرنق في المرحلة القادمة وبعد أن تولى منصب النائب الأول لرئيس الجمهورية ولكن إرادة الله كانت هي الأقوى لقد ظهرت في الأسابيع الثلاث التي أمضاها في السلطة قبل رحيله كنائب أول ملامح تصوره لمستقبل السلام وحرصه على العمل مع كل الفصائل السياسية الأخرى والعمل على تثبيت أركان الديمقراطية وهي مطلب جماهيري أساسي في حياة شعبنا ... لقد كنا نثق فيه وعبره كنا نثق في الحركة الشعبية لتحرير السودان قيادة وقاعدة، فقد كان يمثل السلام والاستقرار والوحدة في السودان والحديث أيها الإخوة والأخوات الكرام عن جون قرنق طويل فقد كان رمزاً من رموز أهل السودان ومناضلاً من اجل الحق وبفقده نفقد رجل من أعظم الرجال وأشجع الرجال ... ولكننا هنا نحن أهل السودان نتحدى الموت ونتحدى الصعاب والكوارث فقد أدى جون قرنق دوره التاريخي والوطني في إرساء قواعد السلام والحق ونبذ الحرب والاقتتال بين أبناء الوطن الواحد وعمل على وحدة طوعية بين أبناء السودان ... إذن فلابد من استمرار التعاون الوثيق بين التجمع الوطني الديمقراطي وعبر كافة أحزابه ومنظماته من اجل الوصول إلى الأهداف المنشودة والتي من اجلها ناضل جون قرنق مع رفاقه والعمل على مواصلة بناء جسور الثقة بين أهل الشمال والجنوب من خلال الاتفاقات المبرمة بين أهل السودان للوصول إلى وحدة طوعية كما نريد لا غالب فيها ولا مغلوب ... إننا ندرك تماماً ونعي التطورات السياسية التي تحدث الآن سواء في السودان أو في منطقتنا الإفريقية وخاصة دول الجوار بعد رحيل جون قرنق إذ أنه كان صمام أمان لكثير من القضايا المطروحة على الساحة في بلادنا وفي المنطقة لكن بصمودنا هنا وهناك شمالاً وجنوباً وبتعاوننا مع دول الجوار وبناء علاقة طيبة نستطيع أن نعبر الجسر ودعوني أخص تحديداً مصر وإرتريا. ومن هنا نستطيع كذلك أن نحقق أهدافنا في الاستقرار والسلام والوحدة.
أيها الإخوة والأخوات لابد لنا هنا ونحن نتحدث من موقع المسئولية أن ندين أحداث الشغب التي حدثت بالخرطوم و جوبا وبور سودان وبعض مدن السودان الأخرى بعد رحيل جون قرنق المفاجئ .. أنها لا تمثل بأي حال من الأحوال خلق أهل السودان جنوبيين كانوا أم شماليين ... هي أحداث شغب عابرة لا هدف لها إلا التخريب وبذر بذور الفرقة .. كما أنها لا تمثل أي تيار سياسي في البلاد .. إنهم جميعاً مجموعة من الغوغاء، نحن ندين هذا باسم أهل السودان جميعاً ولن تثنينا هذه الأعمال الصبيانية عن رسالتنا الوطنية وأهدافنا العليا من اجل خير ومستقبل بلادنا وهي باختصار سلام وديمقراطية وتعمير ووحدة ... لقد أثبتت الأيام التي تلت رحيل القائد جون قرنق تماسك الحركة الشعبية ووعيها الكامل وإدراكها لمسئوليتها التاريخية فقد اجتمعت في خلال ساعات من رحيله وانتخبت الأخ الفريق سلفاكير رئيساً للحركة ونائباً أول لرئيس الجمهورية ومن تصريحاته ولقاءاته هنا وهناك أثبت أنه يسير هو والحركة في ذات الدرب ... درب السلام والوحدة والعمل الجماعي من اجل السودان ومستقبله. وازدادت من هنا وهناك ثقتنا بالحركة الشعبية وقيادتها الجديدة والمتمثلة في سلفاكير وسنظل نحن في أحزابنا وتجمعاتنا الشمالية بصفة خاصة وعلى رأسها التجمع الوطني الديمقراطي نضع أيدينا في أيدي الجنوب من أجل مستقبل السلام ولابد لنا ككتاب وفنانين وأدباء وسياسيين أن نعمل على نشر ثقافة السلام والوحدة ونحن نعيش مع العالم في عصر التكتلات والاندماجات والوحدة بين شعوب كثيرة ونحن أولى بهذا في بلادنا لنعيش الاستقرار والنماء و لنغني معاً ياي بلدنا كلنا إخوان.
أيها الإخوة والأخوات لقد كان جون قرنق رجلاً عظيماً شامخ كجبال الأماتونج والبركل ومن مناضلِ إفريقيا .. فهو باتريس لوممبا وكوامي نكروما والسيد عبد الرحمن المهدي وجومو كنياتا ونلسون مانديلا والسيد علي الميرغني وجمال عبد الناصر وإسماعيل الأزهري والشريف حسين.
دعونا نسأل له الرحمة وأن نعزي شعبنا في الشمال وفي الجنوب في بلادنا وفي بلاد المهجر وأن نشكر كل من واسانا في فقده الأليم ... وتحية لاتحاد روابط جينق التي تقيم هذا التأبين وتخفف علينا هذا الفقد الكبير هنا في القاهرة ... وتحية للصحافة والإعلام المصري الذي أولى رحيل قرنق قدراً كبيراً من الاهتمام .. فقد كان جون قرنق واحد من عظماء السودان الذين رحلوا ...
والسلام عليكم ورحمة الله ،،،

ميرغني حسن مساعد
مدير المركز العام للحزب الاتحادي الديمقراطي / السودان
عضو منظمة الكتاب الافريقيين والاسيويين بالقاهرة